يُعتبر "الطابون" من المظاهر التراثية التي ما زالَ البعضُ يحافظ عليها، خاصةً من الجيل القديم، حيث طعمُ الخبز الشهي يكون بمذاقٍ مختلف، والمشهد الدافئ عندما كان يجتمع أهالي البلدة ليتبادلوا الحكايا، ويتذوقوا بواسطته المأكولات العربية لتنفتح شهيتهم بينما أبخرة الماضي التليد تتصاعد وتخترق المعدة بينما هم يتمتمون: "اممممم...ما أطيبَ نكهتها".
إلى الشمال من مدينة رام الله، وبعيداً عن أجواء المدينة الصاخبة، توجّهت صحيفة "فلسطين" إلى عجائزٍ تحدثن عن الطابون بكل ما لديهم من فخرٍ بمحافظتهن على هذا "التذكار"، وهذا شيءٌ ليس بغريب على من لا يفرطّ برائحة البلاد خاصةً من كبار السن، معتبرين أنه على الرغم من بدائيته فإن نتاجه ألذّ بكثير مما تصنعه المخابز والأفران الحديثة.
"المقادير" والطريقة
الحاجة أم شريف (85 عاماً) شرحت لنا خطوات صناعة فرن الطابون بلهجةٍ استدعت أن نطلب منها توضيح مفرداتها الصعبة، فقالت:" نقوم أولاً بعملِ غرفةٍ صغيرة نبنيها من الحجارة أو الطوب، داخل هذه الغرفة نقوم بحفر دائرة متوسطة الحجم من ثم نقوم بجمع التراب الأبيض وخلطه بالماء، ونقوم بعدها بجبلِه وفرده على الأرض، من ثم نقوم بوضع التراب على زيق الطابون (ضريح وجوانب الطابون)، حيث يتم رفعه بمقدار متر ونصف المتر على جوانب الضريح، وبعدها نقوم برش الملح ووضع "الزبل البلدي" (أي روث الأغنام) على الحفرة الخاصة التي يتم وضع الخبز والطعام بها، والتي تتوسط الطابون البلدي من ثم نضع الجمر مدة ثلاثة أيام بلياليها كي تزيد درجة حرارة الطابون، وبعدها نقوم بوضع الغطاء الخاص بفتحة الطابون ويتم فرش الغطاء "بالزبل البلدي"، والجمر مدة ثلاثة أيام أيضاً، مع العلم أن الغطاء الخاص بالفتحة مصنوع من الحديد ".
وتابعت حديثها الذي كان يحتاج إلى الكثير من التركيز في الخطوات :"عند عملية الخبز نرفع الزبل والجمر عن فتحة الطابون باستخدام "المقحار "وهو العصا التي تبعد الجمر عن باب الطابون"، ونقوم "بفوج "الرظف" أي تحريك الحجارة التي توجد في أرض الطابون، ونضع الخبز عليه ونرجع الغطاء عليه مدة ثلاث دقائق من غير قلب الرغيف".
خراف طوابين
اتجهنا بعدها إلى إحدى النساء الكبيرات في السن لمعرفة المزيد من المعلومات عن الطوابين، وهي الحاجة زهدية التي قالت بابتسامةٍ هرمة:" كنا نجتمع عند الطابون مع أكثر من خمس عشرة امرأة نقوم بالخبز والطبخ والكلام وتبادل الحكايات الشهيرة التي خرجت من طوابين فلسطين". الحاجة زهدية أصرّت أن تحكي لنا إحدى حكايات الطابون التي أطلقت عليها اسم "خراف طوابين"، وسبب التسمية أنه كانت تجتمع كل الفئات "الرجل والمرأة والحكيم والجاهل وكانوا يقولون قصصاً طريفة".
وأضافت لـ "فلسطين":"ليست فقط النساء من كن يجتمعن في الطوابين، بل الرجال أيضاً ينتظرون الخبز المحّمر لأكله مع زيت الزيتون، فهو ليس مكاناً للأكل فحسب، بل هو ملتقى لكل أهالي البلدة"، مؤكدةً أن من بين جنبات الطابون خرجت أعظم الأعمال الوطنية والدفاع عن فلسطين، فقد كانت مخابئ للفدائيين الفلسطينيين وقد كانت مسارح لتلّقي العلم والشجاعة".
وأعربت الحاجة زهدية عن حزنها إزاء اندثار هذه الظاهرة في الكثير من القرى الفلسطينية ، مشددةً أنه يجب الحفاظ على هذا المظهر الأثري في فلسطين لأنه جزء من عاداتنا وتقاليدنا"." واختتمت حديثها الشيق بقولها:"أتمنى أن يعود مرةً أخرى ذلك الزمن الجميل ليتواصل الناس مجدداً في الطوابين، فمن وجهة نظري أن التطور لم يساعدنا على الراحة بل حرمنا من أكثر ما يجلب لنا المتعة والقوة في حياتنا الاجتماعية" .
أثريٌ بامتياز
من جانبه قال شفيق شبانة، الخبير في الآثار: "في منطقة شمال رام الله يوجد الكثير من الآثار التي ما زالت تميز المجتمع الفلسطيني عن غيره، وعلى رأسها الطابون البلدي الذي لا يزال حتى الآن قائماً، وهو من أنواع التراث التي انقرض منذ سنين طويلة في فلسطين رغم محاولة التقليد في بعض المخابز الفلسطينية، ولكن الأخير مبدأ عمله يختلف كلياً".
وأشار شبانة إلى أن أهمية الطابون تكمن في أمرٍ قد يغفل عنه البعض، وهو أنه يتم استخراج الكثير من القطع الأثرية المتعلقة بتراث فلسطين من جوف الكثير من الطوابين، كما أنه من العلامات الفارقة التي تميز المجتمع الفلسطيني عن غيره، وإذا ما لوحظت الطريقة التي كان يتم بها خبز المخبز وعمل الطعام فسنجد أنها تتسم بدقةٍ عالية".
كان لا بد في المقابل أن نتعرف على سبب عزوف ربات البيوت الشابات عن استخدام هذه الوسيلة القديمة، حيث أم رامي قالت: "بصراحة أنا لا أتصور نفسي أقف أمام الطابون لعدة أسباب، أولاً لأني لا أحب أن تتسخ يداي، كما أنه يستغرق وقتاً طويلاً، وبصراحة نحن نعاني من ضيق الوقت وليس لدي متسع أن أقضي ساعاتٍ في الانتظار، كما أني أخشى على احتراق أطفالي الذين لا أضمن شقاوتهم".
بينما سناء أبو عصر فهي تفضل أن تستخدمه ولكن في أوقات الفراغ، وعندما يكون مزاجها "رائقاً" حسب تعبيرها، مؤكدةً أنها تميل إلى استخدام الطابون يوم الجمعة تحديداً، نظراً لأنه يوم العطلة الأسبوعية الذي تجتمع فيه العائلة، حيث ينضج الطعام على مهل بنكهته الأصلية".
جدير بالذكر أن المختصين أعادوا صياغة تعريف الطابون على أنه قالب ترابي مفتوح السقف يستخدم لصناعة الخبز بالدرجة الأولى، وهو يتكون من التربة الجيرية بعد خلطها بمادة التبن و الماء وتعريضه لأشعة الشمس حتى يجف، ثم يطمر بعد ذلك بالرماد وروث الحيوانات الجاف (الزبل) بعد تغطية الطابون بغطاء حديدي خاص ، ويوضع داخله حجارة مكوّرة ملساء يطلق عليها اسم الرضف، ويوقد عليه النار حتى يصبح بدرجة حرارة كافية لإنضاج العجين ، ينبغي المحافظة على درجة الحراة هذه باستمرار من خلال إضافة (الزبل) يوميا على الطابون، كما استخدم الفلاحون الطوابين أيضاً للتدفئة عبر طمر الحطب الجاف في "الزبل" لنصف يوم حتى يتحول إلى فحم ملتهب ، ثم يخرجونه من رماد الزبل ويوضع في الكانون.
من تراثنا العربي الفلسطيني الذي كاد أن ينقرض كلياً من قرانا الفلسطينية في زمن لا يعرف أغلب الناس ما هو الطابون
تطلق كلمة ' الطابون' على الغرفة التي تحتوي على الموقد، وهي غرفة صغيرة بحجم ' خم الجاج ' ، سقفها منخفض ومدخلها صغير للمحافظة على الحرارة في الداخل، وكذلك تطلق الكلمة على الموقد نفسه، والذي يدعى أيضا ' بيت الخبز ' أو ' بيت العيش
الطابون مدفون في الأرض، وهو مصنوع من الطين الأصفر المخلوط بالقش، قطره 80-100 سم وعمقه حوالي 40 سم، والفتحة في الوسط بقطر 40-50 سم . وغطاء الفتحة من الحديد ويدعى ' صْـمامة الطابون
قاع الطابون مغطى بحجارة بازلتية سوداء، صغيرة ومستديرة ومنفصلة عن بعض، وتدعى ' الرضـف '. وإذا علقت هذه الحجارة برغيف الخبز أو علقت قطع صغيرة من الرغي بها، فإنها تدعى عندها ' شـباب الطابون '. والهدف من الرضف هو زيادة الحرارة والمحافظة عليها لوقت أطول بسبب توهجها البطيء
يستعمل الطابون من الداخل للخبز والطبخ (الصواني والقِدرِة ) والشي (الباذنجان) والتحميص (حبوب القهوة ) ، أما ' ساس الطابون ' وهو الجدار الخارجي المغطى بالرماد (السكن ) فيستعمل لشي البطاطا والكستناء والبلوط، ولـ ' تجمير ' الفحم لاستعماله في كانون التدفئة ولصنع القهوة ف البيت
هـنا نرى كيف يسـتعمل الطابون لصنع 'المسـخـَّن ' أو ' المحـَمـَّر ' ، وهو خبـز طابون مغطى بخليط من البصل والزيت والبهارات بالإضافة إلى الدجاج المحمـَّر .
إخراج الخبز أو الصينية من الطابون يدعى ' القلع '. تشغيل الطابون يسمى ' تدوير ' ، ويقال ' دارت الطابون ' أي شغلته للمرة الأولى، وهذا يحدث عادة في أول موس الشتاء .
تزويد الطابون يوميا بمواد الوقود يسمى ' تزبيل '. ويـُزبـَّل الطابون مرتين في اليوم، عند الفجـر، وعند الغروب والمواد المستعملة للتزبيل هي زبل الماشية أو الجفت (بقايا الزيتون بعد عصر الزيت منه) أو خليط من الاثنين، وعند الحاجة إلى استعمال الطابون مبكراَ يتم خلط الزبل أو الجفت بالقصل (عيدان القمح الجافة) الذي يشتعل بسرعة .
ياااااااااااااااارب ترجع ايام زمان ايام الطابون .... والحكايا باب الطابون