منتديات صرخة الاقصى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات صرخة الاقصى

مرحبا بكم في منتديات صرخة الآقصى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه .

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه .   الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Emptyالسبت مارس 27, 2010 8:30 am




: مقدمة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه .





الموضوع صوت إذاعي تحميل استماع
1- مقدمة عن الربا ومضاره .
- -
2- مضار الربا .
- -
3- التدابير للاحتراز من الربا .
- -
4- الحيل الشرعية .
- -
5- القرض الحسن 1 . - -
6- القرض الحسن 2 , آداب التعامل معه . - -
7- الحث والتشديد على أداء الدين . - -
8- شركة المضاربة . - -
9- مقدمة عن فلسفة المال للإمام الغزالي . - -
10- ربا النسيئة ( الديون ) , ربا الفضل ( البيوع ) . - -
11- الأموال التي يقع فيها الربا . - -
12- مواصفات البنك الإسلامي . - -
13- ربا البيوع مقدمة عن بيع التقسيط . - -
14- ربا البيوع : حكم البيعتين في بيعة . - -
15- ربا البيوع ( خاتمة ) : ما تعارف عليه الناس . - -



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة :
في أحد دروس الفجر في رمضان الأخير تحدثت عن موضوع الربا و قد طلب إليَّ إخوة كرام أن أعالج هذا الموضوع بشكل مسهب بعد عيد الفطر و ها أنا ذا أوفي بوعدي إن شاء الله ، وقبل أن نبحث في موضوع الربا ففي الحقيقة أنّ البحث الأعم والأشمل موضوع كسب المال لأن تسعة أعشار المعاصي من كسب المال ، ولأن المال مادة الشهوات ، والله عز وجل قال :

(سورة آل عمران )
فالله جل جلاله أودع في الإنسان حب المال ، هذا الحب أودعه فيه ليرقى الإنسان به إلى الله عز وجل من خلال ترك الحرام و إنفاق الحلال . فأنت ترقى مرة إذا تعففت عن مال حرام و ترقى مرة ثانية إذا كسبت مالاً حلالاً فأنفقته في عمل طيب ، إذاً ، فتسعة أعشار المعاصي من كسب المال و لأن الله سبحانه و تعالى أودع حب المال في نفوس الخلق ليرقوا بهذا الحب مرة صابرين و مرة شاكرين ، و لأن أساليب كسب المال كثيرة جداً و الكسب الحلال بين واضح و الكسب الحرام بين واضح ، لكن هناك ألوف بل عشرات الألوف من طرائق كسب المال ، وهذه يقع فيها الناس في شبهات أي يشتبه عندهم هذا الدخل مع الحلال و يشتبه عند بعض آخر مع الحرام ، لذلك وجدتُ موضوعَ كسب المال موضوعاً أساسياً أجل ؛ أساسياً و خطيراً خطيراً في حياة المسلم ، لذلك إن شاء الله تعالى في الدروس القادمة سنتحدث عن موضوع كسب المال ، لأن كل الإخوة الحاضرين ما منهم واحد إلا و يكسب المال إما من خلال وظيفة أو من عمل زراعي أو صناعي أو تجاري أو من خدمة أو من حرفة فإذا شعر أن كسبه حلال أقبل على الله ، ولأن العبد يدعو ويقول يا رب يا رب و مأكله حرام و مشربه حرام و غذي بالحرام فأنى يستجاب له .
"يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة "
وكذلك فإنّ من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله ، ربنا جل جلاله قد يتلف الإنسان إذا أكل أموال الناس بالباطل ، فلا أعتقد أن في موضوعات الفقه موضوعاً أشد خطورة و أشد مساساً بإيمان المؤمن و إسلام المسلم وسعادة الإنسان من موضوع كسب المال .
ومن خلال دروس سابقة كنت أبين لكم أن الحق دائرة يمر بها أربعة خطوط ؛ خط النقل ؛ و خط العقل ؛ و خط الفطرة ؛ و خط الواقع و إذا حرم الله الربا بالنقل فالعقل يرفضه و الواقع يرفضه و الفطرة ترفضه و إليكم هذه الأدلة :
1 ـ ما معنى كلمة ( الربا ) ؛ الربا في اللغة الزيادة ، أربى فلان على فلان أي زاد عليه ، رَبا الشيءُ أي زاد على ما كان عليه ، الربوة المكان المرتفع ، أربى فلانٌ ماله صيره زائداً كثيراً ، هذا المعنى ورد في القرآن الكريم قال تعالى :

(سورة البقرة )
يعني المال الذي تصدقت منه يربّيه الله عز وجل ، أي يزيده ويضاعفه أضعافاً كثيرة ، وقال تعالى :

(سورة البقرة )
الربوة هي الموضع المرتفع قال تعالى :

(سورة الرعد )
زبداً رابياً ؛ أي : عالياً قال تعالى :

(سورة الحج )
أي : انتفخت ، هذا في القرآن الكريم ، الربا الزيادة ، وأما في السنة المطهرة فكما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام :
" و حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلا الطَّيِّبَ إِلا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ * "
معنى تربو أي تزيد .
على كل في "لسان العرب" وهو معجم من أوسع المعاجم ، حقاً معجم من أوسع المعاجم ، وذات مرة طالب في الجامعة في قسم الآداب سئل عن لسان العرب ليتحدث عن نظام تأليفه و عن خصائصه و عن مؤلفه و عن تاريخ تأليفه لكنه لم يقرأ عنه شيئاً فما زاد على قوله : لسان العرب طويل ، فرسبه الأستاذ بهذه الكلمة .
في معجم "لسان العرب" رَبا الشيء يربو ربواً أي نما وزاد ، و في معجم الزمخشري المسمى : أساس البلاغة ربا الشيء يربو أي زاد ، وأرباه الله تعالى أي ضاعفه أضعافاً كثيرة ، المعاجم كلها تؤكد أن الربا هو الزيادة .
فما تعريف الربا الشرعي ، فبعد أن عرفناه بالمعنى اللغوي ، فما تعريفه الشرعي ؟ .
يا أيها الإخوة الأكارم :
مرة ثانية هذا الدرس مهم جداً لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : في آخر الزمان يفشو الربا حتى الذي لا يأكل الربا قد يصيبه غباره ، فإذا عرفنا بالضبط حدود هذا الدرس وتحرّينا الحلال استجاب لنا الله دعاءنا ، ونحن الآن في أشد الحاجة إلى الدعاء بل إلى أن يُستجاب دعاؤنا وقد تكالبت علينا أمم الأرض قاطبةً .
"يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ."
الربا : الزيادة على أصل المال من غير عقدِ تبايعٍ ، يعني أقرضت إنساناً مبلغاً واشترطت عليه أن يرده عليك بزيادة على أصله : هذا ربا القروض ، تعريف آخر الزيادة على أصل المال من غير بيع ، هذا التعريف يشمل ربا القروض الذي كان سائداً في الجاهلية .
وأما ربا البيوع ، فربا القروض شيء وربا البيوع شيء آخر ، ربا البيوع: الفضل الخالي عن العوض المشروط في البيع ، يعني هذا القلم بخمسين ليرة ، معنى العوض : الخمسون مقابل تملّك هذا القلم فلو أخذت منه ستين ليرة مقابل أن تؤخر له في دفع الثمن ، فهذا الربا اسمه ربا البيوع وليس ربا القروض ، فهو الفضل الخالي عن العوض المشروط في البيع ، شرط البيع أن هذا القلم بخمسين فإذا أخذت زيادة عن الخمسين من غير شرط البيع وهو العوض فهذا المبلغ الذي أخذته عند العلماء ربا ، هذا التعريف تعريف السرخسي وهو من أكبر فقهاء الأحناف .
والعلامة العيني يقول : فضل المال بلا عوض في معاوضة مال بمال ، الخمسون مال والقلم مال، فإذا أقمت عقد معاوضة بين القلم والثمن فالذي تأخذه فوق الخمسين هذا فضل وهذا ربا البيوع .
هناك تعريف يجمع بينهما ، هذا التعريف لابن العربي الربا في اللغة الزيادة والمراد به في الآية كل زيادة لم يقابلها عوض هي الربا .
أمّا الإمام الفخر الرازي فيقول : الربا قسمان ربا النسيئة وربا الفضل ، ربا النسيئة أي : الزيادة المشروطة الذي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل ، اقترضت من إنسان قرضاً فاستحق أداء القرض فلما أخر لك الأداء طالبته بزيادة على أصل المال ، هذا ربا النسيئة .
هذا الربا هو ربا الجاهلية التي كان شائعاً عند العرب قبل الإسلام ، فالربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به من نسب معينة ، والآن أي قرض من المصرف بفائدة هو يشبه ربا القروض .
يسمي العلماء ربا القروض الربا الجلي وربا البيوع الربا الخفي ، فكما أن هناك شركاً جلياً أن تعبد بوذا مثلاً ، وشركاً خفياً كأن تخاف من إنسان أو تعلق الآمال عليه ، والعلماء يرون أن هناك رباً جلياً ورباً خفياً ، الربا الجلي ربا القروض ، والربا الخفي ربا البيوع والظاهر بيع وشراء .
الإمام ابن القيم الجوزي يقول : الربا نوعان جلي وخفي ، فأما الجلي فربا النسيئة الذي كانوا يفعلونه بالجاهلية ، يعني التأخير ، وسمّى بعض العلماء ربا القروض الربا الحقيقي .
يقول الشيخ الدهلوي : وعُلم أن الربا على وجهين حقيقي ، ومحمول عليه . أما الحقيقي فهو في الديون وأما المحمول عليه فهو في البيوع .
يقول أحد علماء الأزهر : إن ذلك النوع أي : ربا القروض هو أشد أنواع الربا تحريماً ، ربا القروض وهو الجاري في التعامل بين الجماعات التي قام نظامها الاقتصادي على أساس ربوي وقد سمى بعض العلماء القروض : ربا القرآن حيث ثبت تحريمه بالقرآن الكريم ، أما ربا البيوع على حسب تعريف السرخسي وهو إمام كبير من أئمة المذهب الحنفي : هو الفضل الخالي عن العوض المشروط في البيع ، يعني هذا القلم ثمنه خمسين فإذا أخذت زيادة على الخمسين مقابل الأجل أي التأخير ، هذا ربا البيوع ، ربا القروض وربا البيوع ، ربا القروض ربا القرآن وربا البيوع ربا السنة التي نهى عنها النبي ، ربا القروض الربا الحقيقي المحمول عليه وربا القروض هو الربا الجلي ، وربا البيوع فهو الربا الخفي .
عن النبي عليه الصلاة والسلام :
" حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ قَالَ : كُنْتُ بِالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ فَجَاءَ أَبُو الأشْعَثِ قَالَ : قَالُوا : أَبُو الأَشْعَثِ ، أَبُو الأَشْعَثِ فَجَلَسَ ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، قَالَ : نَعَمْ ، غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلا أَنْ يَبِيعَهَا فِي أَعْطِيَاتِ النَّاسِ فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَقَامَ فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ : أَلا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ ثُمَّ قَالَ : لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ أَوْ قَالَ : وَإِنْ رَغِمَ مَا أُبَالِي أَنْ لا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ "
يعني هذا القلم بخمسين ، فلك عندي خمسون ، فإن دفعتها لك الآن خذ أربعين مقابل الخمسين ، أو إذا أخرت لك الدفع صارت ستين ، انتهى الموضوع القلم بخمسين ، لو دفعت ثمنه نقداً كان بخمسين ، الآن تفاوض على طريقة الدفع فإذا أخرت القبضة طالبته بالستين هذا الربا هو ربا البيوع ، ولكن هناك من يزعم أن الربا يشبه البيع قال تعالى :

(سورة البقرة )
لماذا يشبه البيع ؟ يقول لك أنت تشتري هذا القلم بأربعين وتبيعه بخمسين فقد زدت في الثمن والقرض كذلك لكن الفرق دقيق جداً ، الإنسان الذي اشترى شيئاً وباعه قدم سلعةً ، قدم خدمة ، قدم جهداً ، قدم محصولاً زراعياً فأفاد الناس ، قدم صناعة لبّت حاجاتهم ، أما الذي لم يقدم شيئاً إنما أقرض وطالب بزيادة على القرض فهذا يعني أنه جمع الأموال كلها بيده .
والحقيقة أننا الآن دخلنا في صلب الموضوع ، وأخطر ما في الحياة الاجتماعية أنك أيها الإنسان عضو في الجماعة شئت أم أبيت ، وبأيدي هذه الجماعة كتلة نقدية هذه الكتلة كلما كانت موزعة بين أيدي أفراد الجماعة كان الوضع طيباً ونافعاً ومفيداً وكان استقرارٌ وصارت هناك طمأنينة ، الجميع يأكلون والجميع يشربون والجميع يسكنون والجميع يتزوجون والجميع يفرحون ، أما إذا جمعت هذه الكتلة النقدية في أيدي قليلة وحرمت منها الأيدي الكثيرة بدأ اضطراب الحياة الاجتماعية ، بدأت الثورات بدأ العنف والعالم اليوم ماذا يشكو ؟ العنف لا أعتقد أن في تاريخ البشرية عصراً يتصف بالعنف كهذا العصر ، لماذا ؟
لأن المال في كل مجتمع متداول بين أيدٍ قليلة ربنا عز وجل يقول :

(سورة الحشر )
فما علاقة الربا بتداول المال بين الأيدي القليلة ؟ الحقيقة أن الإنسان حينما يضع أمواله في جهة ربوية ماذا فعل ؟ ما قدم شيئاً أما أيّ إنسان آخر قدم محصولاً فهذا المحصول ساهم في خفض الأسعار .
كما تعلمون جميعاً حينما يكون المحصول جيداً جداً يصبح السعر رخيصاً جداً .
تصوروا شكل مخروط ولهذا المخروط محور داخلي وهذا المحور الداخلي هو السعر وهذه الدوائر التي تبدأ واسعاً جداً في القاعدة ثم تضيق نحو الأعلى إلى أن تختفي هذا المخروط ذو شكل دائري في قاعدته ثم تضيق هذه الدوائر إلى أن تصل إلى نقطة ، فالمحور الداخلي هو السعر والشريحة التي تشتري هذه السلعة دائرة فكلما انخفض السعر اتسعت الشريحة وكلما ارتفع السعر ضاقت الشريحة ، وهذا مثل أطرحه بين أيديكم ، الفاكهة التي إن شاء الله سوف تنمو بهذا الصيف ، كرز مثلاً إذا كان الكيلو بمائة ليرة، الفليفلة بمائة ليرة كم إنسان يشتري الكيلو بمائة ليرة ، وشعبنا اثنا عشر مليوناً ، افرض أنّ عدد من يشتريه خمس مائة ألف ، لو صار الكيلو بخمسين ليرة فالذين يشترون مليون ، فلو صار بخمس وعشرين فعدد من يشترون أربعة ملايين ولو كان باثني عشر ليرة ثمانية ملايين ولو كان الكيلو بست ليرات لقال أحدهم بعني كيلوين ، أما إذا كان بمائة ضع لي أوقية ، بالمائة أوقية إذا كان مضطراً ومترفاً أيضاً . فهذا المخروط كلما ارتفع السعر كلما الدائرة قلَّت وضاقت .
فإذا أثبتنا الآن أن الربا يسهم في رفع الأسعار معنى ذلك هناك علاقة حتمية بين الربا وبين تجمع الأموال في أيدٍ قليلة وإذا أثبتنا أن تجمع الأموال في أيد قليلة سبّب أعمالَ العنف في العالم وسبب الثورات إذاً فمعنى ذلك أن أخطر معصية يفعلها الإنسان هي معصية الربا ، لأن شارب الخمر يؤذي نفسه والزاني يؤذي نفسه وهذه التي زنى بها ، أما المرابي يؤذي مجتمعاً بأكمله فكل أنواع الحرمان التي يعانيها الشباب وكل الطرق المسدودة التي يقاسيها المتطلعون للزواج وكل الأعمال المغلقة في وجه طالبي العمل فهذه كلها بسبب تجمُّع الكتلة النقدية بأيدٍ قليلة وانعدامها من أيدٍ كثيرة .
فإذا أثبتنا أن الربا يسهم في تجميع الأموال في أيدٍ قليلة وتحرم منها الكثرة الكثيرة ، إذاً فالربا سبب الاضطراب الاجتماعي في العالم أجمع ، من هنا لم يرد في القرآن الكريم تهديد حول معصية كتهديد الربا قال تعالى :

(سورة البقرة )
لا توجد معصية توعد الله بها مرتكبها بالحرب إلا الربا لأن خطر الربا يشمل المجتمع بأكمله .
لكن الشيء الذي ربما تفاجأون به وأنا مضطر أن أذكره لكم هو أن كل الحضارات القديمة أصرت على شناعة الربا .
اليونان : الإغريق أقدم حضارة في العالم ماذا يقولون ؟ يقول أفلاطون في كتابه القانون: لا يحل لشخص أن يقرض بالربا .
أرسطو يقول : الربا من ضروب الكسب التي تخالف الطبيعة ويقول أيضا ً: كان حقاً استنكار الربا لأنه طريقة كسب تولدت من النقد نفسه ، في النظرة القديمة ، أي بالربا ؛ المال يلد المال .
الآن تصور أن إنساناً أنشأ مشروعاً زراعياً أو مشروعَ صناعةٍ زراعيةٍ، مشروع ألبان ، طرح هذه المواد في الأسواق بأسعار معتدلة هذا الطرح الكثيف بسعر معتدل يساهم بخفض الأسعار ، أليس كذلك ؟ كما قلت قبل قليل كلما زاد الإنتاج انخفضت الأسعار و كلما قل الإنتاج ارتفعت الأسعار، فالربا يعني أن المال يلد المال ، أما بالطرق المشروعة فالمال يأتي من عمل إنتاجي ، من عمل زراعي ، من عمل صناعي ، من عمل تجاري ، من خدمات ، تؤدي خدمة تأخذ مقابلها، الأعمال تلد الأموال ، الطريق المشروع الأعمال تلد الأموال ، أما بالربا المال يلد المال، الأعمال تسهم في بناء الأمة ، تسهم في الرخاء ، تسهم في توفير الحاجات ، تسهم في خفض الأسعار ، أما المال وحده أي : إذا تولَّد المالُ عن طريق الربا فماذا قدم صاحب هذا المال للمجتمع لم يقدم شيئاً ، لم يطرح إنتاجاً زراعياً و لا صناعياً و لا قدم خدمات ، و هناك شيء آخر ، فأنت حينما تقوم بمشروع وتنشئ مشروعاً أيَّ مشروع كان ، فمئات الأشخاص بل عشرات المئات بل الألوف تستخدمهم و أنت لا تدري ، تحتاج إلى فاتورة فلا بد من مطبعة، المطبعة تريد حبراً و المطبعة تريد موظفين و تريد محاسباً و تريد عمالاً و تريد مندوبَ مبيعاتٍ و تحتاج إلى وسيلة نقل ، النقل له عشرات الفروع ، و هذه الوسيلة تحتاج إلى كهرباء و إلى صيانة و إلى وقود و إلى أجهزة و تحتاج إلى مَن يقودها ، لنقل البضاعة ، تصور ، لا توجد مؤسسة إلا و ألوف بل عشرات الألوف يعملون في خدمتها .
سمعت أن معمل سيارات بفرنسا ، مائتا ألف شركة تقدم له سلعها لأنه معمل تجميع فعدد كبير جداً يعملون من أجله وبسببه ، أما الذي يضع أمواله في المصرف ليأخذ فائدتها ، شَغَّلَ كم واحداً، و لا واحداً ، إذاً الأعمال تسهم في خفض نسب البطالة أما حينما يلد المال المال هذا يسهم في رفع نسب البطالة . إذاً فموضوع الربا أيضاً له علاقة بالبطالة و له علاقة بارتفاع الأسعار ، واعلم أنّ : خفض الأسعار له تعليل دقيق جداً ، فعندما يضع الإنسان ماله في مؤسسة ربوية ليأخذ فائدةً عليه فليس هناك مخاطرة، وليس هناك ضرائب ، وليس هناك مواجهة مع موظف تموين أحياناً والجمرك أحياناً والتأمينات أحياناً ، فلن يتعرض لأية مخاطرة ، فإذا رأى إنسان أنه يمكن أن يحصل ربحاً قدره خمسة عشر بالمئة أو عشرين من دون أية مفاجأة فهل يعقل أن يضع أمواله في مشاريع بأرباح تساوي أرباح الفوائد ؟ لا . فهو عندئذ في منطق العصر مجنون ، لكن لا يضع صاحب المشروع أمواله في الاستثمار العملي إلا إذا ضمن أرباحاً تفوق أضعافاً أرباحَ الفوائد ، إذاً بشكل أو بآخر نظام الفائدة ساهم برفع الأسعار ، ولو تصورنا مجتماً يخلو من ربا ، فممكنٌ لأيِّ مشروعٍ ينشئه أن يقنع بربح قدره بالمائة عشرة أو خمسة عشر ، لكن ما دام الخمسة عشر تأتيه بلا مخاطرة فكيف يخاطر بوضع رأس ماله في مشروع ، إلا إذا كان يضمن الربح أربعين بالمائة أو خمسين ، ويقول إذا كان الربح خمسة عشر فأنا أضع المال في البنك وأرتاح من كل هذا التعب ومن هذه المخاطرة والمواجهة .
اليونان والإغريق يقولون: كان حقاً استنكار الربا لأنه طريقة كسب تولدت من النقد نفسه وهو كسب مضاد للطبع السليم ، هذا كلام أرسطو .
ويقول أرسطو وأفلاطون مجتمعين : يعرّضُ الربا فلاح الدولة للخطر ، وذلك بمواجهة طبقةِ المقرضين الأغنياء ضد طبقة أخرى أي المقترضين الفقراء .
صار المجتمع طبقتين : طبقة مسحوقة وطبقة ساحقة ، طبقة تقرض وتزداد أموالها وطبقة تقترض وتتضاءل أموالها هذا كلام أرسطو وأفلاطون في الحضارة الإغريقية ، الحق تقبله العقول السليمة وترضى به الفطر السليمة وتأتي به الشرائع الحكيمة .
الرومان يقولون : هو كسب غير طبيعي وهو سبب انقسام الشعب إلى طبقتين متعارضتين ، وكان التعامل الربوي محظوراً رسمياً في الحكم الروماني .
الرومان و اليونان كان الربا عندهم محرماً وفلاسفتهم ومنظِّروا عقائدهم رأوا أنه كسب غير طبيعي .
أما قريش ففي الجاهلية كانت منحرفة انحرافاً خطيراً ، وقد لا تصدقون أنها رغم انحرافها كانت تعتقد أن كسب الربا كسب خبيث ، حينما قررت قريش بناء الكعبة ماذا شرطت ؟ كما قال الإمام ابن اسحاق : لما أجمعوا أمرهم على هدمها وبنائها قام أبو وهب بن عامر بن عائد بن عمران بن مخزوم فتناول من الكعبة حجراً وقال :
"يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيباً ، لا يدخل فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس ."
فالكعبة بنيت بمال طيب وقد ورد هذا النص في سيرة ابن اسحاق :
" عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ : نَعَمْ قُلْتُ ، فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ، قَالَ : إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ ، قُلْتُ : فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا، قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِاالأَرْضِ * "
إذا ذهب الإخوة في موسم الحج أو العمرة إلى الكعبة ، فالكعبة معروفة ، وأمامها قوس دائري اسمه الحِجر ، فمن دخل بين القوس والكعبة عند الطواف فطوافه باطل لأن ما بين القوس والكعبة من الكعبة ، فلا يقبل الطواف إلا إذا كان حول الكعبة ، فالحِجر من الكعبة .
"...قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ..."
ما دام أصروا على بناء الكعبة وأن يكون المال مالاً حلالاً لا ربا فيه والنفقة قصرت فاكتفوا بهذا البناء ولم يتموه على الشكل المستطيل ، وأساس الكعبة مستطيلة والأموال الطيبة لم تكفِ لبناء الكعبة بناءً كاملاً ، فبني هذا المكعب وبقي الحِجر بلا بناء . هذا ما أورده البخاري .
إذاً قريش كانت تؤمن أن الربا كسب خبيث وهذا قبل الإسلام وورد هذا أيضاً :
"سيدنا عمر سأل شيخاً معمراً من بني زهرة قال : إن قريشاً تقربت لبناء الكعبة بالنفقة الطيبة فعجزت فتركوا بعض البيت في الحجر ، فقال عمر رضي الله عنه: صدقت "
وبعد ، فالديانات السماوية حرمت الربا والدليل قال تعالى :

(سورة النساء )
اليهود إذاً نهوا عن أكل الربا ، وفي توراتهم أيضاً ورد هذا على الرغم من تحريفها . ورد في سفر الخروج :
إذا أقرضت لفقير من شعبي ممن عندك فلا تكن له كالمرابي ولا تقيم عليه الربا ، إذا رقت حال أخيك وقصرت يده عندك فاعضدْه وليعش معك كغريب أو نزيل ولا تأخذ منه رباً اتقِ إلهك فيعيش أخوك معك .
هذا في التوراة ، لا تقرض أخاك بربا في فضة أو طعام أو شيء آخر مما يُقرَض بالربا .
إذاً عند الإغريق واليونان الربا وهو محرم كسب خبيث ، وعند الرومان كسب خبيث ، وفي الديانات السماوية اليهودية والنصرانية الربا محرم بل إن المراباة تشبه عند اليهود سفك الدماء بالضبط وهم الآن في العالم أصحاب البنوك كلها تقريباً ولم يبق من دينهم إلا التعصب .
والنصرانية أيضاً تحرم الربا وهناك أقوال كثيرة جداً للسيد المسيح تنهى عن أكل الربا ، على كل من أقوال بعض الآباء : إن المرابين يفقدون شرفهم في الحياة الدنيا وليسوا أهلاً للتكفين بعد موتهم .
نص آخر : إذا وجد واحد من الآن يأخذ الربا أو يجعل آخر يفعل هذا له أو يسلّف على حنطة بربا أو يحتال فيه بحيلة لأجل ربح نجس فيقطع ويجعل غريباً .
هذا أيضاً من كتب النصرانية ، فالإغريق واليونان واليهود والنصارى والحكماء كل هؤلاء يحرمون الربا .
أيها الإخوة الأكارم :
وأمّا حكم الربا في الإسلام فقد قال تعالى :

(سورة البقرة )
فهذه آية أهي قطعية الدلالة أم ظنية الدلالة ؟ قطعية ، هذه الآية من المتشابهات أم من المحكمات؟ آية محكمة .

(سورة البقرة )
الإمام الطبري يقول : اتركوا ما بقي لكم من فضل على رؤوس أموالكم التي كانت لكم قبل أن تربو عليها إن كنتم مؤمنين .
ماذا نستنبط من هذه الآية :

(سورة البقرة )
من لوازم الإيمان ترك الربا ، فمن أكل الربا أثبت أنه ليس بمؤمن ، أحد العلماء يقول : الربا والإيمان لا يجتمعان أبداً .
أبو حنيفة رضي الله عنه يقول هي أخوف آية قال تعالى :

(سورة آل عمران )
من أكل الربا فقد كفر بما أنزل على محمد ومصيره إلى النار .
قال أبو حنيفة النعمان : أخوف آية في القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوا أكل الربا ..
وعن النبي عليه الصلاة والسلام :
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ، قَالَ : الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ "
والآن ، فضلاً عن أن الربا محرم هو من أكبر الكبائر قال تعالى :

(سورة البقرة )
هذه الآية ، يستنبط منها أن الربا من أكبر الكبائر .
جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس وقال : يا أبا عبد الله إني رأيت رجلاً سكران يتعاقر يريد أن يأخذ القمر ، يصعد إلى القمر من دون مركبة ، فقلت امرأتي طالق إن كان يدخل في جوف ابن آدم أشر من الخمر فما حكمي يا إمام قال : ارجع حتى أنظر في مسألتك ، إذا كان أشر شيء يدخل جوف ابن آدم هو الخمر أتطلق امرأته ؟ لا تطلق . أما إذا كان هناك شيء أشر من الخمر تصبح امرأته طالقاً .
سمعت من يومين واحداً شاهد صديقه يجري معاملة طلاق زوجته فيتحادث مع زوجته بود وجلسة صفاء وقال لها : فلانة سوف تطلق قالت له ليس معقول فقال لها : علي الطلاق سوف يطلقها زوجها ، فما طلقها زوجها .
وأصبح لديهما إشكال وأنا لا أحب أنْ يجريَ الرجل على لسانه هذه الألفاظ ، يكون نائماً فيصبح يتساءل يا ترى هل امرأتي بالحرام عندي ، دخل بالوسواس فاحذروا .
فهذا رأى شخصاً يعاقر الخمر ويحاول أن يأخذ القمر فقال : امرأتي طالق إن كان يدخل جوف ابن آدم أشر من الخمر ولما سأل الإمام "مالك" إمام دار الهجرة قال : ارجع حتى أنظر في مسألتك فأتاه في الغد فقال له : ارجع حتى أنظر فأتاه في الغد فقال له : امرأتك طالق ، إني تصفحت كتاب الله عز وجل وسنة نبيه فلم أَرَ شيئاً أشر من الربا وليس الخمر ، لأن الله أذن به بالحرب .
ليس من معصية في القرآن يقول الله عز وجل فيها : فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله.
دائماً تذكروا قول النبي :
"يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ."
كل معصية خطورتها بحسب شمولها هناك معصية تؤذي فاعلها فقط ، وهناك معصية تؤذي شخصاً آخر ، أما الربا فيؤذي مجتمعاً بأكمله .
لذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد بن حنبل في أبواب الربا :
"عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلائِكَةِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً "
الإمام ابن حزم يقول الربا من أكبر الكبائر .
العقوبات : هناك عقوبات جماعية وعقوبات فردية ، وهناك طبعاً عقوبات دنيوية وعقوبات أخروية ، دنيوية وجماعية وفردية ، أما الجماعية :
" عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ ، قَالَ : وَقَالَ : مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ * "
ألا ترون أيها الإخوة إلى ما يجري في العالم ، حروب أهلية زلازل براكين أعاصير فيضانات قتل مذابح ألا ترون ؟ هكذا يقول عليه الصلاة والسلام:
" ....مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
هذا الحديث ورد في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد في كتاب البيوع ، هذه عقوبات جماعية .
العقوبات الفردية : قالوا : المتعامل بالربا يعرّض نفسه للقتال ، في المجتمع المسلم يُستتاب فإن لم يتب يقاتل ، والمرابي إن لم يتب فقد أمواله كلها والدليل القرآني :
ربنا عز وجل يحرق هذا المعمل ويحرق المستودع بأفعاله التكوينية يمحق الله الربا . أما بأوامره التكليفية فهل عندنا حكم شرعي يجيز أن تؤخذ أموال المرابي كلها ؟ قال تعالى :

(سورة البقرة )
وإن لم تتوبوا ؟ أموالكم ليست لكم . هذا استنباط حكم مخالف ، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ، لذلك المرابي يفقد حق التصرف في ماله ، أما إذا تاب وأكل رأس ماله فقط فعندئذ ينجو رأس ماله فقط من المصادرة .
بالمناسبة مثلاً : لو فرضنا أن إنساناً سرق وهذا الإنسان يعيش في مجتمع لا يطبق فيه حكم قطع يد السارق ، هذا حكم تكليفي قال تعالى :

(سورة المائدة )
ربما قطعت يد السارق لا بأمر تكليفي بل بأمر تكويني ، وهذا ممكن بحادث ، فربنا عز وجل في المجتمعات التي لا تطبق أحكام الله عز وجل الله يتولى بنفسه تطبيق أحكامه .
كما قال تعالى : يمحق الله الربا ، بحسب القوانين النافذة مسموح لشخصٍ أن يقيم مؤسسة ربوية حتى في البلاد التي ترفع شعارات إسلامية ما أكثر البنوك والفوائد والربا ، لكنّ المجتمع إذا لم يطبق حكم الله عز وجل فالله سبحانه من طريق الأمر التكويني يطبق حكمه ، أنا سمعت قصة نادرة ولكن لها معنى : شخص يركب سيارة شاحنة ، ومسافر مقطوع أشار له واستغاث فتوقف وهو في طريقه إلى حلب ، ساومه على مبلغ كبير ووافق الراكب ، أخذ منه المبلغ بيده اليسرى وقال له اذهب واركب من الخلف ، بعد أن أخذ المبلغ حرك المركبة وانطلق بها ولم يسمح له أن يركب ، هذا السائق وصل إلى مكان فمد يده ليشير إلى جهته اليسرى وأثناء حركته جاءت مركبة وقطعت يده اليسرى .
فهناك فعل تكويني وأمر تكليفي ، فإذا عاش شخص في مجتمع وأمر الله غير مطبق فيه فسوف يطبق قهراً وله طريقة يُطبَّق بها ، والله عز وجل قادر أن يطبق أمره بشكل تكويني وبشكل تكليفي .
وإذا كان إنسان يتعامل مع المسلمين وكان بينه وبينهم عهد فإن أكل الربا فقد نقض العهد .
روى الحافظ ابن أبي شيبة عن عامر أنه قال : قرأت كتاب أهل نجران فوجدت فيه إن أكلتم الربا فلا صلح بيننا وبينكم .
وكان النبي عليه الصلاة والسلام لا يصالح من يأكل الربا .
ولما توفي النبي عليه الصلاة والسلام أتوا أبا بكر رضي الله عنه فوفّى لهم بذلك ، وكتب لهم كتاباً نحواً من كتاب رسول الله ، فلما وُلي عمر أصاب هؤلاء الربا في زمانه فأجلاهم عمر رضي الله عنه ونقض عهده معهم .
إذاً حتى المعاهد إذا أكل الربا ينقض عهده في الحكم الشرعي ، أما في الآخرة قال تعالى :

(سورة البقرة )
لا يقومون من قبورهم إلى الحساب إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس والإنسان إذا كان يقع بالساعة يحس بإنهاك غير معقول ، يقول لك تحطمت ، فإذا قام من هذه الوضعية المرضية يقوم متحطماً ، وربنا عز وجل وصف أكلي الربا بأنهم لا يقومون من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس .
الإمام الطبري يقول : يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنوناً يخفق ، وأجمع المفسرون أنّ آكلي الربا لا يقومون من قبورهم يوم البعث إلا كالمجانين .
" عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا"
يعني النبي رأى رؤية وعبر عنها أو وصفها لأصحابه بهذه الطريقة .
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ :رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرَائِيلُ قَالَ هَؤُلاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا "
وبعد ، عندنا موضوع أخير وهو تحريم تقديم المساعدة للتعاون الربوي :
"عَنْ جَابِرٍ قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ "
فإن أجَّر أحدهم داراً إلى مؤسسة ربوية ، هل له علاقة ؟ طبعاً أعانه قال تعالى :

(سورة المائدة )
وإذا عمل إنسان إعلاناً إلى مؤسسة ربوية فهل له علاقة ؟ له علاقة ، خطاط له علاقة فأي إنسان يقدم معاونة إلى مؤسسة ربوية له علاقة ، هذا هو الحق .
وللبحث بقية ، وكثير من الناس يظنون أنه : يظن إذا ألف الناس شيئاً أصبح حلالاً ؟ لا ، ثم ألف لا ، والباطل مهما عم ومهما انتشر ومهما اتسع فالحرام حرام والحلال حلال ، فإذا أردتم النجاة في الدنيا والآخرة فعليكم بطاعة الله عز وجل .
وشيء دقيق جداً أن يكون دخل الإنسان حلالاً ، أنت تتعجب عندما ترى شخصاً بالخامسة والثمانين مثل الشباب يا رب ما هي القصة ؟ أليس هناك قاعدة ؟ نعم توجد قاعدة ، زارني شخص قال : كم تقدر سني قلت له ستين فقال لي : ست وسبعون ثم قال لي : أنا مثل الحصان أستطيع أن أهد هذا الحائط وأقسم بالله أنه ما أكل في حياته درهماً حراماً ، إذاً هناك علاقة بين الحلال والعافية واحد بالسادسة والسبعين منتصب القامة حاد البصر ، مرهف السمع أسنانه في فمه ذاكرته قوية وكذلك زوجته ، أكرمها الله وطول لها عمرها مثل حكايته وقام بشهر عسل وهو بالتسعين من عمره ، سألوه يا سيدي ما هذه الصحة قال : حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر من عاش تقياً عاش قوياً .
فمن يطمع أن يكون عمره مديداً وصحته قوية ؟ فنقول له : اكسب المال الحلال ، والحلال فيه بركة ، ترى شخصاً دخله قليلٌ ولكن في دخله بركة، الله معافيه من الأطباء والصيدليات والعمليات والتصوير الطبقي ، والمرنان تكلفته ثلاثة عشر ألف ليرة ، فإذا الله عز وجل عافانا من هذه النفقات الباهظة وكان الدخل محدوداً ، واللهُ طرح فيه البركة بالتعبير العامي فهذا أفضل وأحسن عاقبة أليس كذلك ؟
لا أحد يتورط واسألوا : هل هناك شبهات في كسب المال ؟ ولتبحث عن المال الحلال ولو كان قليلاً ، فالله جل جلاله يبارك لك فيه ، وابتعد عن المال الحرام ولو كان كثيراً فالله يمحقه ويتلفه.
وسنتابع هذا الموضوع في دروس قادمة إن شاء الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين






[quote]


عدل سابقا من قبل سامر في السبت مارس 27, 2010 9:21 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Empty
مُساهمةموضوع: : مضار الربا .   الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Emptyالسبت مارس 27, 2010 8:37 am



: مضار الربا .


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم :
لا زلنا في موضوع دقيق ألا و هو "الربا" لقد بينت لكم في الدرس الماضي، و هذا هو الدرس الثاني بينت لكم في الدرس الماضي أن تسعة أعشار المعاصي تأتي من كسب الرزق . واذكروا أنّ العلم نور و العلم حارس ، و الإنسان عليه أن يتفقه ، لأنه إذا تفقه عرف الحق من الباطل والخير من الشر و الحلال من الحرام ، لكن الدرس اليوم محوره مضار الربا، و قبل أن نتحدث عن مضار الربا لا بد من مقدمة قصيرة و هي : أن المؤمن الحق إذا علم أن كل أمر تلقاه عن الله عز وجل أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا ثبت لديه أن هذا أمر الله و أن هذا أمر النبي عليه الصلاة و السلام فهذه هي الوسيلة الوحيدة التي تقنعه بالكف عن كل ما هو حرام ، لكن إذا بحثنا عن حكمة التشريع و عن مضار المعاصي و عن فوائد الطاعات فهذا من أجل الدعوة إلى الله بشفافية ووضوح ، المؤمن ما دام أن الله عز وجل قد أمره و نهاه، فالأمر والنهي علة كافية لاتباع الأمر و لاجتناب النهي ، لأن الأمر تنبع قيمته من قيمة الآمر ، و الآمر هو الله و الآمر هو الخالق ، على كل ليس هناك من مانع أن نبحث في الحكم ليزداد الإيمان قال تعالى:

(سورة البقرة )
ليس هناك من مانع أن نبحث في الحكم لنستطيع أن ندعوَ إلى الله لأن الدعوة المعللة التي تدعمها الأدلة و الشواهد الواقعية أجدى وأقوى ، فيمكن أن تأمر الناس بأمر الله عز وجل وأن تنهاهم عما نهى الله عنه أما حينما تقدم التحليل الدقيق و الفوائد العظيمة المترتبة على طاعة الله عز وجل و النتائج الخطيرة التي تنتج من معصية الله عز وجل فهذا من شأنه أن يقنع الناس بأحقية هذا الدين .
وبعد ، فمضار الربا أيها الإخوة أكثر من أن تحصى كما بينت لكم في درس سابق ، فالمعصية يكبر حجمها إذا كبر خطرها هناك صغائر و هناك كبائر . فكلما ازداد الخطر الذي ينتج عن المعصية يزداد حجم المعصية ، وكلما قل الخطر الذي ينجم عن المعصية يقل حجم المعصية ، فما من آية بالقرآن الكريم وما من معصية ذكرت في القرآن الكريم توعد الله مرتكبيها بحرب من الله ورسوله كمعصية الربا ، المعصية الوحيد التي توعد الله مرتكبها بحرب من الله ورسوله هي معصية الربا ، لماذا ؟ لأن هذه المعصية لها آثار سيئة في المجتمع بأكمله، يعني مجتمع بأكمله يمكن أن يضطرب ، يمكن أن يدمر ، يمكن أن ينسحق من خلال هذه المعصية الخطيرة التي تفشت بالعالم كله .
أول نتيجة خطيرة من نتائج معصية الربا ، أن الربا يمنع من إنشاء المشروعات المفيدة للمجتمع، والإنسان بالأساس يريد أن يستثمر ماله ليأخذ منه عائداً يعود عليه ، فهذا الاستثمار إما أن يكون في مشروعات نافعة وإما أن يكون عن طريق الربا .
الأصل أن المال إذا ولّدته الأعمال فهذه مشروعات بناءة ومفيدة وتعود بالخير على المجتمع كله، أما المال إذا ولده المال فقط فهذا هو الربا .
الربا : يعني أن المال يولد المال من دون أعمال ، أما الأعمال إذا ولدت المال ، فهذا يشير إلى أن صاحب العمل الذي ولد المال استفاد وكذلك المجتمع استفاد .
أيّ مشروعٍ زراعي ، أيّ مشروعٍ صناعي ، أي مشروع تجاري ، أي مشروع خدمات مع أن أصحابه يربحون لكن هم يطرحون خدماتهم أو بضائعهم أو منتجاتهم على تنوعها في المجتمع وإذا طرحت هذه المواد أو تلك المنتجات أو هذه الخدمات انخفضت الأسعار وهذه قاعدة صحيحة ، والشواهد كثيرة جداً ، عندنا قاعدة وهذه القاعدة أشرت إليها في الدرس الماضي تصور مخروطاً ومحوراً . هذا المخروط هو مؤشر الأسعار ، والدوائرمتعاقبة وأوسع دائرة في القاعدة ثم تصغر هذه الدوائر إلى أن تتلاشى في القمة ، الدوائر تمثل الشرائح المستفيدة من هذه السلعة أو هذه المادة المُنتَجة أو هذه الخدمة ، والمحور يمثل ارتفاع السعر ، وكلما ارتفع السعر ضاقت شريحة المستفيدين منه ، وهذه قاعدة ذهبية .
توافر المواد يخفض سعرها ، وإذا انخفض السعر اتسعت شريحة المستفيدين فإذا اتسعت شريحة المستفيدين عم الرخاء ، هناك بعض المواد حينما كانت ممنوعة كان سعرها مضاعفاً فلما سُمح باستيرادها وأصبحت مبذولة بين أيدي الناس انخفض سعرها إلى النصف .
الإنسان حينما يوظف أمواله في مشروعات إنتاجية يسهم بشكل أو بآخر بخفض الأسعار ، والأسعار إذا انخفضت اتسعت شريحة المستفيدين فإذا اتسعت شريحة المستفيدين عم الرخاء .
فلو أن إنساناً أسس مشروعاً بقرض ربوي هل يستطيع أن يبيع سلعته بسعر يساوي سعر مشروع أسس من دون قرض ربوي ، سؤال دقيق ؟ فهذان مشروعان بحجم واحد ، في اختصاص واحد ، بسلعة واحدة .
مشروع أسس بقرض ربوي بحسب التكاليف وأحد هذه التكاليف الفائدة ، وَضَعَ التكاليف ووضَع هامشَ ربحٍ وطرحَ السلعة في السوق .
المشروع الثاني القرض حسن غير ربوي ، وضعَ التكاليف ووضَع هامش الربح وطرحَ السلعة في السوق أيّ السلعتين أعلى سعراً ؟ سلعة المشروع الربوي . هذا بشكل مبسط.
أيّ مشروع بني على قرض ربوي يطرح سلعه بأسعار مرتفعة ، الربا من هذه الزاوية يسهم برفع السعر وإذا أسهم برفع السعر قلت نسبة المنتفعين وإذا قلت نسبة المنتفعين اضطر المنتج أن يخفض إنتاجه ، انظروا إلى هذه الحلقة المفرغة ، انخفض الإنتاج .
هناك قصة ترويها كتب الاقتصاد ، الكساد الخطير الذي كان في عام ألف وتسعمئة وثمانية وثلاثين والذي كان في أوربا ، طفل صغير كادَ يموت من البرد سأل أباه : أين الفحم يا أبتِ ؟ فوالده فصل من عمله لماذا ؟ لأنه يوجد كساد بالفحم في المناجم ولا يوجد بيع فاستغنوا عن العمال ، فلما سأل الابن أباه لماذا لا يوجد عندنا فحم ؟ قال يا بني لكثرة الفحم ، ليس عندنا فحم نتدفَّأ به لوفرة الفحم في المعامل ، فالفحم متوافر لأنَّ سعره مرتفع فصار كساد وصارت بطالة ، والذي ترك عمله ليس في إمكانه أن يشتري فحماً يتدفَّأ به .
القضية خطيرة جداً قضية قوانين اقتصادية ، هذا المحور المخروط ؛ انتبهوا إليه ، كل شيء يرفع السعر يضيق دائرة الاستفادة ، والمشكلة أنّ الدائرة إذا ضاقت يقل الإنتاج والبضائع تتكدس في المستودعات ويخفضون الإنتاج وإذا خفض الإنتاج استغنوا عن العمال ووقعت بطالة.
أخطر شيء في الربا أنه يصرف الناس إلى استثمار أموالهم بطريقة الربا المريحة ويبعدهم عن استثمارها بالمشروعات الناجحة هذا أول شيء ، كانوا قبل سنوات عديدة يقيسون قوة الدولة الاقتصادية بمدى التغطية الذهبية لعملتها الورقية وهذا المقياس أصبح فاسداً ، أما الآن فالقوة الاقتصادية في أمة هي القدرة على الإنتاج ، إذا كان عندها منتجات وتصدر أكثر مما تستورد فهذا البلد أو هذه الأمة قوية ، إذاً الربا يسهم في صرف الأموال لا إلى مشروعات إنتاجية نافعة، بل إلى الاستثمار عن طريق الفائدة وهذا يسهم في رفع الأسعار وفي قلة المستفيدين من منتجات زراعية أو صناعية أو خدمات وهذا يؤدي إلى البطالة .
أحد العلماء الاقتصاديين في العالم الغربي يقول : إن ارتفاع سعر الربا يجعل الناس كسالى .
تصور إنساناً لا يعمل ، يستيقظ الساعة الثانية عشرة ظهراً ، لأن أمواله مستثمرة في مشروع ربوي وربحه ثابت لا يهمه نزول مطر أو لا . ويقول بلا مطر أفضل ولا يهمه كساد ولا يهمه رواج ، لا يهمه تقدم الأمة ، فربحه ثابت ، لذلك أقسى قلب هو قلب المرابي أو الذي يستثمر ماله عن طريق الربا لأنه لا يوجد عنده مشكلة .
أما المزارع ؛ فقد أقسم لي بعضهم أن بعض المزارعين حينما هطلت الأمطار انهمرت مع الأمطار دموعهم فرحاً بهذه الأمطار ، ترى المزارع متعلقاً برحمة الله ، التاجر يشتري البضاعة ويقول : يا جبار تخرج من أعماق قلبه ، مرة قلت لتاجر هذا القماش جميل فقال لي : ليس القماش جميل ولكن الذي يباع هو الجميل .
المرابي بما أن ربحه ثابت ودخله لا يهزه شيء ، لا قحط السماء ولا كساد البضاعة ولا قانون ولا شيء آخر ، فقلبه قاسٍ .
فلو فرضنا أنك ممنوع بمجتمع مسلم أن تستثمر مالك إلا في الأمور الإنتاجية ، وأنك ممنوع عليك استثمار المال بالربا ، فعندئذ ليس لديك إلا منفذ واحد وهو المشاريع ، وكل مشروع يعين على الرخاء ويعين على توافر الحاجات ، لأن أصحاب المال استثمروا أموالهم في مشاريع نافعة ، دمشق تعاني أزمة مواصلات حادة جداً يقول المواطن : انتظرت ساعة ولم أجد سيارة ، هذه الأموال الضخمة التي استثمرت بالنقل ، هذه الحافلات الصغيرة أصحابها ربحوا أو لم يربحوا ، لكنَّهم حلوا مشكلة وأصبح تنقُل الناس ببساطة وسهولة ، قال لي واحد : على بعض الخطوط مئتان وسبعون حافلة وإذا اصطفت وراء بعضها تملأ الخط بكامله ، ، عندما المال يستثمر في مشروعات إنتاجية أو خدمات يعم الخير على الناس كلهم، تكاد تكون أزمة المواصلات حلت في دمشق نهائياً عن طريق هذه السيارات ، تصوروا أصحاب هذه السيارات لو أخذوا أموالهم ووضعوها في بنوك أجنبية وجاءتهم الحوالات كل شهر بالعملة الصعبة وأنفقوها على حاجاتهم الشخصية من دون أن يشعروا أن لهم علاقة فالأزمة تزداد إحكاماً.
المال إذا ولد المال عم الشقاء والأعمال إذا ولدت المال عم الرخاء ، عندنا خياران : إما أن تستثمر هذا المال بالطرق الربوية وإما أن تستثمرها بالمشاريع الإنتاجية ، تقول لي : أعمال العِمارة جيدة ، وتاجر العمار يقدم بيوتاً للناس وكلما كان متجاوباً مع حاجاتهم أفاد واستفاد ، والشابُ يحتاج إلى غرفتين ويريد أقل سعر ممكن ، وأنا أرجو الله عز وجل أن يتجه تجار البناء إلى إنشاء وحدات سكنية صغيرة جداً تلبي حاجة الشباب الفقراء يعني بأقل تكلفة ممكنة ، إنشاء مشاريع سكنية وإنشاء مشاريع زراعية وتجارية ومشاريع صناعية ومشاريع خدمية ، كلّها تنهض بالأمة ونحن عندنا قاعدة يجب الأخذ بها ، لا يجوز أن يلد المال المال ، والمال لا يولد إلا من خلال الأعمال ، وإذا اتجه المال إلى أن ينمو من خلال الربا والفوائد تعطلت الأعمال وقلّت الخدمات وقلت السلع وقلت المنتجات وارتفعت الأسعار وانقسم المجتمع إلى طبقتين طبقة تملك ولا تعمل وطبقة تعمل ولا تملك ، طبقة عاطلة عن العمل وهي طبقة المرابين وطبقة تعمل ولا تملك و كل جهدها لا يكفيها قوت يومها ، لذلك الأجانب حكموا عقولهم وقالوا : إن ارتفاع سعر الربا يجعل الناس كسالى في مهنهم ويصيرون مرابين . أما انخفاض سعر الربا فإنه يتيح فرصة لتطوير الأعمال والصناعة والزراعة وينفخ الروح في صناعتنا الميتة .
مفكر غربي لا علاقة له بالقرآن ولا بالربا ولا بالتحريم لكن من زاوية موضوعية رأى أن الربا إذا عم المجتمع أوقعنا في شر أعمالنا .
أحد الشيوخ العلماء يقول : إذا جرى نمو المال عن طريق الربا أفضى إلى ترك الصناعات و الزراعات التي هي أصول المكاسب ، فلدينا بديلان إما أن تستثمر المال عن طريق الربا ، ويتخلف فينا كل شيء ، وإما أن تستثمره عن طريق مشاريع نافعة فنرقى جميعاً بها .
الإمام الفخر الرازي يقول : الله تعالى إنما حرم الربا من حيث إنّه يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب وذلك لأن صاحب الدراهم إذا تمكن عن طريق عقد الربا من تحصيل الدراهم الزائدة نقداً أو نسيئة خف عليه اكتساب المعيشة فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة الشاقة .
والإنسان إذا كان غير مؤمن فليس معقولاً أن يبذل جهداً شاقاً ويتحمل مخاطر شديدة حتى يربح بالمائة خمسة عشر أو عشرين في حين أنّ أيّ بنك أو أيّ مصرف في بعض الدول الأجنبية يقدم له هذا الربح نظير إيداع أمواله عنده ، ثم يقول لك أأنا مجنون لكي أعمل ، أجل ؛ هكذا يقول .
المجتمع الذي تثمَّر أمواله عن طريق الربا مجتمع متخلف بينما المجتمع التي تثمر أمواله عن طريق المشاريع الصناعية والزراعية والخدمية مجتمع متطور ومجتمع ينمو ، والقاعدة كلما توافرت السلعة انخفض سعرها وإذا انخفض سعرها كثر المنتفعون بها وإذا كثر المنتفعون بها عم الرخاء في المجتمع وفي القرآن الكريم آيات دقيقة قال تعالى :

(سورة الحشر )
المال أخطر ما فيه أن يتجمع في أيدٍ قليلةٍ ، ويمكن أن نقول إذا تجمعت الكتلة النقدية بين أيدي الناس ولا أعرف كم هي ، قد تقول لي خمسة آلاف مليون أو أكثر، والرقم كبير جداً فالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية تطغى لكن هذه الكتلة إذا كانت موزعة في أوسع شريحة فنحن بخير ، أما إذا تجمعت في أقل شريحة فالشقاء يعم ، أمن العدل انّ واحداً يملك مليوناً ومليون لا يملكون واحداً ، وهذا سبب كل المشكلات والاضطرابات والثورات وأعمال العنف .
حدثني أخ كريم يعمل في الأمن الجنائي أنه مع ضيق المكاسب وقلة الأعمال ارتفعت نسبة الإجرام إلى عشرة الأمثال تقريباً ، والعالم الغربي يعاني أخطر ما يعاني من البطالة ، بأرقام دقيقة جداً خمسة ملايين أو عشرة ملايين إلى درجة أن النسبة بالمائة ثلاثَ عشرةَ من القوى العاملة بلا عمل بسبب استثمار الأموال عن طريق الربا .
أما إذا استثمرت عن طريق المشروعات عم الرخاء ، وهذه أول نقطة ، المال إما أن تستثمره عن طريق الربا أو عن طريق المشاريع الإنتاجية ، في الحالة الأولى يؤدي الربا إلى تخلف الأمة وبالحالة الثانية تتقدم الأمة عن طريق الرخاء الاقتصادي .
بعض علماء الغرب يقول : إلغاء نظام الربا يوسع نطاق الاستثمار .
الشيء الثاني أن الربا أحد أسباب البطالة وهذه أشرت إليها في الدرس الماضي ، فلا تتصور مشروعاً تجارياً أو صناعياً إلا وآلاف المصالح متعلقة به ، عندك محل صغير فلا بد من فواتير إذاً فلا بد من مطبعة و المطبعة تحتاج إلى خطاط والخطاط يريد زنغوغراف والمطبعة تحتاج إلى ورق ، فلا بد من الاستيراد والمستورد يريد محاسباً والمحاسب يحتاج قرطاسية والقرطاسية... عمل متسلسل ، عندما أنت تقيم مشروعاً يجب أن تُشغّل عشرات الألوف وأنت لا تدري فأنت مضطر أن تشتري حاجات ، وخدماتٍ ، تريد شاحنة والشاحنة لها من يصلحها من حين إلى آخر وتحتاج زيتاً وقطع غيار والذي يصلحها لك عنده موظفون يعطيهم معاشات ، فالدولاب إذاً دائم الحركة .
ذات مرة قلت لكم إنه لفت نظري شخصان في مكان ، أحدهما صاحب معمل تطريز ، قال للآخر : بعنا السنة الماضية بيعاً مذهلاً ، فسأله : ما السبب ؟ قال له : كانت أمطارٌ غزيرة في الحسكة و في الجزيرة ، وهو يصنع قماش تطريز و هذا بيعه قليل جداً ، و لكن لأن الإنتاج الزراعي وفير جداً فالفلاح عندما اغتنى اشترى لزوجته أقمشة من الدرجة العالية ، إذاً الحركة عبارة عن عجلة إذا دارت فكل شيء يدور معها ، فأول أضرار الربا أنه يسهم في البطالة ، المرابي لا يوجد عنده غير حركة واحدة أن يضع المال بالمصرف و يأخذ إيصالاً و يقبع في بيته ، لا يريد محاسباً و لا يريد شاحنة و لا يريد مطبعة و لا يريد فواتير ولا يريد أي شيء آخر ، حينما أودع ماله في المصرف و قبع في بيته يتقاضى الفوائد وقد يقول لك و الله : الحمد لله عندي دخل أعلى من حاجتي بكثير ، و هناك نقطة هامة ، هي نقطة خطيرة جداً وهي : أن الإنسان عندما يعمل يحقق وجوده ، والقابع في بيته تجده في خلاف مع زوجته ، وكل يوم هناك عراك طوال النهار ، تطلب منه مغادرة البيت ، وأن يتغيب عن المنزل لتتفرغ للعمل من دون تدخلاته ، فالعمل يحقق ذات الإنسان وعندئذ كل إنسان يأخذ دوره الحقيقي بالمجتمع .
إذاً الربا يسهم في انتشار البطالة وهناك أرقام مخيفة في بريطانيا فعدد العاطلين عن العمل ثلاثة ملايين شخص بنسبة أربعة عشر بالمائة من مجموع العمال ، طبعاً هذه الإحصاءات كثيرة جداً والآن الغرب يعاني من مشكلات كثيرة ، وأسبابها :
أولاً ـ الربا .
وثانياً ـ حلول الآلة محل الإنسان .
فمثلاً كنا لكل نول نريد عاملاً يراقبه . وبالآلة تم الاستغناء عن آلاف العمال .
حدثني أخ كان بفرنسا قال لي مائة نول تراقبها كاميرا تلفزيونية واحدة فإذا كان في معمل ألف نول ، عوضاً عن ألف عامل يكفي خمسة عمال و مراقب على الشاشة فقط ، وكذلك التقدم التكنولوجي الحديث جداً ساهم بالبطالة ، يقولون إن أحد الكتاب عمل عملاً فنياً أدبياً مفاده أن التقدم العالي جداً في الصناعة له منعكس اجتماعي خطير ساهم بالبطالة أيضاً ، أيْ بما أن كل شيء يحل عن طريق أجهزة التحكم الآلية فلم يعد هناك دور للإنسان ، فإنسان خارج الفضاء مثلاً وعاد بعد ألفي سنة فيجد الأمر تبدل تبدلاً جذرياً . كل شيء عن طريق الآلة و الإنسان لم يعد له عمل ، فنحتاج إلى موظفاً من بني البشر فيتقدم ملايين يأخذون شخصاً واحداً ، والباقي ينتحرون مللاً ، فالعمل يحقق وجود الإنسان . و من دون عمل تفسد حياة الإنسان أي أنّ الفراغ أحد أسباب الفساد الفكري و الخلقي .
إذاً الربا يسهم أيضاً في البطالة الاجتماعية ، و البطالة خطيرة جداً والفراغ خطير بالنسبة للشباب وإذا كان الآباء قد أكرمهم الله بأبناء صالحين ، فالابن الصالح أحد أسبـــاب صلاحه انهماكه في عمل أو دراسة ويكون وقته مليئاً أما إذا كان بلا عمل أو بلا دراسة فهذا الفراغ أحد أسباب الفساد ، والربا بشكل أو بآخر يسهم بفساد الإنسان ، والعاطل إنسان فاسد ، بالمناسبة لكي لا أتجنى على بعض الإخوة ، فكل إنسان يطلب علماً دينياً أو غير ديني فهذا ليس عاطلاً والذي يطلب العلم هذا إنسان عامل من أعلى درجة ، فطلب العلم أعلى درجة ، فإذا كان إنسان لا يعمل لكنه يدرس أو يطلب العلم لا يجوز أن يسمى هذا عاطلاً أبداً .
النبي عليه الصلاة والسلام لما جاءه شريك يشكو شريكه طالب العلم ، قال له : لعلك ترزق به.
عندنا شيء آخر أن الربا يسبب شقوة المقترضين لحاجاتهم الشخصية ، أنت عندك حالان وأنت بحاجة للمال ، فلديك طريق رحماني وطريق شيطاني ، الطريق الرحماني أساسه القرض الحسن والطريق الشيطاني أساسه القرض الربوي ومع انتشار القرض الربوي تضعف همة الناس للقرض الحسن ، أول كلمة يقولها لك : أمعقول أن أجمد مالي ؟
كلما انتشر القرض الربوي تضاءل القرض الحسن ، فالقرض الربوي عرّفوه : أنه يساعد المدين كما يساعد حبل المشنقة على إنهاء حياة هذا الإنسان ، كلما مضى يوم يدفع فقط الفوائد لا غير ويبقى الدين كما هو وهذه المشكلة تعانيها الدول الصغيرة مع الدول الكبرى فلو كانت قروضها كلها ربوية فإنك ترى خلال عشر سنوات أوعشرين سنة يسددون فقط الفوائد وأصل القروض ثابت ، إذاً الناس يطلبون المساعدة عن طريق الربا ، وهذا القرض لا يساعد بل يسحق ، لأن المطلوب أن يوفي أصل الدين وعليه أن يوفي الفوائد المركبة والإنسان بالأساس فقير وحَمَّلْته فوق طاقته ، فقد تقترض مائة ألف وتجد أربعين ألفاً فوائدها وقَّع العقد على مائة وأخذ ستين ، انتفع بستين وعليه أن يدفع المائة ، فلو أراد أن يعمل بها عملاً صار رأس ماله قليل والمطالب كثيرة جداً ، فالقرض يسبب شقاوة للمقترض وليس مساعدةً له ، لذلك تجد في بعض البلاد ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لمثل هذا ، يعني هناك مؤسسات للإقراض الحسن ، مؤسسة للزكاة والإقراض الحسن والقرض له فائدة كبيرة جداً وليس كل إنسان يأخذ مساعدة ، بل قد تجد إنساناً له قيمته وكرامته وعزته لا يحتاج إلا إلى قرض حسن أما القرض مع فائدة ففوق طاقته ، يجب أن يسدّد ، أصل الدين والفوائد المركبة . أما القرض الحسن فيحل مشكلة كبيرة جداً ، لذلك نرى القرآن الكريم شَجّع على القرض الحسن وعدّه عملاً صالحاً وشدد على القرض الربوي وعدّه معصية كبيرة .
في بعض بلاد شرق آسيا الفلاح يولد الإنسان وهو مدين ويعيش وهو مدين ويموت وهو مدين لأن القروض كلها تتنامى بفوائد مركبة ، فولد مديناً وعاش مديناً ومات مديناً .
المرابي كأنه مصاص الدماء يأخذ دماء الناس وتعبهم وعرقهم وكل جهدهم ولا يكفي ذلك كله لسداد ما عليهم .
قرأت في الجاهلية قبل الإسلام أحياناً كانت تصل نسبة الربا إلى ألف وثلاث مائة بالمائة، ثلاثة عشر مِثلاً ، فالقرض الربوي أساسه الاستغلال والقرض الحسن أساسه الإحسان ، بين أن تستغل حاجة الناس وبين أن تحسن إليهم فبينهما مسافة كبيرة جداً .
ابن القيم وهو من كبار العلماء المجددين يقول : الربا جلي وخفي فأما الجلي فربا النسيئة وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية مثل أن يؤخر دينه ويزيد في المال وكلما أخر زاد في المال حتى تصير المائة آلاف مؤلفة وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدم محتاج ، فإذا رأى أن المستحق يؤخر مطالبته ويصبر بزيادة ما يبذله له تكلف لذلك ليفتدي من أثر المطالبة والحبس ويدافع من وقت إلى آخر فيشتد ضرره وتعظم مصيبته ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوداته ، لذلك قال الله تعالى : يمحق الله الربا . إن الفوائد قد تستغرق كل الممتلكات وكل شيء تملكه فيربو المال على المحتاج من غير نفع يجنيه ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه ، المستقرض سُحق ومص دمه والمرابي سَحق ماله ومُحق من دون أن يفعل خيراً فيأكل مال أخيه بالباطل ثم يمحق ، ويقع أخوه في غاية الضرر ، فمن رحمة أرحم الراحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أنه حرم الربا .
لا تستغرب أحياناً أجر القرض الحسن عند الله سبحانه ؛ لا يقل عن أجر الصدقة ، لأن القرض الحسن له أصحابه والصدقة لها أصحابها فالذي لا يقبل صدقةً تُحل مشكلته بالقرض الحسن .
الإمام الفخر الرازي يقول : السبب في تحريم عقد الربا أنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض .
مادام يوجد قرض بفائدة فلا تجد معروفاً بين الناس ، لأن الذي يأخذ فائدة على قرضه شعر أنه كسب ، أما الذي يقرض قرضاً حسناً فإن كان ضعيف الإيمان شعر أن ماله تجمد بلا فائدة .
فكلما شاع القرض الربوي قل القرض الحسن ، شاع الاستغلال وقل الإحسان وشاع التحكم وقل التواصل ، شاعت القسوة وقل التراحم وربنا عز وجل قال إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، وإذا رآنا يقسو بعضنا على بعض إذاً نحرم رحمة الله عز وجل .
الربا إذا حُرِّم هذا قول الفخر الرازي : الربا إذا حُرِّم طابت النفوس بقرض الدرهم واسترجاع مثله ، ولو حل الربا لكانت حاجة المحتاج تحمله على أخذ الدرهم بدرهمين فيفضي ذلك إلى انقطاع المواساة والمعروف والإحسان .
بالمناسبة هناك موضوع حساس فقد شاع بالبلد الاستثمار بنسب ثابتة ، وهذه تشبه الربا تماماً يعطيه مائة ألف ويقول له أريد عليها ثلاثة آلاف بالشهر ، تحت كلام لا نريد حسابات ومشاكل وكل اثني عشر شهراً يتقاضى ستة وثلاثين ألفاً ، يا ترى الذي أخذ هذا المبلغ ربح ستة وثلاثين بالمائة ، إذا ربح السبعين بالمائة فممكن أن يكون مرتاحاً بالدفع وإذا ربح ستين بالمائة أعطى أصحاب الأموال أكثر مما ربح ، وإذا ربح ستةً وثلاثين صار خادماً مجاناً .
أيها الإخوة الكرام :
القضية خطيرة ومنتشرة جداً حتى إن أناساً يصلون ورواد مساجد ، يقول أريد على المائة ألف ثلاثة آلاف بالشهر ، ويرفض ألفين وخمسمائة مثلاً .
هذا هو الربا ، النسبة الثابتة ، فأي استثمار للمال بنسب ثابتة يلتقي مع الربا تماماً ، أحياناً بشكل آخر يقول لك : أنا أريد أن أشتري بيتاً وأملك نصف ثمنه فيأخذ قرضاً من شخص يساوي نصفه الآخر ويعدّه مؤجراً ويعطيه على القرض مبلغاً ، الصورة عقد إيجار لكنه عملياً ربا متى يصح أن تعطي إنساناً مائة ألف وتساهم معه في شراء بيت وتأخذ أجرة ؟ هذا البيت لو صار ضمن مشروع تنظيمي وأموالك ذهبت لأنك أنت مالك ، وكذلك لو صارت مشكلة والأسعار هبطت ومبلغك قَلَّ ، أما أنت تريد مبلغك كما هو وتريد أن تأخذ عليه أجراً في هذه المدة ، الصورة عقد إيجار أما الحقيقة عقد ربوي ، وكلكم يعلم أنه في بلاد كثيرة أن المرابين يأخذون شكلاً آخر ، المرابي في دولة تمنع الربا يضع سجادة على باب المحل أي إنسان مقترض للربا يقول له : أتبيعني هذه وهناك عبارة مشهورة أتبيعني هذه السجادة بألف ، يقول له: بعتك إياها ، أتبيعني إياها ديناً يقول له : بعتك إياها ، يكتب في دفتر الذمة من فلان ألف ليرة ثمن سجادة وانتهى العقد ، ثم يقول له : أتشتريها مني بثمان مائة يقول له : اشتريتها ويعطيه ثمنها نقداً .
ما الذي حصل ؟ دفع الثمان مائة وسجلت ألفاً ، فهذا عقد ربوي ، أما في الصورة فسجادة تباع شكلاً وتشترى وهماً.
خالق الكون ألا يعرف هذا ؟ أتنطلي عليه هذه الحيلة وأحياناً تكون الحيلة على شكل صندوق شاي ومرة على شكل سلعة ما ، لا يوجد غيرها يبيعها باليوم مائة مرة ، يبيعها ديناً ويسجلها ويشتريها نقداً ويدفع ثمنها ، ففي دفتر الحسابات سجل ألفاً ودفع صاحبه ثمان مائة ، وهذا عقد ربوي .
الإنسان حينما يسلك سبيل الحيلة الشرعية فهذا إيمانه بالله صفر لا يعرف الله أبداً ولكني أقول لكم وأكرر : أكثر شيء شائع بين المسلمين وبين رواد المساجد الاستثمار بنسب ثابتة وهذا يلتقي مع الربا تماماً من دون شك.
واستئجار البيوت ؛ ساعدته في شراء بيت وأخذت أجرة إلى حين أن يوفيك القرض فهذه الأجرة هي فائدة في الحقيقة ، أما إذا ساعدته في شراء بيت وكتب باسمك وأخذت أجرة فهذا حلال وبعد أن ينتهي وبعد حين يمكنك أن تبيع حصتك بسعر السوق ، أو أن البيت إذا صدر بحقه قرار تنظيم وصار مستملكاً ونزل سعره أو غلا سعره وأنت مالك والمالك ضامن ، فلك ذلك .
والإمام الفخر الرازي يقول أيضاً : إن الفقراء الذين يشاهدون أنه أُخذتْ أموالهم بسبب الربا يلعنون المرابي ويدعون عليه .
شيء طبيعي جداً المال شقيق الروح ، وكل إنسان أخذ من أموالك فوق طاقتك تلعنه وتتمنى دماره ، أما الذي أعانك بقرض حسن تدعو له ، شتان بين من يدعو لك وبين من يدعو عليك . شتان .
وهناك من يقول : إن الربا أحد أسباب الحروب بين الدول ، القروض الربوية التي أرهقت كاهل بعض الدول الفقيرة هي سبب حروب طاحنة و سفك دماء كثيرة ، إذاً ، اجتماعياً ، الربا يجعل تقاطع الصلات بين أفراد المجتمع ، ويسبب البطالة ويسهم في غلاء الأسعار ويحرم البلاد قيمة المشاريع الإنتاجية ولهذه العلل كلها : البطالة والغلاء والعداوة وعدم إعمار الأرض ، لهذه الأسباب كلها حرّم ربنا جل جلاله الربا ، قال تعالى :

(سورة البقرة )
الملخص أن المال لا ينبغي أن يلد المال والأعمال وحدها هي التي يمكن أن تلد المال وبهذا تتوزع الكتلة النقدية بين أفراد المجتمع جميعاً ويعم الرخاء وتنهض الأمة وما هذا الوعيد الخطير في القرآن الكريم للمرابين إلا بسبب أن الربا يعم ضرره الأمة كلها ويؤدي هوانها وذلها .
والحمد لله رب العالمين





[
quote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Empty
مُساهمةموضوع: : الحيل الشرعية .   الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Emptyالسبت مارس 27, 2010 8:39 am




: الحيل الشرعية .




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم :
لا زلنا في موضوع الربا وقد سار الموضوع وفق الخطة التالية : تحريم الربا في القرآن والسنة ، ثم كيف أن التدابير الوقائية لعدم الوقوع في هذه المعصية الكبيرة تقوم على الإيمان بالله عز وجل ، والصلح معه ومعرفة ما ينتظر العبد من ثواب إذا أطاعه ومن عذاب أليم إذا عصاه ، ولكن معظم الناس حينما يلجؤون إلى التعامل الربوي وهم يخشون الله عز وجل فيما يبدو يستخدمون الحيل الشرعية لأكل الربا تحت أسماء شرعية كالبيع والشراء . لذلك ، هذا الدرس مخصص للحيل الشرعية وكيف أن بعض المسلمين تزل أقدامهم فيحتالون على الشرع وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، ولكن الحقيقة أن الله الذي يعلم السر وأخفى . لا تخفى عليه الحيل ، وربما كما ترون بعد قليل كان إثم المحتال أكبر من إثم الذي يرتكب المعصية من دون حيلة .
على كل هناك من يتعامل بالربا ويسمي هذا التعامل بغير اسمه ويظهر غير ما يبطن ويحاول عبثاً الاحتيال على الله عز وجل .
قلت لكم من قبل : إن بعض الناس يحتالون على الله وكأن الله عز وجل لا يعلم سرهم ونجواهم ولا يعلم نواياهم ومقاصدهم ، إن هذا الاحتيال ينطوي على جهل بالله ، جهل خطير .
أحد العلماء يقول : يخادعون الله كأنهم يخادعون آدمياً ، لو أتوا الأمر عياناً كان أهون عند الله ، يعني حينما يعلن الإنسان ضعفه ويرتكب المعصية فهذا أخف في ميزان المعصية مما لو لجأ إلى حيلة وأظهر نفسه أنه لم يعص ، ونسي أن الذي يحتال عليه هو خالق الكون ، والموضوع أيها الإخوة له علاقة بالربا ولكن أردت من موضوع الحيل الشرعية أن نعالج موضوع الحيلة مطلقاً، لأن أيّ إنسان يحتال ليتهرب من أداء ما عليه أو ليقترف ما نهى الله عنه، إنسان يسلك طريق الحيلة وهو إنما يفعل شيئاً يعبر عن جهله بالله ولا أكتمكم أن إثم المحتال أشد من إثم العاصي من دون حيلة .
النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي روي عنه ضيّق على المحتالين الخناق .
" فقال صلى الله عليه وسلم : لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل "
أنتم وطنوا أنفسكم أن أي إنسان أفتى لكم فتوى تنطوي على حيلة فهذه الحيلة مرفوضة لأنك تعامل الله ، والله عز وجل لا تنطلي عليه الحيل يعرف السر وأخفى ، يعرف ما أظهرت وما أبطنت ، ما أسررت وما أعلنت .
" فقال صلى الله عليه وسلم : لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل "
لو عدنا إلى معاجم اللغة ما معنى الحيلة في العرف اللغوي ؟ في أوسع معجم من معاجم العربية معجم لسان العرب لابن منظور يقول : الحيلة اسم من الاحتيال ، الاحتيال مصدر والحيلة اسم ، كأن تقول : غِشٌ وغَشٌ. غِش هو المادة المضافة إلى المادة المغشوشة ، أما الغش آلية الإضافة ، السِّتر الرداء الذي تستر نفسك به أما السَّتر عملية إرخاء الستار، السَترُ والسِتر والغَشُ والغِش والشَقُ والشِق ، يعني حينما تعمل هكذا بالخشب مثلاً فهذه العملية تسمى الشَّق أما هذا اسمه شِق، الاحتيال ، الحيلة اسم من الاحتيال والاحتيال مصدر .
فالاحتيال والحَوَل والحيل والحَوْل والحيلة والحويل والمحالة والاحتيال والتحول والتحيل كل ذلك بمعنى واحد .
الحِذق وجودة النظر والقدرة على دقة التصرف هذا معنى الحيلة أو الاحتيال في معاجم اللغة ، هذا المعنى اللغوي كما تعلمون نحن نستعرض المعنى اللغوي والمعنى الشرعي .
أما المعنى الشرعي للحيلة أو المعنى الذي غلب على استعمالها قبل الشرعي هو : ما يتوصل به إلى حالة ما خفية ، هي ما يتوصل به إلى مقصود بطريق خفي ، يعني إما أن تصل إلى هدفك بطريقة جلية واضحة مكشوفة معلنة وإما أن تصل إلى هدفك بطريقة خفية يعني أنت تريد أن تغادر هذا المجلس ، هذا قصدك ، يجوز لإنسان أن يقف ويقول للحاضرين أنا عندي موعد السلام عليكم .
هذه طريقة لمغادرة المجلس بشكل جلي ، أما إذا تصنع أنه قد رعف وقد خرج إلى الحمام وبعدها لم يعد ، الآن خرج بطريقة احتيال ، فإذا خرجت بطريقة جلية شيء وأما إذا حققت مقصودك بطريقة خفية فهذه هي الحيلة التي وردت في العرف الاجتماعي وهي :
ما يتوصل به إلى حالةٍ ما خفية ، ما يتوصل به إلى مقصود عن طريق خفي .
لكن أيها الإخوة الحيلة تختلف اختلافاً بيناً بحسب الباعث عليها ، قد يكون الباعث على الحيلة إبطال حق أو إحقاق باطل ، وهذا أخطر شيء في أنواع الحيل أي : أن تستهدف بهذه الحيلة إبطال حق أو إحقاق باطل . هذا نوع .
وقد يكون الباعث على الحيلة إثبات حق أو دفع باطل وهذا مقبول بل الحيلة واجبة ، وقد يكون الباعث على الحيلة السلامة من مكروه أو من أذى أو من عطب وهذا جيد ، وقد يكون الباعث على الحيلة الهروب من مندوب أو واجب .
تُقيّم الحيلة بحسب الباعث عليها ، تقيّم الحيلة بحسب الهدف منها ، فما كل حيلة حيلة ، الحيل من صفات الأذكياء . أما أنت يجوز لك مثلاً أن تحتال على زوجين متخاصمين للتوفيق بينهما بأسلوب لطيف ، هذه حيلة مندوبة.
قد تحتال على إنسان بحمله على الصلاة وهذا ممكن ، قد تحتال على إنسان لحمله على حضور مجالس العلم كذلك ، فالحيلة أنواع كثيرة ، لكن أخطر نوع فيها أن تستخدمها لإبطال حق أو لإحقاق باطل ، الحيلة من أجل إحقاق حق أو إبطال باطل فهذه واجبة بل ربما ترتقي أحياناً إلى مستوى الفرض بأن تحق الحق وأن تبطل الباطل .
لذلك بعض العلماء قسم الحيل وأعطاها أحكامها الشرعية فقال إذا توصلت بطريق مباح إلى إبطال حق وإثبات باطل فهذه الحيلة حرام باتفاق العلماء. أية حيلة يعني كأن وقعته على ورقة فارغة من أجل وكالة لاستلام بريد ، فإذا بهذا التوكيل الذي كان لاستلام البريد استخدم لبيع بيت، بين وكالة لاستلام بريد وبين بيع بيت هذه حيلة ، اغتصبت منه البيت بهذه الطريقة .
وآخرُ كتب لك إيصالاً ووقع في أسفل الورقة وأنت انتبهت أنه يوجد مسافة كبيرة فأثبت بين آخر سطر وبين التوقيع عشرات الدفعات هذه حيلة ، وممكن أن تستخدم الحيل لاغتصاب أموال الناس ، يمكن أن تستخدم الحيل لإبطال الحق أو لإحقاق الباطل . الحيل التي يستخدمها الناس لإبطال الحق أو لإحقاق الباطل حرام أشد التحريم باتفاق علماء المسلمين .
وإن توصلت بالحيلة بطريق مباح إلى إثبات حق أو دفع باطل فهي واجبة أو مستحبة ، والواجب قريب من الفرض وعند بعض المذاهب هو الفرض بعينه ، إحقاق حق أو دفع باطل وإن توصلت بها بطريق مباح إلى السلامة من مكروه فهي مستحبة أو مباحة ، سَلمْتَ من مكروه أو من أذى بحيلة فهذا جائز لك .
تذكرون قصة السمكات الثلاث ، السمكة العاقلة قالت : العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها ؛ وخلاصة القصة : مر صيادان بغدير ماء فيه سمكات ثلاث ، كيسة وأكيس منها وعاجزة ، وتواعد الصيادان أن يرجعا ومعهما شباكهما ليصيدا ما فيه من السمك فسمعت السمكات قولهما وهي قصة رمزية لكن بليغة ، فأما أكيسهن فإنها ارتابت وتخوفت ولم تعرج على شيء حتى خرجت من الغدير وقالت العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها ، أما الأقل ذكاء وهي الكيسة بقيت في مكانها حتى عاد الصيادان فذهبت لتخرج من حيث خرجت رفيقتها فإذا بالمكان قد سد فقالت: فرطت وهذه عاقبة التفريط ، غير أن العاقل لا يعدم من منافع الرأي ثم إنها تماوتت منقلبة على ظهرها تارة وعلى بطنها تارة ، فأخذها الصياد ووضعها على الأرض بين النهر والغدير ، فوثبت في النهر فنجت ، فهذه احتالت وأنقذت نفسها من صيد محقق وأنقذت نفسها من الهلاك . وأما الثالثة فوقعت في شباك الصيد وأخذها الصيادان . وذلك لعجزها عن الاحتيال لعدم فهمها فهلكت .
فالمؤمن كيس فطن حذر ، إذا كان هناك هلاك محقق عليه أن ينقذ نفسه بطريقة أو بأخرى ، سيدنا حذيفة بن اليمان أمره النبي أن يذهب إلى معسكر العدو لكي يتقصى الأخبار فلما أصبح بين ظهرانيهم قال : أبو سفيان لعل فيكم غريباً ليتفقد كل منكم صاحبه بأسرع من لمح البصر وضع يده على يد من بجانبه وقال له : من أنت ؟ بهذه الحيلة نجا من الموت المحقق ، فالمؤمن كيس فطن حذر ، فالحيلة التي تستخدمها لتنجو من عذاب محقق أو من ظلم أو من هلاك أو من مكروه فهذا شيء سليم وطبيعي وهذا يعبر عن ذكائك وتوفيق الله لك ، والحيلة التي تستخدمها لإحقاق حق ولإبطال باطل هي مستحبة وترقى إلى مستوى الواجب .
وأحياناً تكون الحيلة في التغابي :
ليس الغبي سيداً في قومه لكن سيد قومه المتغابي
أما أن تستخدم الحيلة لإبطال حق فأعوذ بالله أو لإحقاق باطل فهذه محرمة أشد التحريم .
الحيلة الشرعية ، الحيلة تقيّم ببواعثها وأهدافها ، الآن إذا توصلت بالحيلة إلى ترك مندوب فهي مكروهة ، شيء ندبك الله أن تفعله وبالحيلة تملصت منه ، فهذا صواب . وهأنذا أعود وأكرر :
إذا توصلت بالحيلة إلى النجاة من مكروه أو أذى فهي واجبة ومستحبة وإذا أردت بالحيلة إحقاق الحق فهي واجبة . أما الشيء الخطير في الحيلة إذا استخدمت الحيلة لإحقاق الباطل أو لإبطال الحق فهي محرمة أشد التحريم.
الحقيقة كلمة الحيلة إذا أطلقت انصرفت إلى النوع الأول ؛ وهو أن تبطل بالحيلة الحق وأن تحق الباطل ، كلمة حيلة يعني أبطلت الحق أو أثبتت باطلاً وهي أنواع كثيرة : لإحقاق الحق ومنع الباطل واجب ، وللنجاة من ظلم وهلاك محقق مستحبة بل واجبة ، ولترك مندوب مكروهة .
لكن إذا أطلق الحيلة انصرفت إلى النوع الأول وهي الحيلة التي تحق الباطل وتبطل الحق .
العلماء قالوا : الحيل كلها محرمة غير جائزة في شيء من الدين ، أية حيلة ؟ نقصد بالحيلة : الحيلة التي نستخدمها لإبطال الحق أو إحقاق الباطل ، لذلك فالعلماء قالوا : الحيل كلها محرمة غير جائزة في شيء من الدين وهو أن يظهر عقداً مباحاً يريد به محرماً مخادعةً وتوصُّلاً إلى فعل ما حرم الله واستباحة محظوراته ، يعني في دور البغاء في العصور القديمة كانت البغي تغطي نفسها فيدخل الرجل ويعمل عقداً وعندما يخرج يطلق ، هذه كلها حيل وكل حيلة يقصد بها إحقاق باطل أو إبطال حق فهي محرمة بإجماع العلماء والمسلمين .
فالحيل كلها محرمة وغير جائزة في أيّ شيء من الدين وهو أن يظهر عقداً مباحاً يريد به عقداً محرماً مخادعةً وتوصُّلاً إلى فعل ما حرم الله واستباحة محظوراته أو إسقاط واجب أو دفع حق أو نحو ذلك . فمثلاً :
قبل أن يحول الحول على المال يهب الزوج بعضَه لزوجته فيقلّ عن نصاب الزكاة فيعفى من الزكاة ، بعد أن يحول الحول تعود الزوجة وتهب الزوج زوجها ما وهبها زوجها قبل أيام فعاد المال لحوزته هذا منتهى الجهل والغباء ، هذا كالمستهزئ بالله عز وجل وسوف ترون بعد قليل أن له عقاباً عند الله كبيراً ، الإمام الشاطبي يقول :
حقيقة الحيل أنها : تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي و تحويله في الظاهر إلى حكم آخر فمآل العمل فيها خرم القواعد الشرعية في الواقع أي تفريغ الشرع من مضمونه .
لا تنسوا أيها الإخوة أن هناك قولاً رائعاً : إن الشريعة عدل كلها ، الشريعة رحمة كلها ، الشريعة مصالح كلها ، فكل قضية خرجت من العدل إلى الجور ومن المصلحة إلى المفسدة ومن الرحمة إلى القسوة فليست من الشريعة ولو أُدخلتْ عليها بألف قول وقول .
الطلاق مباح . هناك أزواج قبيل وفاتهم يطلقون زوجاتهم لئلا يأخذن من ميراثهم ، يكون متأخرها أقل بكثير من نصيبها من الميراث ، يعني بالكلمة الدارجة مثل هؤلاء سوف يفرمون فرماً من قبل الله عز وجل ، هذه الحيل استهزاء بالله عز وجل ولعب بالشرع واستخفاف بقواعد الشريعة .
الحقيقة وهناك حيل منها : واحد سافر إلى بلد أجنبي أراد الزواج المؤقت وهو سيقيم أربع سنوات فعند الإمام الأوزاعي التأبيد شرط لصحة عقد الزواج أما هو لو جاء بفتاة ووقف أمام القاضي وحصل الإيجاب والقبول والشاهدان والمهر فالزواج فقهياً صحيح ، لكنّه ماذا أضمر في صدره : أنه مؤقت ، أضمر التوقيت وأعلن التأبيد فصار هذا الزواج صحيحاً قضاءً فاسداً ديانةً، هذه أيضاً حيلة ولابد من التأبيد في الزواج ، هل تقبل لابنتك زواجاً مؤقتاً لأمد قصير لصيفية يقضيها سائح في بلده ؟ هل ترضى أن يأتي سائح من بلد عربي يتزوج ابنتك شهرين فقط أو شهراً واحداً أنا متأكد أنك لن ترضاه ، إذاً فكيف بك تحتال على الآخرين . فهذا مما لا يرضاه الله عز وجل والمحتال مسؤول وسوف يسأل ويحاسب عنه .
العلماء بعضهم أبطل الحيل قضاء وديانة وبعضهم أبطلها ديانة وأثبتها قضاءً وبعضهم أثبتها ديانة وقضاءً والموضوع خلافي ولكل أدلته التي سوف نمر بها بعد قليل إن شاء الله ، على كل من الحيل أن تسمي الشيء بغير اسمه ، فقد ظهرت فتوى بمصر مفادها أن المواطن يقرض الدولة مبلغاً يضعه في المصرف والدولة تكافئه عليه بمكافأة في نهاية العام ، فسمينا العقد الربوي قرضاً وسمينا الفائدة مكافأة .
يا ترى تَغَيُّر الاسم هل يُغير الحقيقة ؟ إذا جئنا بخنزير وقلنا هذا خروف هل يصبح خروفاً ، من السذاجة والبساطة أن تغير الاسم وتتوهم أن الحقيقة تغيرت ، الخنزير يبقى خنزيراً، ضع عليه لوحة "خروف" اكتبها بالثلثي بالرقعي وبالفارسي وبالكوفي والإنكليزي يبقى خنزيراً ، ومهما تفننت باللوحة والخطوط واللغات فهو خنزير لا تتغير حقيقته .
تغير الاسم لا يغير المسمى ، دققوا تغير الاسم لا يغير المسمى ، فأية حيلة يبتغي المرء بها التحايل على تحليل الحرام عن طريق الاسم فهي مرفوضة فالحرام حرام والحلال حلال .
نعود إلى الربا ؛ عندنا قاعدة أصولية : إن العبرة بما أضمر لا بما أظهر، أنت لو قلت لإنسان بعتك هذا الكتاب ب، ع ، ت ، كاف الخطاب ، بعتك هذا الكتاب بلا ثمن هذا عند الفقهاء عقد هبة لأنه بلا ثمن .
وإذا قلت لإنسان وأنت ورع جداً وصاحب مكتبة : وهبتك هذا المصحف بألف ليرة هذا عقد بيع، تخاف من كلمة بيع لأن كتاب الله لا يباع ، يقول له : بكم وِهبتُهُ ، يقول له : بألف ليرة فقط ، هذا عقد بيع لا عقد هبة، فالعبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني هذه قاعدة أساسية تغير الاسم لا يغير حقيقة الشيء فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام أو القرآن الكريم شدد على المنافقين . من هم المنافقون ؟ الذين أعلنوا بألسنتهم الإيمان بالله ورسوله والآية الدقيقة قال تعالى :

(سورة المنافقون )
إذاً العبرة بالألفاظ والمباني . فالمنافقون مؤمنون ظاهراً لأنهم قالوا نشهد إنك لرسول الله ، والله عز وجل أثبت كذبهم وتوعدهم بعذاب أليم قال تعالى :

(سورة المنافقون )
فلو عددنا أن اللفظ وحده يكفي فالمنافق مؤمن أعلن الإيمان بلسانه وشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وهو عند الله ليس مؤمناً ، إن المنافقين هم الكافرون.
إذاً لو أن الأمر كما يدعي أصحاب الحيل بالألفاظ والمباني لأصبح المنافقون مؤمنين ، لكن الأمر بالمقاصد والمعاني ، بالنوايا .
الحديث الشريف الذي يعد أصلاً كبيراً في منع الحيل هو الحديث المتواتر الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام وقد رواه الإمام البخاري :
" سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ُ: إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ "
إنما يعني أنّ العمل يقيّم حصراً بنية فاعله هذا الحديث يبطل كل الحيل الشرعية ينسفها من أساسها ، ونحن نسميها حيلاً شرعية تجاوزاً ، يعني الحيل التي يحتال بها على الشرع .
يقول بعض العلماء هذا الحديث أصل في إبطال الحيل وبه احتج البخاري على ذلك فإن من أراد أن يعامل رجلاً معاملة يعطيه بها ألفاً بألف وخمس مائة إلى أجل ، هذا عقد ربوي كمن أقرضه تسع مائة قرضاً حسناً وباعه ثوباً يساوي مئة بست مائة ، ثم استرد التسع مائة وأخـذ المائة من ثمن الثوب والخمس مائة هي فائدة الألف ، أما الصورة فبيع وشراء ، أقرضه قرضاً حسناً بتسع مائة ليرة وباعه ثوباً قيمته مائة بست مائة فالذي حصل أنه أقرضه ألفاً واسترد ألفاً وخمس مائة.
" ... إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ... "
يقول بعض الأئمة الكبار : النية روح العمل ولبه وقوامه وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال كلمتين كفتا وشفتا وتحتهما كنوز العلم وهما قوله :
" ... إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ... "
والله يا أخوان ، هذا الحديث أصل في الدين إذا عقلناه وفهمنا أبعاده ومراميه ومعانيه الدقيقة نتحرك عندئذ وفق الشرع تماماً لكن هناك آلاف التصرفات وهي كلها باطلة .
هذا الحديث يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال وهذا دليل على أنه من نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا ولا يعصمه من ذلك صورة البيع ، هذه الصورة الشكلية لا تعفيه من إثم الربا
القاعدة التي شرحناها قبل قليل : العبرة بما أضمر لا بما أظهر ، إليكم الأدلة : فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن النجش ، فما هو النجش ؟ قالوا : أنت أمام بائع تسوم سلعة فجاء شخص ودفع بها مبلغاً كبيراً وأنت بحاجة إليها فلما سمع المشتري أن هذا الشاري دفع ثمناً باهظاً رغب في هذه السلعة واشتراها وقال له : أنا جئت أولاً أعطني إياها ، لكن الزبون الثاني قادم خلبي وممثل ، قد كلفه البائع بهذا الدور التمثيلي ، وهذا يجري أيضاً في بيع البيوت وغيرها .
" ... إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ..."
فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن النجش .
تعريفه الشرعي : الزيادة التي يقصد من خلالها الإضرار بالآخرين .
" حَدَّثَنا عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النَّجْشِ * "
النجش يعني حيلة ، دخل إنسان متجراً ، طلب هذه البضاعة ، ودفع بها ثمناً غالياً والشاري الأول بحاجة إليها وكان يظن أنها غالية فلما دفع الآخر هذا الرقم ثمناً لها ، فإن الأول تقدم واشتراها .
في حياتنا اليومية آلاف بل عشرات الألوف من أساليب البيع والشراء المبنية على الحيلة التي يسمونها شرعية ، فمن يضيع ؟ الذي يضيع الجاهل لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال :
" غبن المسترسل ربا "
إذا انسان جاهل ونيته طيبة ومعه مال ليشتري به حاجة وأنت احتلت عليه فهذا احتيال ، فقد يقول لك الطبيب : تحتاج الزوجة لعملية قيصرية ، ويستعظم الأمر ويهوِّله للزوج ويصرّ على أن هذه الصورة خطيرة ولا بد من قيصرية ، بينما الولادة العادية تكلف ألفين أما القيصرية فتكلفتها ستة عشر ألفاً وينخدع الزوج .
الله عز وجل كبير ، والذي يعرف الله لا يستطيع أن يتكلم خلاف الحق ولا خلاف مصلحة المريض ولا خلاف مصلحة الموكل ولا خلاف مصلحة الطالب ولا خلاف مصلحة الشاري لأنك تعرف الله وهو مطلع على السر وأخفى ، ومطلع على نواياك وعلى أساليبك . ولقد ذكرت مرةً قصةً : زارنا أخ كريم طبيب مشهور ، فبعدما انتهت الخطبة أحب أن يجلس معي قليلاً فمن حديث لحديث قال لي : زارتني مريضة معها ورم خبيث بالثدي وقد وصل إلى كتفها والمرأة فقيرة ولها سبعة أولاد وزوجها موظف ، وقال هذا الطبيب وهو معروف بالصلاح والاستقامة والتفوق العلمي وقد تخرج خلال خمسين سنة أطباء كثيرون في الجامعة ممن درسهم ورأى الأمر قد تفاقم إلى درجة كبيرة والأمر يستعصي على الاستئصال الجراحي والمعالجة بالأشعة وعلى المعالجة بالدواء وشعر أن هذه امرأة فقيرة ولها أولاد كثر وزوجها فقير ثم قال : تألمت أشد الألم وكأنها ابنتي لكنني صببت نقمتي على زوجها ، دخلت معه إلى غرفة أخرى وقلت له أنت مجرم قال : لماذا يا طبيب ، قلت له : تأتيني في مثل هذا الوقت بعد أن تفاقم المرض إلى كتفها حتى صار لا يجدي لا استئصال جراحي ولا معالجة دوائية ، قال : أنا عند الطبيب الفلاني منذ سنة زميلك ولم يقل لي : إنه سرطان ، جئنا وذهبنا مئات المرات ، مرة يقول لي : التهاب ومرة كورتزون ومرة ... أدرك هذا الطبيب وزوج المريضة أن الأول قد ابتز أموالهما بهذا العام الطويل ولم يخبرهما بحقيقة المرض فلو أخبرهما بالوقت المناسب لكان الأمل بالشفاء كبيراً جداً، ثم قال لي هذا الطبيب الكريم : فجأة وقع زوج المريضة على الأرض ساجداً وقال : يا رب أنت موجود إن كان هذا الطبيب الأول قد فعل بنا ابتزازاً فابتله بالمرض نفسه ودعا دعاء اقشعر منه جلدي وخففت عنه ما استطعت لكن بعد أسبوعين توفيت المرأة لأن الوضع كان خطيراً جداً والقصة طوتها الأيام ونسيها هذا الطبيب ، وبعد تسعة أشهر يأتيه مريض شاب مصاب بمرض السرطان بالصدر قد وصل إلى كتفه وجلس على المقعد نفسه متهالكاً ضعيف المعنويات فلما سألته عما يشكو قال : سرطان في الصدر وقد وصل إلى كتفي فلما سألته عن اسمه قال : أنا زميلك يا طبيب ، فلما عرف الاسم بالضبط فإذا هو الطبيب نفسه الذي ابتز الزوج ودعا عليه وعمره خمس وثلاثون سنة .
الله عز وجل كبير ، الإنسان قبل أن يحتال ويبتز أموال الناس وقبل أن يكذب عليهم وقبل أن يوهمهم ، وقبل أن يتفق مع المحلل بأن يقوم بتحليل أول بند مسجل تحليل والباقي أهمله والمال مناصفةً ، قبل أن يعمل أساليب ويظن أنه ذكي فليعلم أنّ الله عز وجل كبير ، وهذه الحيل مبنية على جهل بالله ، وابتزاز أموال الناس وإيهامهم ، هذه كلها أساليب يعاقَب عليها الإنسان بالدنيا قبل الآخرة .
فالنجش محرم ، تُحضر زبوناً خلبياً يدفع سعراً عالياً حتى تثبت البيعة ، فهذا حرام حرام.
مرة كنت في الحج وهناك أخ كريم روى لي قصة أن شخصاً يسكن في شمال جدة وعنده أرض ولما توسعت جدة أصبحت أرضه ضمن المخطط التنظيمي فذهب لبيع هذه الأرض في مكتب عقاري فرأوه جاهلاً فاحتالوا عليه واشتروها بثلث قيمتها وعمروا بناء من ثلاثة وعشرين طابقاً وهم ثلاثة شركاء ، أول شريك وقع من سطح البناء فدقت عنقه ومات، الشريك الثاني مات بحادث أما الثالث فقد بحث عن صاحب الأرض طيلة ستة أشهر حتى عثر عليه وأعطاه الفرق وقال له : هذه الأرض كانت تساوي مليون ونصف وأخذناها منك بخمس مائة وأنا عليَّ ثلث هذه القيمة، ونقده ثلاث مائة وخمسين فقال له البدوي : "ترى أنت لحَّقْتَ نفسك " ، أي أدرك نفسه قبل أن يعاقبه الله سبحانه .
الحيلة عاقبتها عقاب أليم فالنبي نهى عن النجش ، يعني تستعين بزبون خلبي حتى توهم الشاري أن هذه السلعة غالية الثمن ويشتريها ، وهناك ألف نوع من الأساليب كله مبني على الغش وعلى الخداع .
النجش كما يقول العلامة العيني رحمه الله تعالى : هو أن يزيد في الثمن بلا رغبة فيه ليوقع الغير فيه وأنه ضرب من التحيل في تكثير الثمن .
هناك حالة ثانية :
أنت في مجلس البيع جاءك رجل ليشتري حاجة ، وصار في إيجاب وقبول وصار بيع ولكن ما دمت أنت وإياه في مجلس واحد يتمكن في المجلس نفسه أن يقول لك : أعذرني لا رغبة لي بالشراء وذلك من حقه . وهذا اسمه خيار المجلس ، ما دام البائع والمشتري في مجلس واحد فمن حق المشتري أن يفسخ العقد فماذا يفعل البائع ؟ لما صار إيجاب وقبول يقول : عندي موعد اسمح لي ويخرج ، إذا خرج البائع من المجلس فالبيع ثبت ، لأنه لم يُعطِه مهلة أن يفكر ، سألك عن السعر وقال لك : اشتريت ، قلت له: أاشتريت ؟ قال : نعم . ثم قال : وأنا عندي موعد وخرج من مكتب البيع ليمنع المشتري من التفكير ويقتنع بصحة هذا الشراء ، لكن إذا كان البائع ما زال موجوداً فحق فسخ البيع قائم بخيار المجلس فالنبي عليه الصلاة والسلام أيضاً :
" أَخْبَرَنَا عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ "
أجل : ماله حق أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله ، أساس البيع فيه خيار، اشتريت بيتاً يجب أن تعرف أعليه رهن أو تنظيم ؟ قال لك : اكشف عنه إذا ثبت لك أنه ليس عليه شيء البيع قائم، هذا الخيار بأصل العقد وقلت له : إني على عجلة من أمري ليس هناك مانع ، لكن إذا البيع ليس فيه خيار ، لم يبق سوى خيار واحد وهو خيار المجلس بمجرد أن أجاب صار في إيجاب وقبول لكن إن قلت له : إني على عجل من أمري وغادرت ، فأنت منعته من خيار المجلس والنبي الكريم نهى عن ذلك :
" ... وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ ... "
إذاً النبي نهى عن هذه الحيلة : الخروج السريع من المجلس من أجل أن يمنع الشاري من أن يستفيد من خيار المجلس هذه حيلة نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام .
كلكم يعلم أنه لا يجوز للمحرم أن يصيد في أثناء إحرامه أما المتحلل فيجوز أن يصيد فإذا متحلل صاد لمحرم فهذه حيلة شرعية ، أنت لا يجوز أن تصيد أنا سوف أصيد لك وأطعمك لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام :
" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلالٌ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ . "
أنت كحاج أكلت لحماً من صيد قد صاده الصائد لك فهذا حرام ، أنت لم تصطده لكن صيد لك .
ما دام النبي نهى عن النجش ونهى عن المفارقة لإسقاط خيار المجلس ونهى عن الاحتيال في إطعام المحرم طعاماً صادَهُ له المتحلل إذاً النبي في هذه الأحاديث الثلاثة منع الحيلة الشرعية .
أحد العلماء يقول الاحتيال الشرعي خداع لله واستهزاء بآيات الله وتلاعب بحدود الله .
مثلاً حلف بالطلاق بالثلاثة ، فإن حلل لك شيخ يحرمه لك عشرة ، فماذا يفعلون عندئذ؟ يزوجونها لشخص آخر مدة يوم واحد وهذا سماه النبي التيس المستعار :
" قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ ، قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ "
التيس المستعار حيلة يسمونها شرعية ، وهي غير صحيحة ، فلذلك الإنسان قبل أن يتكلم قبل أن يقف هذا الموقف ، قبل أن يسلك هذا السبيل فهناك عقوبات قاصمة وشديدة للمحتالين .
قد تستغربون أن المحتال أسوأ حالاً وعاقبةً من مرتكب المعصية بغير حيلة، أنت على مستوى بسيط إذا كنت معك بضاعة تنتقل من بلد إلى بلد فإذا صرحت عنها فلك شأن ، لكن إذا قلت : ليس معي شيء . فلما فتشوا الأغراض وجدوا في ثنيات هذه المحفظة مبلغاً من النقود فالجرم عندئذ يتضاعف ، وقانون الجمارك إذا أنت صرحت أخف بكثير مما لو ضبط هذا الشيء من دون أن تصرح ، ومعنى هذا أنك تحتال عليهم ، لذلك المحتالون أسوأ حالاً من مرتكبي المعاصي من غير حيلة .
لأن المرتكب معصية من غير حيلة ترجى توبته ، فهو أولاً شاعر بذنبه ونادم على فعله ويرجو التوبة من الله ، حاله النفسي أفضل بكثير من حال شخص يقول : لم أفعل شيئاً وأنا أسير ضمن الشرع ، لكنه في الحقيقة مرتكب لمعصية كبيرة بحيلة يتوهم أنها شرعية ، وليس مستعداً أن يتوب . فحال العاصي من دون حيلة أفضل بكثير من حال مرتكب المعصية بحيلة شرعية . أما الدليل ففي قصة أصحاب الجنة . هذه القصة التي وردت في سورة القلم . هؤلاء احتالوا على الفقراء وأرادوا أن يقطفوا ثمارهم ليلاً ليمنعوا الفقراء من حقهم فربنا عز وجل ابتلاهم بتدمير كل محصولهم قال تعالى:


(سورة القلم )
هذه القصة تفيد أن مرتكب المعصية بحيلة أشد إثماً وأسرع عقوبة من مرتكبيها من دون حيلة .
اليهود قصتهم شهيرة فقد حرم عليهم الصيد يوم السبت فاحتالوا بعمل أحواض على الشاطئ ففي يوم الجمعة تأتي الأسماك لهذه الأحواض ويوم الأحد يغلقون هذه الأحواض ويوم الأثنين يصطادون السمك . فهم لم يصطادوا يوم السبت . إن السمك دخل الأحواض يوم الجمعة ثم قفلوا الأحواض ويوم الأحد أو الاثنين اصطادوا السمك فربنا عز وجل قال :

(سورة البقرة )
قال بعض العلماء : اليهود أكلوا الربا وأكلوا أموالهم بينهم بالباطل وأكل المال الباطل أشد إثماً من أن يصطاد الإنسان ما أباحه الله أن يصطاده كل يوم ما عدا يوم السبت ، ومع ذلك لأنهم ارتكبوا هذه المعصية عن طريق الاحتيال كان العقاب أسرع وأشد ومسخهم الله قردة خاسئين .
ملخص الكلام أن حال مرتكب المعصية من دون حيلة أفضل من حال مرتكبها بحيلة ، وحال مرتكب المعصية بحيلة أشد عقاباً وأسرع انتقاماً من الله عز وجل ممن يرتكبها من دون حيلة فهذا الدرس أعتقد كأنه يكفي لاستئصال ما يتوهم بعض الناس أنه يمكن أن يفعل المعاصي بحيلة يسمونها شرعية .
النبي عليه الصلاة والسلام أخبر عن سوء حال المحتالين فقال :
" حَدَّثَنَا مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ ، فَيَقُولُونَ : ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "
يقولون هذه بيرة من دون كحول ، بيرة هذه حيلة ، خمر باسم آخر نوعوا الأسماء وأضافوا إضافات ، على كل حينما يضيع الإسلام في هذه الحيل صار السلوك سلوكاً فاسداً ، المظهر إسلامي والمخبر فيه معاصٍ لذلك هؤلاء يدعون الله فلا يستجيب لهم ، يا رب يا رب .
" يقول العبد يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له "
هذا الجهاز التلفاز خيال وليس حقيقة والمرأة التي ترقص خيالٌ والتحريم يتناول المرأة الحقيقية ، وهذا الغناء صدى وليس صوتاً حقيقياً ، منقول عبر الأمواج الصوتية ، والغناء صدى والصور خيال هكذا يدعون ، وكل معصية لها تعليل ولها تبرير ولها تفسير ، ترى المسلم نموذجه نموذج إنسان عادي ومثله مثل أيّ إنسان يرتكب كل المخالفات ضمن حيل شرعية، أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون وفيت هذا الدرس حقه وأن أكون وضحت أن الحيلة معناها كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى : خداع لله واستهزاء بآيات الله وتلاعب بحدود الله .
إلا الحيلة التي تبتغي منها إحقاق حق وإبطال باطل ، أو نجاة من ظلم محقق فهذه ليست حيلة بل هي واجبة ومستحبة ، أما أن تبطل حقاً وأن تحق باطلاً أو أن تتهرب من واجب ديني أو فريضة أو أن تقع فيما نهى الله عنه بأساليب خادعة فأساسها مرفوض لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
" ... إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ..."
أحياناً الإنسان يطلق زوجته بلا مؤخر عن طريق الخُلع يضايقها ويضايقها حتى تفتدي نفسها منه بلا شيء هذا طلاق وقد أكل متأخرها لذلك كما قال عليه الصلاة والسلام :
حَدَّثَنَا صُهَيْبُ الْخَيْرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَيُّمَا رَجُلٍ يَدِينُ دَيْنًا وَهُوَ مُجْمِعٌ أَنْ لا يُوَفِّيَهُ إِيَّاهُ لَقِيَ اللَّهَ سَارِقًا "
فأنت إذاً راقب نفسك : المدار هو نفسك والمدار هو ما تنطوي عليه نفسك، الأمور بمقاصدها والعبرة في العقود ليس للألفاظ والمباني ولكن للمقاصد والمعاني .
هذه كلها حقائق ، العبرة فيما أضمرت لا بما أظهرت فكل هذا الدرس يحوم حول أن الحيل الذي اعتادها الناس ليتهربوا من تكاليف الشرع أو من واجبات الشرع أو ليقعوا فيما حرم الله عز وجل هي في أساسها خداع لله واستهزاء بآياته وتلاعب بحدود الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين







[quote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Empty
مُساهمةموضوع: : القرض الحسن "1" .   الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Emptyالسبت مارس 27, 2010 8:41 am




: القرض الحسن "1" .



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الإخوة الأكارم :
لازلنا في موضوع الربا ولكن الحديث اليوم عن البديل الإسلامي للربا . إنه القرض الحسن، فماذا ورد عن القرض الحسن في القرآن والسنة وفي تاريخ الصحابة الكرام ؟
وما هي الأحكام التفصيلية المتعلقة بالقرض الحسن ؟

أيها الإخوة الأكارم :
و إني أسعى جهدي لأنتقل من موضوعات الفقه إلى ما نحن في أمس الحاجة إليه ، موضوع القرض ، ما من نشاط مالي بين المؤمنين أكثر أهمية من موضوع القرض ، ما دام الإسلام قد حرم الربا لكن واقع الحياة الاجتماعية أن الإنسان أحياناً يحتاج إلى مال ، فظروف الحياة صعبة والدخول متفاوتة والحاجات الطارئة كثيرة ، وقد يكون الإنسان ذا عضلات مفتولة و لديه قدرة كبيرة على العمل لكنه يفتقر إلى المال ، و هذا شيء طبيعي جداً، لذلك ما دام الربا محرماً ، وما من معصية توعد الله مرتكبها حرباً من الله ورسوله كمعصية الربا ، ما هو البديل الإسلامي لمثل هذه الحاجة الأساسية في المجتمع ؟
ما البديل ؟ البديل هو القرض الحسن ، لذلك شرع الإسلام الاستقراض للإنفاق وللاستثمار ، عملية جراحية طارئة ، استقرض الإنسان ليشتري آلة يعمل عليها فيقتات من دخلها ثم يعيد القرض إلى صاحبه .
شرع الإسلام الاستقراض لعلة الإنفاق ولعلة الاستثمار ، لكن المقترض أحياناً يماطل ويتهرب ويتعب الدائن ، لذلك فالمقترض الذي لا يدفع ويماطل ويُتعب يسد على غيره باب العمل الصالح ، و لذلك شدد الإسلام على المقترض لدرجة أنه لو جاهد مع رسول الله ووضع روحه على كفه وقتل في المعركة فعليه الصلاة والسلام كان لا يصلي عليه إذا كان عليه دين، و كما أن الإسلام حث على أن تقرض الآخرين ، حث المقترض على أداء الدين بالكمال والتمام والإحسان .
هذا ملخص الدرس أما تفاصيله فهي على النحو التالي :
تعريف القرض عند الفقهاء : تمليك الشيء على أن ترد بدله ، المال شيء وسمي القرض قرضاً لأن كلمة قَرَض تعني : قطع . لأنك تقتطع من مالك مالاً تقدمه لأخيك .
لكن القضية أن أساس القرض إيمان المؤمن بأنه لا يضيع له عند الله أجر العمل الصالح ، وأساس القرض هو الإحسان ، حينما تؤمن أنك جئت إلى الدنيا من أجل أن تكون محسناً فهذه العقيدة تنسجم مع القرض . أما إذا رأيت أن الدنيا هي كل شيء وأن المال هو كل شيء، وأن المال هو مادة الشهوات لذلك فالقرض لا يتناسب مع هذه العقيدة .
الإسلام كلّ لا يتجزأ ، لا يمكن أن تقنع إنساناً مادياً بالقرض . يقول لك أنا لست بساذج . لكن المؤمن يبادر إليه عن طيب نفس منه ، و حينما ترى أن بعض التكاليف يرفضها أهل الدنيا لا لأنها ليست منطقيةً ، ولكن لأنها لا تنسجم مع عقيدة أهل الدنيا ، لكن القرض الحسن ينسجم مع عقيدة الإيمان فأنت جئت إلى الدنيا من أجل العمل الصالح و هذا عمل صالح .
شخص مثلاً غادر إلى بلد أجنبي للسياحة فليس له شغل في المكتبات و لا يذهب إليها أما الذي ذهب إلى هذا البلد لطلب العلم كل علاقته بالمكتبات فيكاد يقيم فيها ، إنسان سائح يحتاج إلى متنزه وإلى فندق ، إلى مطعم إلى منظر جميل إلى مركبة يستأجرها ، إلى ملهى إلى متحف ، هذا منطق السياح ، أما أن يدخل إلى مكتبة يقبع بها اثنتي عشرة ساعة ، هذا من شأن الطلاب لا من شأن السياح ، فإذا كلفت سائحاً أن يدخل إلى هذه المكتبة ليمضي بها عشر ساعات يقول لك أنا لست مجنوناً ، طبعاً هذا التكليف يتناقض مع هذا العمل لكن لو كلفت طالباً على مشارف الامتحان وسينال أعلى شهادة : (الدكتوراه) وسيعود إلى بلده مزهواً بها متنعماً بهذه المرتبة العلمية ، فهذا الإنسان الذي على مشارف الامتحان لا يقبل أن يذهب معك إلى نزهة مهما أغريته . هذا له منطق وذاك له منطق فشيء طبيعي جداً أنّ الإنسان المادي الذي يرى الدنيا هي كل شيء وهي محط الرحال ونهاية الآمال وأن المال عصب الحياة ، طبيعي أن تكون هذه المنطلقات لا تنسجم مع القرض الحسن ، إن الشخص الاقتصادي يقول لك التضخم النقدي السنوي بالمائة سبعة عشر ، و سأخسر إن أنا أقرضت هذه المائة ألف، بمعنى أني سوف أستردها آخر السنة ثلاثَة و ثمانين ألفاً فأنا لست مجنوناً ، هذا إذا ردها لي و كان المدين صادقاً بوعده .
يروون نكتة : دَيّنتَهُ فرفش ، تركته طَنّشْ ، طالبته خَرمش .
أهل الدنيا يقولون كلمات وعبارات وتعليقات مفادها أن الذي يقرض الناس إنسان مجنون ، ولا سيما في أيام التضخم النقدي ، وإذا كان لابد فبعد التي واللتيا كما يقولون أقرض بالعملة الصعبة .
أعرف رجلاً استقرض ثمانية عشر ألفاً بالعملة الصعبة ليشتري بيتاً ، فاضطر أن يبيع البيت كله ليرد هذا القرض ، فهذا القرض قرضه قرضاً فهذه المقدمة مفادها ، لا يمكن أن تطالب إنساناً مادياً قيمه مادية يعيش حول ذاته ، و الدنيا عنده هي كل شيء أن تعرض عليه القرض الحسن .
شيء طبيعي جداً أن الإنسان المؤمن يعلم علم اليقين أنه هنا في الأرض من أجل العمل الصالح والقرض الحسن من أفضل الأعمال الصالحة كما سوف ترون ، والقرض الحسن هو بديل الربا أي القرض الربوي ، قد تجدون في كتب الفقه وكتب التاريخ والسيرة كلمة أسلف بمعنى أقرض أسلفه : أقرضه كلاهما بمعنى واحد .
الآن هل القرض مشروع في هذا الدين الحنيف ؟ طبعاً القرض له سند شرعي .
" حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : اسْتَقْرَضَ مِنِّي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَجَاءَهُ مَالٌ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالْأَدَاءُ "
قد يسأل أحدكم هذا السؤال أيعقل أن يُحيج الله نبيه إلى أن يقترض طبعاً لأنه مشرع ، لابد من أن يقرض وأن يقترض وأن يهب و أن يقبل الهبة وأن يرهن أحياناً ولا بد من أن يكون مثلاً أعلى ولا بد من أن يكون هذا الشرع العظيم في حياته اليومية لأنه قدوة ، وكل شيء نظري ليس له قيمة .
" ...اسْتَقْرَضَ مِنِّي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَجَاءَهُ مَالٌ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالأدَاءُ "
يجب أن تشكر من أقرضك ، قل له : الله يوفقك أكرمتني ، كنت في ضائقة شديدة وأفرجتني، و الله سبحانه قال : وقولوا للناس الحسنى ، شجعه على العمل الصالح ، اجعل المحسن يزداد إحساناً ، لكن أسمع كل قصة من مقترضين أساؤوا إلى من أقرضهم بالكلام القاسي وبالإهمال وأحياناً بالقسوة البالغة ، هؤلاء تنطبق عليهم الآية الكريمة قال تعالى :

(سورة الماعون )
"...إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالأَدَاءُ "
عليك أن تشكره بعبارات لطيفة جداً وأن تؤدي ما عليك له .
الآن أصحاب النبي عليهم رضوان الله كانوا يقرضون ويستقرضون في حياته وبعد انتقاله إلى رحمة الله .
في عهد النبي عليه الصلاة والسلام يبدو أن صاحبين من أصحابه أقرض أحدهما الآخر ويبدو أنهما اختلفا على أداء هذا القرض وسمع النبي صوتهما فكشف ستر حجرته ونادى كعب بن مالك :
" حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى : يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ الشَّطْرَ ، قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُمْ فَاقْضِهِ * "
ما هذه القوة التي يملكها النبي عليه الصلاة والسلام ، إشارة لم يكلف نفسه أن يقول كلمة واحدة أشار إليه أن ضع الشطر من دينك .
في عهد النبي كان أصحابه الكرام يستقرضون ويقرضون .
" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : كَانَتْ عَائِشَةُ تَدَّانُ فَقِيلَ لَهَا مَا لَكِ وَلِلدَّيْنِ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَا مِنْ عَبْدٍ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي أَدَاءِ دَيْنِهِ إِلا كَانَ لَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنٌ فَأَنَا أَلْتَمِسُ ذَلِكَ الْعَوْنَ * "
احفظوا هذا الحديث ، يكفي أن تنطوي على نية صادقة في أداء هذا الدين عندئذ تستحق العون من الله عز وجل .
" سيدنا عمر بن الخطاب عملاق الإسلام الإمام العادل الورع الشديد في أمر الله عز وجل أرسل إلى عبد الرحمن بن عوف يستسلفه أربع مائة درهم فقال عبد الرحمن بن عوف : أتستسلفني وعندك بيت المال ألا تأخذ منه ثم ترده ، فقال عمر : إني أتخوف أن يصيبني قدري ، وتقول أنت وأصحابك اتركوا هذا لأمير المؤمنين حتى يؤخذ من ميزاني يوم القيامة ولكن أستلفها منك لأني أعلم أنك سوف تطالبني إذا مت فتستوفيها من ورثتي " .
هذا ورع ما بعده ورع بيت المال بين يديه ، ولا يقول سآخذ هذا المبلغ و أعيده ، بل قال : أخاف أن يصيبني قدري وتقول أنت وأصحابك اتركوا هذا لأمير المؤمنين .
إذاً فالنبي عليه الصلاة والسلام استقرض وصحابته في حياته استقرضوا وبعد مماته استقرضوا ، لكن الحقيقة أن الإنسان أحياناً يقع في حيرة و أحاديث كثير يستعيذ النبي عليه الصلاة والسلام من خلالها من الدين :
" حَدَّثَنَا أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ : يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاةِ ، قَال:َ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : أَفَلا أُعَلِّمُكَ كَلامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ، قَالَ : قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ، قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي "
وفي حديث آخر في صحيح البخاري :
" عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاةِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ ، فَقَالَ : إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ "
فكيف يستعيذ عليه الصلاة والسلام من الدين ويراه مع الإثم وكيف يقول من غلبة الدين وقهر الرجال وكيف أن النبي استقرض وأصحابه استقرضوا وأقرضوا ، كيف نوفق بين مشروعية الدين واستعاذة النبي عليه الصلاة والسلام من غلبة الدين وقهر الرجال ؟
" ...فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ ، فَقَالَ : إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ "
غرم : أي أصبح تحت عبء الدين .
ربما يدفع الدين صاحبه إلى أن يكذب ويخلف وعده ، هذه سلبيات الدين و لذلك فالعلماء قالوا: النبي عليه الصلاة والسلام حذر من الدين لأن الدين أحياناً يجر إلى صفات المنافقين .
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ "* .
هذه مشكلة الدين ربما ساق صاحبه إلى أن يكذب وإلى أن يخلف الوعد لكن كأن النبي عليه الصلاة والسلام أراد بهذا الدين الذي استعان به، أن بعض الناس يستدين لسبب تافه ، وأحياناً ترى العلة غير مقبولة لشيء ثانوي ولشيء يعد من الكماليات غير ضروري ، وهذا الذي يستلف أو يستدين لسبب وجيه أو غير وجيه هذا يقع تحت عبء الدين ، ترى شخصاً ينفق إنفاقاً غير معقول ، كله دين ويصبح عليه هذا المبلغ عبئاً كبيراً ، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يستعيذ من غوائل الدين أي السلبيات : الهمُّ بالليل والذلُّ بالنهار ، أن يحملك الدين على أن تكذب ، أن يحملك الديْن على أن تخلف وعدك ، أكثر المدينين يقول لك : أعدك يوم الخميس . و ليس في نيته ولا بعد شهر أن يعطيك فصار يكذب ، تقول ابنته : قال بابا : إنه ليس هنا ، كذب وكان وقحاً في كذبه ، فهذا الدين لأسباب غير وجيهة ربما حمل صاحبه على الكذب ، و على الإفلاس .
" حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ زُرْعَةَ الْمَعَافِرِيُّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لا تُخِيفُوا أَنْفُسَكُمْ بَعْدَ أَمْنِهَا قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الدَّيْنُ "
إن كنت غير مدين فأنت ملك ، احتجْ إلى الرجل تكن أسيره ، يعني تتحاشى أن تسلم عليه وتتحاشى أن تمر بشارع فيه دكانه ، كنتَ طليقاً ومطمئناً ورافع الرأس ، لكن ليس عندك هذه الحاجة الكمالية ، عندما اشتريتها حللت مشكلة داخلية و وقعت في انهيار خارجي ، كنتَ رافع الرأس أصبحتَ مطأطئ الرأس كنتَ تسلم على هذا الدائن ، الآن تتهرب منه ، كنت آمناً فأصبحت خائفاً ، النبي عليه الصلاة و السلام يقول :
" حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ زُرْعَةَ الْمَعَافِرِيُّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا تُخِيفُوا أَنْفُسَكُمْ بَعْدَ أَمْنِهَا قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الدَّيْنُ "*
بعض العلماء شرح هذا الحديث فقال : لا تخيفوا أنفسكم بالديْن بعد أمنها من الغرماء لأن الديْن يجلب الخوف لشغل القلب به و قضائه و التذلل للغريم عند لقائه و تحمل منته لتأخير أدائه و ربما يعد بالوفاء فيخلف و يحدث الغريم بسببه فيكذب أو يحلف فيحنث أو يموت فيرتهن ، هذه كلها من مغبة الدين .

أيها الإخوة الأكارم :
الديْن ضرورة ، و ما منا واحد إلا و اضطر أن يستقرض لكن الشرع حدد صفاتٍ إذا توافرت لك أن تستدين :
أول شيء : أن يكون هذا القرض لسبب معقول ، دخلك محدود لا سمح الله و لا قدر ، وطفلك الصغير يحتاج إلى عملية جراحية هل تقول أنا لا أذل نفسي لأحد و لا أخيف نفسي بعد أمنها و لا أستقرض، والله هذا لا يجوز ، و الله يجب عليك أن تستقرض لإنقاذ هذا الطفل، وهناك عاهات إن لم تُجرَ لها عملية في سن معينة أصبحت عاهات دائمة ، فهذا الابن الذي يعلم أن أباه كان من الممكن أن يعالج هذه العاهة و حينما أخرها أصبحت عاهة دائمة ألا يحقد على أبيه ؟ إذا كان هناك سبب معقول ، سبب وجيه ، قضية معالجة ، قضية عملية جراحية ، قضية شراء دواء لا بد منه فهذا أحد أسباب الديْن المشروعة ، و هو سبب معقول و مشروع للاستدانة .
الشرط الثاني : نية الأداء ، أي لو حللنا دم المؤمن المستقرض سنجد فيه كرية حمراء وكرية بيضاء و كرية أداء ، لم يخطر في باله أبداً ألا يعطي ، استقرض ليعطي هذا مؤمن ورب الكعبة ، أساساً مثل هؤلاء المؤمنين يشجعون على أن تقرض الناس .
الشيء الثالث : و هذه ناحية خطيرة و هي إمكانية وفاء الدين في المستقبل . سألني أحد إخواننا الحجاج فقال : هل يمكنني أن أستدين ؟ توجيه النبي لا، لكن عنده بضاعة بمئات الألوف و بأي لحظة يستطيع أن يبيعها ، إذاً عندك شيء تغطي ، فأنت حينما تستقرض أعندك ما يغطي هذا القرض؟ أحياناً الإنسان تكون عنده بضاعة فحينما تباع البضاعة تغطي، عنده أرض ، الأرض تغطي ، عنده حلي ، الحلي تغطي ، عنده ديون على الآخرين ، الديون حينما يقبضها تغطي ، لكنّ إنساناً يستقرض مبلغاً ضخماً و ليس عنده شيء يغطيه فهذا أيضاً لا يجوز ، إذاً صار أول شيء أن تستقرض أو أن تستدين أو أن تستلف، تستقرض ، تستدين، تستلف ، كلها بمعنى واحد كل هذه الكلمات بمعنى واحد ، لسبب معقول و مشروع وأساسي و خطير و مصيري يجب أن تستقرض .
الشيء الثاني : نية الأداء الصادقة .
الشيء الثالث : إمكانية وفاء الدين في المستقبل . أي وجود ما يغطّي الدين .
الأدلة :
" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَدْعُو اللَّهُ بِصَاحِبِ الدَّيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ فِيمَ أَخَذْتَ هَذَا الدَّيْنَ وَفِيمَ ضَيَّعْتَ حُقُوقَ النَّاسِ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أَخَذْتُهُ فَلَمْ آكُلْ وَلَمْ أَشْرَبْ وَلَمْ أَلْبَسْ وَلَمْ أُضَيِّعْ وَلَكِنْ أَتَى عَلَى يَدَيَّ إِمَّا حَرَقٌ وَإِمَّا سَرَقٌ وَإِمَّا وَضِيعَةٌ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَحَقُّ مَنْ قَضَى عَنْكَ الْيَوْمَ فَيَدْعُو اللَّهُ بِشَيْءٍ فَيَضَعُهُ فِي كِفَّةِ مِيزَانِهِ فَتَرْجَحُ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ "*
أعرف رجلاً أصلحه الله و عافاه استقرض مبلغاً غير معقول ، فجأة أنفق على أهله إنفاقاً مذهلاً ، الطعام النفيس ، الحلويات ، الفواكه ، النزهات ، الثياب الجاهزة ، ثم انتحر و مات وترك لورثته مائة ألف ليرة ديناً عليهم ، لم يكونوا يريدون هذه النزهات ، هناك كثير من الأشخاص يستقرضون للرفاه و للنزهات ، للولائم ، للمظاهر ، للحفلات ، هذا لا يجوز ويحاسب الإنسان على هذا حساباً عسيراً .
بالمناسبة : هل الإسراف محرم ؟ نعم محرم ، الإسراف في المباحات ، التبذير محرم ؟ طبعاً محرم في المعاصي ، علماء الفقه قالوا : إذا أسرفت أو بذرت من مال دين كان الإثم مضاعفاً، استقرضت للإسراف استقرضت للتبذير ، إثم الإسراف و التبذير يضاعف لأن هناك معصية الإسراف مع معصية ، القرض لسبب تافه، معصيتان ، معنى ذلك القرض لأسباب تافهة معصية ، و قد ذكر البخاري في صحيحه :
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ "*
دقة الحديث أي حسب السياق المنطقي : من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه و من أخذها يريد إتلافها أتلفها الله ؟ لا ، أتلفه و فرق كبير بين أتلفها و بين أتلفه ، أحياناً الله عز وجل يدمر هذا الإنسان ، كل إنسان يأكل أموال الناس و المال كما تعلمون شقيق الروح ، يأخذ المال و لا ينوي أداءه فأتلفه الله عز وجل .
علماء الحديث قالوا : الإتلاف يقع في الدنيا غماً في معاشه أو في نفسه ، حدثني أخ أن هناك شريكين أحد الشريكين أخذ أموال الشركة اغتصاباً و عقد صفقة بمفرده ربح بها أربعة ملايين ليرة و غادر البلد، و أوقع شريكه بدين لا يحتمل و إفلاس و في حرج شديد ، قال لي : بعد أربع سنوات فوجئت به يمد يده للناس إنه الأول الذي عقد تلك الصفقة ظلماً و عدواناً .
الإتلاف إذاً إتلاف المال أو إتلاف النفس عذاب الدنيا وعذاب الآخرة
" قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مَنِ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ صُهَيْبَ بْنَ سِنَانٍ يُحَدِّثُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّمَا رَجُلٍ أَصْدَقَ امْرَأَةً صَدَاقًا وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَيْهَا فَغَرَّهَا بِاللَّهِ وَاسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِالْبَاطِلِ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَهُوَ زَانٍ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ ادَّانَ مِنْ رَجُلٍ دَيْنًا وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَيْهِ فَغَرَّهُ بِاللَّهِ وَاسْتَحَلَّ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَهُوَ سَارِقٌ * "
" سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"
بقي علينا إمكانية وفاء الدين ، فأول شرط :
1 ـ لسبب معقول وخطير وأساسي ومصيري .
2 ـ الشرط الثاني تنوي وفاء الدين .
3 ـ إمكانية وفاء الدين .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
" عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَلِيقٍ النَّصْرَانِيِّ لِيَبْعَثَ إِلَيْهِ بِأَثْوَابٍ إِلَى الْمَيْسَرَةِ فَأَتَيْتُهُ ، فَقُلْتُ : بَعَثَنِي إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَبْعَثَ إِلَيْهِ بِأَثْوَابٍ إِلَى الْمَيْسَرَةِ فَقَالَ : وَمَا الْمَيْسَرَةُ وَمَتَى الْمَيْسَرَةُ وَاللَّهِ مَا لِمُحَمَّدٍ سَائِقَةٌ وَلا رَاعِيَةٌ فَرَجَعْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ : كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ أَنَا خَيْرُ مَنْ يُبَايَعُ لأَنْ يَلْبَسَ أَحَدُكُمْ ثَوْبًا مِنْ رِقَاعٍ شَتَّى خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ بِأَمَانَتِهِ أَوْ فِي أَمَانَتِهِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ "
يعني لا تشتري شيئاً لا تملك ثمنه ، أخذت أموال الناس من أجل حاجة ليست أساسية
"...لأَنْ يَلْبَسَ أَحَدُكُمْ ثَوْبًا مِنْ رِقَاعٍ شَتَّى خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ بِأَمَانَتِهِ أَوْ فِي أَمَانَتِهِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ "
وفي بعض الأحاديث التي تروى عن رسول الله :
" لا أشتري شيئاً لا أملك ثمنه "
بقي علينا موضوع القرض ، يا ترى القرض مال فقط ؟ العلماء قالوا : مجرى القرض أو نطاق القرض واسع جداً ، فهو يجري في النقود و في المكيلات و الموزونات حتى والحيوانات ، أحياناً فنجان قهوة يستقرض بين الجيران ، كأس شاي طبعاً الشاي يعني أوراق الشاي ، كأس من السكر هذه مكيلات ، أي شيء ممكن أن تستقرضوه: مكيلات أو موزونات، القرض جائز كما قال الفقهاء في كل ما يحل تملكه أو تمليكه بهبة أو غيرها فهو ممكن ، ربطة من الخبز ممكن ، وعاء من اللبن تستقرضونه ، يأتي الحلاب لعندك يوم الأثنين و لكن أردت اللبن يوم الأحد و عند جارك وعاء زائد ، حدثني أخ من أخواننا أنه أوصى بائع اللبن على وعاء من اللبن و كان الحليب قليلاً قليلاً ، و دفع ثمن الوعاء ، و يوم يريد استلامه وجد وعاءين أحدهما ذا قشدة ثخينة صفراء و الآخر قشدة رقيقة مستوية مع قليل من المصل و قد كتب اسمه على الثاني ، وكل واحد دافع ثمن وعاء اللبن و اسمه مكتوب على الوعاء الذي له ، قال له هذا وعاؤك فقال له أعطني ذاك ، قال : إنه ليس لك ، قال : بدّل الورقة ما الذي يحصل فخجل منه و بدل الورقة فقال : أخذت هذا الوعاء ووضعته بسيارتي و سيارتي جديدة و في طريقي إلى البيت يتقاطع طريقان و ظهر رجل طائش فضرب المكبح بسرعة فقلب الوعاء على الموكيت "فرش السيارة" ، قال : لمدة شهرين و أنا أشعر برائحة اللبن في السيارة ، فأحياناً الإنسان يطمع بشيء ليس له ، فما هو لك هو لك وما ليس لك فهو ليس لك .
حدثني شخص تاجر أقمشة محله من أكبر المحلات في دمشق جاءه أحد زبائنه من المحافظات الشمالية و عقد معه صفقة بخمسين ألفاً عندما كان البيت سعره عشرة آلاف ، رأى صفة قماش على الحائط قال له : هذه أريد فقال له : مباعة ، فقال له : أريدها ، فقال له: إذا لم تعطني إياها ألغي الصفقة بالكامل طبعاً بتجبُّر ، تشاور مع صانعه وقال له الصانع: إننا بعناها ، فقال له : تفضل وخذها ، يقسم ذاك الشخص أن البضاعة كسدت و بقيت عنده حوالي عشرين سنة و لم تبع ، ثم قال : بعد ذلك قصصتها أمتاراً مربعة و صرت أصر بها الأقمشة .
الإنسان يجب أن يعلم أن الله عز وجل هو الجبار قال لك بيعت ، إذاّ قل له : لا أريدها .
القرض جائزٌ في كل ما يحل تملكه ، النبي عليه الصلاة والسلام استقرض المكيلات والموزونات والحيوان لأنه مشرع فاستلف النبي من رجل من الأنصار أربعين صاعاً فاحتاج الأنصاري هذه الأصوعة فأتى النبي عليه الصلاة والسلام فأعطاه فضلاً عما أخذ منه وقد علمنا النبي بهذا الأداء الحسن أن نحسن نحن الأداء كذلك .
أكرمك بالقرض فأنت أكرمته وزيادة ، طبعاً هذه غير مشروطة ، اسمها الأداء الحسن ، ومرة اضطّر أن يشتري جملاً بتمر ، و التمر غير موجود عنده ، قال لأحد أصحابه : اذهب لخولة بنت الحكيم بن أمية فقل لها إن كان عندك وسق من تمر فأسلفينا حتى نؤده إليك إن شاء الله فذهب إليها الرجل ثم رجع بالخبر قالت : نعم هو عندي يا رسول الله فابعث مـن يقبضه ، فقال : عليه الصلاة والسلام : اذهب به فأوفه الذي له ، فذهب به فأوفاه الذي له .
الأعرابي رجع و مر برسول الله عليه الصلاة والسلام وهو جالس بين أصحابه فقال للنبي عليه الصلاة والسلام : جزاك الله خيراً فقد أوفيت وأطبت ، فقال عليه الصلاة والسلام أولئك خير عباد الله عند الله ، الموفون المطيبون .
" عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ : ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَجُلٍ مِنَ الأَعْرَابِ جَزُورًا أَوْ جَزَائِرَ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةِ وَتَمْرُ الذَّخِرَةِ الْعَجْوَةُ فَرَجَعَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِهِ وَالْتَمَسَ لَهُ التَّمْرَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّا قَدِ ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزُورًا أَوْ جَزَائِرَ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخْرَةِ فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ ، قَالَ : فَقَالَ : الأعْرَابِيُّ وَا غَدْرَاهُ ، قَالَتْ : فَنَهَمَهُ النَّاسُ وَقَالُوا قَاتَلَكَ اللَّهُ أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً ثُمَّ عَادَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّه إِنَّا ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزَائِرَكَ وَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ عِنْدَنَا مَا سَمَّيْنَا لَكَ فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ ، فَقَال:َ الأَعْرَابِيُّ وَا غَدْرَاهُ فَنَهَمَهُ النَّاسُ ، وَقَالُوا : قَاتَلَكَ اللَّهُ أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا فَلَمَّا رَآهُ لا يَفْقَهُ عَنْهُ ، قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ : اذْهَبْ إِلَى خُوَيْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ فَقُلْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكِ إِنْ كَانَ عِنْدَكِ وَسْقٌ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةِ فَأَسْلِفِينَاهُ حَتَّى نُؤَدِّيَهُ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَذَهَبَ إِلَيْهَا الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ الرَّجُلُ ، فَقَالَ : قَالَتْ : نَعَمْ هُوَ عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَابْعَثْ مَنْ يَقْبِضُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: لِلرَّجُلِ اذْهَبْ بِهِ فَأَوْفِهِ الَّذِي لَهُ ، قَالَ : فَذَهَبَ بِهِ فَأَوْفَاهُ الَّذِي لَهُ قَالَتْ: فَمَرَّ الأَعْرَابِيُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَوْفَيْتَ وَأَطْيَبْتَ ، قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ "
النبي استلف تمراً و استلف أصوعة من القمح و الشعير و استلف بكر البكر ناقة فتية :
" عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ : لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلا خِيَارًا رَبَاعِيًا فَقَالَ : أَعْطِهِ إِيَّاهُ إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً "
رباعياً : ناقة كبيرة عمرها ست سنوات .
أخذ بكرة عمرها سنة أو سنتين أعطاه ناقة عمرها ست سنوات ، فالنبي علمنا بالقرض الحسن أن يكون هناك أداء حسن و كلام حسن و وعد صادق و مودة و شكر و حمد .
و بعد بقي علينا في درس اليوم موضوع : أن النبي عليه الصلاة و السلام رغّب في الإقراض ، القرآن الكريم و النبي الكريم رغّبا في الإقراض بأدلة عامة و بأدلة تفصيلية فمن الأدلة العامة قال تعالى :

(سورة الحج )
والقرض الحسن من أهم أفعال الخير وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكـَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ "
هذه أدلة عامة رغّب بها النبي عليه الصلاة والسلام في الإقراض بخاصة :
" عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ السَّلَفَ يَجْرِي مَجْرَى شَطْرِ الصَّدَقَةِ قَالَ نَعَمْ فَهُوَ كَذَاكَ قَالَ فَخُذِ الآنَ "
قد تدفع ألف ليرة صدقة و إذا أقرضت ألف ليرة كأنك تصدقت بخمس مائة هذا أول حديث .
لكن هناك حديث دقيق جداً :
" حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ "
أقرضت ألف ليرة قال لك : لا أملك ، بعد يومين ، كل يوم لك أجر مثليْ هذا القرض ، جزاء التأخير بالمناقصات له معنى ثانٍ ، والتأخير عند الله عز وجل يضاعف لك الأجر عن كل يوم.
" عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ قَالَ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيـْهِ صَدَقَةٌ قُلْتُ سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ قَالَ : لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ "
هناك حديث بالنصف وحديث بالمثل وحديث بالمثلين .
يعني ضمن المدة المكتوبة بالسند لك مقابل الدين بالمثل ، بعد المدة المطلوبة لك مثلين ، أرأيتم إلى هذا الشرع العظيم ، أنت لست خاسراً إذا أخوك المؤمن أقرضته ورأيته معسراً وما بيع معه البيت و كذلك البضاعة لم تبع ، و هو موعود بدفعة لم يأخذها ، يأتيك ولا يبقى ساكتاً ويقول لك لا أملك مالاً ويعرض لك العذر ويرجوك أن تنتظره .
أول حديث (شطر) نصف الدين صدقة والحديث الثاني مثل الدين صدقة والثالث مِثّلا الدين صدقة .
المثل ضمن الأجل الموعود ، والمثلان بعد الأجل الموعود ، أما الشطر ، فكيف نوفق بين الشطر وبين المثل ؟
وكلها أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العلماء هذا بحسب النية ، انحرجت صار عليك ضغط ممن حولك أنك يجب أن تقرضه و أنت لست مرتاحاً و أقرضته، لك الشطر ، أما إن أقرضته بمبادرة منك فلك المثل ، انتظرت عليه بعد ما كان معسراً فلك المثلان .
هذا كلام النبي ولا تنسوا أن :
" سيدنا سعد بن أبي وقاص قال : ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله سبحانه وتعالى "
معنى ذلك أقرضت بأسوأ احتمالات الأقراض فَلَكَ نصف القرض صدقة ، بالحالات الطيبة مثل القرض صدقة ، إذا أنظرت معسراً لك ضعف القرض صدقة فما قولكم ؟ تقول لي : فرق عملة ، إذا واحد قال : فرق عملة يذهب هو فرق عملة .
" عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ : مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ ، قَال:َ لأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ لا يَسْتَقْرِضُ إِلا مِنْ حَاجَةٍ "
بقي موضوعات : آداب التعامل مع المقترضين ، وحسن التقاضي، ووضع الدين وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المعسرين ، والحث والتشديد على أداء الدين والأمر بأداء الدين والحث على حسن القضاء وتحريم المماطلة هذه كلها موضوعات متعلقة بالدين أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني في الدرس القادم والذي بعد القادم أن نعالج موضوع القرض الحسن معالجة وافية ، و هو موضوع متعلق بالعمل الصالح .
ما منا واحد عند زواجه ، عند سفره ، عند تأسيس بعض مشروعاته إلّا و يحتاج إلى قرض ، والله عز وجل يحبنا جميعاً إذا تعاملنا لكن الإنسان يجب ألا يكون ساذجاً ، فشخص لا يعرفه إطلاقاً فليحذرهُ.
" الحزم سوء الظن ، احترز من الناس بسوء الظن ، سوء الظن عصمة "
فممكن أن تجمع بين الطيب والانطلاق إلى عمل صالح ، أما أخوك المؤمن الذي تعرفه ملياً ومعرفة جيدة وتعرف أمانته وتعرف عفافه واستقامته وورعه وأنت معك وهو في أمس الحاجة إلى هذا القرض ماذا تفعل ؟ لا يجوز أن تمتنع .
قالوا لملك : إنّ هناك نصّاباً كبيراً ، و أنتم تعرفون ما معنى نصّاب، فقال أَحضِروه لنراه . قال الملك : أنت كيف تنصب قال : سيدي أريد عدة ، أين العدة ؟ لا أملك ثمنها ، أعطوه ، فلم يرجع قالوا له : يا سيدي نصب عليك و مضى .
أحياناً ، شخص عنده أساليب ويعرف كيف يكلمك في مكان يخوفك ، وفي محل ما يبكيك ، أنت لا تكنْ ساذجاً ، شخص لا تعرفه أتلقي له بمالك ؟
" المؤمن كيس فطن حذر "
لكن ، شخص تعرفه وتعرف أمانته و تعرف ورعه وتعرف عزته ، وأنت معك لا تتردد ، اسأل عنه ، قال : سيدنا عمر إني لا أعرفك ولا يضرك أني لا أعرفك .
و هذا قول لا أنساه :
" جاءه رسول من القادسية قال له : يا أمير المؤمنين مات خلق كثير قال له : من هم ، قال له: إنك لا تعرفهم فبكى عمر بكاء شديداً رضي الله عنه ، قال : وما ضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم "
" قال له إني لا أعرفك ، ولا يضرك أني لا أعرفك ائتني بمن يعرفك ، جاءه بواحد قال له : أنا أعرفه ، فقال له : هل سافرت معه قال له : لا ، قال له : هل جاورته ، قال له : لا ، قال له : هل حاككته بالدرهم والدينار ، قال : لا ، قال : فأنت لا تعرفه "
معنى ذلك أن الإنسان لا تعرفه حتى تسافر معه أو تتعامل معه بقرض أو بتجارة أو بشراكة عندئذ تعرفه ، فالإنسان إذا طلب منه أحدٌ مبلغاً و هو لا يعرفه كما فعل سيدنا عمر يقول ائتني بمن يعرفك ، نريد كفيلاً ، قال لك فلان عندي والثاني رجل عظيم ، إذا قصر فخذ مني.
الإنسان لا يتورط ولا يكون ساذجاً ، لكن إذا كانت حاجة وضرورة وإيمان وصدق ويسر لا تتردد ، القرض قد يحل آلاف المشكلات ، وينتشل إنساناً معسراً وأفضل قرض هو القرض الذي يجعل المستقرض يقرض في المستقبل ، أفضل زكاة تدفعها لمن ينقلب من قابض إلى دافع زكاة .
وأفضل قرض تدفعه لمن ينقلب من مقترض إلى مقرض ، أقرضته وأخذت له آلة صوف اشتغل فيها وفتح بيت وأطعم أولاده ورد القرض وقال لك : إذا كان عندك من يحتاج قرض أنا جاهز ، هذا أعظم قرض فقد حولته إلى منتج ، هذا القرض الحسن و هو باب كبير من أبواب العمل الصالح وله إن شاء الله تفصيلات كبيرة جداً وأنا أتوقع أن ينتهي خلال درسين قادمين وهذا القرض الحسن بديل الربا ، ولا تعبؤوا بكلام الناس إذ يقولون : موضوع العملة و فرق أسعار العملة والتضخم النقدي هذا عند الله ليس له حساب إطلاقاً ، الله عز وجل إذا أعطى أدهش ، خسرت بالمائة ثلاثين نتيجة التضخم النقدي ، بسنتين يعطيك الله بالمائة مائة من طرف ثانٍ وأنت تعامل الله عز وجل ، و أنا لا أريد للمؤمن أن يصبح عقله مادياً ، و له عقلية مدراء المصارف.
والحمد لله رب العالمين






[quote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Empty
مُساهمةموضوع: القرض الحسن "2" : آداب التعامل مع القرض الحسن   الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Emptyالسبت مارس 27, 2010 8:45 am



القرض الحسن "2" : آداب التعامل مع القرض الحسن




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الإخوة الأكارم :
لازلنا في موضوع الربا وقد تحدثنا في الدرس الماضي عن البديل الشرعي للربا ألا وهو القرض الحسن ، وقد بينت لكم أن الربا عمل استغلالي بينما القرض الحسن عمل إنساني ، وشتان بين العمل الاستغلالي والعمل الإنساني .
الربا اتباع لنزوة النفس وحرصها على المال ، لكن القرض الحسن اتباع لأمر الله عز وجل ودعوته للتعاون بين المؤمنين ، والآية التي هي أصل في هذا قال تعالى :

(سورة المائدة )
وبينت لكم في الدرس الماضي نقطة دقيقة جداً ، وهي أن الأوامر الإلهية لها علاقة بالتصورات والقيم والقناعات ، فإذا الإنسان يتصور أن الدنيا هي كل شيء فمثل هذا الإنسان لا ينسجم مع القرض الحسن، و إذا تصورت أن الدنيا هي كل شيء وأن المال قيمة ثمينة جداً، فشيء طبيعي أن ترفض القرض الحسن ، أما إذا تصورت أن الدنيا دار عمل وأن الآخرة دار جزاء وأن المال يعد نعمة إذا أنفقته في سبيل الله أو إذا وظفته في خدمة الخلق ، ويعد نقمة إذا استأثرت به .
أحكام الفقه متعلقة بالعقيدة ، أيها الإخوة الأكارم : من الخطورة بمكان أن نفصل العقيدة عن أحكام الفقه ، أحكام الفقه أو الأوامر والنواهي التي وردت في التشريع الإسلامي ، كلها نابعة من العقيدة لذلك فهي تؤمن بدور الحياة الدنيا في الإعداد للآخرة وبقيمة العمل الصالح ، وأن الإنسان جاء للدنيا من أجل العمل الصالح ، فما لم يكن هناك انسجام بين العقيدة وبين الأحكام الشرعية فإن هذه الأحكام الشرعية تبدو غريبة وتبدو غير واقعية .

أيها الإخوة الأكارم :
هناك حديث شريف مربنا في دروس الفجر التي تلقى كل يوم في أيام الجمعة والسبت والأحد والإثنين والثلاثاء :
" من ضن بالمال أن ينفقه وبالليل أن يكابده فعليه بسبحان الله والحمد لله"
يبدو لنا من هذا الحديث أن الإنسان لمّا يبخل بإنفاق المال أو لا يهتم بأداء العبادات كما أراد الله عز وجل يغنيه عنها أن يقول سبحان الله، لا ، فليس هذا هو المعنى ، لكن المعنى أنك إذا ضننت بالمال أو ضننت بالوقت ، إذا ضننت بالمال أن تنفقه وبالوقت أن تبذله في طاعة الله وفي عبادة الله فمعنى ذلك أنك لا تعرف الله ، لذلك عد إلى معرفة الله ، هناك نقص في المعرفة ، والنقص بالمعرفة من لوازمه النقص في العمل والبخل في الإنفاق ، هذه قضية دقيقة جداً كلما نمت عقيدتك كلما قوي إيمانك ، وكلما صحت رؤيتك كلما تعمقت تصوراتك ، وكلما فهمت فهماً أعمق ارتقى مستوى عملك .
فمن ضن بالمال أن ينفقه وجد نفسه تنازعه ، وجد نفسه لا تستجيب له ، لا تحب أن تنفق المال تحب أن تأخذه ، تحب أن تكنزه ، تحب أن تنفقه على شهواتها ، فمن كان كذلك فليعلم علم اليقين أنه لا يعرف الله ، لا تعرف ما عنده من إكرام فيما إذا أنفقته ، ولا ما عنده من عقاب فيما إذا بخلت به . ضربت مثلاً أن الإنسان أحياناً يقدم هدية لملك كأن يصور الملك صورة زيتية ويقدمها للملك ، هل يبخل ببرواز جميل جداً ؟ اختر لي أرخص برواز أريد أن أقتصد هل هذا معقول ؟ أنت تقدم هدية لملك والملك قد يعطيك مبلغاً كبيراً قد يغنيك إلى آخر حياتك وأنت حينما تضن أن تُغلي البرواز فمعنى ذلك أنك لا تعرف من الملك ، لا تعرف ماذا يعني عطاء الملك ، ولما الإنسان يضن بالمال فهذا مؤشر قطعي على أنه لا يعرف الله ، لا يعرف لمن هو يعطي ، لا يعرف أن الله سيكافئه على هذا الإنفاق .
عندما نبحث بالفقه بحثاً مستقلاً عن العقيدة ، ونبحث بالأحكام الفقهية وحدها دون ربطها بالعقيدة ، فقد يكون إنسان إيمانه ضعيفٌ أو عقيدته غير صحيحة قناعاته غير متينة ورؤيته مهزوزة ومضطربة، مثل هذا الإنسان لا يرى أن هذه الأحكام معقولة ، معقول أنا أقرض إنساناً مائة ألف لمدة سنة وبدون فائدة هل أنا مجنون ؟
طبعاً إذا كان الإنسان لا يعرف الله عز وجل يرى إنفاق المال غباء، أما المؤمن فيرى إنفاق المال مغنماً ، وغير المؤمن يراه على، وزن مغنماً ، مغرماً ، إذا رأيت إنفاق المال مغنماً فأنت مؤمن ورب الكعبة ، أما إذا رأيت إنفاق المال مغرماً ففي الإيمان ضعف وفي العقيدة ضلال.
يا أيها الإخوة الأكارم :
أحكام الفقه يجب أن تُربط دائماً بالعقيدة ، العقيدة إذا صحت صح العمل ، فالإنسان لا يضن بوقته لمعرفة الله معرفة صحيحة ، كم من انحراف في السلوك ، كم من تكالب على الدنيا ، كم من وقوع في الإثم و الحرام بسبب الجهل بما عند الله من إكرام إذا أطعته ، وما عند الله من عقاب إذا عصيته ، لا بدُّ من معرفة الآمر قبل الأمر ، عندئذ من السهل جداً أن تقرض قرضاً حسناً ، أنا أعرف أحد الإخوة الأكارم المحسنين رصد مبلغاً كبيراً قال : هذا لتفريج كرب المسلمين، قد يحتاج مؤمن إلى مبلغ ، فأنا أفرج عن كربه بهذا المبلغ لذلك أنا أردد هذا كثيراً : حظوظ النفس ، المال حظ والعلم حظ والذكاء حظ وطلاقة اللسان حظ والأولاد والمركبة والزوجة كلها حظوظ ، هذه لا تسمى نعم ولا تسمى نقم موقوفة على نوع استخدامها فإما أن ترقى بها إلى أعلى عليين وإما أن تهوي بها إلى أسفل سافلين ، إما أنها درجات إلى الجنة وإمّا أنها دركات إلى النار ، المال نفسه تنفقه في آلاف الأبواب ، آلاف الأبواب مفتحة لإنفاق المال .
أخي أتعرفُ العصرونية ، ما العصرونية ؟ هذا الاسم نسبة لوالي اسمه عصرون باشا ، قد أوقف وقفاً فكل طفل صغير ، جارية ، خادم، كسرت آنيته و له أب قاسٍ ، له رب عمل قاسٍ جداً ، يأتي هذا الطفل بقطعة من هذا الإناء فيعطيه صاحب هذا الوقف إناءً جديداً ، يعني ألغى مشكلة قد تقع في البيوت ، ألغى مشكلة قد تقع في هذا المحل ، أبواب العمل الصالح لا تعد ولا تحصى .
فمن الممكن أن تنشِئَ ميتماً ، مجمعاً ، ففي دمشق عدة مياتم ، طفل لا أب له ولا أم فيجدُ رعايةً وتعليماً وتوجيهاً ومطعماً ومنامة وموجهين ، هذا عمل عظيم ، يعني دائماً وأبداً أيها الإخوة كل عملٍ صالحٍ سوف تلقى الله به و الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، إذا نقر في الناقور ، و عندما يأتيه ملك الموت و له خمسة أولاد أو ستة يتوزعون واحد منهم و آخر يخبر الأقرباء و ثالث ينعيه للأصدقاء و رابع إلى حفار القبور ، الخ......، وجميع آل الفقيد يساهمون كل في مهمة .
لكن الأهم كيف سيلقى الله ؟
" يا بشر لا صدقة ولا جهاد فبمَ تلقى الله إذاً ؟ "
أيها الإخوة الأكارم :
أرجو الله عز وجل أن أتمكن من وضع هذه الحقيقة بين أيديكم فيجب أن يكون عندك سؤال أبدي ، كيف و بماذا ألقى الله ؟
ربيت أولادك ؟ عمل طيب ، كنت باراً بوالديك ؟ عمل طيب ، كنت زوجاً ناجحاً ؟ عمل طيب .
كنتِ أيتها الأخت زوجة ناجحةً ؟ إذا رآك زوجك سر ، وإذا أمرك أطعته وإذا غاب عنك حفظته ، الزوجة الصالحة تلقى الله بصلاحها والزوج الصالح يلقى الله بصلاحه ، والأبوة الكاملة عمل صالح يدخل الجنة والبنوة الكاملة عمل يُدخل الجنة والحرفة والمهنة ، و ليس من أحد منكم إلاّ له حرفة ، واللهِ وأنا أعني ما أقول ولا أحنث بهذا اليمين يمكن أن تصل بحرفتك إلى أعلى عليين وأنت ساكت .
المسلمون . قدمْ لهم بضاعة جيدة ، انصحْهم ، ليكن السعر معتدلاً قدمْ لهم خدمات جيدة ، اختر حرفة ليس فيها شائبة وليس لها مشكلة أبداً ، كثير من الألبسة صناعتها و العمل بها الآن حرام ، كثير من اللباس يسهم بإيقاظ الفتن في الطرقات وإبراز مفاتن المرأة ، فيقول : أنا ليس لي علاقة و نحن نقل لك علاقة قال تعالى :

(سورة المائدة )
هذه الآية يجب ألاّ تذهب من أذهاننا ، أن أية حرفة وأي عمل يسهم بشكل أو بآخر في خدمة المسلمين و التأثير بحياتهم ، والله هناك أخ من إخواننا أنا أكبرته كثيراً ، دعي إلى عمـل أرباحه مجزية وكبيرة جداً لكن في ملهى قال : معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين ، لا تضع خبرتك وذكاءك في تمديد كهرباء لهذا الملهى أو في صنع المنجور لهذا الملهى حيث تقام به المعاصي بمختلف أنواعها .
نحن نريد مؤمناً لا يرى الدين صوماً وصلاةً فقط ، بل يرى الدين نظاماً كاملاً يدخل الدين في حرفتك ، ويدخل بثيابك ، وبمركبتك ، وببيعك وشرائك ، نظام كامل ، يعني مفردات الدين مئات الألوف كل شيء منها متعلق بعلاقتك مع الله ، سواء ما كان منها متعلقاً بجسدك ، أو متعلقاً بأهلك وأولادك ، و بحرفتك وتجارتك وزراعتك ، مثلاً أذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم :
" الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " ، أكثر الناس يفصل بين الصوم والصلاة وبين احتكار البضاعة فيجمع البضاعة ويخزنها ويمنع بيعها حتى يرتفع سعر بيعها إلى أضعاف مضاعفة فيسرِّبُها بالتقنين ، يقول لك : ضربة معلم . لا . بل هذه ضربة أحمق .
" عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ "
أنت ليكن همك رفاه المسلمين ، فهل تفرح إذا المسلمون أكلوا بأسعار رخيصة ؟ أم يؤلمك ؟ يقول لك : السعر تشرشح ، إذا الناس أكلوا فاكهة بأسعار رخيصة وأنت كنت ضامناً بستاناً وأرباحك انخفضت للنصف فلا تحزن ، افرح للمسلمين فقد أكلوا مشمشاً ، كرزاً ، أفضل من أن يقف الطفل أمام البائع ويقول لوالده : أريد كرزاً وثمن الكيلو خمسون ليرة ، يقول له: امشِ و ينهره ، وإذا اشترى الوالد لابنه الفاكهة المحببة وكان سعرها رخيصاً فهل تحزن ؟
يعني أنا أقول لكم الدين ليس صوماً وصلاةً فقد فهو أعمق بكثير ، الدين يدخل في صميم الحياة .
لي أخ كان في فرنسا قال : سألوا شخصاً في ندوة تلفزيونية ، و هو زعيم حزب يساري شيوعي و قد أسلم ، سأله المذيع وقال له : ما الذي أعجبك في الإسلام ، وهل أنت مسلم حقاً ، فقال هذا المفكر الإفرنسي : كم معي من الوقت لأجيبك على هذا السؤال ، قال له : خمس وأربعون دقيقة ، قال له : والله لو بقيت خمسةً وأربعين يوماً أتحدث عن الإسلام لما كفت هذه الأيام في بيان إيجابيات الإسلام ولكن أقول لك كلمة مختصرة : الدين هو الحياة ، و الإسلام دين الحياة .
كنت أقول مرة لإخواننا : كم شخصاً يتسع الجامع الأموي ؟ هناك تقديرأنه يتسع لخمسين ألفاً و لخمسين ألفاً في الصحن ، فالجامع الأموي يسع مائة ألف مصلٍ ، تصوروا أن المائة ألف مصلٍ لو أن الأبواب أغلقت عليهم ، فصلاتهم باطلة ، هذا هو الحكم الفقهي ، والإمام صلى صلاة متقنة و قرأ فيها آيات الله عز وجل وركع وسجد فلأن الباب مغلق فصلاتهم باطلة لماذا ؟ هذا دين الله ليس فيه شيء مخبأ ، بيوت الله مفتوحة ، في الإسلام لا شيء يتكلم بين أربعة جدران ، لا شيء في الإسلام تستحي أن تقوله للناس ، ليس في الإسلام أسرار ، العمل تحت ضوء الشمس ، لا يوجد عمل سري في الإسلام أبداً ، الإسلام يعمل تحت ضوء النهار لأنَّهُ دين الله عز وجل، لذلك من أحكام الفقه أنّ الجامع إذا أغلق بابـه فالصلاة باطلة ، ليس في الإسلام اختيار أشخاص على ما يحبون .
أيها الإخوة الأكارم :
أنا حريص على دروس الفقه كثيراً لكني أشعر أننا إذا ما ربطنا الفقه بالعقيدة فأحكام الفقه لا تبدو محببة للناس ، إلا أن ربطها بالعقيدة ضروري ، أنا ألح على موضوع القرض لأنه بديل الربا ، أنا أسبوعياً أُسأل هل من أخذ من البنك قرضاً بفائدة وأنا مضطر لذلك ؟
هؤلاء المسلمون كلهم تخلوا عنك ، أليس فيهم أغنياء ؟ يقول لك فرق العملة ، معنى هذا أننا عبدنا المال من دون الله ، و رغم فرق العملة لتعملْ عملاً طيباً . هل تعرف أن الله سبحانه وتعالى قادر وأنت في أعلى درجات ذكائك . وأنت الذكاء عينه والكياسة والخبرة وأنت الشاطر وأنت تنتهز الفرص وأنت في هذا المستوى أن يخسرك ثلاثة أرباع مالك ، لأن الله عز وجل عظيم ، يُؤتى الحذر من مأمنه .
مرة قال لي أخ : أنه أمسك يده وما أنفق المال بل بخل به ، و أحب أن يسافر خارج القطر فكر وفكر وفكر ...
خرج بفكرة أن يشتري عملة ورقية لبنانية ، ثم اشترى عملة لبنانية.
فماذا جرى للعملة اللبنانية ؟ شخص آخر يده ماسكة ، جاءته رحلة لمدة خمس سنوات إلى خارج القطر وعنده بيت ملك فقال : هذا البيت حرام أن يبقى مجمداً طيلة هذه السنوات فهل أنا مجنون ؟ فباع البيت ووضع أمواله في شركة استثمارية ، فلما رجع أعطوه بالمائة عشرة بالسنة ، لكن البيت ارتفع ثمنه عشرة أمثال ، صار بلا بيت والمبلغ الذي بحوزته لا يساوي عشر ثمن بيت جديد .
لا يوجد مع الله ذكي ، الله قادر أن يذهب المال كله باختيارك ، ألا تسمع بهذا الدعاء .
" اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم "
فالإنسان قد يفكر ويحسبها ثم يخسر نصف ماله والذي يقرض قرضاً حسناً فالله عز وجل يلهمه عملاً لا يخطر في باله ، الحقيقة أنا قناعتي أن الإنسان مسير إما بإلهام ملك و إما بوسوسة شيطان ، فالمؤمن يسدده المَلَكْ يا عبد الله افعل كذا فتراه يسير بهدى من الله من خير إلى خير ، هذا الكلام أسوقه من أجل أن على الإنسان ألّا يبخل . إنسان يعرفه مؤمناً وصادقاً أقرضه . وأنا أتكلم عن المؤمنين وليس عن الشحادين ، المتسولون لهم مجال آخر أنا أتكلم عن مؤمن يحسبه الجاهل غنياً من التعفف .
خطر في بالي اليوم خاطر وهو حق : إذا قال الله عز وجل لك : يجب أن تعطي إنساناً لا يسألك فكيف تعرفه ؟ هذا سؤال ثانٍ يجب أن تعطي إنساناً لا يسألك ، فأنت ما واجبك ما دام الله يأمرك ؟ إذا الله أمرك أن تعطي من لا يسألك ؟ فواجبك أن تسأل وأن تتقصى . لتعرف من هو المحتاج و تستطيع أن تعينه .
عودوا أنفسكم يا أخوان : إذا التقيت بأخ . أسأله عن صحته، واسأله عن حالته المادية ، واسأله عن بيته وأولاده وعن دراسة أولاده ودخله ، واسأله هل عليك ديون ، لأن المؤمن لا يشكو والمؤمن كريم النفس وعزيز ، المؤمن عنده شرف أما المتسول فأمره بحث آخر .
المؤمن لا يسأل و مادام لا يسأل فلتتقصَّ أنت حالته ، اسأله أنت وتحبب له ، الله عز وجل يحبنا أن نتعاون ، يحبنا أن نتآلف ، يحبنا أن يعين بعضنا بعضاً .
" و الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه "
أحياناً أرى شخصاً متألقاً كثيراً وأسأل هل هناك سبب لهذا التألق ؟ فأفهم أن السبب عمله الطيب ، و هموم الناس كلها على كتفه ، فإذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين ، أنت تعيش في مجتمع مسلم و كلهم أخوانك وأنت في بحبوحة فإذا صاروا في بحبوحة ألا يسرك هذا ؟ أما أن تكون وحدك ببحبوحة فهذا ليس من إيجابيات الإسلام العظيم .
مرت بالناس فترة منذ خمس سنوات قبل أن يكرمنا الله بحمضيات من إنتاج بلدنا فقلّت في تلك الفترة الحمضيات لصعوبة استيرادها ، و صار كيلو البرتقال بخمس وثلاثين أو أربعين ليرة وكان الدخل قليلاً جداً قبل التضخم النقدي ، فصار هذا الشيء فوق طاقة الفقير ، أقسم بالله شخص و هو غني قال : و الله ما اشتريته خجلاً من الله عز وجل ، أي أن أكل وحدي والناس كلها محرومة ، الإنسان فإذا لم يشعر بشعور الآخرين فقد تخلى عن بعض دينه .
سيدنا عمر وضعوا له مرة طعاماً نفيساً و كان وجه هذا السنام أطيب شيء فوضعوه أمامه فبكى قال : بئس الخليفة أنا إذا أكلت أطيبها و أكل الناس كراديسها ، مرة خاطب قلبه قال له : قرقر أيها البطن أو لا تقرقر فو الله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين .
نريد أن نعيش الإسلام أيها الإخوة فنحن عندنا خطب و أشرطة و أحاديث و كتب و مجلات وألسنة طليقة بالدعوة إلى الله ، فصار عندنا تخمة ، الآن نريد إسلاماً مطبقاً ، نريد مجتمعاً مسلماً ، أريد إنساناً ينطق بإسلامه و هو صامت ، حركته إسلامية ، بيته إسلامي ، متجره إسلامي تعامله إسلامي ، عبادته صحيحة ، و الحقيقة تطور وسائل الإعلام ، الكتب ، الطباعة، المجلات ، الصحف ، الأشرطة ، أحدث إشباعاً لدى الناس ، أي يوجد كل شيء كلّنا نريد الدين الحقيقي و هذا هو الذي نبحث عنه ، عندها ينظر الله عز وجل للعباد بعين الرحمة، و لدينا حديث قدسي يهز أعمق مشاعري .
" يا عبادي إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي "
و سأقول بصراحة : كل منا يبحث عن السعادة بدون شك ، هل تصدق أن سعادة الإعطاء تفوق سعادة الأخذ ؟ واللهِ إن المؤمن حينما يوفق إلى عمل صالح إلى مسح دمعة من وجه مسلم إلى رسم ابتسامة على وجه طفل صغير تكون سعادته بالغة .
ذات مرة زرت صديقاً و صاحب البيت والده يومها مصاب بمرض عضال جاء لهذا الصديق هاتف ، أن قابل الطبيب الفلاني فقال له الطبيب : العملية جاهزة وتكلفتها مغطاة ، فأجريـت للمريض عملية ونجحت العملية وزرته بعد أن شفاه الله رأيت البيت فيه فرح ، الأطفـال يرقصون من الفرح والدهم كان مريضاً وشفي ، هذا الذي أدخل على هذه الأسرة السرور كم له من الأجر عند الله عز وجل .
العملية فوق طاقة الإنسان ، إنسان اتصل به بالهاتف وقال له : اتصل بالطبيب الفلاني الذي قال له : أن الاستعدادات للعملية تمت وأجرة العملية مغطاة .
شخص ما أقام حفلة ودفع مائة وخمسين ألف ليرة وأربعة أخماس الطعام بقي على الطاولة ، و قال بعضهم : شيء يكسر العين ، شيء مرتب ، لكن من أنفق على العملية أدخل على قلوب أسرة بكاملها السرور ، هذا المال أنت محاسب عنه ويجب أن تنفقه في مكانه الصحيح.
ذات مرة ذكرت لكم أن أحد إخواننا الكرام زار أخته يوماً و وجد مشكلة بالبيت ، منازعة بين أخته وزوجها تريد منه ثلاث مائة ليرة بالشهر مصروف ألبسة ، والزوج موظف ودخله محدود فلم يرض ، فرأى أخوها أنه لو دفع المبلغ يحل هذه المشكلة ، فقال لها : خذي مني شهرياً هذا المبلغ ، قال لي : كل شهر أسلمها هذا المبلغ ، بعد ستةِ أشهر طلبتْ منه أخته مجلس علم ، أحضرت بناتها كلهن ، درس لأخواته وبنات أخواته ، قال لي : آية وحديث وكم حكم فقهي وتحفيظ قرآن ، و على إثر ذلك تحجبت البنات كلهن و أنعم الله عليهم بأزواج أطهار .
فممكن بهذه الثلاث مائة بالشهر حل مشكلة عند أسرة وبعد ذلك نمت العلاقة وطُلِب منه درس علم وبعد ذلك البنات تحجبن ثم جاءهن أزواج مؤمنون ، أنت وفرت السعادة لخمسةِ بيوت بثلاث مائة ليرة ، هذا المال كما تعرفون قيمته بِحَلِّ المشاكل ، إنه حلال المشاكل ، أنت حينما تنفق المال في طاعة الله ، تجبر خاطر إنسان ، و ترعى يتيماً، تقدم هدية لإنسان فإن كانت هناك خصومة تنقلب إلى مودة .
" عن عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ "
ولم يقل الهدية من طرف واحد بل قال تهادوا ، يعني الهدية دَيْن ، نحن نريد فقهاً مربوطاً بالعقيدة حتى ترى الأحكام سهلة جداً .
إذا أنت شاهدت كتاباً هو أساس دراستك في الكلية وثمنه ثمان مائة ليرة هل تراه غاليَ الثمن ؟ وعندما تأخذ دكتوراه كل صورة "إيكو" ، بألف ليرة وكل تخطيط بألفي ليرة ، إذا كان هذا القاموس سعره ثمان مائة هل تستغليه ؟ تدفع فوراً إذا أنت موقناً أن القاموس يفيدك في اختصاصك ، و إذا كنت تعرف الله معرفة يقينية فالمال صار إنفاقه سهلاً ، لماذا المال فإني سوف أتركه .
مرة كنا بمدينة من مدن الشمال فيها حيّ و كأنه ليس في سوريا. هذا الحي فيه كل فيلا هندستها متميزة ، أنا أذكر زرت هذا الحي سنة خمسة و سبعين و تسعمائة و ألف ، الفيلا تكلفتها ثمانية وثلاثون مليوناً، كان البيت في المالكي بمئتي ألف ، قالوا هذه الفيلا فيها رخام (أونكس ) بخمسة ملايين ليرة صاحبها توفي وعمره اثنتان وأربعون سنة ، شاءت الأقدار أن يكون القبر أقصر من طوله وهو طويل جداً ، وعندما وضع في القبر جاء الحفار ودفعه في صدره حتى وسعه القبر.
أين كان يسكن وأين صار ، الإنسان كلما قرأ هذه النعوة ـ وسيشيع إلى مثواه الأخير ـ يشعر أن بيته الذي كان يسكنه هو مثوى مؤقت .
مهما اعتنيت بهذا المثوى فهو مؤقت ألم تر بعينيك ؟ ما حضرت مسوية في بيت في "المالكي"، أو " أبو رمانة" ، و إلا يقولون لك : ثمنه ثلاثة وثمانون مليون ، خمسون مليون ، ألم يمت صاحبه أين صاحبه ؟ في مقبرة الباب الصغير ، حيث لا رخام و لا دهان .
الموت أكبر موعظة ، كل يوم نراه ، أردت من هذه المقدمة أن أؤكد لكم أنه لا تستطيع أن تطبق أحكام الفقه كما أراد الله إلا إذا آمنت بالله كما أراد الله .
" من ضن بالمال أن ينفقه وبالليل أن يكابده فعليه بسبحان الله والحمد لله"
أي : ارجع وجدد معرفتك بالله ، مثلاً من باب التمثيل والتوضيح : عندما تعرف شخصاً كريماً لدرجة وغنياً ويزورك فماذا تقدم له ؟ أتكتفي بفنجان قهوة فقط ؟ إذا حب أن يعطيك يعطيك مائة ألف ، وزارك في البيت ، أنت تعرف أن أي شيء تبذله من أجله سوف يعود عليك أضعافاً مضاعفة . إذا كنت تعرف حجمه المالي وتعرف كرمه ، وتعرف عظمته ترى أن كل شيء تبذله قليل .
هذا مع إنسان كيف مع الله عز وجل ، أنت تعامل خالق الكون ، هناك أحاديث لا أشبع منها .
" الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله "
أحياناً يكون الإنسان شخصاً مرموقاً و لا يستطيع أحد أن يتقرب منه إلا عن طريق أولاده ، فيعطي الابن سكرة فهذه ليست للابن بل هي للأب ، إذا أنت أكرمت أخاك المؤمن فهذه التكرمة لله عز وجل، الله غني عنك ، يا رب كيف أتقرب إليك كلهم عبادك وأنت تحبهم و أنا سوف أخدمهم حتى تحبني ، ترى الإنسان إذا كان تاجراً ، صاحب مزرعة ، صاحب متجر جاءه زبون يحب أن يخدمه يكرمه فيراعيه ويلين معه القول .
ترى قسوة الإنسان من قسوة قلبه ، وقسوة قلبه من بعده عن الله، وبعده عن الله من المعاصي والمعاصي من الجهل . هذه سلسلة ، لكن إن تستقم وتتصل بالله عز وجل تسعدْ ويلن قلبك ويصبح عملك طيباً ، أما إن كان العمل سيئاً فمعنى هذا أن القلب قاسٍ ، و أن الإنسان مقطوع ، متلبس بالمعاصي ، ذو جهل و مهما بحثنا فالعلم أول مرحلة للإصلاح ، أول شيء أن تتعلم ، لذلك حضور مجالس العلم شيء أساسي وضروري ، و الإنسان من دون علم يصبح كالبهيمة يأكل ويرفس ، تكرمه ويؤذيك ، فهو جاهل تائه .
" اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون "
لو أنهم يعلمون لآمنوا به ونصروه ، كذبوه واستهزؤوا به وردوا دعوته وضربوه .
معنى هذا أن العلم هو الأساس والعلم له مكان و هو المسجد يُدّرس فيه ، لا علم يأتي من دون سعي و من دون سبب ، ومكانه في الجامع، والعلم موضوعه القرآن الكريم كلام الله عز وجل ، موضوعه سنة النبي عليه الصلاة والسلام .
و بعد فقد قال العلماء آداب التعامل مع المقترضين هي :
1 ـ إنظار المعسر : ليس هذه قضية مزاجية فالله أمرك ، قال تعالى :

(سورة البقرة )
إنظاره إذا كان معسراً ، أنا أنصح المدينين أن المدين إذا كنت معسراً فبلغ صاحب الدين بعسرك ، هناك شخص تدينه مبلغاً لشهرين، يمضي الشهران والأربعة أشهر والستة أشهر والسنة وهو مرتاح ومكيف ، يا أخي قل لي ، قدم اعتذارك ، أنا معسر ، خطأ فاحش بالمقترض أن يأتي الأجل ويبقى ساكتاً ، عليك أن تبين ظروفك .
" البيان يطرد الشيطان "
قال لي أخ : أنه أقرض شخصاً يوماً ما ، و عند استحقاق السند جاءه وقال له : أنا عندي مشكلة كذا وكذا سامحني فقال له : معك شهر آخر ، ثم قال لي : سررت كثيراً لقدومه .
ولم يبق قلقاً . هل ينوي أن يعطيني أم لا ؟ جاء وبلغني ، أنَّهُ الآن معسر .
فأول أدب من آداب المقرض أن يصبر ، و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ، و حكم الله للمعسر بالإنظار إلى أن يوسر ، قال لي أحد الإخوة أنه : دين شخصاً خمسين ألفاً و يوم استحقاق السند حل الحجز على البيت بأن أقام دعوى ودفع عشرين ألفاً وتملك بيتين بأطراف المدينة ، بسعر بخس عن طريق مناقصة ، من أجل خمسين خسر بيتين و القصة قديمة .
هناك أشخاص لا يرحمون .
حكم الله للمعسر الإنظار إلى أن يوسر ، ما قولكم أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
" عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ تُسْتَجَابَ دَعْوَتُهُ وَأَنْ تُكْشَفَ كُرْبَتُهُ فَلْيُفَرِّجْ عَنْ مُعْسِرٍ "
الله جعل إنظار المعسر سبباً لاستجابة الدعوة ، وجعلها سبباً لتفريج الكرب ، ما قولكم أن الله سبحانه وتعالى من خلال حديث رسوله صلى الله عليه وسلم بين أنه من أنظر معسراً :
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "
كل هذه الأحاديث من أجل أن نتعاون ، ونتحابب ، ويرحم بعضنا بعضاً.
" أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ ، فَقَالَ : إِنِّي مُعْسِرٌ فَقَالَ آللَّهِ ، قَالَ : آللَّهِ ، قَالَ : فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ "
صار معنى إنظار المعسر عمل طيب جداً ، وفي حديث ثالث يقول عليه الصلاة والسلام :
" إن أول الناس يستظل في ظل الله يوم القيامة لَرجلٌ أنظر معسراً حتى يجد شيئاً أو تصدق عليه بما يطلبه يقول : مالي عليك صدقة ابتغاء وجه الله ويخرق صحيفته "
مرة زرت شخصاً يبيع أقمشة ببلدة من بلدان القطر في الشمال قال لي : صار معي أزمة في المحل وكدت أن أفلس ، لا يوجد بيع وعلي ديون وطالبوني بإلحاح فأصابني ألم شديد ، ثم قال : جاءني أحد التجار المؤمنين و له معي مبلغ ضخم ومعه السندات و أردت أن أضيّفهُ لأنه جاء من الشام فقال : أريد أن نتناول الطعام في البيت عندي لأن البيت بالنسبة لي أوفر و أنا في ضائقة شديدة فقال له : نعم، فلما رأى بيته ستين متراً ولا يملك سوى غرفة واحدة قال له : اعفني كأني أكلت عندك ، هذا التاجر قال : الذي يسكن في بيت مساحته ستون متراً لا يكون حرامياً ، ليس عملية إفلاس احتيالي بل هو في ضائقة ، أخرج السندات هذا التاجر ومزقها و قال له : انزل إلى الشام لأعطيك بضاعة وأي محل لم يعطك بضاعة قل لي ، وعد وأعمل .
والله يا إخوان تكلم وبكى ، والتاجر توفي رحمه الله ، قال لي : أنهضني ونشلني ، عاد لعمله: تديّن واشتغل وربح و رد الديون ، وقال لي : الآن بيتي مساحته مئتان وخمسون متراً ، كان يتكلم ويبكي لأن هذا الإنسان الذي أنظره قال له : لا عليك من هذا الدين ، انزل للشام وخذ بضاعة .
هكذا يحبنا الله أن نكون ، أكثر الناس يتدين ويبيع البضاعة ويحل بها مشاكله و يأتي أصحاب الدين فيقول لهم : السوق باردة فلا بيع بينما يكون قد باع البضاعة و عمل بثمن البضاعة عملاً آخر وتجارة ثانية وزوج أولاده ومن ثم يعلن إفلاساً احتيالياً .
هكذا يفعل كثير من الناس ، لذلك . الدَّيْن توقف و الديانة أحجموا عن الإدانة و الإقراض وعندما توقف الدين توقفت عجلة الحياة ، لا أحد فيه ذمة إلا القليل ، النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يصلي على المدين و لو مات شهيداً لكن الله عز وجل أمرنا أن نقرض وندين وبالمقابل كان عليه الصلاة والسلام يسأل عن صحابي جاهد معه: أعليه دين فإذا قالوا ، نعم قال : صلوا على صاحبكم.
كما أمرنا بالإقراض أمر المقترض بأداء الدين وأنه معلق بين السماء والأرض حتى يؤدي دينه .
لذلك الآن يقال عند كل ميت على المغتسل : وهبتم ؛ وهبنا ، و يأتي أحد أقربائه و يتحمل ديونه وإلا مشكلته كبيرة .
" إن أول الناس يستظل في ظل الله يوم القيامة لرجل أنظر معسراً حتى يجد شيء أو تصدق عليه بما يطلبه يقول : مالي عليك صدقة ابتغاء وجه الله ويخرق صحيفته "
يعني بصراحة أقول لكم إذا كان واحد ميسور جداً وهذا الدائن فقير جداً وهو مؤمن وصادق وعفيف وأموره صعبة جداً ، يعني إذا قلت له: سوف أسامحك بنصف الدين أو بالدين كله ، فهل أنت مخطئ ؟ لا. والله لست مخطئاً ، قل له مسامح و نحن نقول لك : جزاك الله خيراً وعوض عليك .
2 ـ أما الأدب الثاني ، سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام خرج إلى المسجد:
" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ هَكَذَا فَأَوْمَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِيَدِهِ إِلَى الأَرْضِ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ وَقَاهُ اللَّهُ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ "
أول أدب إذا كان معسراً فأنظره ، الأدب الثاني اسمه حُسُن التقاضي:
" عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ طَالَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ وَافٍ أَوْ غَيْرِ وَافٍ "
و في الآية الكريمة قال تعالى :

(سورة آل عمران )
هذا توجيه إلهي تريد أن تسترد دينك فيجب أن تطالب ، لكن بعفاف وليس بقسوة ، يوجد أشخاص يسبون ويكسرون ويلعنون و هذا ليس سلوك المؤمن " ...مَنْ طَالَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ وَافٍ أَوْ غَيْرِ وَافٍ "
والنبي عليه الصلاة والسلام حث على السماحة في المعاملة وترك التضييق على الناس في المطالبة وذلك بدعائه للمتسامحين في البيع والشراء و الاقتضاء .
" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى"
إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ، يعني أحياناً يبقى لك معه خمس ليرات والبيعة بثلاث مائة وخمس ليرات لا يوجد معه تقول له : أريد خمس ليرات احضرها إلي ، لكن الأولى بك : سامحه بها ، سمحاً إذا باع ، وإذا اشترى و ليس معه أن يكمل لك و بقي لك معه ليرة فالمسامحة خلق حميد .
" ... رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى "
والنبي عليه الصلاة والسلام قال :
" ...أَلا وَخَيْرُهُمُ الْحَسَنُ الْقَضَاءِ الْحَسَنُ الطَّلَبِ أَلا وَشَرُّهُمْ سَيِّئُ الْقَضَاءِ سَيِّئُ الطَّلَبِ أَلا "
أنت كمؤمن يجب أن تطالب بأدب وبرحمة وبلطف وعفاف ، شر الناس من كان سيء القضاء أو سيء الطلب ، الدُّرج مليء والبضاعة باعها في الأسبوع التالي فلماذا المطل ؟ هذا سيء القضاء ، لذلك مطل الغني ظلم ، ليُّ الواجد يبيح عرضه ، يصفونه : فلان سلعة ، إذا قلت لا يدفع فلا عليك لأن ليَّ الواجد يبيح عرضه .
3 ـ الأدب الثالث وضع الدين :
وضع الْدين يعني أن تسامح بشيءٍ من الديْن إذا رأيت المدين معسراً، وضعُ جزءٍ من الدين هل فيه دليل قرآني ؟
قال تعالى :

(سورة البقرة )
يعني إذا أنت في بحبوحة وأخوك المقترض بضائقة مالية شديدة وقلت له : وضعت عنك بالمائة ثلاثين مسامحة أو لك بالمائة خمسون هدية مني لك أو بالمائة مائة أنا وأنت واحد .
" حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ يَا : كَعْبُ قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ ، قَالَ كَعْبٌ : قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُمْ فَاقْضِهِ "
هذا الحديث له معنى جديد ، يعني يجوز أن تشفع بين دائن ومدين ، قد يكون المدين خائفـاً والديان قوياً وأنت لك مكانة عند الاثنين فاذهب إلى الدائن وقل : على مهلك هوّن عليك ، أنا أكفله ، استنبط العلماء يجوز أن تشفع بين الدائن وبين المدين .
" عَنْ جَابِرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أُصِيبَ عَبْدُاللَّهِ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا فَطَلَبْتُ إِلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ أَنْ يَضَعُوا بَعْضًا مِنْ دَيْنِهِ فَأَبَوْا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشْفَعْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا "
هؤلاء ديانة عاديون وليسوا من المؤمنين ، أما المؤمن فهو يقدم روحه .
إن شاء الله في درس قادم نتابع القرض و سأتوسع بالموضوع ليقيني أن القرض الحسن الآن هو الذي يحل مشاكل المسلمين ، يقول لي شخص : أريد أن آخذ من البنك فائدة ، قلت : ألا يوجد حولك أحد يقرضك قال : لا ، فهذا رجل وقع في ضائقة مالية وأخوه حجمه المالي يزيد عن مئتي مليون ليرة التجأ له ، بلا جدوى ، فقال لي : ذهبت إلى بلد عربي مجاور ولي مورّد ليس مسلماً و قلت له : أنا بوضعٍ ماليٍ صعب جداً و ما ملكت نفسي : فبكيت أمامه ، فقال له انزل في الفندق الفلاني ثلاثة أيام لترتاح أعصابك ثم تعال إليَّ ، قال: فأعطاني مبلغاً ضخماً وأعطاني بضاعة ثم أردف قائلاً لي : أحبه أكثر من أخي ، وتكلمها بسذاجة ، ذاك ليس مسلماً وقالها : أحبه أكثر من أخي .
" الأغنياء أوصيائي والفقراء عيالي فإذا منع مالي عيالي أذقته عذابي و لا أبالي"
إذا واحد وقع ، فمن له غير إخوانه ليساعدوه هذا الإيمان ، نحن نريد إسلاماً مطبقاً وتعاوناً ، وليس معنى كلامي أن تقذف مالك جزافاً، لا تعرف الشخص فتدينه ، لا ، فأنا لا أقصد هذا ، أنا أقول شخص تعرفه جيداً وتعرف صدقه وعفافه وتعرف إمكاناته ، وتعرف أنه بحاجة إلى شيء أساسي ، يحتاج إلى وقود في الشتاء ، يحتاج إلى عملية جراحية لابنه ، وأنت في بحبوحة وتقول : لا يكفي العباد إلا رب العباد ، الله عز وجل جعلك خليفته في الأرض .
و إلى درس قادم إن شاء الله تعالى لنتابع الموضوع ذاته .
والحمد لله رب العالمين






[quote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Empty
مُساهمةموضوع: : الحث والتشديد على أداء الدين .   الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Emptyالسبت مارس 27, 2010 8:48 am



: الحث والتشديد على أداء الدين .




بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد الله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الإخوة الأكارم :
نحن في الإطار العام في موضوع الربا ، ولكن في الموضوعات التي عولجت في الأسابيع السابقة دخلنا في موضوع القرض لأن القرض الحسن هو بديل الربا .

في مجتمع الاستغلال : الربا ، وفي مجتمع الإحسان : القرض الحسن ، من يريد الدنيا يرابي ، و من يريد الآخرة يقرض القرض الحسن ، لكن قبل أن نتابع موضوع القرض أحب أن أضع بين أيديكم حقيقة أساسية من حقائق الإسلام ألا وهي التوازن التشريعي مثلاً :
النبي عليه الصلاة والسلام يقول لمن سأله عن علاقة أبيه بماله :
" قال له : أنت ومالك لأبيك "
وتوجه إلى الآباء فقال :
" رحم الله والداً أعان ولده على بره "
الله عز وجل يرحم أباً رحم ابنه ، أحياناً يجعله عنده في المحل ويقول له أبوه : ألا تأكل ، و يقول هو : أريد أن أتزوج وأفتح بيت ، لا يصح أن يتوازى ابن يعمل مع أبيه ليل نهار مع ابن لا يعمل معه .
" رحم الله والداً أعان ولده على بره "
توجه للرجال فقال :
" أكرموا النساء فوالله ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً "
لما توجه إلى النساء قال :
" اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله "

في الإسلام توازن ، مثلاً إذاعقد إنسان عقداً على امرأة ولم يدخل بها ، ثم بدا له أن يطلقها قال تعالى :


(سورة البقرة )
فلها نصف المهر فإن كان المهر مئتا ألف فلها مائة ألف ، العقد تم البارحة واليوم بدا لك أن تنسحب من هذا العقد و أن تطلق ادفع مائة ألف ، أمرَ الزوجَ أن يدفع نصف المهر ، فللبنت المخطوبة و أهلها كرامة ، لكن لفت نظر الأهل ، قال تعالى :

(سورة البقرة )
ليلة واحدة مائة ألف ليس معقولاً ، جلس دقيقتين معها بحضور أهلها ، اسمح لنا بمائة ألف ، لكنهم سامحوك هي و أهلها ، توجه للشاب قال تعالى :

(سورة البقرة )
قدم لها أسوارة ، عَفَوْكَ من مائة ألف فقد قدم أسوارة ، هناك توازن، الأطراف المتقابلة دائماً يأمر كل طرف أن يكون محسناً ، وفق هذا الموضوع هناك أمثلة كثيرة ، الآباء والأبناء ، الأزواج والزوجات ، كل إنسان أعطاه الله عز وجل الموقف الكامل وأنصفه.

الدرس الماضي والذي قبله والذي قبله كلها فيها حثٌّ على الإقراض الحسن ، مرة مثل الصدقة ، ومرة مثلا الصدقة ، ومرة شطر الصدقة، إذا أردت أن تنفرج كربتك فأَنظرْ المعسر .

آيات وأحاديث وتوجيهات ومواقف من النبي عليه الصلاة والسلام ومن أصحاب رسول الله تدعونا إلى أن نقرض وأن ننظر المعسر ، اليوم موضوع آخر هو : اليوم التوازن في الإسلام .

دعوة الله عز وجل ودعوة نبيه إلى المقترض أن يفي بالقرض ، وإلا لو أنه مات شهيداً في سبيل الله ، فشهادته لا تعفيه من الدين ، لكن قبل أن نمضي في موضوع الحث والتشديد على أداء الدين هناك قصتان ملحقتان بالدرس السابق وردتا في حديثين ، فاسمعوهما؛ و كونوا ممن يستمع القول فيتبعون أحسنه .

طبعاً تحدثنا عن إنظار المعسر وكيف أن إنظار المعسر عمل طيب و كبير . وقد ذكرت لكم آيات وأحاديث كثيرة جداً تبين فضل إنظار المعسر بل تبين فضل أن تضع شطراً من دينه ، بل تبين فضل أن تعفيه من هذا الدين أما الموقف العملي :
" ما رواه عبد الله عن أبي قتادة عن أبيه أنه كان يطلب رجلاً بحق فاختبأ منه . عبد الله بن أبي قتادة روى عن أبيه ، أي أن أباه كان يطلب رجلاً بحق فاختبأ منه فقال له : ما حملك على ذلك قال : العسر ، فاستحلفه على ذلك فحلف ، فدعا بصكه فأعطاه إياه ، وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أنظر معسراً أو وضع له أنجاه الله من كرب يوم القيامة "
هذا موقف من أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم .
الموقف الثاني :
" عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسَرِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ غُلامٌ لَهُ مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ وَعَلَى غُلامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ ، فَقَالَ لَهُ أَبِي : يَا عَمِّ إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِكَ سَفْعَةً مِنْ غَضَبٍ ، قَالَ : أَجَلْ كَانَ لِي عَلَى فُلانِ ابْنِ فُلانٍ الْحَرَامِيِّ مَالٌ فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ فَسَلَّمْتُ فَقُلْتُ : ثَمَّ هُوَ قَالُوا لا ، فَخَرَجَ عَلَيَّ ابْنٌ لَهُ جَفْرٌ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَيْنَ أَبُوكَ قَالَ : سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي ، فَقُلْتُ : اخْرُجْ إِلَيَّ فَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ أَنْتَ ، فَخَرَجَ فَقُلْتُ : مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنِ اخْتَبَأْتَ مِنِّي ، قَالَ : أَنَا وَاللَّهِ أُحَدِّثُكَ ثُمَّ لا أَكْذِبُكَ خَشِيتُ وَاللَّهِ أَنْ أُحَدِّثَكَ فَأَكْذِبَكَ وَأَنْ أَعِدَكَ فَأُخْلِفَكَ وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ وَاللَّهِ مُعْسِرًا قَالَ: قُلْتُ آللَّهِ ، قَالَ : اللَّهِ ، قُلْتُ : آللَّهِ ، قَالَ: اللَّهِ ، قُلْت: آللَّهِ ، قَالَ : آللَّهِ قَالَ : فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ ، فَقَالَ : إِنْ وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِنِي وَإِلا أَنْتَ فِي حِلٍّ "
هذا موقف أصحاب رسول الله ، إذا أيقن واستحلفه أنه معسر، وأنت في بحبوحة تصدق بهذا الدين على صاحبك ، هاتان القصتان ملحقتان بالدرس الماضي ، أدركنا الوقت قبل أن نتابع الحديث عنهما.

الدرس الماضي كله حثٌّ من الله ورسوله على إنظار المعسر وعلى إعفائه من بعض الدين أو من كل الدين والآية الأساسية قال تعالى :

(سورة البقرة )
اليوم الدرس يتناول الطرفَ الثاني : هذا الذي استقرض بماذا أمره الشرع :
1 ـ أمره بأداء الدين بنص الآية الكريمة :

(سورة النساء )
والدين أمانة كما قال علماء التفسير ، في الآية وجوب رد كل وديعة من أمانة وقرض وغير ذلك ، القرض والقراض والوديعة أمانة في عنق المدين .
" عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَبْصَرَ يَعْنِي أُحُدًا قَالَ : مَا أُحِبُّ أَنَّهُ تَحَوَّلَ لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ "
يتمنى أن يتحول هذا الجبل ذهباً خالصاً وأن النبي عليه الصلاة والسلام ينفقه في ثلاثة أيام إلا ديناراً يرصده لدين لأن الدين مقدس ، يعني يمكن أن يدع بعض هذا الجبل لأداء الدين ، لعظم حق الدائن على المدين .
الله جل جلاله ونبيه عليه الصلاة والسلام بينّا أن الدين من الأمانات التي تؤدى إلى أهلها ، إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها .
2 ـ الأمر الثاني : ليس الأمر أن تؤدي الدين بل أن تحسن قضاء الدين أن تحسن القضاء فالله سبحانه وتعالى يحب الذي يؤدي الدين بإحسان :
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ سَمْحَ الشِّرَاءِ سَمْحَ الْقَضَاءِ "
كيف ؟ أنت عليك سند بعشرة آلاف ليرة تستحق بعد سنة وأنت الآن في بحبوحة وبقي شهران ادفعها رأساً ، يا أخي : أنا أدفع عند حلول الوقت ، لا . ادفع إذا كان معك ، وهذا من حسن القضاء ، من حسن القضاء تعال إلى عندي وخذ مالك ، لا . قال تعالى :

(سورة البقرة )
من أين أخذت الدَّينة ، كل التجار يجب أن تدور عليهم لتأخذ منهم دّيْنك وكله خلاف السنة ، المؤمن يذهب هو إلى مَدينِهِ ليعطيه المبلغ ، جالس ومرتاح و الكل يأتون لعنده ويقفون بذل وأدب حتى يعطيهم الجمعية لماذا ؟ اذهب إليه ، و أداء إليه بإحسان .
فمن حسن القضاء أن تعطيه الدين قبل أوانه إذا تيسر لك .
ومن حسن القضاء أن تأتي إليه ، لا أن تقول له تعال إلي لأعطيك الدين.
ومن حسن القضاء أن تؤدي أداء حسناً ، جاء إلى محلك ليأخذ الدين أنت تبيع سكاكر أعطه كيلو سكاكر ، أكرمه ، أنت تبيع حاجات وهو بحاجة إليها أكرمه نظير هذه الخدمة .
" ...إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ سَمْحَ الشِّرَاءِ سَمْحَ الْقَضَاءِ "
وفي حديث آخر :
" عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً "
الناس يقولون : الديْن هالك إلا ما رده الله ، هذا مجتمع بعيد عن الله عز وجل ، لكن المؤمن الصادق دَيْنتُكَ عنده كأنها في صندوقك ، لتكن مطمئناً أبداً لأنه يخاف الله عز وجل ، ولأنه يخاف أن يملك المال ولا يؤديه لك .
فضلاً عن أن الله عز وجل ورسوله الكريم حثا المؤمنين الصادقين على أداء الدين ، حثا أيضاً على حسن أداء الدين .
الموضوع يتوسع معنا أكثر و هذه أمثلة ، استعرت كتاباً ذات يوم من بيت صديقك والكتاب سميك و التقيت به في الطريق ، تفضل هذا الكتاب ، هو لا يريد أن يحمله في الطريق وأنت أخذته من بيته فعليك أن تؤديه إليه إلى البيت وهذا من حسن الأداء ، أخذت الكتاب غير مجلد جلده فهذا من حسن الأداء ، الله يحب الإحسان وأنت دائماً مهمتك أن تشجع على الخير ، إذا إنسان قدم لك خدمة ، ديَّنك وكنت مضطراً ، فعندما يستقرض أحدهم يكون أذل من الشاة وعندما يملك المال ما الذي صار ؟ اذهب عنا و يتهرب من الدائن صاحب المال.
أيرضيك أن يقف الدائن أمامك ذليلاً ليأخذ حقه ؟ مثل هذا الموقف يمنع الخير ويمنع المعروف بين الناس ، هذا من سنته القولية أما من سنته العملية صلى الله عليه وسلم :
" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي "
هكذا فعل النبي فلن تجد مسافة بين ما يفعل و بين ما يقول ، دعانا إلى أداء الدين ودعانا إلى حسن أداء الدين ، وحينما استقرض النبي من هذا الصحابي قال : قضاني وزادني و هذا اسمه حسن الأداء .
الأمر بالأداء والأمر بحسن الأداء .
الآن : تحريم المماطلة ، اسمعوا ماذا قيل في تحريم المماطلة :
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ "
الظلم من الكبائر ، يقترف الإنسان الكبيرة إذا استقرض قرضاً وملك المال وطولب بهذا القرض وبدأ يماطل ، تأتيه صباحاً يقول لك : مساءً إن شاء الله ، تأتيه مساءً لا تجده ، تذهب إليه ثانية فيقول أنا سوف آتي إليك ولا يأتي ، هذا إذا كان في نفس المدينة سهلة جداً أما إذا سافرت و أبعدت وتجشمت المشاق ومصاريف السفر والفندق ، تذهب إليه صباحاً فيقال لك : تعال بعد الظهر . فهذه كبيرة .
" ...مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ "
كان السلف الصالح لا يجرؤ أن يأكل لونين إذا عليه دين ولا فاكهتين ، بل يأكل مثلاً برتقالاً فقط .
الحد الأدنى لا يجوز لمن عليه دين أن يتوسع بالطعام والشراب ولا أن يتوسع بالأثاث ولا في الأدوات الكهربائية . عليه دين ، قبل أن تتوسع أدّ للناس حقوقهم .
المماطل يفسق ، مرتكب كبيرة و فاسق ، والأغربُ من ذلك أنه ترد شهادته ، يعني يفقد حقوقه المدنية ، لو أن مديناً يملك مالَ مدينِهِ وماطله في الأداء ودعي لأداء الشهادة ترد شهادته ، لأنه مرتكب كبيرة وهو فاسق وهو ظالم.
أيها الأخوة : هذا هو الدِين ، ليس الدين بالصلاة والصوم والحج والزكاة ، هذا هو الدين ، الدُرج مليء وله عندك مال والبضاعة بعتها فأدّه حقه .
الآن يستدين ويشتري سيارة شاحنة ، تطالبه يقول لك : أخذنا سيارة، كأنما أنا مكلف بأن أشتري له سيارة وأنا لي عندك مال ، معظم الأزمات الآن أسبابها السيارات ، كل واحد عليه دين اشترى بهذا المال سيارات ويماطل الناس ، أهذا هو الدين ؟ لا . إن الدين وفاء وحسن أداء.
هنا عندنا خلاف بين العلماء فالإمام النووي يقول : المماطل لا يسمى ظالماً ولا فاسقاً ولا مرتكب كبيرة إلا إذا كرر المماطلة ، لمرة واحدة لا يسمى مماطلاً وهذا رأي الإمام النووي ، لكن الإمام السبكي رد عليه و قال : هذه كبيرة ومرتكب الكبيرة يكفي أن يرتكبها مرة واحدة.
وأنا أرجح القول الثاني ، ومادام المطل كبير يكفي أن تماطل مرة واحدة فأنت مرتكب كبيرة ترد شهادتك وتفسق .
توازن بالتشريع ؛ كم حثنا على الإقراض الحسن بالمقابل كم حذر المدين من المماطلة ، المشكلة أنه عندما ذوو الأعمال الصالحة يقابلون بالإساءة ينكمشون ، أقرب مثل : كان قبلاً إذا الإنسان رأى في الطريق حادثاً يسعف المصاب ، يوصله إلى المشفى فيعتقلونه ويبقى ثلاثة أيام موقوفاً ، كثير من الناس ماتوا من النزيف لأنه لم يعد أحد يسعف أحد . هذا اسمه منع الماعون حتى صدر قرار أنه إذا إنسان أسعف مصاباً فلا يُسأل إطلاقاً فليس من المعقول أن يفعل الإنسان عملاً صالحاً وينحجز عدة أيام حتى يظهر أنه ليس له علاقة .
منع الماعون هو الإساءة للمحسن . والقصة التي تعرفونها و هي قصة لص الخيل في الصحراء الذي تظاهر بالفقر وكان الحر شديداً والرمال محرقة ، مرَّ به فارس على فرسه رق له ودعاه إلى ركوب فرسه فما إن ركب خلفه حتى دفعه أرضاً وعدا بالفرس لا يلوي على شيء ، قال له صاحب الفرس يا هذا : لقد وهبتك الفرس ولن أسأل عنها بعد اليوم ، ولكن إياك أن تشيع هذا الخبر في الصحراء فإذا أشيع هذا الخبر ذهبت منها المروءة وبذهاب المروءة يذهب أجمل ما فيها .
سبع مائة شقة في الشام فارغة لا أحد يؤجرك ، لأنَّ المستأجر إن دخل إلى البيت صار مالك البيت ، ثم يقول : بلط الزرقاء ، هذا القضاء أمامك ، لا أحد يعيدها ، ليس في الشام أزمة سكن بل أزمة إسكان فقط .
أخطر شيء في المجتمع أن تواجه المحسن بالإساءة فينعدم الإحسان وينكمش المحسنون ، مر بالسيارة فيشير لك واحد ، لماذا لا تركبه معك ؟ احتمال أن يكون معه مخدرات فلا يرحمك القانون . شيء مخيف . أمّا إذا كان هناك معاونة وإحسان فيختلف الوضع .
النبي عليه الصلاة والسلام بالإضافة إلى هذا التشديد فهو نفسه امتنع عن الصلاة على من ترك ديناً ، والقصة معروفة وكان يؤتى بالرجل الميت وعليه الدين فيسأل النبي عليه الصلاة والسلام هل ترك لدينه قضاءً فإن قيل : إنه ترك صلى عليه وإلا قال : صلوا على صاحبكم، صحابي لا . صلوا عليه ، مجاهد ، لا . صلوا على صاحبكم ، خاض أحد وبدر والخندق صلوا على صاحبكم لأنه عليه دين ، هل يوجد أشد من هذا ؟
صحيح أَمَرَك أن تدين لكن أمر المدين أن يؤدي ، هناك نقطة بالشرع دقيقة جداً ، الله أمرك ألا تسرق ، أو أمرك بالتزام أمر معين، فإذا كان هناك ألف مليون مسلم فهؤلاء الألف مليون مسلم مأمورون أيضاً ألا يسرقوا منك .
أمرََك أن تؤدي الأمانة فكذلك إلى أهلها أمر الألف مليون مسلم أن يؤدوا الأمانة لك ، المؤمن إذا كان عنده أخٌ من الإخوان المستقيمين يعمل لديه ، فلماذا يطمئن ويرتاح لأنه لايخاف أن يسرقه .
و الله سبحانه عندما أمرك بالاستقامة أمر الناس أن يستقيموا معك والأمرمُوَجّه و له مفعول آخر ، الإمام النووي رضي الله عنه له توجيه قال : إنما كان يترك النبي الصلاةَ على المدين ليحرض الناس على قضاء الدين في حياتهم والتوصل إلى البراءة منها لئلا تفوتهم صلاة النبي عليهم عند وفاتهم .
كان يأخذ موقفاً حازماً وقاسياً لئلا يطمع الناس ، النبي لا يصلي عليهم إذا كان عليهم دين .
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ "
موقوف رهن التحقيق ، في ذمة التحقيق ، ما دام عليه دين فنفسه معلقة بدينه ، معنى ذلك أن على الإنسان قبل أن يستدين أن يعد للألفو بل للمليون ، و قبل أن يستقرض من مال المسلمين فعليه ألا يستقرض إلا لسبب خطير وجوهري.
" عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالإيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ ، فَقَامَ رَجُلٌ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ : اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَيْفَ قُلْتَ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلا الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلام قَالَ لِي ذَلِكَ "
و هما يعرض سؤال لماذا في المرة الأولى عليه الصلاة والسلام قال له : نعم إذا قتلت في سبيل الله وأنت صابر ...وما أضاف الدين؟ والمرة الثانية قال له : أعد السؤال فلما أعاده قال له إلا الدين .
حتى يوضح النبي الكريم للسائل سبب التناقض فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلام قَالَ لِي ذَلِك، جبريل صحح .
لو قتلت في سبيل الله ، أغلى شيء هي النفس والجود بالنفس أقصى غاية الجود ، لو قتل الإنسان في سبيل الله لا تكفّر عنه خطايا من نوع الدين ، لا يكفّر إلا بالأداء .
و لقد قلت في خطبة الحج : إن الحاج يتوهم أنه إذا حج بيت الله الحرام رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، أجمع العلماء على أن الذنوب التي تكفّر بالحج هي الذنوب التي بينك وبين الله فقط أما الذنوب التي بينك وبين العباد فهذه لا تسقط ولا تغفر إلا بالأداء أو بالمسامحة ، فانتبهوا .
حقوق العباد مبنية على المشاححة وحقوق الله عز وجل مبنية على المسامحة ، وترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام ومن لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا ، لم يعبأ الله بشيء من عمله .
الإمام النووي في شرح حديث مسلم رضي الله عنه يقول إلا الدين فيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفّر حقوق الآدميين إنما يكفّر حقوق الله عز وجل .
" عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ ، فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلاً قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ "
حديث صحيح ياإخوان ، والنبي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، لهذا سيدنا سعد بن أبي وقاص يقول :
ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما عدا ذلك فأنا واحد من الناس ، ما سمعت حديثاً من رسول الله صلىالله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله سبحانه وتعالى.
أرأيتم أيها الإخوة حرص الشرع الحنيف على أداء الحقوق ، أمرنا أن نقرض القرض الحسن لكن أمر المدين أن يؤدي أداء حسناً وحذره أشد التحذير .
عندنا قاعدة : أحياناً يوجد أمر ويوجد نهي لكن يا ترى لو أن قانون السير نصه: يُرجَى السير على اليمين فقط يُرجى ...من دون أن ينص على عقوبات هل يطبق هذا القانون، لا. فهذا القانون عندئذ بالتعبير القانوني يفتقر إلى المؤيد القانوني ، ألا و هي : العقوبات الرادعة ، نحن الآن أمام التوجيهات المقنعة ، النبي وجّه لكن يا ترى بالنظام الإسلامي ، بالنظام التشريعي هل عندنا مؤيدات قانونية وعندنا عقوبات رادعة ؟ نعم .
1 ـ المدين يحجر عليه و الحجر في الشريعة :
هو منع الإنسان من التصرف بماله ، أول عقاب للمدين يفقد حريته في التصرف بماله ، وأصبح سفيهاً ، يتدين وما عنده إمكان أن يوفي، و له بيت لا يستطيع أن يبيعه ، لو عمل عقداً لا ينفذ العقد ، يصدر قرار من القاضي الشرعي بالحجر عليه يعني : فقد حق التصرف، فقد حقه الطبيعي .
الإمام النووي يقول : من عليه ديون حالّة ، استحقت ، زائدة على ماله يحجر عليه بسؤال الغرماء .
عليه ديون أكثر من ماله ، والغرماء طلبوا من القاضي ، والقاضي يصدر أمراً بالحجر عليه، أصبح بيته ليس ملكه و كذلك محله ومركبته من حق الغرماء .
الآن لو جاء هذا المحجور عليه وتصرف في ماله بعد الحجر لا ينفذ تصرفه :
روى الإمام أحمد :
" عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلاً مَاتَ وَتَرَكَ مُدَبَّرًا وَدَيْنًا فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي دَيْنِهِ فَبَاعُوهُ بِثَمَانِ مِائَةٍ * "
المدبر : عبد قال له سيده أنت حر بعد موتي .
وصية سيده لم تنفذ ولم يأخذ بها النبي عليه الصلاة والسلام نظراً لما عليه من دين .
لو أن إنساناً محجوراً عليه تصدق بالمال فصدقته مردودة عليه :
" بَاب لا صَدَقَةَ إِلا عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ أَوْ أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ أَمْوَالَ النَّاسِ"
تتصدق وأنت عليك دين . لا ، وفِّ الدين ثم تصدق .
" قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ."
2 ـ حبس المدين : في قطر عربي إسلامي هذا التشريع قائم ، المدين على السجن ، لكن يوجد هاتف في السجن لا يخرج حتى يقضي الدين ، خبّر أهلك ، إذا كان عليه سند دين لم يدفع يساق صاحبه إلى السجن .
" عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ قَالَ سُفْيَانُ عِرْضُهُ يَقُولُ مَطَلْتَنِي وَعُقُوبَتُهُ الْحَبْسُ * "
قال لي : تعال غداً ، عرضه : أن يتكلم الناس بحقه ، يقال : هذا يأكل مالاً حراماً ، وهذه ليست غيبة ، ما الذي يحصل بين التجار يأتي زبون ناعم فيستدين ثم لا يدفع ، و لقد أمرنا النبي أن نشهّر به: أنه لا يدفع ، إذا سألك جارك : فلان يريد أن يستدين مني هل أدينه قل له : إياك أن تدينه ، وقل عنه إنه لا يدفع ، هذا يأخذ ولا يعطي .
الإمام البخاري نقل عن سفيان أن عقوبته الحبس حتى يؤدي الدين ، فالحبس مشروع حتى يؤدي الدين .
العلامة العيني قال في شرح هذا الحديث : مشروعية حبس المديون إذا كان قادراً على الوفاء تاديباً له لأنه ظالم عندئذ ، والظلم محرم وإن قل .
والقاضي شريح أمر بحبس شخص لم يؤدِّ الدين .
هناك خلاف بين العلماء إذا كان المديون معسراً قالوا : الأولى ألا يحبس ، أما إذا كان ميسوراً يحبس حتى يؤدي الدين ، إن كان معسراً له حق بالآية الكريمة قال تعالى :

(سورة البقرة )
و بعد هذه مشكلة ثانية : تديَّنَ وعمل جواز سفر وهرب ، أين ذاهب ؟ مَنعُ المدين من السفر :
هذه كلها إجراءات قانونية أساسها شرعي ، من أراد سفراً وعليه حق يُستحق قبل مدة سفره فلصاحب الحق منعه ، تزوج وطلق ولم يدفع المهر ، يتمكن والد المطلقة : من تقديم كتاب للقضاء ، ويبلغون دائرة الهجرة والجوازات و يمنعون سفره ، المدين ممنوع أن يسافر، المدين يحبس ، المدين لك أن تفضحه، المدين يحجر على أمواله ، المدين يفقد حق التصرف بماله .
لذلك قال النبي :
" لا أشتري شيئاً لا أملك ثمنه ".
لا نستقرض إلا لسبب قاهر ، لأمر خطير وأمر مصيري ، لعملية جراحية فقط ، أما لأشياء تافهة فهذا شيء مخيف .
و هذا حكم ثالث : أمرنا الله عز وجل بالإقراض الحسن وحثنا عليه وأمرنا بإنظار المعسر وأمرنا ان نضع عنه شطر دينه أو كل دينه وأمر المدين أن يؤدي واعتبره ظالماً مرتكب كبيرة وفاسقاً وأمر بحبسه وبالحجر على أمواله وأمر بمنعه من السفر ، وقال لنا : نحن الطرف الثالث : ساعدوا المدين ، يستحق المدين من أموال الزكاة والغارمين ، أُنظر التوازن في التشريع ، أنت كإنسان معك مال زكاة فيجوز لك أن تدفع من مال الزكاة لهذا المديون لكي يفي دينه .
قال تعالى :

(سورة التوبة )
الغارمون كما قال الإمام القرطبي :
هم الذين ركبهم الدين ولا وفاء عندهم به ولا خلاف فيه ، يعني يا إخوان : إذا إنسان أحب أن يدفع زكاة ماله له أقرباء اسأله أعليك دين؟ عليك عشرة آلاف ليرة فهذا مصرف للزكاة رائع جداً ، الدَّيْن هَمّ عليه ، ودخله محدود فإذا أردت أن تدفع زكاة مالك خصص جزءاً من زكاة مالك للغارمين والمديونين .
هم الذين ركبهم الدين ولا وفاء عندهم به ولا خلاف فيه ، الدين ثابت ، اللهم إلا من استدان في سفاهة فإنه لا يعطى منها ، استدان ليشتري جهاز فيديو ، و الله لا ندفع له من الزكاة . هذا مديون مسكين لا ندفع له . احذروا : لا ندفع له ، إذا شخص تدين ليشتري جهازَ فسادٍ فهذا لا يجوز أن تدفع له من زكاتك وفاءً لهذا الدّين ، الدين لعملية جراحية ، أشياء أساسية قاهرة ، أي بحاجة إلى جهاز أساسي في حياته ، و من استدان في سفاهة فإنه لا يعطى منها و لا من غيرها إلا أن يتوب فإذا تاب فلا مانع ، و يعطى منها من له مال و عليه دين محيط به ما يقضي به دينه فإن لم يكن له مال و عليه دين فهو فقير و غارم فيعطى بالوصفين ، الذي عليه دين و ليس معه الوفاء هذا صار فقيراً و غارماً بآن واحد ، اجتمعت صفتان ، من عليه دين و ليس معه الوفاء ، أحياناً معه مال و لكن لا يكفي دينه ، عليه مائة ألف و معه ثلاثون ألفاً يقال : معه ثلاثون ألفاً لكن لا يكفي. فدينه أكبر ، فهذا اسمه غارم أما الذي لا يملك مالاً إطلاقاً فاسمه فقير و غارم يستحق الزكاة من جهتين ، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بالصدقة على من لزمته الديون :
" عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ "
أحياناً يغرم المرء بالضمان يضمن المشمش بعشر ليرات فيصبح ثمنه خمس ليرات ، صار مديوناً وكل شيء قطفه لا يكفي ثمن الضمان ، هذا غارم .
لو فرضنا أن الناس لم يتقدموا لمساعدة المدين ، فالغارم يستحق جزءاً من بيت مال المسلمين هذا التشريع المتوازن ، على كل هناك أبحاث متعلقة بالدين و يجب أن تعلموا علم اليقين أن هذا الشرع الحنيف نظام خالق الكون ، نظام متكامل ، الدين ضرورة وأداؤه ضرورة والزكاة ضرورة والصدقة ضرورة والإنسان كلما تفقه بالدين ارتقت معرفته ، أصبح عمله حكيماً قال تعالى :

(سورة الزمر )
أحياناً يشعر الإنسان أن هناك فتوراً في عبادته ، يوازن نفسه مع إنسان جاهل من أصدقائه ، يرى فضل الله عليه ، والعلم نعمة من أفضل النعم ، ما من نعمة تفضل نعمة العلم .
" إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم "
العلم يحتاج إلى وقت وإلى مكان ، بيوت الله عز وجل هي المكان الصحيح لتلقي العلم ، يعني أن الجامع له دور كبير ، دور التعليم ودور التوجيه ودور التعاون ، و يجب على الإنسان أن يكون له مشرب علمي دائماً هذا مما حض عليه النبي صلى الله عليه وسلم والحقيقة أن الإنسان كما أقول لكم دائماً يتألق لمّا يطبق ما علم ، ولما ينوي أن يقرض قرضاً حسناً والله عز وجل متطلع على نيته فأولاً يسوقه إلى إنسان يستحق هذا القرض .
لأن من علامة التوفيق أن يكون معروفك عند أهل الحفاظ ، و الإنسان أحياناً يصنع معروفاً مع أهل الجحود فيتألم ألماً شديداً ، مع أن الإنسان مأمور كما ورد " قال : اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله فإن أصبت أهله أصبت أهله وإن لم تصب أهله فأنت أهله "
لكن من نعم الله الكبرى أن يكون المعروف مع إنسان يستحق المعروف ، مع إنسان من أهل الوفاء ، إنسان كريم ، إنسان محسن لا ينسى لك هذا الفضل .
والقاعدة الثابتة : إن فعلت معروفاً يجب أن تنساه ، وإن فعل أحد معك معروفاً يجب ألّا تنساه أبداً ، أكمل شيء في الإنسان أنه إذا قدم لك أحد معروفاً فكلما شاهدته قل له أنا لن أنسى فضلك علي ، هذا كمال ، وإن فعلت معروفاً مع إنسان فلتكن كأنك لا تعرفه ولا يعرفك. انسه فوراً ، انسَ معروفك وتذكر معروف الآخرين هذا مما ينمي العلاقة بين المؤمنين ، وهذا مما ينمي الود بينهم .
الإنسان من سعادته العظمى أن أعماله الصالحة مع إخوانه المؤمنين ، فيعرفون قيمة أعماله ولا ينسون فضله عليهم و تتوثق بينهم عرى المودة والآية الأساسية قال تعالى :

(سورة المائدة )
الحياة أصبحت معقدة جداً أيها الإخوة كان الإنسان قديماً يعاون أباه وله غرفة في البيت العربي ، والبيت عبارة عن ثلاثين غرفة و عندما يتزوج الشاب فإنه يختص بغرفة من البيت ، وانتهى الأمر ، الآن لابد من التعاون ، لأن الحياة معقدة و الأعمال تحتم على الناس المعاونة ، معي مائة ألف ليرة لا تساوي شيئاً والمحل فروغه بمليونين ، ولا بد من التعاون في أمور الدنيا والآخرة قال تعالى :

(سورة المائدة )
قيل البر صلاح الدنيا والتقوى صلاح الآخرة ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، والحقيقة عندما الأخ يأتي على الجامع وله أخوان طيبين طاهرين وله علاقات طيبة يشعر بالأنس الاجتماعي ليس وحدك في الحياة .
" عَنْ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى "
هذه علامة المجتمع المؤمن الصادق فالإنسان يقدم ويعاون حتى يعاون ، الحياة أخذ وعطاء قلت لكم سابقاً الأنبياء أعطوا كل شيء ولم يأخذوا شيء ، النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد أن يصلي قيام الليل ترفع زوجته رجليها لأن غرفته الصغيرة لا تتسع لصلاته ونومها ، ما أخذ شيئاً أعطى البشرية كل شيء ولم يأخذ شيئاً .
والمنحرفون أشد الانحراف أخذوا كل شيء ولم يعطوا شيء ، أما عامة المؤمنين الحياة أخذ وعطاء أنت عاون ، تتعاون بعد ذلك ، أبسط مثل واحد تزوج ماله ثلاثين أو عشرين أخ ، ألف ألف أخذوا له براد و ثريا أخذوا له ، رأى حاله بضائقة شديدة والأمور كلها تيسرت ، بعد أن تزوج واستقر ، الذي قدم له السجادة ، الآن سوف يوفي الدين ، الهدايا كلها ديون ، والتعاون في الزواج وبالعمل والمرض والصحة والسفر والإقامة وتأسيس شركة ومشروع ، الله عز وجل يحب التعاون ، يد الله مع الجماعة ، يد الله على الجماعة والجماعة رحمة والفرقة عذاب
" ... فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ بَحْبَحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ لا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ"
فالإنسان لا يكفي أن تحضر الدرس لابد من أن يكون لك أخوان طيبون ولك معهم علاقة طيبة ، في معرفة وفي مذاكرة بالدين والعلاقة الطيبة مع إخوانك المؤمنين تجعلك عضو في جماعة مؤمنة وأنت عنصر فعال إيجابي وهذا الذي يرضي الله عز وجل أن المؤمن يكون متعاون مع أخوانه المؤمنين .
واحد بالرياضيات متفوق أعمل كم درس لأخوانك الضعاف بالرياضيات عندهم بكالوريا ، لا يوجد مانع أن نتعاون ، واحد مختص باللغة الأجنبية إن كان أخوانه عندهم ضعف في هذه الدروس ، باب التعاون كبير جداً ولما الإنسان يريد أن يعمل عمل صالح الله يلهمه أعمال غريبة ورائعة أسمع أيام عن أعمال صالحة شيء جميل .
في بعض البلاد الإسلامية إذا توفي إنسان كل المعزين يعزوه مع مبلغ من المال ، هذا توفي يجمع مبلغ ضخم ، هناك العرف يستخدمه المال وإذا لا يحتاجه يتصدق به ، والتعزية فيها مشاركة مادية أيضاً ، الوالد مات توقف العمل والدخل قل ، الحياة أساسها التعاون والتعاون البناء والصادق والمخلص لله عز وجل .
وأنت كلما شعرت نفسك تعطي وتأخذ تمتنت علاقتك بالمؤمنين ، وكلما رأيت نفسك مستمع فقط ، وكلما كلفت بعمل قلت : لا يوجد معي نقدي يوجد ناس أذكياء جداً بالاعتذار ينسحب انسحاب لطيف وأرجو الله عز وجل أن يترجم هذا الدرس إلى سلوك يومي وإلى واقع ، والحمد لله رب العالمين







[quote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Empty
مُساهمةموضوع: : شركة المضاربة .   الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Emptyالسبت مارس 27, 2010 9:07 am



: شركة المضاربة .




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الإخوة الأكارم :
نحن في الإطار العام في موضوع الربا ، وقد تحدثنا في دروس ثلاثةٍ سابقة عن بديل الربا وهو القرض الحسن وبينا أن الربا أساسه الاستغلال ، والقرض الحسن أساسه الإحسان ، وبينا أن الربا أساسه اتباع الهوى لكن القرض الحسن أساسه طاعة الرحمن ، واليوم ننتقل إلى موضوع أراه من أخطر موضوعات سلسلة من الدروس لماذا؟
لأن دين الله عز وجل لابد من أن يحل كل مشكلات الإنسان ، لو أن نظاماً وضعياً ما عجز عن مواجهة مشكلة فشيء طبيعي لأن الإنسان يخطئ ويصيب .
لكن دين الله ، لكن التشريع الإلهي ، المنهج الرباني ، هل يعجز عن حل مشكلات المجتمع ؟ هذا شيء مستحيل عقلاً ، فتحدثنا في الدرس الماضي عن القرض الحسن ، هذا فيما يتعلق بالتعبير المعاصر بالقرض الاستهلاكي يعني : إنسان يواجه نفقة طارئة لا يملكها مثلاً عملية جراحية يقترض لها ، هذا قرض استهلاكي ، ونقول للمقرض جزاك الله خيراً ، أنت إنسان محسن ، وأنت إنسان عظيم ورحيم ، وأنت ابتغيت الأجر عند الله رب العالمين .
عندنا الآن مشكلة أخرى ، عندنا فئة كبيرة في المجتمع تملك المال لكنها متقدمة في السن ، أو أنها امرأة لا تقوى على تنمية هذا المبلغ ، أو أنه مال لطفل صغير يتيم ، أو أنه مال وصاحبه مسافر .
إذاً نحن أمام حالة : أن إنساناً يملك المال ولا يستطيع أن يثمره ، وعندنا فئة أخرى ، شباب في ريعان الشباب مفتولوا العضلات يتحرقون على عمل ولا يجدون ، أولئك عندهم الأموال ولا يستطيعون أن يعملوا ، وهؤلاء عندهم كل طاقات العمل وليس عندهم مال ليعملوا به .
الدرس الماضي تحدثنا عن قرض استهلاكي لنفقة طارئة ، وظننا الخير والكرم بالذي أقرض إقراضاً حسناً ، وإن كنت ميسوراً ومعك مال زائد فأعط جزءاً من مالك كقرض حسن لهذا الإنسان المحتاج .
الحالة اليوم من نوع آخر شاب يحمل شهادة هندسة لكن لا يملك أرضاً يزرعها ، لا يملك أية إمكانية ليقيم مشروعاً لكنه خبير درس خمس سنوات هندسة وذاك درس خمس سنوات علوماً طبيعية ، بإمكانه أن ينشئ معمل صابون ، لكن لا يملك مالاً ولكن بإمكاناته العلمية وخبراته الجيدة وطاقاته الخلاقة ونشاطه في أعلى درجة ، قادر على إنشاء مؤسسة مثمرة ومنتجة .
الأول معه المال لكنه متقدم في السن ، وهذا الشاب لا يحتاج إلى قرض استهلاكي ، يحتاج إلى قرض استثماري ، والأول لا يحتاج أن يقرض من دون أن يستفيد ، فمن أين يأكل ؟ أنت إنسان في بحبوحة أقرضت لوجه الله ، والحالة الثانية إنسان معه مائة ألف لا يملك غيرها ولا يستطيع أن يستثمرها ، وشاب يحتاج إلى مائة ألف لكنه لا يملكها ، أيعقل أن نقول للأول أقرضه قرضاً حسناً هذا ليس معقولاً لأنه يجب أن يأكل وينفق .
من أعظم ما في الشرع نظام المضاربة ، هذه شركة قائمة على جهد ومال، المال من جهة والجهد من جهة أخرى ، هذا بماله وهذا بعمله وذاك بطاقته ، يعني يجب أن يبقى في ذهنك أيها الأخ الكريم أن الله عز وجل حينما قال :

(سورة المائدة )
دين الله عز وجل دين الخالق دين رب العالمين كامل وتام ، التمام صفة عددية والكمال صفة نوعية ، فمن حيث عدد القضايا التي عالجها الدين فعددها تام يغطي كل حركات الإنسان ونشاطاته وأحواله في كل حياته ، ودين كامل يعالج معالجة وافية وكاملة كل قضية من قضايا الإنسان ، والآن كيف نحل مشكلة القرض الاستثماري ؟
كيف نحل مشكلة من يملك المال ولا يستطيع أن يستثمره ومن يملك الجهد والطاقة والخبرة ولا يملك المال ؟ الشرع الحنيف شرع ما يسمى بشركة المضاربة ، المضاربة شركة تقضي حاجتين في وقت واحد ، تقضي حاجة صاحب المال الذي لا يستطيع لكبر سنه أو لصغر سنه أو لجنسه: أنثى ، أو لسفره ، أو لجهله أن يستثمر ماله وهو في أمس الحاجة إلى أن يأكل لا من رأس ماله بل من ريع رأس ماله ، وتحل مشكلة الشاب المفتول العضلات والممتلئ نشاطاً بأن يأكل من خلال عمله وهذا الشاب لا يقبل صدقة ولا مساعدة ، شاب في أول حياته لماذا الصدقة؟ أروع ما في هذا الدين أنه شرع تشريعاً حكيماً لهؤلاء ولهؤلاء .
ومن باب البشارة أن النبي عليه الصلاة والسلام بشخصه كان أول شريك مضارب في الإسلام اتجر بمال خديجة رضي الله عنها ، كان أميناً إلى أعلى درجة وكان وفياً إلى أعلى درجة ، فشركة المضاربة تحل مشاكل الناس جميعاً .
البنوك ماذا تعمل ؟ هي مخالفةٌ للشرع ، لكن تحل مشكلة من معه مال ولا يستطيع أن يستثمره، فتأخذ هذا المال وتقرضه بالربا وتدفع لصاحب المال نسبة ثابتةً ، لكن شركة المضاربة تحل هذه المشكلة وفق الشرع ومن خلال قنوات الشرع ، وفق منهج الله عز وجل ، لذلك فإني دائماً أشجع إخواننا الكرام من الشباب ومن أصحاب الأموال أن يتعاونوا لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالتعاون . قال تعالى :

(سورة المائدة )
البر صلاح الدنيا ، يعني أجمل ما في الدنيا أن شاباً يعمل بإخلاص وصدق وإتقان ويدفع لصاحب المال ريعاً معقولاً ويكتسب مالاً حلالاً ليس فيه شبهة القرض الربوي ولا شبهة الربح الثابت ولا شيء من هذا القبيـل ، لكن قد يقول قائل : يا أخي هناك كثير من الشركات الاستثمارية وكلها أعطت أرباحاً خيالية ثم أكلت المال وأصله .
هذا صحيح وطبيعي لأن هؤلاء ليسوا منضبطين بالشرع وهؤلاء ليسوا مسلمين حقاً ، الشرع موضوع للمؤمنين الصادقين ، كل إنسان رفع لافتة وقال أنا مسلم فهل أصبح مسلماً حقاً؟ كل إنسان ادعى الورع أهو ورع فعلاً ؟ كل إنسان ادعى أنه مطبق للشرع أهو فعلاً مطبق للشرع ، فإذا الناس خاب ظنهم ببعض الشركات التي أعطت أرباحاً خيالية ثم أكلت المال كله فاتجه الناس نحو المصارف والبنوك ، فهذا لا يبرر أن نلغي التعامل في موضوع المضاربة ، لذلك موضوع درسنا اليوم : المضاربة ، البديل الآخر للربا والقرض الاستهلاكي ، أول بديل إذا كنت في حاجة إلى قرض استهلاكي كإجراء عملية جراحية أو ترميم بيت مثلاً فهناك إنسان ميسور الحال معه مال فائض نقول له أيها الغني أقرض هذا الإنسان المؤمن الصادق الطاهر الفقير قرضاً حسناً تبتغي به وجه الله وهذا موضوع الدروس الثلاثة السابقة .
لكنّا اليوم مع إنسان يملك مبلغاً من المال وهو مضطر أن يأكل وينفق ، لكن لا من أصل المال، بل من ريعه ، وإنسان آخر لا يقبل الصدقة ولا المساعدة يريد أن يعمل وأن يبني نفسه ، وهذا شيء جميل ، أفنقول لصاحب المال أقرض أو اجعل بينك وبين هذا الشاب شركة مضاربة منك المال ومنه الجهد ؟ والربح بينكما بنسب تتفقان عليها ، هذا أصل شركة المضاربة .
هو البديل لأي مشروع أساسه الربا ، وقد بينت لكم في درس سابق لو أننا أتينا بمشروعين اثنين متشابهين من حيث كتلة المال ونوع العمل وكل شروط العمل ، الشركة الأولى أساسها قرض ربوي ، ممولة بقرض ربوي، والشركة الثانية ممولة بعقد مضاربة بين صاحب مال وبين شريكِ عملٍ ، أسعار شركة المضاربة أقل بكثير من أسعار الشركة الربوية لماذا ؟ لأن فائدة القرض الربوي تضاف إلى الكلف ، أما هنا فليس عندهم فائدة القرض الربوي ، بل صاحب المال يأخذ من الربح نصيبه . إذاً الأسعار تهبط ، ولو حلّتْ شركات المضاربة مكان الإقراض الربوي الاستثماري لهبطت الأسعار ، فإلى تفاصيل هذه الشركة التي هي الحل الوحيد لحاجتين متكافئتين ، حاجة أصحاب الأموال لاستثمار أموالهم ، وحاجة أصحاب الأعمال إلى تأمين تمويلٍ لأعمالهم ، إنها شركة المضاربة والنبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق كان أول شريك مضارب في الإسلام .
بعيداً عن مصطلحات الفقهاء ؛ للتعريف اللغوي والتعريف الشرعي ، نبدأ بمشروعية هذه الشركة والله سبحانه وتعالى يقول :

(سورة المزمل )
ضرب في الأرض أي سافر يبتغي الرزق ، قال تعالى :

(سورة الجمعة )

(سورة البقرة )
هذه الآيات الثلاث ؛ يرى بعض العلماء أن فيها إشارة إلى شركة المضاربة.
لكن السنة فصلت فالنبي عليه الصلاة والسلام كما تعلمون سافر بمال قبل النبوة ، وسافر بمال خديجة رضي الله عنها ، والعير التي كان فيها أبو سفيان كان أكثرها مضاربة مع أبي سفيان ، فشركة المضاربة كانت معروفة في العالم العربي قبل بعثة النبي وبعد بعثة النبي ، والنبي كان شريكاً مضارباً ، إذاً كل شيء فعله النبي هو تشريع .
السنة النبوية كما تعلمون هي أقواله وأفعاله وإقراره ، قصة جرت مع أصحاب رسول الله :
" حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ : خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي جَيْشٍ إِلَى الْعِرَاقِ فَلَمَّا قَفَلا مَرَّا عَلَى أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ ثُمَّ قَال: لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْتُ ، ثُمَّ قَالَ : بَلَى هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسْلِفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَكُمَا فَقَالا وَدِدْنَا ذَلِكَ فَفَعَلَ ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ ، فَلَمَّا قَدِمَا بَاعَا فَأُرْبِحَا ، فَلَمَّا دَفَعَا ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ قَالَ : أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ مَا أَسْلَفَكُمَا قَالا لا فَقَالَ :عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ ، فَقَالَ : مَا يَنْبَغِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا لَوْ نَقَصَ هَذَا الْمَالُ أَوْ هَلَكَ لَضَمِنَّاهُ ، فَقَالَ عُمَرُ : أَدِّيَاهُ فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا ، فَقَالَ عُمَرُ : قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا ، فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ ، وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نِصْفَ رِبْحِ الْمَالِ "
سيدنا عمر بن الخطاب شديد ، رأى يوماً إبلاً سمينة قال : لمن هذه الإبل ، قالوا : هي لعبد الله بن عمر ، قال : ائتوني به ، جاؤوا به ، قال : لمن هذه وهو متجهم الوجه ، قال : هي لي ، اشتريتها بمالي وبعثت بها إلى المرعى لتسمن فماذا فعلت ؟ يعني يا أبتِ قل لي ما المخالفة التي خالفت بها الشرع ؟ البيع حلال والشراء حلال .
استمعوا ماذا قال سيدنا عمر قال له : ويقول الناس ارعَوْا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين ، اسقوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين ، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين ، هل تعرف لماذا سمنت الإبل التي تملكها، لأنك ابني ، فقال له : بع هذه الإبل وخذ رأس مالك ورد الباقي لبيت مال المسلمين .
" الإمام البيهقي روى عن حميد بن عبد الله عن بن عبيد الأنصاري عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى مالَ يتيمٍ مضاربةً وكان يعمل به في العراق "
وروى الإمام مالك :
" و حَدَّثَنِي مَالِك عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ : أَعْطَاهُ مَالاً قِرَاضًا يَعْمَلُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا "
" وروى الإمام الدار قطني عن عروة بن الزبير وعن غيره أن حكيم بن حزام رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضةً يضرب له به ، أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به في بطن مسيل وإن فعلت شيئاً من ذلك ضمنت لي مالي "
ومن حق صاحب المال إذاً أن يشترط على المضارب ممنوع أن تتجر في البضاعة المهربة ، ممنوع أن تسافر به خارج القطر ، من حق المضارب أن يشترط على العامل ، شريك العمل .
كان حكيم بن حزام يشترط : ألا تجعل مالي في كبد رطبة ، تتاجر لي في الغنم وتقول لي ماتت الغنم ، ولا تحمله في بحر فتغرق ، ولا تنزل به في بطن مسيل ، يأتي سيل عارم ويتلف البضاعة ، وإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت لي مالي وأنت مسؤول .
هذه فيها أحكام فقهية سوف نوضحها بعد قليل ، من حق صاحب المال أن يشترط على صاحب العمل شروطاً فإذا خالفها ضمن المال والخسارة ، وعندئذ تقع وحدها على المضارب فقط لا على صاحب المال .
والإمام البيهقي يروي :
" عن نافع رضي الله عنه أن ابن عمر رضي الله عنهما ، كان يكون عنده مال اليتيم فيزكيه ويعطيه مضاربة ويستقرض فيه "
" لأن النبي عليه الصلاة والسلام فيما ورد عنه اتجروا بمال اليتامى لا تأكلها الزكاة "
بالمناسبة نحن نعلم أن الزكاة لا تجب إلا على المال النامي وأصل المال لا ينمو ، السلع ، مثلاً : بيت كان ثمنه عشرون ألفاً في عام خمسة وستين ، اليوم ثمنه ثمان ملايين فقد نما . أما الليرة فهي ليرة وما اختلفت ، فالمال لا ينمو والذي ينمو البضاعة إذ تشتد الحاجة إليها فيزداد سعرها ، فلماذا أوجب الله الزكاة في المال مع أنه لا ينمو بل بالعكس قد يتراجع ؟
العلماء قالوا : أوجب الله الزكاة في المال لئلا يكنز وإذا كنزه الإنسان أكلته الزكاة ، أنت مسلم معك مال وخائف عليه ، كل سنة تخرج اثنين ونصف بالمائة زكاته على أربعين سنة بنفد المال كله .
إما أن تستثمره وإما أنّ الزكاة تأكل المال ، فحكمة الشارع الحكيم من فرض الزكاة على المال ولو كان ورقياً لئلا يكنز ، فيحرم منه الشاب الذي يتمنى أن يكون هذا المال معه ليعمل به .
لكن يا ترى إذا الناس أساؤوا فهل يلتغي الشرع ؟ لا ، ثم لا ، وإذا كان أشخاص احتالوا وأكلوا أموال الناس بالباطل وكذبوا وأعطوا أرباحاً وهمية ثم أكلوا أصل المال ، أنلغي الشرع ؟
هذه الأخطاء وقعت ولكن هؤلاء الأشخاص غير ملتزمين وليسوا منضبطين وليسوا ورعين ، فإذا أخطأ الإنسان فهل يعطل الشرع ؟ لا .
لم ينقل عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوان الله تعالى عليهم أجمعين أنه أنكر التعامل بالمضاربة .
أهم ما في الموضوع أن شركة المضاربة فيها تأمين الحاجتين وتلبيتهما ، حاجة أصحاب الأموال وحاجة أصحاب الأعمال .
وأروع عمل يقول لك : ضربنا عصفورين بحجر ، مثل عامي ، العمل الرائع أن تحقق هدفين في عمل واحد ، هناك أناس في أمس الحاجة إلى أن يكسبوا مالاً من أموالهم المجمدة ، وهناك أناس لا يقبلون الصدقة وهم في أمس الحاجة إلى مال يعملون به .
فإذا قلنا إلى هؤلاء ادفعوا إلى هؤلاء ، ويا هؤلاء اعملوا وأعطوا هؤلاء ، معنى ذلك هذا تشريع حكيم لبّى حاجتين متكافئتين في وقت واحد .
لكن النبي الكريم قال :
" عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا ولا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ "
بطولتك أن تبحث عن المؤمن الصادق ، الذي لو قطعته إرباً إرباً لا يأكل قرشاً حراماً ابحث عن هذا وادفع له المال وخذ منه ربحاً حلالاً وهو بنيته الطيبة يوفقه الله عز وجل .
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ "
إخواننا التجار يعرفون : مع الله لا يوجد أحد ذكي ، يوجد تاجر موفق وتاجر غير موفق ، يعني أكبر تاجر وأذكى تاجر ، وأطول خبرة عند التاجر يمكن أن يريه الله عز وجل صفقة متألقة نيرة ويكون فيها إفلاسه ، ويمكن أن يلهم الله التاجر المؤمن صفقة في نظر الناس عادية جداً يربح منها أرباحاً طائلة جداً . الأمر إذاً رهن توفيق الله ، والتجارة تحتاج إلى استقامة وإلى توفيق الله فقط ، لا تحتاج إلى ذكاء من أعلى مستوى .
ولو كانت الأرزاق تجري مع الحجى هلكن إذاً من جهلهن البهائم
ترى في المجتمع واحداً شعلةَ ذكاء ، لا يملك قرشاً في جيبه ، وآخر على البساطة يأتيه المال جزافاً ، من دون حساب ، الرزق له قوانين ، نحن سابقاً تكلمنا بخطبة أو بخطبتين فيما أذكر عن أسباب زيادة الرزق وذكرت في وقتها :
1 ـ الاستقامة والدليل قال تعالى :

(سورة الجن )

(سورة الأعراف )
2 ـ الأمانة :
" الأمانة غنىً "
الإنسان الأمين موثوق والموثوق تدفع له الأموال ، ويعمل عملاً طيباً حلالاً وينتفع وينفع .
3 ـ إتقان العمل عاملٌ للرزق :
" إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه "
انظر إلى أصحاب الحرف ترى المتقن ليس عنده كساد ، وغير المتقن عمله يقول لك أعمل شهراً وأقف شهرين ، ويقول : عندنا ركود وكساد ، بينما المتقن عمله في نفس الوقت يقول لك عندي عمل لشهرين قادمين ، لماذا فلان يعمل قليلاً ويقف بلا عمل كثيراً ، وفلان دائماً عنده عمل ؟ فالمتقن لا يشكو فتور السوق وعليه طلب كثير .
أسمع عن بلاط كان الناس يوصون عليه من قبل سنتين ، فمعمل البلاط لسنتين مشغول ، عمله متقن ، والعامل لا يمكن أن يبلط مع رفرفة ، وميل صحيح .
تلاحظ شركات ليس لها دعاية ، لأنها ليست بحاجة إلى دعاية ، إنتاجها نافق من دون دعاية وعندما تبدأ بالدعاية فمعنى هذا أن عندها كساداً ، وعلامة الكساد الدعاية ، إذاً : الإتقان الشديد وحده هو دعاية .
يا إخوان :
بإتقان عملك تجعل كل زبائنك يدعون لك مجاناً ، كن نجاراً متقناً فهذا الزبون يمدحك سنتين وهو لا يشعر ، يقول : الله يوجه له كل خير . صنع لنا أبواباً جيدة ، بينما رجل اشترى طقم جلوس فأول يوم فرح به ودعا الضيوف لبيته فكسر الطقم ، فذهب إلى الذي باعه فقال له : الطقم خفس . فقال : الظاهر جلستم عليه .
واحد رأى عرقاً أخضر في غرفة النوم ، فالخشب لم يجف بعد ، أصابَتْه بعض القطرات من السقف فنبت عرق أخضر .
تريد أن يثني الناس كلهم على بضاعتك فأتقن عملك ، تجعل الناس يروجون بضاعتك وهم لا يشعرون ، إذاً شركة المضاربة فيها دفع الحاجتين تلبية حاجتين في وقت واحد .
الآن نطاق المضاربة واسع جداً ، يجوز أن تدفع مالك إلى اثنين أو إلى ثلاثة أو إلى أربعة ، لا شيء يمنع أن تدفع مالك إلى اثنين أو إلى ثلاثة أو إلى خمسة ، عندنا قاعدة : مثل غربي ، إياك أن تضع البيض كله في سلة واحدة .
والتجار يقولون : اجمع عيالك وفرق مالك ، أحياناً تكون مصلحة رائجة فإن كان كل ماله في هذه المصلحة ، فلربما بقرار تنتهي هذه المصلحة ، مرة كنت في حمص هناك محلات عند موقف شركات الباصات تبيع بيعاً مذهلاً من طعامٍ وشرابٍ وسندويش ، فلما نقل مركز الباصات إلى خارج حمص ، العشرون محلاً أغلقت ، فإذا كان المال كله في عمل واحد وصارت مشكلة توقف العمل ، فتوزيع الأموال حكمة ، فيجوز دفع الأموال إلى اثنين أو ثلاثة .
إذا كان هذا مربحه أكبر نميل إليه ، يجوز دفع المال إلى اثنين وأكثر مضاربةً ، ويمكن أن تكون أنت شريك العمل وأن تأخذ أموالاً من أكثر من شخص ، مشروعك أكبر من حدود شخص قد تحتاج إلى مائة شخص أو خمسين فيمكن أن تدفع إلى أكثر من واحد ويمكن أن تأخذ من أكثر من واحد هذا يجوز في تشريع المضاربة .
أحياناً أنت شريك مضارب ومعك مال أكثر من طاقتك ، يمكن أن تضارب أنت به ، تثق بإنسان عنده خبرة جيدة تدفع له هذا المال وقل له : أنت مسؤول ، إذا استأذنت صاحب المال فلست مسؤول ، إن لم تستأذنه فأنت مسؤول ، فالخسارة عليك ، ممكن لِلْمضارب أن يضارب إذا كان حجم عمله لا يحتمل الكتلة النقدية التي معه ، يمكن للمضارب أن يأخذ مضاربة أخرى ، يعني يأخذ من أكثر من واحد لمضاربة واحدة ويأخذ من أكثر من واحد لمضاربة ثانية فيقوم بمشروعين في وقت واحد .
من الممكن أن تدفع المال لأكثر من مضارب ، ومن الممكن للمضارب أن يأخذ من أكثر من واحد ، ويمكن للمضارب أن يضارب ، ويمكن للمضارب أن يأخذ مضاربة أخرى لموضوع آخر.
يمكن أن يكون رأس المال نقداً أو عروضاً ، إنسان عنده بضاعة قال صاحبها : بع هذه البضاعة واجعل مالها مضاربة بيني وبينك أو قيّمها وبعها مضاربة بيني وبينك ، قد يضع واحد بضاعة عند آخر بالأمانة كأن يضع عنده قماشاً ويقول له : بع هذا القماش والربح بيننا ، شخص عنده محل ولا يملك بضاعة ، وشخص مستورد يملك بضاعة كثيرة أعطاه عشر صفقات وقال له بع هذه الصفقات والربح بيني وبينك مناصفة .
يمكن أن تأخذ مالاً ويمكن أن تأخذ بضاعة ، يمكن أن تكون المضاربة في جميع أنواع التجارة المباحة ، أي نوع من أنواع التجارة المباحة تجري فيها المضاربة .
بالصناعة ممكن ، وفي الزراعة والتجارة ممكن ، وفي الخدمات ممكن ، مكتب هندسي والمهندس لا يملك إلا اختصاصه يحتاج إلى مكتب وإلى موظفين ، جاء إنسان ممول ، ممكن صيدلية ، إنسان يحمـل شهادة صيدلة لكن لا يملك المال وهناك جهة موَّلت المحل والأدوية والتجهيزات والربح بينهما ، ليس هناك شركات أوسع من المضاربة .
لكن هذه المضاربة ، ولئلا يستغل طرف الطرف الآخر ولئلا يحيف طرف على الطرف الآخر ولئلا يظلم طرف الطرف الآخر ، هناك قواعد استنبطها العلماء ، هذه القواعد تعد كالشروط بعضها برأس المال ، رأس المال لا يستحق الربح إلا إذا سلمته ، أنا واضع مبلغاً فماذا ربحنا ؟ طبعاً هذا شرط بديهي .
لا بد من تسليم رأس المال حتى يستحق الربح ولا يستحق رأس المال الربح إلا من تاريخ التسليم ، فمن قبل لا يجوز ومن بعد لا يجوز ، فيه ظلم ، ومن قبل لا يجوز فيه ظلم للمضارب.
أعطاه المال في شهر نيسان قال له : أنا أريد الربح من أول السنة لا يجوز، من قبل لا يجوز ومن بعد لا يجوز .
من حيث تصرف العامل يوجد عدة آراء : إذا دفعت المال للشريك المضارب ، ولم تشترط عليه شيئاً ولم تقنن له قانوناً ولم تحظر عليه محظوراً فأنت مسؤول عن كل تصرفاته ، أما إن قلت له أنا لا أوافق على أن أشتري بضاعة غير نظامية ، فإن اشترى بضاعة غير نظامية وصودرت فهو مسؤول وحده عن ذلك ، إذا خالف المضارب تعليمات صاحب المال يصبح ضامناً أي مسؤولاً .
يجوز أن تشترط ويجوز ألا تشترط ، إن كان لك ثقة كبيرة في هذا المضارب ، لا تقيده وتعرفه من حكمته وعقله الكبير وذكائه وورعه يختار الشيء المناسب لهذا المال ، أما إن كنت تعرفه طائشاً ، فاحذر .
ذهب مفتش في التعليم الابتدائي إلى قرية من قرى محافظة ريف دمشق ودخل إلى صف وسمع درس المعلم اللطيف وأحب أن يتقرب من الطلاب فسأل طالباً : أنت يا بني ماذا تحب أن تكون عندما تكبر ؟ هل تحب أن تكون طياراً مثلاً أو مهندساً ، فقال له الطالب : مهرب ، أستاذ .
إذا أنت اشترطت على المضارب ألا يشتري بضاعة غير نظامية واشترى فهو مسؤول ، ممكن لك أن تشترط ألا يتعامل بنقد غير سوري ، يوجد قوانين قاسية لمن يتعامل بنقد غير سوري ، عشرون سنة في السجن أحياناً فأنت ليس لك مصلحة ، وأنت كصاحب مال عليك أن تقول هذا ممنوع وذاك ممنوع ، والمال يبقى في سوريا ولا يخرج خارج القطر ، لا يجوز لك استثمار عن طريق العملة لأن هذه ممنوعة ، بضاعة غير نظامية مرفوضة فأنت لك حق أن تشترط ، وإذا لم تشترط معنى هذا أن لك ثقة كبيرة في هذه الجهة من حيث العلم والحكمة والورع...
طبعاً هناك شروط قاسية جداً ، والشروط إذا اشتدت قيدت شريك العمل وتقلل فرص الربح ، إذا قال له مثلاً : بأية لحظة أطلب المال تقدمه ، فهذا كلام فارغ ، اشترى فيه بضاعة وليس معقولاً أن يعطيك المال في أية لحظة ، فإن كان المال لا يعمل ومعنى هذا أنه أعطاك ربا ، إذا مالك في الصندوق وبأي لحظة يدفعه له فمعنى هذا أن المال لم يربح وأعطاك ربحاً خلبياً وهميا.
عندنا حكم خاص : إذا المضارب خالف تعليمات صاحب المال بعضهم يقول : يضمن الخسارة ولا يأخذ شيئاً من الربح ، إن ربح فلصاحب المال وإن خسر فعليه تأديب له لأنه خالف تعليمات صاحب المال .
لو فرضنا أن هذا المضارب أعطاه مليوناً أو نصف مليون ، فذهب واشترى بضاعة بعشرة ملايين ولسبب أو لآخر البضاعة تلفت أو هبط سعرها فجأة وعليه التزام دفع عشرة ملايين فالشريك المضارب عليه أن يدفع هذه الخسارة الكبيرة ؟ صاحب المال ليس مسؤولاً إلا في حدود المال الذي دفعه إليه ، أما أن تحمله أكثر من حجمه فلا ، وهذه يسمونها: توصية شركة بسيطة صاحب المال ليس مسؤولاً إلا في حدود المال .
أعطاك مائة ألف فعملك ضمن المائة ألف . فأية خسارة تزيد على حجم المال كله ، فهذا ليس صاحب المال مسؤولاً عنها ، لا يسأل إلا في حدود رأس ماله الذي دفعه إليك .
الآن أكبر مشكلة في التجارة ، أن يعمل التاجر بعشرة أضعاف حجمه المالي ، فأحياناً تقع هزات فوق طاقة الاحتمال ،معه مبلغ تدين عشرة أمثاله واشترى صفقة وفي نيته أن يسترد ربحها أضعافاً مضاعفة ، الصفقة لم تبع أو صودرت أو نشأ منها مشكلة .
صار معرض خارج سوريا وهؤلاء التجار اجتهدوا ، وأرسلوا بضاعة كبيرة جداً بينهم تاجر حتى يمرر أكبر كمية بضاعة ممكنة وضع الأسعار: العُشر في الفواتير ، والقصد أن يبيع البضاعة ويربح أضعافاً مضاعفة ، مسموح للتاجر فرضاً بمبلغ ثلاث مائة ألف ليرة والقصة قديمة ، هؤلاء التجار حتى يخرجوا بضاعة بمبلغ مليوني ليرة أعطوا أسعاراً لبضاعتهم على الفواتير بقيمة العشر ووضعوا ضمن البضاعة تهريبات كبيرة جداً ، القطر الآخر الذي كان سوف يقام فيه المعرض قال : أنا سوف أشتري البضاعة بفواتيرها ، فكل شيء ضمن البضاعة وفيها مهربات خيالية ، راحت البضاعة كلها بمبلغ عُشر ثمنها ، فلو فرضنا أن هذا استدان عشرة أضعاف رأس ماله ما الذي حلّ به ، العاقل الذي يعمل ضمن حدود رأس ماله ، أما أكثر فقد تقع هزات لا تحتملها .
خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر .
بقي موضوع نفقة العامل :
وهو موضوع خلافي أيضاً ، شريك العمل إذا سافر ، أكثر العلماء على أن مصروف الطعام والشراب والمبيت وغسل الثياب من حساب شركة المضاربة ، أما في بلده فطعامه في بيته .
لكن هناك لفتة لطيفة قالوا : فأيام سفره لم يبع شيئاً ولا أحضر بضاعة فيدفع شريك المال نفقات السفر والإقامة في الفنادق ولكنه إذا أكل في مطعم على البحر وبذخ فلا يجوز أن يعمل هكذا ، فالشركة لا تتحمل هذه النفقة ، فموضوع النفقة موضوع خلافي ، بعضهم أجاز نفقته في بلده وبعضهم منع النفقة كلياً وبعضهم وقف موقفاً متوسطاً قال في السفر نعطيه لنفقة الطعام والشراب وغسل الثياب الحد الأدنى إن احتمل العمل ذلك ، وأحياناً يبيع بحجم كبير ويقبض أموالاً كثيرة والشركة تتحمل هذه النفقات .
قالوا : إذا خرج المضارب إلى سفر بماله ومال شريكه فالنفقة بينهما وليس كلها عليه ، قد يقول لك : أنا سوف أبيعك مرابحة أكشف الفواتير قد يكون سافر إلى أوربا وسافر إلى إجراء ثلاثين صفقة ومعها سياحة وضع كل نفقات الفنادق والطعام على حساب صفقة واحدة ويقول هذه هي التكلفة : كلفنا السفر ثلاث مائة وخمسين ألف .
هذا كذب وأنت أحضرت ثلاثين صفقة وعملت سياحة أيضاً ، فهذه تحتاج إلى تقوى ، الإنسان إذا لم يتقِ الله عز وجل فالله يتلف له ماله .
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَها يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ "
ما يتعلق بالأرباح والخسائر :
الأرباح والخسائر هذه بين صاحب المال وصاحب العمل وهو بالاتفاق ، المسلمون عند شروطهم، هناك أعمال مركز الثقل فيها الجهد ، ممكن أن نأخذ لرجل محلاً خارج دمشق بدون فروغ ، ونأخذ له عُدة تصليح سيارات بعشرة آلاف ونقول له : اعمل ، يأتيه محرك يعمل به بجهده وعضلاته وخبرته ، ليس من المعقول أن نقول له نصف للمال ونصف للجهد ، بل يأخذ للجهد ثمانين بالمائة لأن المال قليل جداً والجهد كبير جداً .
نفتح محلَ بيعٍ فقط ليس فيه جهد كبير والبضاعة كلها مسعرة والمحل مكلف ملايين ، ضع فيه شريك مضارب يكفيه بالمائة ثلاثون أو خمس وثلاثون ، فكل مصلحة لها عرف ، بعض المصالح تستدعي خمسين بخمسين ، وبعضها ثمانين بعشرين ، المرجح هو الجهد . هل الأصل والأساس للجهد أم للمال ؟ هذا يعرفه أصحاب الحرف وأصحاب المصالح وهذا بالاتفاق .
المسلمون عند شروطهم ، لكن لا يجوز أبداً أن يأخذ صاحب المال ربحاً ثابتاً وإلا انقلب إلى ربا، له نصيب ثابت وليس ربح ثابت ، يقول له أريد خمساً وثلاثين بالمائة نصيب ثابت ، أو أريد خمسين بالمائة ، وفرق كبير بين الربح والنصيب ، النصيب مشروع أما الربح فلا يجوز لأنه صار ربا.
أما الخسارة :
فهي على صاحب المال وحده لأن هذا شريك الجهد ، خسر جهده ، عمل سنةً مجاناً وأكل بالدين، الخسارة على صاحب المال ، إلا في حالتين إذا كان هناك عدوان أو تقصير أو مخالفة للتعليمات فالخسارة يتحملها شريك الجهد وهو ضامن ومسؤول .
أنا لا أقدم لكم تعليمات تفصيلية ، أقدم لكم الأشياء الأساسية في هذا الموضوع ، لأن الدرس ينتهي مع انتهاء هذا الموضوع .
الآن أردنا حل هذه الشركة ولدينا بضاعة ، لو قلت لامرأة عمرها ثمانين سنة واضعة معك المال تعالي وخذي القماش ، أموالك أصبحت قماشاً ، وهي لا تستطيع أن تبيع القماش ، التعليمات أو الأصول الشرعية ينبغي أن تقلب البضاعة إلى مال ثم تردها إلى صاحب المال ، أعطاك مالاً تعطيه مالاً ، أما أن تقول : تعال وخذ بضاعة فلا .
أما لو فرضنا شريك المال تاجر مقتدر ، وأحب أن ينوع أعماله ووضع معك مالاً وهذه البضاعة تلزمه فممكن أن يبيعها ويربح بها فتعطيه بضاعة عندئذ .
هل من المعقول أن تكلف إنساناً ليس له خبرة تجارية وتعطيه بضاعة ؟ هذا ظلم شديد ، وأحياناً بالعكس البضاعة غالية جداً تقول له انتظر حتى أبيعها ويمكن أن تباع الآن ولكن عليك أن تنتظر فترة أطول ، وفي بعض الأحوال صاحب المال يُظلم أو صاحب الجهد يُظلم فلا بد من العدل بينهما، الأكمل أن تدفع لصاحب المال ماله والربح بينك وبينه .
لو فرضنا عقد المضاربة كان فاسداً فماذا نعمل ؟ ينقلب الشريك المضارب إلى أجير يأخذ أجر المثل والربح كله لرأس المال .
كما قلت قبل قليل هذه الأحكام المتعلقة بالمضاربة أحكام إجمالية وأحكام غير تفصيلية لكن القصد من هذا الموضوع أن في الإسلام الحل لكل مشكلة قائمة في كل مجتمع إنساني ، إن إنساناً معه مال لا يستطيع استثماره يود أن يعيش منه يدفعه إلى إنسان يملك الطاقة ولا يملك المال هذا يكمل هذا ، وحاجتان أساسيتان تلبيان في عقد واحد .
بقي من الدرس الماضي فكرة أود أن أعرج عليها حتى يكون الموضوع تاماً ، نحن حينما تحدثنا عن القرض الحسن في الدرس الماضي وصلنا إلى أن هناك تدابير احترازية تُلزم المقترض أن يدفع للمقرض ماله ، من هذه التدابير منعه من السفر ومن هذه التدابير حبسه ومن هذه التدابير الحجر عليه ومنعه من التبرع بماله هذه كلها من التدابير الاحترازية .
آخر موضوع بعد عقوبة حبس المدين ، مساعدة المدينين لأداء ديونهم أروع ما في الشرع أن الله سبحانه وتعالى شرع لنا في الزكاة مصرفاً هو مصرف الغارمين .
والغارمون : هم أصحاب الديون التي لا يطيقون وفاءَها ، هؤلاء يجب لهم في الزكاة ما يغطي لهم هذه الديون ، هذه نقطة دقيقة جداً قال تعالى :

(سورة التوبة )
الغارم هو الذي ركبه دين لا يستطيع أن يؤديه ، الإمام القرطبي يقول :
الغارمون هم الذين ركبهم الدين ولا وفاء عندهم به ولا خلاف فيه ، إلا من اقترض في سفاهة فإنه لا يعطى منها .
يقول المزكي : ماذا عليك من دين يقول الغارم : ثلاثة آلاف ، لماذا استقرضتهم يقول : ذهبنا إلى اللاذقية للتنـزه ، واشترينا فيديو ، الدين في سفاهة لا يمكن أن يؤدى من الزكاة ، يكون الدَّين مشروعاً لسبب جوهري كعملية جراحية ، ترميم بيت يكاد ينهار مثلاً .
" عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ"
صاحب الدين المشروع يجوز أن يأخذ من أموال الزكاة ، إذا لم يتقدم أحد، فماذا نفعل ؟ وإنسان غارم عليه دين لا يطيق وفاءه وما أحد تقدم وهناك أزمة ولا توجد سيولة نقدية بين أيدي الناس .
الشرع قال : بيت مال المسلمين متكفل بأن يحمل عن هذا الغريم دينه ، لكن العلماء قالوا : لا يدفع بيت مال المسلمين الدين عن الغريم إلا في شروط :
1 ـ أن يكون هذا الدين لسبب معقول ، وجيه وأساسي ، عمل جراحي ، آلة ليأكل منها .
2 ـ أن يكون صاحب الدين قد بذل كل جهده في تأدية الدين فلم يستطع ، فدينه على بيت مال المسلمين ليوفي دينه .
3 ـ أن يوجد في بيت المال مال .
فيمكن حينئذ أن يلبي بيت المال حاجة المدين .
عندنا قاعدة أساسية لا تركة إلا بعد أداء الدين ، شخص ترك بيتاً وترك سيارة ومحلاً تجارياً ، هذه ليست تركة إلا بعد أن تؤدى ديونه ، ما لم تؤدّ ديونه فهذه ليست تركة ، والدين يؤخذ من رأس المال ، قال تعالى :

(سورة النساء )
كما قال العلماء لا تركة إلا بعد أداء الدين حجم التركة التي تركها الميت هو المبلغ المنقول أو غير المنقول بعد أداء ديونه ، لعظم الدين ، فالدين يؤخذ قبل كل شيء ولو استغرق التركة كلها ، ولو عنده أيتام ، أصحاب الأموال مفضلون .
والحمد لله رب العالمين







[qu
ote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Empty
مُساهمةموضوع: : الأموال التي يقع فيها الربا .   الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Emptyالسبت مارس 27, 2010 9:09 am



: الأموال التي يقع فيها الربا .



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الأخوة الأكارم :
نتابع الموضوع الذي بدأناه في الأسبوع الماضي حول بعض المعاملات الربوية وقد ذكرت شيئاً عن ربا النسيئة أو ربا الفضل أو ربـا البيوع وربا القروض ، واليوم ننتقل إلى الأموال التي يقع بها الربا ، أرجو من الله تعالى أن يوفقني إلى توضيح دقائق هذا الموضوع وأعينوني أنتم بمتابعتي كلمة بكلمة .
إن الربا بقسميه أيها الأخوة ربـا الديون وربا البيوع لا يقتصر وقوعه على معاملات الذهب والفضة والنقود كما يتوهم كثير من الناس ، ربا النسيئة وربـا الفضل ، ربا القروض وربا البيوع لا يقع في النقود : الذهب والفضة والنقد فقط بل يصل إلى مواد كثيرة ، فالربا يجري في الذهب والفضة والنقود وفي غيرها أيضاً وقد بين عليه الصلاة والسلام عدداً من الأشياء التي يجري فيها الربا وهذه الأشياء اختارها النبي عليه الصلاة والسلام لأنها كانت شائعة في عصره .
والعلماء لهم مقولة رائعة وهي أن : التـحريم أو الإيجاب يجب في علتها لا في عينها ، فلو أن النبــي عليه الصلاة والسلام قال : تجب الزكاة في القمح والشعير والزبيب والتمر ، فصار هناك مائة محصول في أيامنا هذه تدر أرباحاً كبيرة جداً ، فالعلماء وصلوا إلى هذه الحقيقة ، تجب الزكاة في علة هذه الأصناف لا في عينها ، يعني في الحمص ، والعدس مثلاً ، والرز فكل محصول يلتقي مع القمح والشعير والزبيب والتمر تجب فيه الزكاة فقد قال عليه الصلاة والسلام :
" عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ * "
(أخرجه الستة)
البرُ هو القمح وهاء وهاء أي يقول : كل واحد من المتبايعين للآخر هاء فيعطيه ما في يده يداً بيد ، يعني المقابضة في المجلس ، يعني هات وهات المقابضة في مجلس واحد يداً بيد .
يعني خذ مني وأعطني ، بعد قليل نكتشف معكم حكمة النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الموضوع الخطير الذي يعود نفعه على الأمة بأكملها .
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى إِلا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ "
معنى ألوانه أي أجناسه كالحنطة بالشعير ، الشعير جنس والحنطة جنس إذا اختلفت ألوانه أي اختلفت أجناسه يجوز زيادة أحدهما عن الآخر ولكن يجب التقابض بالحال .
" عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ "
(أخرجه مسلم)
نستنبط من هذه الأحاديـث : أنه لا يجوز مبادلة نوع بمثله كالذهب بالذهب والبر بالبرُ ، و القمح بالقمح لماذا ؟
أنت تعطي تمراً لتأخذ تمراً ، فالمعنى أن فيه مشكلة ، لعلك أعطيت التمر الرديء واشتريت بما يساويه التمر الجيد ، أو أخذت لا أقول اشتريت ، أعطيت التمر الرديء وأخذت التمر الجيد ، أو أعطيت التمر الجيد وأخذت مقابله تمراً رديئاً ضعفاً ، تأتي إلى إنسان لا يعلم أنواع التمر فتعطيه تمراً رديئاً بتمرٍ جيد صار فيه أكل مال حرام ، إذا كان الصنف واحد يجب أن تكون المبادلة سواء بسواء ، كيلو بكيلو ، مائة كيلو بمائة كيلو ، لأنهم كانوا في الجاهلية يبيعون التمر الجيد بضعفين أو ثلاثة من التمر الرديء ، يأخذ هذا الإنسان التمر الرديء ليعطيه تمراً جيداً مع من لا يعرف أنواع التمر ، فمادام هناك تبادل من جنس واحد يجب أن تكون الكميتان متساويتين لئلا يقع التدليس والاستغلال ، فتأكل حينئذٍ مال أخيك بغير حق .
أول حكم يستنبط من هذه الأحاديث : لا يجوز مبادلة نوع بمثله كالذهب بالذهب ولا البر بالبر إلا بشرطين :
1 ـ المساواة لقوله صلى الله عليه وسلم :
" ...مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ..."
وهو تأكيدٌ لقوله : "مثلاً بمثل" ، مما يوجب الاحتياط في ذلك ، كذلك قوله :
لا تزيدوا بعضها على بعض .
" ...فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى إِلا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ "
كل هذا من أجل ألا يقع الاستغلال بين الناس ، من أجل ألا يأكل بعض الناس أموال بعضهم الآخر بالباطل ، من أجل ألا يُستغل جهل الإنسان ، أحياناً يُستغل جهل الإنسان ، أحياناً يأكل ماله بالباطل ، تأخذ بضاعته بأبخس الأثمان. فمن أجل لا يقع هذا فلا يجـوز مبادلـة صنف بصنف من نوع واحد إلا مثلاً بمثل ويداً بيد وسواء بسواء وقابضةً مع التساوي في مجلس واحد .
2 ـ الشرط الثاني التقابض فلا يجوز أن يكون أحدهما حالاً والآخر مؤجلاً ،
لقوله صلى الله عليه وسلم :
" عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تَبِيعــُوا الذَّهـَبَ بِالذَّهـَبِ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ ولا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ولا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلا مِثلاً بِمِثْلٍ وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ولا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ "
وقوله صلى الله عليه وسلم :
" ...إِلا هَاءَ وَهَاءَ ..."
يعني خذ وأعطني أو يداً بيد ، المساواة والتقابض في مجلس واحد .
الآن لا عبرة باختلاف البدليـن جودة ورداءةً ، هنا المشكلة ، إن أردت أن تلغي النقود كوسيط لا يجوز إلا أن تعطــي كمية بكمية متساويتين ، سواء بسواء ومثلاً بمثل ، وأن يجري التقابض في مجلس واحد يداً بيد ، هاء وهاء خذ وأعطني فلا عبرة لاختلاف البدين جودة ورداءةً .
ذهب بذهب عيار أربعة وعشــرين وثمانية عشر ، مادام ذهب بذهب لا عبرة باختلاف هذه المتسميات وإن كان لها أصل في سباكة الذهب ، طبعاً يوجد حل دقيق بعد قليل ، فلا يجوز بيع مائة كيل قمح جيد ، بمائة وخمسةٍ رديئةً ، لو فتحنا هذا الباب يدخل التدليس ، يُستغل جهل الإنسان يمكن أن نبيعه مداً جيداً ونأخذ منه أربعة أمداد رديئة هذه الأمداد نأخذها ونعطيها لإنسان جاهل مقابل أربعة أمداد جيدة ، هذه الحيل وهذه الأساليب الرخيصة في ابتزاز أموال الناس وبخسهم أموالهم بغير حق ، فالشارع الحكيم حرمها .
" عَنْ أَبِي سعِيدٍ قَالَ : كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ فَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : لا صَاعَيْ تَمْرٍ بِصــَاعٍ وَلا صـَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ وَلا دِرْهَمَ بِدِرْهَمَيْنِ "
كيف درهم بدرهمين ؟ كانت سباكة الدراهم كيفية كل درهم له وزن فيقول لك هذا الوزن ضعف هذا ، مثلاً يمثلاً إذا اتحد الصنف يجب أن تكون الكميتان متساويتين سواء بسواء لكي لا يقـع الغبـن الفاحش ولئلا يقـع أكل أموال الناس بالباطل ولئلا يفضي هذا إلى منازعة شديدة ، لا درهم بدرهمين لأن الدراهم كانت في أيامهم تتفاوت جودة ورداءة .
" عن سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ بِلالٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مِنْ أَيْنَ هَذَا قَالَ بلالٌ كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عِنْدَ ذَلِكَ أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا لا تَفْعَلْ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ "
وهذا مثل قريب من حياتنا : أحياناً يكون تفاح صغير الحجم لكنه طيب جداً وإلى جانبـه تفاح كبير مُغذّى بأسمدة كيميائية ، الحجم كبير واللــون زاهٍ بلا طعم ، إذا أعطاك شـخص كيلواً من الحجم الكبير وأخذ خمسة من الحجم الصغير ألا يكون غبنك ، فمادامت المادة جنسها واحد فسواء بسواء وانتهى الأمر .
يوجد عندي تمر رديء وتمر جيد ، يوجد عندي ذهب عيار ثمانية عشر وذهب عيار أربعة وعشرين ، عندي قمح يصلح لعمل معين قاسٍ جداً أريد أن أبيعه بثمن عالٍ وأريد ان اشتري قمحاً للخبز ، فماذا أفعل ؟
" ... فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عِنْدَ ذَلِكَ أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا لا تَفْعَلْ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ "
دخل وسيط وهو المال ، بع الذي عندك وهو له سعر في السوق قد يكون سعر الكيلو فرضاً ستين والرديء أربعيـن ، عندما أنت أعطيت مد واحد صاعاً واحداً وأخذت صاعين فقد صار الفرق بالمائة خمسين ، لو عرضت على أحد التمر الجيد الذي سعره ستون و أخذت بدلـه الرديء بخمس وأربعيـن ، فماذا فعلت ؟ أعطيته صاعاً واحداً جيداً وأخذت مقابله صاعين من الرديء فقد حصل غبن ، الحل إذاً بع التمر الذي عندك نقداً واشترِ بمالك تمراً آخر .
بع الذهب الذي عندك واشترِ به ذهباً آخر . هذا هو الحل والمقايضة والمبادلة لا تجوز إلا بحالات دقيقة جداً إن كانت من جنس واحد سواء بسواء يداً بيد هاء بهاء .
3 ـ الحكم الثالث إذا بيع صنف بصنف آخر ، ليس الصنفان من نوع واحد كالقمح بالشعير حل التفاضل ، ممكن تفاح بعنب ، قمح بشعير ، رز ببرغل ، حل التفاضل بأن يكون أحدهما أكثر من الآخر ، فستق عبيد وفستق حلبي فرق كبير بينهما ، لكن حرم النّساء أي التأجيل بل يجب أن يقبض كل فريق ما ابتاعه من الآخر في المجلس الواحد والأحاديث صريحة جداً في هذا كقوله صلى الله عليه وسلم :
" ...فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ "
إذاً في موضوع التبادل حين اتحاد الصنف يجب أن يتـم التقابض في المجلس وأن تكون الكميــات متساوية ، لكن إذا اشترى سلعة من السلع المذكورة غير الذهب والفضة فاشتراها بذهب أو فضة أو نقود يحل التأجيل لما أخرجه البخاري ومسلم :
" عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا قَالَتِ : اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ "
طبعاً هذا الحديث له تفسير دقيق ، تفسير تشريعي ، يجوز التعامل مع أهل الكتاب ولا سيما النصارى ، فالنبــي عليه الصـلاة والسلام كان بإمكانه أن يأخذ هذا من أصحابه ولكنه مشرع وهذه النقطة يجب أن تكون واضحة في أذهانكم ، فالإنسان أحياناً لنقص علم عنده يقول : كيف هاجر عمر متحدياً المشركين ؟ وقال : من أراد أن تثكله أمه أو ييتم ولده فليلحق بي إلى هذا الوادي ، خرج سيدنا عمر رافع الرأس عزيزاً شاهراً سيفه وهاجر ، بينما النبي عليه الصلاة والسلام تخفّى وذهب مع أبي بكر إلى غار ثور وهيأ من يمحو آثارهما ومن يأتيهما بالأخبار ومن يأتيهما بالزاد ومن يهيئ الناقة للرحيل واستأجرا خبيراً .
أيعقل أن يكون عمر أشجع من رسول الله ، عمر بن الخطاب يهاجر أمام الناس في وضح النهار متحدياً المشركين والنبي عليه الصلاة والسلام يتسلل من بيته إلى غار ثور كيف ؟ الجواب : النبي مشرع ، بينما سيدنا عمر غير مشرع ، سيدنا عمر لا يمثل أحداً آخر بل يمثل ذاته فقط ، فإذا نجح نجح وإذا لم ينجح لم ينجح ، أما النبي فهو مشرع لكل المسلمين .
لو أن النبي عليه الصلاة والسلام هاجر كما فعل عمر لكان من السنة المغامرة والاقتحام ولصار أخذ الاحتياط حراماً ولَعُدَّ اقتحام الأخطار واجباً وهلكت أمته من بعده ، هذه نقطة دقيقة جداً أرجو أن تكون واضحة عندكم فالنبي مشرع ، صلى الظهر ركعتين ، قال ذو اليدين : يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت ، قال : كل هذا لم يكن ، قال ذو اليدين : بعضـه قد كان ، فلما سـأل أصحابه الكرام وتأكد أنه صلى ركعتين ، فقـال عليه الصلاة والسلام : إنما نسيت كي أسن لكم سجود السهو.
ولو أنه في كل حياته لم ينس ولا مرة ، كيف يسن لنا سجود السهو ، فالنبي مشرع .
في معركة بدر لحكمة بالغة بالغة بالغة ثلاث مرات أرادها الله عز وجل حجب عنه الموقـع المناسب ، حجبــه عنه وحياً وإلهاماً ، لا وحياً ولا إلهاماً لا بالوحي عرف الموقع المناسب ولا بإلهام ، اجتهد واختار موقعاً ، جاء صحابي جليل اسمه الحباب بن المنذر بأدب يأخذ الألباب ، قال : يا رسول الله هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمكيدة قال : بل هو الرأي والمكيدة ، قال : يا رسول الله هذا ليس بموقع قال : أين الموقع فدله على موقع آخر ، فقال عليه الصلاة والسلام : هذا هو الصواب ، فأعطى أمراً فأقام المسلمون في هذا الموقع الجديد.
هذا الفعـل أراده الله سبحانه وتعـالى ، ولو أن النبي عليه الصلاة والسلام اختار الموقع المناسب أول مرة ما عرفنا موقف النبي حينما ينصح ، كل الأحداث الذي وقعت للنبـي أحداث مقصـودة لذاتها وتتضح من خلالهـا حكمة بالغة ، أليس من الممكن أن يكون بيت رسول الله منتظماً وهادئاً وساكناً إلى أقصى الحدود ممكن ، لماذا السيدة عائشة حينما رأت طبـق طعام جاء من عنـد ضرتها صفية أمسكته وكسرته فماذا كان موقف النبي عليه الصلاة والسلام ؟ كان بإمكانه أن يفعل كل شيء ولكن قدر أنها قد أصيبت بالغيرة فقال : غضبت أمكم غضبت أمكم .
لولا هذه المشكلة التي ظهرت في بيت النبي ما ظهر موقف النبي الكامل ، والنبي مشرع لنا ، ولما قال ربنا عز وجل :


(سورة النساء )
قال العلماء : ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها ، بل أن تحتمل الأذى منها ، والنبي وقف موقفاً كاملاً .
هذا العقد الذي في صدر السيدة عائشة لماذا انقطع ؟ لو لم ينقطع لما ذهبت لتبحث عنه وبقيت في موقعها ولركبت هودجها ، لما كان شيء اسمه حديث الإفك ولما وقعت مشكلة ، لو أن هذا العقد لم ينفرط لما كان هناك حديث إفك ، لو أنها بحثت عنه قريباً من موقعها فدعاها الصحابة إلى ركوب الهودج لما كان حديث الإفك ، لو أنهم عندما حملوا الهودج رأوه خفيفاً لما كان حديث الإفك ، لو أن الهودج حمل ولم ينتبه الصحابة أنه خال من السيدة عائشة ولم يأت مسطح وراءها لما كان حديث الإفك أكثر من عشرين حالة ، لو أنها كانت على غير ما كانت لماذا كان هذا الحديث ؟ قال تعالى :


(سورة النور )
حديث الإفك وقع لحكمـة بالغة بالغة وكأن الله أراد أن يكـون ، وكان بتقدير عزيز حكيم .
الحباب بن المنذر حينما صحح الموقع للنبي عليه الصلاة والسلام عرفنا من النبي خُلُق الإصغاء للنصيحة والرجوع إلى الحق .
سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حينمـا هاجـر إلى المدينة وأخذ بكل الأسباب علّمنا تشريعاً ، فالنبي مشرع لذلك الذي يفعله يجب أن يؤخذ على أنه حدث تشريع لا على أنه صدفةً ، وبعد ، فالذي تحدثنا عنه هو الذهب والفضة والقمح والشعير والملح .
4 ـ الحكم الرابع ، لا تختص هذه الأحكام الذي أخذناها بهذه الأصناف الستة التي ذكرت في الأحاديث بل اجتهد الأئمة الأربعة وغيرهم أن أحكام الربا تجري فيها وفي غيرها وإن اختلفوا في غيرها ، فعند الإمام الشافعي كل المطعومات حتى التفاح تجري فيها أحكام الربا ، يعني رز برز وهناك رز ثمنه أربعة أضعاف ثمن غيره .
وعند المالكية تشمل هذه الأحكام كل مطعوم يكال ويقتات به ويدخر كالذرة والأرز .
أيها الأخوة الكرام :
الحكمة من تحريم ربا البيوع التي أشرنا إليها في الدرس الماضي هي سد ذريعة الربا ، وإحكام الغلق أمام كل حيلة قد تسلك للتوصل إلى الربا ، يعني أن الربا محرم بشكل واضح وجلي ، لكن إذا باع إنسان قطعة أمامه أو أي شيء باعه ديناً بسعر ثم اشتراه نقداً بسعر آخر مثلاً لو باع إنسان سجادة ديناً بألف واشتراها نقداً بثمان مائة ، يظن بعضهم أنه : ما فعل شيئاً محرماً باع واشترى ، لكن هذا البيع والشراء هو بيع العينة وهو وسيلة إلى الربا ، فالشارع الحكيم حينما يحرم شيئاً يسد كل المسارب إليه وهذا ما يسميه الفقهاء بسد الذرائع .
الزنا حرام والشرع الحكيم سد كل مسارب الزنا ، سد النظر إلى المرأة الأجنبية وسد الخلوة و صحبة الأراذل وسد النظر إلى ما لا يُرضي الله عز وجل وسد كل طريق يوصل إلى الزنا ، فلذلك عندما يحرم الشارع الحكيم شيئاً يسد المسارب عليه تطبيقاً لقاعدة سد الزرائع وهي مما امتازت به هذه الشريعة السمحة ، لذلك تحريم ربا الفضل يشتمل على الحكم السابقة لتحريم الربا إضافة لأمور أخرى منها :
عندما يصبح كل شيء بغير سعره الحقيقي يختلط الحابل بالنابل ، وكل شيء إذا دفعنا ثمنه مؤجلاً بسعر أعلى اختفى السعر الحقيقي للسلعة ، إذا عم هذا النوع من البيوع اختفى سعر السلعة الحقيقي والإنسان أحياناً عنده مال ، هذا المال قد يستطيع أن يستفيد منه استفادة كاملة لو اشترى به الحاجات نقداً أما حينما يشتريها نسيئة مؤجلة قد يذهب معظم دخله أو يذهب جزء كبير منه هدراً فالربا ذهب بمالهم دون أن يستفيدوا منه الاستفادة الكاملة ، لأنهم يجهلون القيم الحقيقية للسلع أو يتجاهلونها شاءوا أم أبوا ، و فيما يروي التاريخ ، فقد كان اليهود يستغلون جهل الناس أبشع استغلال فقد يبيعون الأشياء الجيدة بأضعاف مضاعفة من الأشياء الرديئة ثم يأتون إلى هؤلاء الذين يجهلون قيم هذه الأشياء فيبيعونها بأسعار باهظة فهم يشترون ويبيعون من أجل أن يأكلوا أموال الناس بالباطل .
وعندنا حالات نادرة : إذا باع شخص شيئاً بجنسه مؤجلاً فهو بمثابة دين للمشتري ، يعني باع قمحاً على أن يدفع ثمن القمح قمحاً بعد حين ، اشترى قمحاً على أن يدفع ثمن القمح قمحاً بعد حين ، هذا صار دين فقط وتجري عليه كل أحكام الدين بشرط ألا يشترط عليه أن يرد هذا القمح من نوع أجود ، إذاً يقع ربا أو اشترط عليه أن يرده في وقت يغلو فيه السعر فكذلك صار ربا .
الحكم الثاني : إذا بيع جنسٌ بآخر نساءً أي مؤجل فإنه قد يلحق أحد الطرفين غبن كبير نتيجةً للتقلبات المفاجئة للأسعـار في هذه السلـع ، يعني إذا الإنسان باع جنساً بآخر مساءً ما الذي يحدث أحياناً ، الإنسان قد يشتري بضاعة بعملة أجنبية مساءً ، وبعض التجار أفلسوا لأنهم اشتروا بضاعة بعملة أجنبية وارتفع سعرها فجأةً إلى ضعفين أو ثلاثة ، فهو قد باع هذه البضاعة على أن ثمنَ هذه العملة سبعٌ وعشرون فصار ثمن هذه العملة خمسين مثلاً ففلّس ، فهذه حكمة الشارع الحكيم أنه لا يجوز أن يكون البيع مساءً أو الدفع مساءً .
القصد من منع التفرق قبل التقابض و إنجاز التقابض في وقت واحد هو إنجاز هذه العملية بالسرعة التي تؤمن للطرفين مغبة تقلبات الأسعار ،و في حالات كثيرة جداً تأخير الدفع سبب الإفلاس .
وللعلماء اجتهاد في حقيقة النقد ، النقد له وظيفتان رئيسيتان ووظيفتان ثانويتان .
1 ـ الوظيفة الأولى الرئيسية أو الرئيسة هو وسيط للمبادلة ، ونحن قبل قليل تحدثنا عن ربا الفضل وربا النسيئة ، ربا الفضل ربا في مبادلة ، إذا دخل المال بينهما وسيطاً فلا يوجد مشكلة ، بعت هذا التمر بثمن واشتريت ذاك التمر بثمن ، فالمال وسيط للمبادلة ، أما الآن فالناس عادوا للمبادلة ترى الآن الصحف فيها إعلانات كلها مقايضة بيع بيت بأرض وأرض بمحل ، سوف نرجع إلى ما كنا عليه قبل وجود النقد لقلة النقد بين أيدي الناس .
2 ـ النقد له وظيفة ثانية هي مقياس للقيمة ، تقول سعر هذا القمح مائة ليرة فهذا قمح قاسٍ يصـلح للصناعـة ، سعر هذا القمـح ستـون ليرة يصلح للخبز ، للاستعمال اليومي ، المال صار أحد وسائل التقييم ، هذا البيت قِبليّ ثمنه ثلاثة ملايين وثمن الشمالي مليونين ، صار المال أحد وسائل التقييم وأحد وسائل المبادلة أولاً ، والتقييم ثانياً .
3 ـ المال مستودع للقيمة والجهد ، شخص واحد اشتغل فاعلاً فأخذ مساءً ثلاث مائة ليرة هذه الثمن مائة جهد إنسان لمدة ثماني ساعات ، طبيب في مستشفى أخذ في الشهر عشرة آلاف ، هذه العشر آلاف جهد إنسان داوم كل يوم ثماني ساعات لست وعشرين يوماً ، فـصار المال له وظيفـة ثانويـة لعـلاج المرضى مستودع للقيمة والجهد ، الوقت له قيمة ترجم إلى مال والعلم له قيمة ترجم إلى مال ، الجهد العضلي له قيمة ترجم إلى مال .
للإمام الغزالي لفتة لطيفة جداً قال : الأطعمـة خلقت ليتغذى بها فلا ينبغي أن تصرف عن جهتها فإن فُتح بابُ المعاملة فيها يجب تقييدها بالأيدي ويؤخر عنها الأكل الذي أريدت له ، فما خلق الله الطعام إلا ليأكل والحاجة للأطعمة شديدة فينبغي أن تخرج عن يد المستغني عنها إلى المحتاج ، هذا يسمونه المضاربة ، أنا أشتري بيتاً ليس في حاجة إليه أنا لا أبتغـي السكن أبتغي التجارة واشتراه إنسان وباعه واشتراه إنسان آخر وباعه ، فهذا الأمر كان قبل خمس سنوات أو عشر سنوات فكل إنسان باعه بأغلى من سابقه فالبيت بيع عشر مرات كان بمائة ألف صار بخمس مائة ألف جاء الساكن الحقيقي صار السعر فوق طاقته ، هؤلاء الذين ربحوا ماذا قدموا للأمة ؟ ما قدموا شيئاً . بيت على العظم بيع عشر مرات أرض بور لم تزرع بيعت عشر مرات ، هذه التجارة الجوفاء هذه التجارة الإسفنجية ، هذه التجارة التي تقوم على المضاربة ولا تبني اقتصاد أمة ، لكي لا يقع هذا في الشرع نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أشياء كثيرة تفضي إلى هذه المضاربة ، يعني لا ينبغي أن يخرج عن يد المستغني عنها إلى المحتاج هناك بين الناس مستغنٍ وبينهم محتاج ، يعني ينبغي أن يشتري البيت الذي يسكنه وينبغي أن يشتري المركبة الذي يركبها وينبغي أن يشتري الأرض الذي يزرعها ، ألغينا المضاربة وألغينا التضخم النقدي وألغينا التجارة الإسفنجية وألغينا كل شيء يوهم أننا في بحبوحة ونحـن في الحقيقة نعاني ضوائق لا ضائقة واحدة .
إنسان مثلاً عنده تمر يبيعه ليشتري سمناً فهذا معقول ، أما أن يبيع التمر بتمر معنى هذا أنه وقعت مشكلة ، يريد أن يخدع الناس بأن يبيعهم تمراً رديئاً ليأخذ مكانه تمراً جيداً يستغل جهلهم لذلك حرم الشارع الحكيم ربا الفضل ، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الأحكام التشريعية قيد نطاق البيع بالمقايضة لأن البيع بالمقايضة كثيراً ما يدخل فيه الغبن الفاحش وكثيراً ما يقع به الضرر ، فإن النبي عليه الصلاة والسلام أمرك أن تبيع تمرك بأي ثمن تشاء وأن تشتري بالذي معك من المال أي تمر تشاء ، وبهذا نكون خرجنا من موضوع ربا الفضل بهذه الطريقة ، وإن شاء الله تعالى بقي في هذا البحث موضوعان آخران ، الموضوع الأول : هل يمكن أن يكون هناك مصرف إسلامي ؟ هذا سؤال كبير يمكن تحقيقه بكل بساطة ولكن الأمر منوط بإرادة الإنسان بأن يطيع الله عز وجل في كل تصرفاته .
والحمد لله رب العالمين






[quote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Empty
مُساهمةموضوع: : مواصفات البنك الإسلامي .   الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Emptyالسبت مارس 27, 2010 9:10 am



: مواصفات البنك الإسلامي .



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الأخوة الأكارم :
مازلنا في موضوع الربا لأن كسب المال وإنفاق المال موضوع كبير جداً في الدِّين ، ولأن الإنسان حينما يحصن نفسه من المال الحرام ومن العمل الحرام فقد وقي .
أيها الأخوة : قبل الحديث عن الموضوع الذي نحــن بصدده أريد أن أضع بين أيديكم مشكلة تعاني منها الدول الإسلامية هذه المشكلة تتضح بالمثال التالي :
بلد من البلدان الزراعية ، اقتصادها زراعي لها ثقافة وقيم ومثل معينة، فجأةً ظهر عندها ثروات باطنية فأرادت أن تحـول اقتصادها من اقتصاد زراعي إلـى اقتصاد صناعي ، ليس عندهـا المؤهلات كـي تصـنع معملاً ، فآثرت أن تشتري معملاً جاهزاً ، اشترت هذا المعمل الجاهز على المفتاح وهي في أمس الحاجة إلى من يتقن إدارته وتشغيله ، طلبت من البلد المصنّع لهذا المعمـل أن يأتي بفنيين يسيّرون أمر هذا المعمل وطلبت كذلك أن ترسل إليهم عناصر تتدرب على تشغيل هذا المعمل ، نحن بلد زراعي لنا قيم ومثل ولنا مبادئ وعادات ولنا ثقافات معينة فماذا فعلنا ؟ أردنا أن نحول اقتصادنا من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد صناعي ولا نملك المؤهلات لتشغيل معمل ، طبعاً هذا مثل ، فماذا فعلنا ؟
استوردنا معملاً على المفتاح ، ونحن بحاجة إلى من يديره ويشغله فطلبنا من البلد المصنع أن يرسل لنا طاقماً فنياً لتسيير هذا المعمل ، ولئلا يبقى هذا الطاقم دائماً وله رواتب عالية جداً ، طلبنا من الجهة المصنّعة أن تدرب لنا موظفين تدريباً فنياً عالياً، دربنا هؤلاء الموظفين ما الذي حصل ؟ صار عندنا أشخاص تفكيرهم وعلاقاتهم غربية ، والذين ذهبوا إليهم تدربوا عندهم ، فنحـن ماذا فعلنا ؟ لم نستورد معملاً ولكن في النهاية استوردنا ثقافةً ، فهذه الثقافــة إن كانت تتناقض مع ثقافتنا ومع علاقتنا ومع قيمنا ومع مثلنا فإنها تحدث مشكلة تهز كياننا ، وقد أتيت بمثل بسيط لبيان مدى الضرر بثقافتنا نتيجة استيراد معمل .
لو استقدمنا مشروع مصرف ربوي ، طبعاً التعامل والأساليب والمبادئ والخطط والتي يقوم عليها المصرف تنعكس على عقول من يعمل في هذا المصرف ، ونحن من أجل أن نحدّث حياتنا وأن نطورها دون أن نشعر تسربت إلينا ثقافة غريبة عن ثقافتنا ، هجينة على ثقافتنا ، وهي ثقافة تتناقض مع مبادئنا فلذلك ما الذي يقي المسلمون اليوم في أن يذوبوا في مجتمعات أخرى تؤمن بغير ما نؤمن ، وتعتقد بغير ما نعتقد ، وتسعى إلى غير ما نسعى ، وتحكمها قيم غير قيمنا ، لا بد من أن نؤسلم كل شيء ، لنا أن نستورد إنجازاً حضارياً لكن هذا الإنجاز الحضاري يجب أن يُطوّع بإسلامنا ، يُطوّع بمنهج ربنا يُطوّع لمبادئنا ، هذا مثل ذكرته لكم كي نشعر أننا نرتمي في أحضان الآخرين . وهكذا تجد أن حياتنا غربية وأنماط علاقاتنا غير إسلامية وتفكيرنا غير إسلامي وتصورنا غير إسلامي، علاقاتنا الاجتماعية غير إسلامية ، ثم إن قيمنا أصبحت غير إسلامية والمسألة كلها أننا أردنا أن نحدّث حياتنا فمن دون أن نشعر أخذنا قيم الغرب .
سئل أحد الأدباء ماذا نأخذ وماذا ندع من ثقافة الغربيين ؟
فقال إجابةً رائعةً : نأخذ ما في عقولهم وندع ما في نفوسهم ، إحساسنا ملكنا وإحساسهم ملكهم ، لكن الثقافة قدر شائع بين كل الأمم والشعوب ممكن أن تأخذ إنجازاً حضارياً ولكن ممكن أيضاً أن تجعله وفق منهج الله عز وجل وهذا ممكن أن يكون .
شيء آخر هناك فتوى في المذهب الحنفي تجيز أن تودع الأموال في بلاد الكفر أو البلاد المعاهدة إن صح التعبير ، المشكلة في هذه الفتوى التي ذكرها الأحناف بقصـد إضعافهم ، أما حينما وضـع المسلمـون أموالهم في بلاد الغرب بدل أن يضعفـوهم قَوّوهم بهـذا ، تصور دولـة صغيرة معها ألف مليـار ومليارات من الدولارات ، كلها أموال المسلمين هذه قويت وصنعت السلاح وباعت السلاح ، من دفع الثمن ؟ هؤلاء الضعاف الذين وضعوا أموالهم في بلاد الغرب .
أنا أقول لكم بدافع إسلامي ينبغـي أن يُستثمر المال في بلاد المسلميـن لأن هذا يقويهم ويرقى بصناعتهم ويرقى بعلاقاتهم كلها ، هذا الموضوع مختصر أصلُ منه إلى موضوع دقيق ذكرت جزءاً منه في درس سابق هذا الجزء هو : أنه ممكن أن نستخدم المصرف الإسلامي في إنجاز هذه المهمات الشرعية :
تحويل النقود إلى مكان آخر مقابل مبلغ يسير من المال ، تحويل النقود من بلد إلى بلد هذا لا شيء عليه إطـلاقاً ، ومـا يـأخذه المصرف نظير التحويـل هو أجرة مشروعة ، وهـذا بند من بنود عمل المصرف الإسلامي ولا شيء عليه من وجهةٍ شرعية .
شيء آخر إصدار شيكات للسفر فالمسافر ينتقل من بلد إلى بلد قد لا يستطيع أن يحمل معه أموال عندئذ يكون مُعرضاً للسرقة ، إذاً يمكنه أن يأخذ ما يسمى شيكاً في بلد ويصرفه في بلد آخر هذا البند الثاني أيضاً لا شيء عليه كذلك .
الشيء التالي : يمكن للمصرف الإسلامي أن يحصّل الديون التي يضعها الدائنون لدى المصرف ويوقعون عليها بتكليف المصرف بقبضها مقابل أجر عمل على هذا العمل . وأجر تحصيل هذا البند الثالث لا شيء فيه أيضاً .
يمكن أن يؤجر هذا المصرف خزائن حديدية لمن يبغي أن يحفظ أمواله في هذا المصرف وهذا أيضاً عمل رابع ولا شائبة فيه .
5 ـ يمكن أن يسـهل المصرف تعامل الدول مع بعضهـا بعضاً أو تعامـل التجار أو المعامل مع بعضها بعضاً .
الشيء الدقيـق في هذا الموضوع هو أنه هل يعجـز الإسلام عن تأميـن حاجة المسلمين إلى مصارف إسلامية صحيحة ؟
الحقيقة الإسلام منهج كامل وحاجة الناس إلى مصرف إسلامي حاجة أساسية ، لو تصورنا من باب التصور ملامح هذا المصرف الإسلامي ، كيف يعمل ؟ الحقيقة لدينا أشياء لطيفة جداً أريد أن أضعها بين أيديكم . 6 ـ هذا المصرف يمكن أن يقبل ودائع بحسابات جارية ، دون أن يعطي عليها فوائد وهذا شيء مشروع أن يقبل ودائع بحسابات جارية بل إن معظم المصارف حتى بالدول الغربية الحساب الجاري لا تعطي عليه أية فائدة ، فإذا وضعت هذا المال في مصرف إسلامي بحـساب جارٍ لا شيء عليك ، وفي دراسة لطيفة أنّه في عام سبعة وستين وتسعمائة وألف أكثر من خمسين بالمائة من مجموع الودائع في بعض المصارف الكبرى كانت بحسابات جارية لا فائدة عليها .
أما الودائع بعيدة المدى ، لآجال مديدة بعد سنة أو سنتين ، قالوا فهذه تعود إلى المرابحة ممكن بهذا المال إنشاء مشروع حيوي أساسي تجاري ، صناعي ، زراعي ويوزع ربحه على المودعين في هذا الحساب طويل الأجلأو قصير الأجل ، ففي حال قصير الأجل فالمودع ضمن المال في مكان أمين واستجَرَّ منه متى أراد ، أما إذا وضع المال لأجل طويل يستطيع أن يوظف هذا المال في مشروع يربح أو يخسر وهذا أيضاً شيء مشروع .
البند الأول الحساب الجاري هذا لا يربح شيئاً لكن المودع وضع المال في مكان أمين واستجر منه عند حاجته ونظم حساباته ، الآن المسلمون بحاجة ماسة إلى مصرف إسلامي أنا أذكر لكم هذه الخصائص حتى يتبين الإنسان ويعتقد حازماً أن الإسلام منهج دقيق جداً ، منهج يغطي كل حاجات المجتمع .
وممكن لهذا المصرف أن يقرض قرضاً حسناً لمن يثق بأمانته والشخص الذي لا يعرفه المصرف يأخذ منه رهناً . إذاً البند الثالث من بنود عمل المصرف القرض الحسن برهن أو بغير رهن وبلا فائدة ، هناك خدمة كبيرة جداً : مصرف زراعي ، مصرف صناعي ، مصرف تجاري ممكن أن يشتري هذا المودع حاجته وأن يبيعها إياه مرابحةً وهذا أقره مجمـع الفقـه الإسلامي ، ويمكن لهذا المصـرف أن يمول المزارعين والصناعيين والتجار مقابل مرابحة مشروعة بالإسلام .
هذا المصرف أيضاً بإمكانه أن يكـون شريكَ مضاربةٍ مع جهات ذات خبرات عالية في الاقتصاد وبالنسبة لمشروع كبير جداً يحتاج إلى تمويل فهذا المصرف يكون شريكَ مضاربةٍ في تمويل مشروع ضخم يعود الربح على المضاربين أو على المودعين في هذا المصرف .
أيها الأخوة :
أنا ذكرت هذا الموضوع من أجل أن يعتقد الإنسان أو أن يوقن أن منهج الله كامل مهما تطورت الحياة ومهما اشتدت الحاجة إلى مؤسسات مالية تغطي حاجات المجتمع فالإسلام عنده من التشريعات الدقيقة الحكيمة ما يوفـر لهذا المجتمع كل حاجاته ، مثلاً لو أنني ذكرت إلى جانب هذا الموضوع موضوع التأمين ، يمكن أن يشترك مائة تاجر فرضاً ويضعون في صندوق بنسب مستورداتهم مبلغاً من المال فأي تاجر أصيب بمصيبة في تجارته ؛ تلفت بضاعته مثلاً أو غرقت تجارته يُعطى من هذا الصندوق تعويض بضاعته ، لو أن واحداً من هؤلاء المائة لم يصب بشيء فهذا المبلغ للمائة ، هذا اسمه تأمين تعاوني ، هذا ليس مباحاً فقط بل مندوب إليه ، التأمين التعاوني .
أنا سمعت من أخ كريم منذ يومين أن إحدى الدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا ، أعتقد ماليزيا حققت فائضاً من عملها التجاري يزيد عن مليار دولار أو عن مائة مليار ، قال هناك الخبراء اكتشفوا أنها كُلما قلّت الفائدة على المبالغ المودعة حدث نمو اقتصادي كبير ، فإلى أن تصل الفائدة إلى الصفر يكون النمو في أعلى مستوى ، هذا النظام نظام خالق الكون الله الذي حرم الربا هو الذي خلق الإنسان فحينما نعتقد أن هذا التحريم مبني على أسس وعلى قواعد ترتاح نفسك ، والأصل كله في هذا الموضوع أن هذا المال كتلة ووضعها الطبيعي الذي يريده الله عز وجل أن تكون موزعة بين كل الناس قال تعالى :

(سورة الحشر )
الحالة المرضية الوبائية أن يتجمع المال بأيدٍ قليلة ، وأما الحالة الصحية أن يكون هذا المال متداولاً بين كل الناس .
الآن إذا ولّد المال المال تجمـع المال في أيدٍ قليلـة ، وإذا ولـّدت الأعمال المال توزع هذا المال على الأيدي الكثيرة والمال قوام هذه الحياة وقد جاء هذا في القرآن الكريم ، فإذا جمع المال في أيدي قليلة ، كانت كارثة على المجتمع أما إذا تداول الناس جميعاً هذا المال ضمنت أن التداولَ تلده الأعمال لا أن المصارف الربوية هي التي تلـده ، أيّ إنسان يريد أن يعمـل في نسبة معروفـة بين التجار ، الحد الأدنى للمصـاريف عشر المبيعات يعني بع بمليون مصروفك بمائة ألف فهذه لمن ؟ لمن ينقل لك البضاعة ويخزن لك البضـاعة ، لمن يضـع لك البضـاعة في حاويات ، للمخلـص للمحاسب ، أنت حينما تقـوم بتأسيس عمل تجاري تحتاج إلى عشرات الأشخاص بعضهم يعمل معك مباشرةً وبعضهم يعمل معك بشكل غير مباشر ، حينما تؤسس عملاً تستخدم أيداً عاملة ، والآن معروف أن المشكلة الأولى في العالم مشكلة البطالة وهناك علاقة وثيقة جداً بين البطالة والربا .
الربا ما أساسه ؟ مال يلد المال ، فالمصاريف قليلة جداً ، أما الأعمال حينما تلد المال لا بد من عشر هذا المبلغ ، عشر الحركة المالية يذهب مصاريف منوعة ، معنى ذلك أننا حققنا فرصَ عملٍ كثيرة جداً للناس .
أيها الأخوة :
الإنسان حينما يقنع أن هناك نظاماً إسلامياً كاملاً فهذا يدفعه إلى أن يبحث عن البديل للنظام الربوي غير الإسلامي ، الربا كما قال الله عز وجل :

(سورة البقرة )
كلكم يعلم أيها الأخوة أن عندنا ما يسمى بالموشور ، الموشور شكل هندسي عبارة عن دوائر متناقصـة إلى أن تنتهي إلى الصفـر وهذه الدوائر لها محور لو سمينا المحور هو السعر فكل سعر له دائرة متعلقة به ، فكلما ارتفع السعر صغرت الدائرة وكلما انخفـض السعـر اتسعت الدائـرة ، هناك علاقـة بين السعر وبين الشريحة المستفيدة من هذه السلعة ، ما الذي يحصل ؟ أنه إذا انخفضت الأسعار عم الخير .
أوضح مثل : فاكهة من فواكـه الصيف لو بيعـت بخمس ليرات لاشترى هذه الفاكهة في المدينة مليون إنسان ، ولو بيعت بعشر ليرات لاشتراها نصف مليون ، بخمسة عشر : مائتا ألف ، بعشرين : مائة ألف ، بخمس وعشرين : وخمسون ألفاً ، فكلما ارتفع السعر ضاقت الشريحة ، إن ضاقت الشريحة صار هناك أناس منتفعون وأناس محرومون ، إن كان هناك تفاوت بين الناس ، أناس يذوقون أصعب مشاعر الجوع والحرمان وأناس يتمتعون بكل مباهج الحياة و هذا الفارق الشديد في حياة الناس يسبب كل المشكلات وكل الإحباطات وكل العقد النفسية بل وكل أعمال العنف التي تجري في العالم اليوم .
والذين يعملون في الأمن الجنائي يعلمون هذه الحقيقة ، كلما اشتدت البطالة اتسعت دائرة الجرائم ، وكلما اتسع العمل قلّت البطالة .
أيها الأخوة :
الشيء الآخر : في موضوع الربا أن الربا يسهم في رفع الأسعار والسبب : أنك حينما يكون متـاحاً لك أن تستثمر المال في طريق ربوي آمن فليس هناك مغامرة ، التجارة فيها مغامرة ، والتجارة فيها متاعب وفيها يعني حل مشكلات بشكل يومي ، أما الذي يضع ماله في البنك فلا متاعب عنده ولا ضرائب ولا رسوم مالية ولا جمارك ولا تموين تأمينات هذا كله معفى منه ، ما الذي يحصل ؟
كلما وضعت الأموال في البنوك انتشرت البطالة ، البطالة تسبب أزمة اجتماعية ، وكذلك كلما وضعت الأموال في البنوك بحرز هناك شيء آخر فلا تجد من يغامر بماله في عمل تجاري أو صناعي أو زراعي لأنه متاح له أن يأخذ الربح من مصرف ربوي بلا جهد ، لو أن المصرف أعطى ثمانية عشر بالمـائة أو خمسة عشر ، لما كان يضع في العمل الصناعي أو التجاري رأس مال ضخم ، إلا مقابل ربح كبير ، ماذا يعني الربح الكبير يعني ارتفاع الأسعار ، ارتفع السعر ضاقت الشريحة ، وإذا ضاقت الشريحة صار هناك فرق طبقي كبير وكثرت المشكلات .
ذكرت مرة أن الإنسان عندما يشرب الخمر يؤذي من ؟ يؤذي نفسه فقط وإذا زنا يؤذي نفسه والتي زنا بها ، أما إذا أكل الربا يسهم بشكل أو بآخر في هدم المجتمع ، لذلك ما من معصية توعد الله مرتكبيها بالحرب إلا الربا قال تعالى :

(سورة البقرة )
والحقيقة حينما يكون المجتمع في بحبوحة فهو في خير ، إنسان له عمل والعمل يعود عليه بدخل ، الدخل يجعله يفكر بالزواج وفي اقتناء بيت ، إذا بدأنا بمال انتقلنا إلى شراء بيت ثم غرفة نوم ، وغرفة ضيوف ، ثلاجة غسالة خطبنا فتاة ، واضطر لشراء ذهب لخطيبة وموضوع الزواج أساسي في المجتمع فحينما تحل البطالة محل العمل تنشأ فوضى اجتماعية والحقيقة أننــي لا أبالغ إذا قلت أننا لو حلّلنا مشكلات العالم كله لوجدنا هذه المشكلات تعود قطعاً إلى مخالفة منهج الله سبحانه وتعالى في الناحية الاقتصادية . فالربا يسهم في البطالـة ويسهم في رفع الأسعار ، ما دام هناك جهة تعطيك مبلغاً مضموناً بلا جهد فأنت لن تغامر بمالك في مشروع تتحمل المغامرة والمتاعب والمشكلات والضرائب من مزاولة العمل إلا بربح كبير جداً معنى ذلك أنك دون أن تشعر تعلم أن وجود بنك ربوي يسهم في رفع الأسعار ، وكذلك فللمصرف الإسلامي مهمات أخرى :
يمكن أن يجمع الزكاة ويوزعها أيضاً على المستحقين بجهاز فني وبجهاز يكون متمكناً من أداء هذه المهمة ويمكن لهذا المصرف أن يأخذ أموال الصدقات ليجعلها قروضاً حسنة يوزعها على المستحقين وهذا أيضاً جزء من عمل المصرف الإسلامي ويمكن أن يعطي قروضاً إنتاجية ، قروضاً استثمارية عن طريق المرابحة وهذا أيضاً مشروع في الإسلام .
أيها الأخوة :
هناك نقطتا ضعف في الإنسان ، المال والمرأة ، فإذا حصن نفسه ضد إغراء المرأة وإغراء المال فقد حقق تسعة أعشار دينه فمن تزوج فقد ملك نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر .
الإنسان حينما يحصن نفسه تجاه المال الحرام وتجاه المرأة التي لا تحل له فقد نجا من مطبات ومن ألغام كثيرة جداً ، يوجد شيء آخر في الموضوع أن الإنسان أحياناً ينتقل في عمله من تحصيل رزقه إلى جمع المال وجمع المال يؤدي إلى حالة مرضية أحياناً في بعض الحالات يكون المال في خدمتك وفي حالات أخرى تكون أنت في خدمته وحينما ينتقل الإنسان من مخدوم إلى خادم ضيع من حياته جزءاً كبيراً ، لذلك العلماء فرقوا أيضاً بين ما هو كسب وبين ما هو رزق . فالكسب هو حجمك المالي ، والرزق هو الذي تنتفع به حصراً ، الذي لا تنتفع به محاسب عليه ، وهذه مصيبة كبرى بينما رزقك هو الذي أكلت فأفنيت ولبست فأبليت ، أما الذي يبقـى لك هو ما تصدقت فأبقيت ، وما سوى ما أكلت فأفنيت وما لبست فأبليت وما تصدقت فأبقيت ، ما ليس لك فهـو كسب وليس رزقاً و شيء آخر في موضـوع كسب المال ، المال الحلال بالتعبير الشائـع فيه بركة ، معنى فيه بركة تنتفع به أعلى أنواع الانتفاع ، والمال الحرام من خصائصه أنه يذهب بشكل غير مريح وكأن الله سبحانه وتعالى يعاقبك ويحاسب على الإنفاق غير المشروع ، والإنسان كلما حرص على كسب الحلال كلما مكنه الله عز وجل من أن ينتفع به إلى أعلى درجات الانتفاع .
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ "
ذكرنا في هذا الدرس أنه ما من حالة اجتماعية أو مالية أو اقتصادية ، ما من حاجة يحتاجها المجتمع إلا ولها تشريع يغطي هذه الحالة والدليل أن الله عز وجل حينما قال :

(سورة المائدة )
أنت تتعامل مع منهج خالق الكون ، سمعت خبراً قبل أيام أن تلك البلدة الإسلامية التي حققت أعلى نمو اقتصادي سببه أنها اقتربت من منهــج الله عز وجل ، بلد نامٍ يحقق ألف مليار ، مبلـغ كبير جداً وهذا فائض معنى ذلك أن الأخ بمنهج الله يحقق نجاحاً كبيراً .
هناك شيء آخر أن سيدنا عمر حينما مر على بلد ورأى أكثر الفاعليات فيه بيد الأقباط فعنف أهله تعنيفاً شديداً وقال : كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم .
وأنا في خطب كثيـرة ذكرت ، كيف أن الفقـر ليس قدراً وقلت : هناك فقر القدر وهناك فقر الكسل وهناك فقر الإنفاق ، فقر القدر إنسان عاجز مصاب بإحدى حواسه الخمس أو مصاب بشلل أو مصاب بعاهة ، فهذا فقر لكن فقر القدر .
أما الكسول فقد يفتقر ولكن افتقار الكسول لا يسمى افتقار القدر بل فقر الكسل .
أما فقر الإنفاق :
" فقد حدث النبي عليه الصلاة والسلام عليه فقال : قال له أحد أصحابه : قال والله إني أحبك قال عليه الصلاة والسلام : انظـر ماذا تقول ، قال : والله إني أحبك ، قال انظر ماذا تقـول ، قال : والله إني أحبك ، قال : إن كنت صادقاً فيما تقول فلَلَفقر أقرب إليك من شرك نعليك "
ما معنى ذلك ؟ يعني إن أحببتني رق قلبك وأنفقت مالك على كل محتاج ومسكين وقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي يخاطب عبداً من عباده الأغنياء :
" عبدي أعطيتك مالاً كثيراً فماذا صنعت فيه ؟ يقول : يا رب لم أنفق منه شيء مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، يقول له الله عز وجل : ألم تعلم أنني أنا الرزاق ذو القوة المتين ، إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم ، ويقول لعبد آخر : عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ، يقول يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين بثقتي أنك خير حافظ وأنت أرحم الراحمين ، يقول الله عز وجل: أنا الحافظ لأولادك من بعدك "
أيها الأخوة :
هناك نقطة أخيرة في الدرس أن المصرف الربوي كيف ينمي أمواله ؟ يأخذ أموال المودعين يضعها في بنوك أخرى في فائدة عالية وينقلها من بنك إلى بنك ومن عملة إلى عملة يتقصى بها أعلى الأرباح . أما المصرف الإسلامي فماذا يفعل ؟ ليس أمامه إلا طريق واحد أن يستثمر هذا المال في مشاريع ، إذاً المصرف الإسلامي كل مدخراته في مشاريع زراعية وصناعية وتجارية ، ماذا فعـل في البلد ؟ رخاء كبيراً وصارت هناك فرص عمل كبيرة جداً وهذه أحدث حركة إنفاق عام ، فلو أن شركة رأس مالها ثلاثمائة مليون بدأت بمشروع فكم عاملاً تحتاج و كم نشاطاً تجارياً وصناعياً أحدثت ، ممكن تستقطب ألف عامل ، وألف مؤسسة ، أنا سمعت مصنع سيارات ارتبط به أكثر من أربع مائة مصنع وكل مصنع به آلاف العمال معنى ذلك أن العمل الإنتاجي يحتاج إلى يد عاملة كبيرة جداً ومن مزايا المصرف الإسلامي أنه مسموح له فقط أن ينمي أمواله عن طريق المضاربة ، أي مشاريع زراعية وصناعية وهذه المشاريع من شأنها أن تشغل اليد العاملة وتلغي البطالة وتحقق الرخاء والإنسان حينما يكسب المال سوف ينفقه على حاجاته الأساسية ، مشكلة التضخم النقدي توفر كل شيء ولكن لا تحدث حركة في السوق ، كل شيء جامد إذا لم تكن حركة فلا ربح ولا إنفاق : حلقة مفرغة ، إذا وُجد كسب وجد إنفاق والإنفاق يدعو إلى مزيد من الإنفاق ، إذا قلّ الكسب قلّ الانفاق وكل شيء توقفت حركته ، ترى مشروعاً يجب أن يبيع باليوم بمائة ألف فيبيع باليوم بألف أو ألفين ، ما الذي يحصل يصرف موظفيه واحداً تلو الآخر ، يقلص إنتاجه ويحدث انكماش اقتصادي ، الإنسان حينما يطبق هذا المنهج العظيم يقطف ثماره اليانعة بشكل أو بآخر .
لو أن الإنسان لم يفقــه حكمة تحريم الربا ، ولو أنه لم يفقه حكمة المضاربة المشروعة التي شرعها الله عز وجل فلمجرد أن يطبقها تطبيقاً صحيحاً يقطف ثمارها عن علم أو عن غير علم ، وهذه قاعدة في علم الأصول أن ـ الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به ـ لو لم تعلم حكمة منع الربا ولو لم تعلم حكمة القرض الحسن لقطفت كل ثمار هذا النظام وأنت لا تشعر لذلك إلى مزيد من طاعة الله عز وجل حتى في كسب الأموال .
أخواننا الكرام ممن يعملون في التجارة والصناعة والزراعة أحياناً يسألك أحدهم مسألة : هل هذه حرام ؟ بحسب منطق العصر أن هذا الهرمون يكبر الثمرة ويعطيها ألواناً زاهية ويكون سعرها أعلى ويدرُّ ربحاً أكثر ، أنت لو طبقت منهج الله عز وجل ولم تؤذِ عباده لجعل الله لك ربحاً من باب آخر أوسع بكثير .
فكـل مشـكلات النـاس أنهم يبحثون عن ربح سـريع ولا يعبئـون بمنهج الله عز وجل ، الإنسان عندما يطبق هذا المنهج بشكل صحيح فالله عز وجل هو الذي يعطي ويغني .
طبعاً هذه الدروس الثـلاثة في هذا الموضوع الدقيق أعتقد أنها كانت وافية وشاملة ، بأول درس تحدثنا عن تعريف ربا النسيئة وربا الفضل ، في الدرس الثاني تكلمنا عن الأموال التي تقع في محل الربا بشكل تفصيلي وعن بعض المبادلات التجارية التي حرمها الشرع الحنيف ، وفي هذا الدرس تحدثت عن مشكلة استيراد أنظمة اقتصادية غربية وهذه لا بد من أن يرافقها ثقافات وقيم تتناقض مع ديننا ومع أهدافنا ومثلنا فلابد من أن نؤسلم كل شيء مستورد ، بأن نجعله وفق الإسلام وليس هذا ببعيد ، و يمكن أن تنشأ شركات تأمين إسلامية وبنوك إسلامية تطبق أحكام الدين مائة بمائة دون أن يكون هناك شبهة فنرجو الله سبحانه وتعالى أن يتاح لنا في القريب العاجل أن نستمتع بكل شيء إسلامي مريح للنفس وفيه طمأنينة.
والحمد لله رب العالمين







[
quote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Empty
مُساهمةموضوع: : مقدمة عن حكم البيعتين في بيعة و البيع والشراء بشكله العام ( 1) .   الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Emptyالسبت مارس 27, 2010 9:13 am




: مقدمة عن حكم البيعتين في بيعة و البيع والشراء بشكله العام ( 1) .




بِسْمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أيها الأخوة الكرام :
بادئ ذي بـدء في الدين أصول وفي الدين فروع ، الأصل أن تؤمن بالله موجوداً ، وواحداً ، وكاملاً ، الأصل أن تؤمن به خالقاً ورباً ومسيراً ، الأصل أن تؤمن أنه لا معبودَ بحق إلا الله ، وهذا الإيمان متاح لك من خلال الكون الذي هو مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى ، وأداة هذا الإيمان العقل الذي أودعه الله في الإنسان فهو مناط التكليف ، فأنت بعقلك ومن خلال الكـون المعجز يمكن أن تصل إلى قناعةٍ يقينيةً ، يقينيـة، يقينية أن لهذا الكـون خالقـاً عظيماً ، ورباً رحيماً ، وإلهاً حكيماً .
ثم إنك إن تصفحت كلام الله عز وجل من خلال إعجاز القرآن تدرك أن هذا القرآن كلام الله بالدليل العقلي القطعي الثابت ، يعني إلى درجة، والله ولا أبالغ ، أنه ما من خلية من جسدك ، وما من قطرة في دمك إلا وتنطق بأن هذا القرآن كلام الله من خلال إعجازه وهذا عن طريق العقل.
ثم إنك يمكن أن تؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل أنه جاء بهذا القرآن ، فالإيمان بالله ، والإيمان بكلامه ، والإيمان برسوله الذي سيبين كلامه هذه أصول الدين ، انتهى بعد ذلك دور العقل العقل أوصلك إلى الله وأوصلك إلى كلامه وأوصلك إلى رسوله وأوصلك إلى الله موجوداً وواحداً وكاملاً ، وأوصلك إلى أن كلامه معجزٌ ، وأوصلك إلى رسوله مبيناً .
ثم يأتي دور التلقي ، و تفتح القرآن فتقرأ قال تعالى :


(سورة النور )
ولا مجال هنا لكلمة لماذا ، فهذا كلام الله ، قال تعالى :

يعني يا من آمنتم بي ، يا من آمنتم بعظمتي ، يا من آمنتم بعلمي ، يا من آمنتم بحكمتي ، يا من آمنتم برحمتي ، يا من آمنتم بقوتي ، يا من آمنتم بمحبتي لكم ؛ افعلوا كذا ، بعد أن آمنتَ بالله بعقلك ، وآمنتَ برسول الله بعقلك ، وآمنتَ بكتابه بعقلك ، الآن جاء دور التلقي جاء دور الأخذ عن الله ، الآن جاء دور النص ، الدين ، بالتعريف الجامع المانع نقل عن الله ، الدين وحي أوحاه الله .
النقطة الدقيقة ؛ أنه لا يجوز بحال من الأحوال أن تحكم عقلك بالنص ، يعني : أنت صاحبت إنساناً سنتين أو ثلاثاً ، أو أربعاً وجدته قمة في الأدب ، قمة في العلم ، قمة في الوفاء ، قمة في الورع ، قمة في العفة ، وكان ذاهباً إلى بيروت مثلاً فقلت له اشترِ لي هذه الحاجة فاشتراها لك ودفعت له ثمنها ، لمجرد أن تسأل شخصاً آخر عن سعر هذه الحاجة فأنت بشكل أو بآخر تكذبه .
فبعد أن آمنتَ بالله من خلال العقـل وبالدليل العقلـي اليقيني ، بعد أن آمنت برسول الله ، بعد أن آمنت بكتابه ، فقد انتهى دور العقل ، وجاء دور النقل ، انتهى دور التحقيق وجاء دور التصديق ، انتهى دور المحاكمة وجاء دور المسالمة ، هذه الحالة تأتي عقب الإيمان بالله ، فأنت بالكون تعرفه ، و بعد أن عرفته كيف تصل إليه ؟ كيف تتقرب إليه ؟ بتنفيذ أمره ونهيه ، إذاً شرطان أساسيان أن تؤمن به وأن تطيعه فإن آمنت به ولم تطعه فما انتفعت بهذا الإيمان ، لو أطعته تقليداً فمقاومتك هشة لا تصمد أمام إغراء ولا أمام ضغط ، لأقل ضغط تترك، ولأقل إغراء تكفر ، لذلك يمكن أن ترى في المساجد شاباً أقبل على الدين إقبالاً عاطفياً وليس إقبالاً عقلياً واندفع اندفاعاً هشاً ، فإن فتاة قد تصرفه عن الدين كله ، أو أي ضغط فلو قال له أحدهم أخذوا اسمك فلن يقرب المسجد أبداً، وانتهى يعني أن أقل ضغط أو أقل إغراء ينهيه .
فمن أطاعه ولم يتحقق من عظمته فمقاومته هشة ، ومن عرفه ولم يطعه فما انتفع بهذه المعرفة ، فالبطولة الآن بعد أن عرفته أن تتحرك وفق منهجه ، والله أيها الأخوة ما لم تأتِ حركتك اليومية وفق منهج الله فأنت لم تنتفع بهذه المعرفة إطلاقاً ، يجب أن تأتي حركتك اليومية سواء: في بيتك ، في نومك ، في استيقاظك ، في علاقتك بأهلك ، في علاقتك بأولادك ، في عنايتك بجسمك ، في عنايتك بطعامك ، في كسب مالك ، في تجارتك ، في بيعك ، في شرائك ، في نزهتك ، في أفراحك في أتراحك ، في علاقتك مع من هم فوقك ، في علاقتك مع من هم دونك ، في كل حركاتك وسكناتك ، ما لم تأتِ هذه الحركة وفق منهج الله فأنت لم تنتفع بهذه المعرفة .
وأوسع نشاط بشري هو البيع والشراء ، فليس من رجل من إخواننا الحاضرين وغير الحاضرين ، وليس من إنسان على وجه الأرض إلا ويمارس هذا النشاط يومياً ، ولن تجد إنساناً على وجه الأرض إلا وهو ذو عـلاقة بشكل أو بآخر بامرأة ، هي زوجته طبعاً ، وإن لم تكن زوجته فهي امرأة لا تحل له ، فقضية المال والنساء أوسع مساحة يحتلها الشرع أجل أقول : مساحة المال والنساء ، وقضية المال والمرأة نقطتا ضعف في الإنسان لا يؤخذ إلا منهما ، فأحياناً أجد شاباً يقول لي انصحني يا أستاذ ، أنظر إليه فماذا أقول له ؟ في سن الإقبال على الحياة أقول له : غض بصرك ، وقد يقول لي إنسان آخر عمره خمسة وخمسين عاماً انصحني فهو تاجر كبيـر ، أقول له : اضبط دخلـك ، فبعض الناس أول نصيحة له ضبط الدخل ، وهناك إنسان أول نصيحة له غض البصر ، و لعل تسعة أعشار الأحكام الشرعية في تنظيم كسب المال وإنفاقه وفي تنظيم علاقتك بالمرأة ، لذلك يعد أوسع نشاط للإنسان وأكثر نشاط وأدوم نشاط : نشاط البيع والشراء ، والبيع معلوم بالضرورة أنه حـلال ، بالقرآن والسنة وإجماع الأمة البيع حلال في جـميع مصادر التشريع : بالقرآن والسنة وإجـماع الأمة ،
قال تعالى :

(سورة البقرة )
آية واضحة كالشمس ، وقال تعالى ، وهذه الآية أيها الأخوة من أدق الآيات في القرآن الكريم :

وكلما قرأت هذه الآية تذكَّرْ هذا التقدم ، يعني يا من آمنتم بي ، يا من عرفتموني ، يا من آمنتم بحكمتي ، يا من آمنتم بعلمي ، يا من آمنتم برحمتي ، يا من آمنتم بمحبتي لكم .

(سورة النساء )
لا تأكلوا أموالكم بالباطل ، عندي جيبان في هذا الثوب لو وضعت خمسمائة ليرة نزعتها من هذا الجيب ووضعتها في الجيب الآخر فهل اعتديتُ على أحد ، فما معنى قول الله عز وجل لا تأكلوا أموالكم ؟ هـذا مالي أنقله من مكان إلى مكان ، رجل باع بيتاً واشترى سيارة فماذا فعل؟ ما اعتدى على أحد ، الآية ليس هذا معناها ، معناها لا تأكلوا أموال بعضكم بعضاً بالباطل لأن مجتمع المؤمنين مجتمع متكافل متضامن ، متعاون ، فلو أكلت مـال أخيك فأفقرته كأنك أكلت مالك ، وإذا أغنيته كأنك اغتنيت أنت به ، ويوجد معنى دقيق جاء به المفسرون أنك يجب أن تتعامل مع مال أخيك وكأنه مالك من زاوية واحدة وهي : ضرورة الحفاظ عليه ، فلأن تمتنع عن أكله حراماً من باب أولى .
يعني إذا إنسان أعارك سيارة وقال لك : هذه مثل سيارتك . ما معنى هذا ؟ أنت يجب أن تقودها وأن تعتنـي بها وأن تتجنـب أن تصيبها بالعطب والعطل وكأنها سيارتك ، إذا قال لك هذه كأنها سيارتك هل معنى هذا أنه ملكك إياها ؟ وهل معنى هذا أنك ذهبت إلى الدوائر الرسمية و امتلكتها؟ لا . عندما قال لك : كأنها سيارتـك يعني احرص عليها واعتـن بها . إنسان أعارك سيـارة لأمر ضروري وقال لك : هذه سيارتك ما معنى هذا الكلام ؟ ليس معنى هذا الكلام أنه وهبها لك ، معنى هذا الكلام أنه يرجوك أن تعتني بها وكأنها سيارتك بالضبط ، هذا معنى قوله تعالى:

لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
(سورة النساء )
لا تأكلوا أموال إخوانكم فهو من زاوية واحدة : مالكم من حيث ضرورة الحفاظ عليه ، قال تعالى :
لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
(سورة النساء )
بالباطل قيد هل هناك أكل لأموال إخوانكم بالحق ؟ نعم التجارة تشتري السلعة بخمسين وتبيعها بسبعين أنت أكلت من ماله ولكن نظير خدمة كبيرة ، أنت استوردت ودفعـت أموالاً منـذ ستة أشهر ودفعـت ضرائـب ودفعت رسوماً واستخدمت موظفيـن ، جئت بهذه البضاعـة جزأتها ووزعتها ، وشغّلت عندك مندوبين للمبيعات ، عندك طقم موظفين من أجل أن توصل هذ السلعة إلى جوار أخيك في الإنسانية ، وهو اشترى السلعة بسبعين وأنت اشتريتها بخمسين ، عليك مصاريف خمسة أو عشرة و ربحت عليه عشرة فأنت أكلت ماله ولكن هذا الأكل بالحق لأن الله أحل البيع .
فمعنى هذا أنّ أكل مال المسلم له وجهان ، وجـه حـق ووجه باطل والنهي تناول الباطل ، قال تعالى :

لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
( سورة النساء )
يعني بغير مسوغ ، من دون مسوغ ، أحياناً تشتري سلعة لها علبة ومختومة ، ومغلفة بغلاف ، وينشأ ظرف قاهر وكأنك ندمت على شرائها ، أو لم تنتبه لبعض خصائصها فتقول : هل ممكن أن تعيدها ، هناك باعة يقول له : تخسر بها خمس مائة ليرة ولو أنه فتحها واستعملها فهذا موضوع آخر وليس للبائع مصلحة أن يُعيدها أما كونه ما فتحها ولا استعملها فإذا قال لك البائع تخسر خمس مائة ليرة خلال ربع ساعة ، أنت سـلمت إنساناً آلة وأرجعتها لمكانها كما أخذتها رددتها ، هذه الخمسمائة لمَ أخذتها أيها البائع ؟ مقابـل ماذا ؟ مقابـل لا شيء . أنت إذاً بالباطل أخذتها ، قد يسأل سائـل أيجوز أن أرجـع ؟ العـدل قسري والإحسان طوعي ، إذا تم البيـع بالإيجـاب والقبـول ، والقبض والتسليم ولا يوجـد عيب وأعطيت الشاري خيار المجلس وما اعترض ونقدك الثمن وسلمته البضاعة وكان راضياً ثم بدا له بعد حين أن يعيد هذه السلعة فأنت بالخيار إن رفضت أن ترجعها له فأنت بالعدل وإن أرجعتها له فأنت بالإحسان والله عز وجل يقول :


(سورة النحل )
فكما أنـك مأمور بالعدل مأمور بالإحسان ، ومن أقال نادماً بيعته أقال الله عثرته :
" عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "
( أبي داود ـ أحمد )
ذات مرة قال لي أخ وقد توفي رحمه الله ، يبيـع مفروشات : جاءتـني امرأة فاشترت طقم كنبات ، لفت نظـري أنها تريد أن تدفع ثمـن هذا الطقم خمسات وعشرات ، فافرض أن الطقم ثمنه ثمانية آلاف ، أو عشـرة آلاف ، وقد نقدتني إياه خمسات وعشرات ، سلمتها إياه وقبضت الثمن ، ثم قال : وفي اليوم التالي جاءتنـي تبكي وتقـول إنها وفـرت من مصروف البيت ثمن هذا الطقم فلما رآه زوجها قال : إن لم ترجعيه وتأتيني بثمنه أطلقكِ ، فجاءت ترجو البائع أن يرجع هذه البضاعة ، قال لها : حباً وكرامة ، أقسم بالله أنه وضعه على الرصيف ريثما يرده إلى مستودعه فجاء من اشتراه بسعر أغلى .
" ... مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقيَامَةِ "
إن الله يأمر بالعدل والإحسان ، لكن إن أرجعت هذا الطقم لها أي إن أرجعت هذه الآلة ولم تستعملها إطلاقاً وألزمتها أن تدفع خسارة ألف ليرة فهذه الألف فيمَ أخذتها ؟ بالباطل هذه لا وجه لها ، رجل باع طقم كنبات والذي اشتراه فرح به ودعا أصدقاءَه ، أول ما جلسوا عليه خفس ، عاد إلى عنده يغلي و قال : الطقم خفس ، فقال له : لعلكم جلستم عليه .
هذا موضوع آخر ليس له علاقة بالدرس ، قال تعالى :
لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ
( سورة النساء )
فالتجارة أكل للمال لكن بالحق لا بالباطل ، الآن يقول لك : التراضي يا أخي وقـد رضي ، ولو كشفت له الحقيقة ، لو كشفت له أن هـذه البضاعـة ليست مستوردة إنما هي محلية لكن الماركة مزورة فلن يشتري ، بالمناسبة صار عندنا معامل بأعلى درجة من التقنية تصنع علامات فارقة ، وعلامات صناعة ، وصنع في فرنسا ، وصنع في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل متقن جداً ، فإذا أنت بعت بضاعة على أنها أجنبية ، فهناك مثلاً قماش من الصيـن مثلاً يوضـع عليه حاشية: فرنسي ، والفرنسي غـالٍ جداً ويوجـد جوخ مثلاً من الدرجة العاشرة ويوضع عليه حاشية : إنكليزي يباع بسعر كبير . هذا غش فلـو أن هذا الذي اشترى هذه البضاعة كشفت له الحقيقة فلـن يرضى ، الناس يتمسكون بالرضى الظاهري بالرضى الابتدائي وليس الرضى النهائي فهذا ليس رضى . لو كشف له أنه ربح عليه أضعاف مضاعفة ، رأسماله مـائة وبـاع بـألف ، هل يرضى ؟ لا يرضى ، قال تعالى :
إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ
( سورة النساء )
بالمناسبة البيع لا يكون حلالاً إلا بتحقيق شروط وانتفاء موانع ، هناك شروط يجب أن تتحقق وهناك موانع يجب أن تنتقي ، حتى يكون البيع حلالاً ، من هذه الشروط ، شروط صحة البيع : التراضي ، أن يرضى البائع والشاري ، أنت لاحظ عندما تشتري آلة ويقول لك صاحبها هذه ثمنها ألفا ليرة ، فالذي يحصل تماماً أن الذي اشترى هذه الآلة رأى أنها أثمن من ألفي ليرة ، والذي باع هذه الآلة رأى أن الألفين أثـمن منها ، لا أحد يبيع حاجة إلا ويعتقد أن ثمنها أثمن منها ، ولا أحد يشتري حاجة إلا إذا اعتقد أنها أثمن من ثمنها ، إذا كانت المعلومات صحيحة والمواصفات مكشوفة ، أما إذا كان تدليس في البيع ، فهذا التدليس أخو الكذب ، يا أخي : أنا ما كذبت ، لا ، أنت أوهمته أن … بكذا وكذا
إنسان خطب فتاة أين البيت ؟ بالمالكي ، يا لطيف ، طار عقلهم فوراً وافقوا، من دون تردد ، ثم ظهر أنه شارع المالكي في ببيلا.
يقول لك أنا ما كذبت ، صح ولكن أنت أوهمتهم أن بيتك في المالكي بدمشق لا في مالكي ببيلا ، التدليس أخو الكـذب ، فإذا أنت ما كذبت ، ولا دلست ، ولا أوهمت ، ولا احتكرت ، ولا استغللْت ، ولا زورت فالبيع صحيح وسليم.
قال لي أخ إنه يضع إضاءة حمراء أمام محل بيع الفروج ، لأن الفروج الزهر يكون طازجاً ، وغير منقوع بالماء ، هذا الضوء الأحمر مخفيّ ، والزبون يتوهم أنه طازج ، ولكن هذا اللون الأحمر مصدر تدليس ، أوهمته أن الفروج طازج ، وهناك أساليب لا تعد ولا تحصى في الغش والتدليس والكذب على كل البيع لا يكون حلالاً إلا بتحقيق شروط وانتفاء موانع .
فمن صحة شروط البيع أو من شروط صحة البيع : التراضي التراضي إذا كشفت الحقائق ، ممكن أن تشتري مثلاً قماشاً إنكليزياً حسب الحاشية ، لبدلة فيكون تايوانياً ، ثم انتفاء الجهالة في الثمن ، هذه حادثة وقعت خلاصتها : شخص عنده محل تجاري جاره يبيع غرف نوم رأى غرفة جيدة أعجبته فقال له هذه أرسلها إلى بيتي ، فبادر وأرسلها فوراً ، جاره ما سأله ما الثمن؟ لا الشاري سأل عن الثمن ولا البائع ذكر الثمن ، دفع دفعة ، ثم دفعة كلما أرسل دفعة يقول الشاري لنفسه لعله انتهى . ثم اختلفوا ، الشاري بذهنه مائة ألف فكانت خمسمائة الف ، وتقاتلوا ، فالجهالة تفضي إلى المنازعة . حدثني أخ وهي طرفة ولكن لها معنى دقيق ، قال لي : أنا عملي بالأقمشة وكل مرة ننقل البضاعة عن طريق من يحترف هذه الحرفة وتقع عند كل نقل بضاعة مشكلة كبيرة يكون الشرط خمس مائة يريد ألفاً ، ألم نتفق على خمس مائة فيدعي أن الأثواب وزنها ثقيل والطريق طويل ، قال لي : مرة أحببت أن أعمل تجربة فجاء بهؤلاء الذين ينقلون البضاعة إلى مكان البضاعة وقال لرئيسهم عد الأثواب فقال له : لا مشكلة ، فقال له : أريد أن تعدهم ، فعدهم ثم قال له : احمل الثوب ، لماذا ؟ قال له : لعله يكون ثقيلاً فحملــه ، امشِ معي ووصـل إلى المكان المحدد والمكان بالطابق الرابع وممنوع استخدام المصعد ، فصعدوا بدون مصعد ووضعوا البضاعة بغرفة على الرف العلوي ، إذا قال له : عددهم كثير فقد عدهم وإذا قال له وزنهم ثقيل ، حملهم ، وإذا قال له الطريق طويل قاسه إذا قال له ما سمحوا لنا أن نستخدم المصعد نريد أن تزيد أجرتنا فلا يحـق لهـم ، ثم قال : ولأول مرة في حياتي أشارطهم مثلاً خمسمائة فقبلوا وانتهى الأمر . وقال : معوضين أستاذ وانتهى كل شيء ،
يا إخواننا الكرام :
ما من مشكلة في التجارة إلا بسبب الجهالة ، العلماء قالوا : الجهالة تفضي إلى المنازعة ، وضِّح ، كل إغفال ، أو غمغمة ، أو اتفاق ضبابي ، كل اتفاق لا يوجد فيه وضوح بالثمن فالبيع باطل ، من شروط صحة البيع التراضي ، وانتفاء الجهالة بالثمن والسلعة ، يطلعه على مساطر رائعة ، تأتي البضاعة خلاف هذه المساطر ، قال : من اشترى ولم يرَ فله الخيار إذا رأى .
يوجد أساليب للبيع كثيرة بيت خامس طابق الدلال من ذكائه في كل ميدة يقول له قصة لا ينتبه الشاري ، يقول له قصة يرتاح الشاري صعد ثاني طابق قصة ثانية ليرتاح ، يصل إلى فوق مرتاحاً ويرى بيتاً نشطاً له إطلالة جميلة فيشتريه فوراً ، لو صعد بشكل مستمر يصل متعباً فلا يشتري ، فهذه عملية التدليس ، كما أن الكذب ، والتزوير ، حتى إن أحدهم حدثني أنه صلى باتجاه الشمال والدلال ما دله على جهة القبلة ، لأن البيت رآه في الليل وقال له : قبلي ، أنا لم أصلِ بعد أعطوني سجادة وصلى باتجاه الشمال ، اعتقد أنه قبلي واشترى البيت فكان شمالي الاتجاه .
من شروط صحة البيع التراضي ، وانتفاء الجهالة في الثمن والسلعة لكل من المتبايعين ، قد يكون البيت مرهوناً وهناك دعوى وعليه ضريبة مالية كبيرة جداً متراكمة ، أو قد تكون الأرض ليست واضحة المعالم يقول له : مربعة ، ويكون عرضها عشرين متراً وطولها مائتا متر ، اطلب المخطط ، هذه كلها دروس ، المؤمن كيس فطن حذر ، وليس كيس قطن ، قال تعالى :

(سورة النساء )
وأجمل كلمة قالها سيدنا عمر : لست بالخب ولا الخب يخدعني لست من الخبث بحيث أخدع ولا من السذاجة بحيث أخدع ، أنا لا أخدع ولا أنخدع ، مؤمن وليس ساذج .
وبعد كل هذا فمن شروط صحة البيع كذلك قدرة البائع على تسليم السلعة ، يعني باع بضاعة قبل أن يحوزها إلى رَحله ، قال لي صديق رأى مساطر بضاعة أعجبته أخذها من دون اتفاق وسافر بها إلى بعض المحافظات وعرضها بثمن فيه ربح كبير وباعها ورجع ليتم الصفقة فأخبره أن الصفقة بيعت من قبل مجيئه إليه وانتهت ، الذي اشتراها منه طلب منه ربحاً على كل متر بثمن البضاعة وله معه مبلغ ضخم قال له أنت بعتني مثلاً ألف " يرد " أريد بكل " يرد " ربحاً ، خمسين ليرة ، ضرب ألف بخمسين ، أريد أن تخصم لي من حسابك خمسين ألف ، لأنه تاجر غشيم ، والثمن غال جداً فكانت النتيجة خسارة كبيرة .
لا تبع شيئاً حتى تحوزه إلى رحلك ، لكن هذه الكلمة أيها الأخوة تحل مشكلة في العالم خطيرة جداً ، بيع المضاربة ، أكثر البيوع في العالم مثلاً خمسين ألف طن بن في البرازيل تباع ألف مرة وهي لازالت في المستودعات ، تباع بالفاكسات ، بعت واشتريت . هذا صار قمار و ليست تجارة ، عندما تحوزها إلى رحلك فأنت تاجر حقيقي استوردتها كي ينتفع الناس بها ، فكل بيع وشراء صوري الهدفُ منه المقامرة هذا بيع المضاربة ، ما الذي ينفي هذا البيع ؟ لا تبع شيئاً حتى تحوزه إلى رحلك ، وقدرة البائع على تسليم السلعة وحيازة السلعة في ملكه قبل بيعها ، وأن لا يكون فيها عيب قادح ، وألا يكون البيع لكل من البائع والمشتري خيار النكل ، يوجد عندنا مجلسُ عقدٍ ضمن المجلس لك تقول قبلت أولا ، لك أن تنكل ما دمت في مجلس العقد فإذا خرجت من المجلس ثبت البيع، من حق البائع والشاري ضمن مجلس العقد أن ينكل كل منهما ما لم يفترقا فإذا افترقا ثبت البيع .
يا أيها الأخوة :
كلمة دقيقة جداً : الإسلام نصوصه كلها شفهية ، يعني إذا أنت قلت اشتريت وقال لك الطرف الثاني بعت ، فكلمة اشتريت وكلمة بعت نقلت الملكية إليك لو احترقت البضاعة على الذي قال اشتريت ولو لم يدفع ثمنها.
وهناك قصة جرت في الشام من أشهر القصص : جلسة في محطـة وقود عصراً، جلسة مؤانسة ، تسلية وزعوا كؤوس الشاي قال الأول للثاني أتبيعني هذه المحطة ؟ فقال له : أبيعها ، قال له : بكم ، قال : بست مائة ألف ، قال له : اشتريت ، لا البائـع جاد ولا المشتري جاد ولم يحـدث شيء بعـد هذا الإيجاب والقبـول ولا كلمة ولا اتصال هاتفـي ولا لقاء لمدة اثنتي عشرة سنة ، الذي قال اشتريت له محام بارع جداً قال له : هذه المحطة ملكك صار ثمنها اثني عشر مليوناً ، أقام دعوى عليه وجاء بالشهود فعلاً قال له بعتك وقال له اشتريت ، قال له : ولكن ما دفع الثمن ، فقال له : موضوع آخر ، أنت ما طالبته .
اثنان في قطار وشوهدت محفظة كبيرة جداً على مقعد قـال له أزح هذه الحقيبة ، قال له : لا أزيحها ، تلاسنوا ، تشاحنوا تماسكوا ، تضاربوا ، جاءت الشرطة بالقطار أوقفوا القطار ما هي المشكلة ؟ قال له : هذه المحفظة لا يرفعها من هنا ، فقال له : لماذا لم ترفعها من هنا ؟ فقال له : ليست لي هي لفلان ، فقالوا له : لماذا لم ترفعها من هنا ؟ فقال: ما أحد طلب مني أن أرفعها من هنا .
مادمت في مجلس العقد فأنت مخير ، أن تقول رفضت ، أو أن تقول بعت، قال اشتريت ، هكذا سمعت الموضوع وما تحققت منه ، نقلت هذه المحطة لمن قال اشتريت بعد اثني عشر عاماً بستمائة ألف ليرة فانتبهوا بالزواج لا يوجد مزاح ، ثلاثة هزلهـن جد وجدهـن جد الزواج والإعتاق والطلاق ، والبيع لا يوجد فيه مزاح أن تقول له بعتك فإذا شهد شهود فأنت بعته وانتهى الأمر ، لا تقل بعتك ، دائماً تريث ، مرة ثانية الإيجاب والقبول هما شـرطا البيع ولو لم يكن عقد مكتوب .

عندنا شرط آخر مانع ، وألا يكون هذا البيع مراد به الربا كبيع العينة في أكثر البلاد الإسلامية طبعاً الربا محرم ولكن هناك حيلة على الربا هي : بيع العينة ، يعني يضع أحدهم سجادة أو صندوق شاي أو أي حاجة فيأتي مقترض الربا ، يشتري صندوق الشاي بألف ليرة مثلاً ديناً بعد ما يشتريه بألف ليرة ديناً يبيعه لصاحب المحل نقداً بثمان مائة ليرة يسجل ألفاً ويدفع ثمان مائة ، في بلد إسلامي آخر صندوق شاي بالريالات ، في بلد إسلامي سجادة يعني ممكن أن يتم قرض ربوي بفائدة عالية جداً من خلال بيع صوري شكلي ، فيشتري الصندوق بألف ديناً ثم يشتري منه البائع نقداً بثمان مائة ، قالوا : وألا يكون هذا البيع مراد به الربا كبيع العينة والمقصود من قوله تعالى :


(سورة البقرة )
ليس على إطلاقـه العـام كما يتصـوره الناس بل أحل الله البيع بشروطه ومواصفاته التي بينتها الآيات وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كل ما يسميه الناس بيعاً هو حلال ، بل الحلال ما جاء موافقاً للشروط والمواصفات التي شرعها الله تبارك وتعالى وأما ما كان بيعاً ينطوي على غرر أو حيلة أو ربا فهو حرام ، كما نهى النبي عليه الصلاة والسلام :
" عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسَتَيْنِ وَنَهَانـَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ عَنِ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلامَسَةِ وَهِيَ بُيُوعٌ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ "
( النسائي )
والنبي نهى عن أكثر من ثلاثين نوعاً من أنواع البيوع ، فإذا قال هؤلاء وأحل الله البيع فهناك بيوع محرمة ، النبي نهى عن ثلاثين نوعاً من أنواع البيوع .
بقي في هذا الدرس تقسيم لطيف للبيوع ، ينقسم البيع إلى قسمين بيع ناجز وبيع مؤجل ، البيع الناجز : أن يتم فيه التبادل بين البائع والشاري يداً بيد في وقت واحد ، ونعني بالتبادل : الثمن والسلعة دفعتَ واستلمتُ ، باللغة الأجنبية ، كاش أند كاري ، ادفع واحمل وامشِ هذا بيع يداً بيد في وقت واحد تبادل البائع والشاري السلعة والثمن .
أو السلعة بالسلعة بعته قمحاً مثلاً بتمر ، التمر مال والقمح مال كقمح بقمح أو قمح بتمر وهذا له صورتان ، صورة مشروعة وصورة محرمة، البيع الناجز أن يتم به التبادل حالاً بين المتبايعين بين البائع والمشتري ، يعني تبادل السلعة بالثمن أو تبادل السلعة بالسلعة ، أكرر : لهذا البيع الناجز صورتان ، صورة محرمة وصورة مشروعة فالمحرمة بيع صنف بجنسه متفاضلاً ، أن تبيع قمح بقمح أبيع قمح حوراني بقمح مستورد متفاضلاً ، هذا بيع محرم كبيع صنف بجنسه متفاضلاً كبيع تمر بتمر مع الزيادة أو بيع ذهب بذهب مع الزيادة أو بيع فضة بفضة مع الزيادة وهذا كله قطعي التحريم .
الصورة المشروعة من هذا البيع إذا اختلفت هذه الأصناف : بعنا تمراً بقمح ، يجوز البيع والاستبدال مع الزيادة ، كيف شئنا ، فيجوز بيع طن قمح بنصف طن تمر بشرط أن يكون التسليم في الحال . هذا حكم البيع الناجز : لك أن تبيع شيئاً بشيء ، سلعةً بثمن ، سلعةً بسلعة بشرط يداً بيد ، إذا وجد تماثل فممنوع التفاضل ، وواجب أن يكون التسليم حالاً يداً بيد ، إذا لم يكن تماثل ممكن أن يكون تفاضل لكن الشرط المستمر هو التسليم يداً بيد ومثلاً بمثل .
أما إذا تأخر فيه تسليم بدل عن بدل وهذا له صور كثيـرة بعضها مشروع وبعضها غير مشروع ، الآن نلخص البيـع العاجل : البيـع العاجل التسليم فوري والدفع فوري ، دفع وتسليم ، دفعت الألفين أخذت المسجلة، إذا كان في تماثل ممنوع التفاضل ، قمح بقمح من دون تفاضل تمر بتمر من دون تفاضل ، قمح بتمر ممكن لكن لابد من أن يكون التسليم في وقت واحد ، يعني إذا الإنسان اشترى ذهباً بعملة سورية ممنوع أن يتأخر التسليم لا العملة السورية ولا الذهب ممنوع مباشرةً ، حتى إذا الإنسان باع عملة بعملة يجب أن يكون سعر اليوم والتسليم مباشرةً حتى يكون حلالاً ، سعر اليوم والتسليم مباشرةً ، هذا إذا كان بيع العملة مسموحاً به طبعاً .
الآن بيع الأجل : الصور المحرمة بيع الأجل له صور عديدة ، بيع الأجل بيع تمر مثلاً أو قمح بصنف آخر كالشعير إلى أجل هذا لا يجوز إجماعاً أقول لا يجوز إجماعاً أن تبيع صنفاً بصنف مع التأجيل في التسليم لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
" عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيـرُ بِالشَّعِيـرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ "
(الترمذي ـ النسائي ـ ابن ماجة ـ ابي داود ـ أحمد ـ الدارمي )
عندنا ثلاث كلمات بَر ، وبُر ، وبِر ، البَر اليابسة ، والبِر الإحسان ماذا بقي ؟ إذا كان قمح ؟ البُر ، إذا وجد تماثل فممنوع التفاضل ، إذا كان اختلاف بالنوع فمسموح التفاضل أما بالحالات كلها يداً بيد ، هذا صنف .
الآن يوجد صنف آخر اشترى سلعة ودفع ثمنها وتسليمها آجلاً ، هذا بيع السلم يجوز بلا إشكال . هذا وضع استثنائي النبي شرعه ، يعني راعٍ يوجد عنده ألف رأس غنم على وشك الموت جوعاً ليس معه ثمن علف ممكن أن يبيع صوف الغنم الآن ويقبض ثمنه ويشتري طعاماً وعلفاً للغنم ويسلم الصوف بعد ستة أشهر هذا بيع السلم شراء سلعة مما تخرجه الأرض زراعة قمح ، أو صوف أو ما شاكل ذلك ليست موجودة الآن ، يعني بيع التقسيط معاونة البائع للشاري ، قال تعالى :

(سورة المائدة )
بيع السلم معاونة الشاري للبائع ، السلف الصالح كانوا قديماً إذا رأوا إنساناً يبيع عنباً وتأخر بعض الوقت ولا يمكنه ترك البضاعة في الطريق كان بعض الصالحين يشترون العنب منه ويجعلونه خلاً يعني هذا شراء لوجه الله أحياناً تشتري هذه الحاجة وتعاون بها ، أحياناً طفل يتسول منك لا تعطه ، أما إذا باعك مسكة اشترِ منه ، إذا كان يبيع فاشترِ منه ، إذا طفل فقير جداً وقال له أبوه اذهب واعمل فاشترى علب محارم أو مسكة ...، فإذا طلب منك التسول لا تعطه لأنك إن أعطيته تعلمه على التسول ، أما طلب منك أن يبيعك ولم تكن بحاجة إلى هذه السلعة اشترها منه و لك أجر .

الآن بيع سلعة بالدراهم والدنانير على أن يستلم المشتري السلعة وقت العقد ويؤجل تسليم الثمن هذا بيع المؤجل أي بيع التقسيط فإذا كان السعر واحداً لا يتأثر بالدفع الفوري أو بالدفع على أقساط فالبيع مشروع فله أوكسهما ، أما إذا كان السعر يتأثر بالزمن فهذا الموضوع موضوع الدرس الماضي .

والحمد لله رب العالمين










[quote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Empty
مُساهمةموضوع: : خاتمة عن البيعتين في بيعة .... : العرف وما تعارف عليه الناس ( 3 ) .   الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه . Emptyالسبت مارس 27, 2010 9:20 am





: خاتمة عن البيعتين في بيعة .... : العرف وما تعارف عليه الناس ( 3 ) .





بِسْمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أيها الأخوة الكرام :
أعيد وأكرر : مطلبان ثابتان لكل إنسان في كل زمان ومكان ، أن يسلم وأن يسعد ، لا يسلم إلا باتباع منهج الله ، ولا يسعد إلا بالقرب من الله ، قال تعالى :


(سورة الرعد)

(سورة فصلت )
تسلم باتباع المنهج ، وتسعد بالقــرب من الله ، وسيلة القرب من الله العمل الصالح قال تعالى :
(سورة الكهف )
هذه الجمل هي خلاصة خلاصة الخلاصة ، السلامة والسعادة مطلبان ثابتان لكل إنسان في كل زمان ومكان ، تسلم باتباع المنهــج وتسعد بالقرب من الله ، وأداة القرب العمل الصالح .
وبعد ، فمن أجل أن تعرف هذه الحقائق لابد من طلب العلم ، طلب العلم هو الحاجة العليا عند الإنسان ، يؤكد الإنسان إنسانيته بطلب العلــــم في الدرس الماضي تحدثت عن بيع التقسيط ، وفي الدرس قبل الماضي بينت مقدمةً لهذا الدرس ، ووجدت من المناسب أن يكون محور هذا الدرس إجابة عن سؤال يسأله كل الناس . يا أخي الناس كلهم هكذا ، الناس جميعاً هكذا يفعلون ، وهل كل الناس على خطأ ؟ يتوهم المسلم غير طالب العلم ، يتوهم المسلم الذي لم يتحقق ، الذي لم يتعلم الذي لم يطلب العلم، يتوهم أن ما يفعله الناس هو الصحيح ، وغاب عنه قوله تعالى :
(سورة الأنعام )
لذلك الإجابة عن هذا السؤال الذي يلقيه كل إنسان ، يا أخي الناس كلهم هكذا ، هل كل الناس غلطوا ؟ وأنتم وحدكم تعرفون ؟ لا يجرؤ إنسان كائناً من كان أن يقول في الدين برأيه ، ولا حتى الصحابة ، الدين توقيفي من عند الله ، النبي عليه الصلاة والسلام قال كما علمه الله سبحانه ، قال تعالى :


(سورة الأنعام )
بكل قضيةٍ هناك رأي شخصي إلا بالدين ، في كل قضية يوجد توجه تصور ، رأي ، نزعة ، هذا في أمور الدنيا ، أما في الدين فهو وحي من السماء ، حقاً الدين وحي من السماء ، الدين توقيفي ، الدين نقل ، والعقل لفهم النقل ، لا للتحكم بالنقل ، لا لإلغاء النقل ، لا فَلَيُّ عنق النص ليوافق مصالحنا فهذا ليس من الدين في شيء ، لذلك محور هذا اللقاء وبالله التوفيق ، العرف ، هذا العرف الذي يحتج به معظم المسلمون هكذا تعارف الناس ، هكذا ألفنا ، هكذا وجدنا أهل السوق ، هكذا وجدنا آباءنا.
العرف ، بالتعريف الدقيق : ما اعتاده الناس ، هل اعتاد الناس أنك إذا ألقيت إنساناً في النار لا تحرقه النار ، النار تحرق عادةً ، أما عقلاً يمكن أن يبطل الله مفعولها ، قال تعالى :


(سورة الأنبياء )
يجب أن نفرق بين ما هو مألوف وبين ما هو ممكن ، فالعرف عادةً ما اعتاده الناس ، وما ألفوه ، وما تواضعــوا عليه في شؤون حياتهم حتى أنسوا به ، واطمأنوا إليه ، وأصبح الأمر معروفاً سواء كان عرفاً قولياً ، أو عـرفاً عملياً ، أو عرفاً عاماً ، أو عرفاً خاصاً ، أي ما استقر في النفس من جهة العقول وتلقته الطباع بالقبول ، هذا العرف : ما تعارف الناس عليه ، ما ألفه الناس ، ما تواضع عليه الناس ، هناك أعراف قولية ، هناك أعراف عملية ، هناك أعراف عامة ، هناك أعراف خاصة.
من الأعراف القولية أنك إذا قلت : أكلت لحماً المقصود : لحماً غير السمك، فلو أن إنساناً حلف يمين طلاق على ألا يذوق لحماً وأكل سمكاً لا يحنث بيمينه ، لأن كلمة اللحم عرفاً لحم ضأن ، أما لغةً فالسمك لحم قال تعالى :



(سورة النحل )
لغةً السمك لحم أما عرفاً فلا ، إذا رجل سألك ماذا تغذيت ؟ تقول لـه : سمكاً ولا تقول لحماً ، ماذا أكلتم البارحة ؟ لحماً ، يعني لحم ضأن أو لحم بقر ، العرف القولي أن كلمة لـحم تعارف الناس على أنها تعني لحم الضأن ، وكلمة سمك لها معنى آخر ، هذا يتعلـق بالبيوع بالطلاق ، فالعرف يؤخــذ به في موضوع الأيمان ، مثلاً كلمة : ولد ، تعني ذكر أما في اللغة قال تعالى :

(سورة البقرة )
الولد في اللغة ذكر أو أنثى ، أما في العرف الولد ذكر فقط ، إذاً في موضوع الأيمان يؤخذ بالعرف ، هذه أعراف قوليـة ، يوجد عندنا أعراف عملية ، إنسان يسير في الطريق والحر شديد ، وبائع يبيــــع عرق سوس والكؤوس ملأى وموضوعة على الطاولة ، يمسك بكأس يشربها ويضع ليرتين ويمشي ، لا يقول له أتبيعني هذا الكأس بليرتين يقول له: وأنا قد قبلت ، ما وردت إطلاقاً ، هذا بيع المعاطاة ، يعني ألفنا الأشـياء الخسيسة ، قضية كأس شـراب ، كأس عصير ، لا تحتاج لا إلى إيجـاب ولا إلى قبول ، تشـرب هذه الكأس وتدفـع الثمن وأنت ساكت فهذا عرف عملي .
وبعد ، عندنا عرف عام ، عندنا عرف خاص ، العرف العام يطبق في كل البلاد ، والعرف الخاص في بعض البلاد ، دعيـت إلى مؤتمـر في المغـرب ، في المطار حذروني إياك أن تقول الله يعطيك العافية ، لأن هذه معناها هناك : الله يدمرك ، أعوذ بالله منعونا أن نقول هذه الكلمة في بلدة في شمال إفريقيا ، يعني إذا إنسان عالم كبير وباحث كبير وله باع طويل في التأليف اسمه نكاشة ، هذه عندنا غير مقبولة ، النكَّاشة الكبير ،بينما عندنا غير واردة ، هذا عرف خاص ، يعني نكش مثل بحث ، ولكن عندنا النكاشة للبابور ، أما هناك عالم كبير .
أممكن لخليفة أن يقف أمامه شاعر كبير ويمدحه ويقول له أنت جرثومة ؟ والله يقطع رأسه ، كلمة جرثومة يوم قيلت لخليفة كانت تعني أصل الشيء ، قال له : أنت جرثومة الدين والإسلام والحسب ، أبو تمام للمعتصم ، كلمـة عصابة الآن أعوذ بالله ، قال عليه الصـلاة والسلام : إن تهـلك أيتها العصابة فلن تعبد بعد اليوم ، النبي سمّى أصحابه عصابة، عصبة خير ، وفي اسم قديم لهيئة أكل حقوق الأمم عفواً لهيئة الأمم ، هناك إنسان سماها هيئة أكل حقوق الأمم ، كان اسمها عصبة الأمم .
إذاً ، عندنا عرف خاص ، وعرف عام ، وكل بلد له كلمات ، وله تقاليد ، وله أعراف ، هذا الشيء لا غبار عليه ولا يقدم ولا يؤخر لكن يوجد نقطة دقيقة جداً ما الفرق بين العــرف والإجمـاع ؟ عندنا قرآن ، وسنة ، وإجماع ، وقياس ، الإجمـاع شيء والعرف شيء آخر الإجماع العلماء الكبار ، المجتهدون النخبة اتفقوا على شيء هذا اسمه إجماع أجمعت الأمة أي أجمع علماء الأمة ، أحياناً تعقد مؤتمــرات فقهية يتخذ فيها قرار بالإجماع ، ويوجد عندنا إجماع سكوتي ، إنسان ألف كتاباً ونشره ، ما أحد اعترض عليه ، ولا أحد رد عليه ، معنى هذا أنه صار عليه إجماع سكوتي ، أما إذا ألف كتاباً ، وألف قراءات معاصرة ورد عليه ألف إنسان وسفهوه بمعنى أن هذا الكلام فيه غلط ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
" لا تجتمع أمتي على خطأ "
لذلك قال علماء العقيدة النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده وأمته معصومـة بمجموعها ، فإذا كنت مع الجماعـة لا تغلط بل تسأل وتأخذ الجواب الصحيح ، تلتقي مع أخيك تراه يغض بصـره ، تلتقي مع أخيك تراه يتعفف عن شيء لا يرضي الله ، تتعلم منه أشياء كثيرة ، الإنسان إذا عاش وحده أو ترك الجماعة ينصّب نفسه مفتياً يقول لك انظـر إلى هذه لا شيء عليها أقنعنـي بها، إلى درجة والله ، هكذا قال ، ولعله كاذب أو صـادق ما أدري قال لي : هل الله حرم الخمر ، هات لي آية أن الخمر حرام ، قلت له أعوذ بالله ما هذا الكلام ، قلت له : فاجتنبوه أشد أنواع التحريم ، قال تعالى :

(سورة الحج )
هل هناك من ذنب أكبر من أن تعبد صنماً ؟ جاء التحريم : فاجتنبوا الرجس من الأوثان يعني أبقِ بينك وبينه هامشَ أمانٍ ، هكذا .
إذاً الإجماع ما اجتمع عليه علماء الأمة ، أما العرف ما تواضع عليه الناس جميعاً ، هؤلاء يُسَمَّون حديثاً : الخط العريض في المجتمع يعني الدهماء ، سوقة الناس ، وهناك حالياً أعراف وتقاليد ما أنزل الله بهـا من سلطان يفعلها معظم الناس ، الدليل : اذهب إلى قمـة قاسيون وألق نظــرة على الناس هناك ترَ ما تعارف عليه الناس ، كيف يمضـون سهراتهم ، القـضية سهلة جداً ، أعراس الناس ، الاختلاط يجب علــى العريس أن ينصمــد أمام عدد كبير من النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات وإلا فهو أعور ، أعوذ بالله ، هذا عرف ، آلاف الأعراف ما أنزل الله بها من سلطان لا أصل لها .
و السؤال الدقيق الذي يطالعنا الآن ما علاقة الإسلام بالأعراف والتقاليد ؟ كلام دقيق ، الإسلام أقر من الأعراف ما كان صالحاً وتلاءم مع مقاصده ومبادئه ورفض من الأعراف ما ليس كذلك ، أو أدخل علـى بعض الأعراف تصحيحات وتعديلات ، فهناك أعراف رفضها ، كان في الجاهليــة عرف : أن يأتي الأب بابنته التي هي كالوردة فيلقيها في حفرة ويهيل عليها التراب ، قال تعالى :

(سورة التكوير )
وكان من أعراف الجاهلية أن ترى امرأة لها عشرة أزواج ، أجل، تعدد الرجال بالجاهلية كان موجوداً، وكان في عشرات الأنواع من الزواج الباطل هذا كان في الجاهلية ، على كل الإسلام رفض بعض الأعراف وقبل بعضها وصحح بعضها الآخر ، والأصل الإسلام ، الأصل منهج الله وعند المؤمنين الصادقيــن هناك عرف : يجب أول يومٍ من العيد أن يجتمــع الأولاد عند أمهم ، هذا شيء طيب بارك الله بهم ، هذا يتوافق مع مقاصد الشريعة في بر الوالدين ، وهناك عشرات الأعراف التي أقرها الإسلام حلف الفضول كان في الجاهلية والـنبي باركه ، قال : لو دعيت إلى حلف مثله للَّبيت ، وبارك هذا الحلف ، حلف لإقامة العدل ونصرة المظلوم .
فالإسلام أقر بعض الأعراف وألغى بعضها وعدل بعضها الآخر ، فالأصل هو الشرع فما وافق الشرع قبلناه وما حاد عنه قليلاً صححناه وما ناقضه رفضناه ولو كان عرفاً يسري في الأمة جميعها ، هذا أهم ما في الدرس ، والأصل هو الشرع ، أهم ما في الدرس هذه الكلمات : ما وافق الشرع من الأعراف والتقاليد قبلناه على العين والرأس وما حاد عنه قليلاً صححناه وما ناقضة رفضناه ولو كان عرفاً يسري في الأمة جميعاً ، هذا شأن المؤمن .
حالياً عندنا بالنسبة للإنسـان ثوابـت غـطاها الإسـلام بالنصوص القطعية ومتغيرات إن لم يأتِ بها نص صريح فالمرجع في هذه المتغيرات العرف ، إليكم شرح ذلك ، قال تعالى :

(سورة البقرة )
كم نعطــي هذه المرضعة ؟ كم أجرها ؟ ألف ، عشرة آلاف ، مائة ألف ، خمسمائة ليرة ، ليرة ، من يحدد هذا المبلغ ؟ العرف ، هذه الآية القرآنية تركت تحديد الأجر إلى العرف ، آية ثانية ، قال تعالى :

(سورة البقرة )
ما قيمة هذه المتعــة للمطلقة ؟ يحددها العرف . لذلك فالقرآن الكريم لو حدد تحديداً جامداً ، وتحديداً صارماً لهلك الناس ، لو قال القرآن الكريم خمس دراهم لهلك الناس ، يعنــي لنا أخوان تزوجوا بالستينات ، كان المتأخر ألفين والمتقدم ثلاثة ، مبلغ جيد يساوي ثمن بيت ، بالستينات كان البيت ثمنه إذا كان ملحقاً أو قبواً ستة آلاف ليرة ، كعرف : فمهـر هذه المرأة يساوي ثمن بيت ، يأتي إنسان متزوج بالستينات يقول لها سوف أعطيك ألفين هل لكِ عندي شيء ؟ ماذا ألفين ؟ لا يكفيها هذا المبلغ يومين فاختلف الأمر فالقرآن لعظمة هذا التشريع لم يحدد المبلغ بل تركه للعرف .
رجل نام فرأى في المنام شيئاً مسعداً كان راتبه خمسة آلاف فرأى في المنام أن راتبه مليون ، أصابه فرح في المنام يفوق حد الخيال ، ثم في المنام طرق الباب فجاء عامل البريد معه فاتورة الهاتف بسبع مائة وخمسين ألفاً فما استفاد شيئاً .
طبيب أسنان جاءه إنسان من الريف فصنع له بدلة ، هذا الريفي عنده سمن وغنم ، وكان قد أحضر معه صفيحة سمن كبيرة من النوع البلدي ، قال له ماشي الحال ، واعتبر هذا الطبيب هذه الصفيحة مقابل بدلة الأسنان ، ثم شاءت الأقدار أن يمتد به العمر إلى ما بعد خمس وعشرين سنة ، فهذه البذلــة تلفت وجاء إلى الطبيب نفسه فقال له اصنع لي بدلة جديدة فقال له ستة آلاف فخرج هذا الريفي من جلده ، وقال له هل معقول ؟ فقال له الطبيب أعطني صفيحة سمنة مرة ثانية وأنا أقبل ، فالأعراف هكذا والأسعار اختلفت .
القرآن الكريم ما حدد مبلغاً بل ترك الأشياء المتغيرة للأعراف ، انظر عظمة التشريع ، هناك أشياء دقيقة في التشريع قد لا ننتبه لها فالله عز وجل حرم الخمر وبين رسوله علة التحريم وهي الإسكار ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال :
" ... كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ... "
) مسلم ـ أبي داود ـ ابن ماجة ـ النسائي ـ أحمد ـ الدارمي )
لأن الله يعلم أن سيكون بعد حين آلاف المشروبات كلها خمر ولكن ليس اسمَها خمر ، ابتكروا مائة اسم للخمر ، لو أنه حرم الخمر من دون تعليل لكان فقط نوع واحد محرم وألف نوع مباح ، فلما جاء بالعلة صار كل مسكر حرام ، دخل فيه الهيروين ، المخدرات ، لأنها تؤدي مفعول الخمر بل وأكثر ، لأنه سوف يكون مخدرات ، أنواع من المشروبات ، أسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، فالعلة التي ذكرها الحديث حسمت الأمر .
ذات مرة كنت في مؤتمر والأمور ماعت جداً ، فقلت لهم إذا كان الأمر كذلك فهناك قيم روحية ، وهناك مشروبات روحية فهل يكون الأمر سواءً ؟ يعني حين تميع الأمور جداً فقد يكــون من الممكن ذات يوم مئات المشروبات كلها خمر فجاءت علة التحريم وهي الإسكار لتحسم الخلاف والتمادي ، لهذا قال عليــه الصلاة والسلام :
" ... كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ... "
وما أسكر كثيره فقليله حرام ، ما أسكر كثيره فملء الفم منه حرام . ما أسكر كثيره فالقطرة منه حرام ، لكن الخنزير حُرم من دون تعليل ، فلن يكون هناك خنازير أخرى في آخر الزمان ، خنزير واحد لا يوجد غيره ، طبعاً هناك إنسان مثل الخنزير هذا موضوع ثان ، أما في الأصل خنزير واحد ، ولا توجد حيوانات سوف تصبح خنازير ، والخنزير واحد، فما جاء مع التحريم علة تبين تحريم لحم الخنزير .
" عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا "
) مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ أبي داود ـ أحمد ـ الدارمي (
ما حدود التفرق ؟ يا ترى إذا خرج من المحل ، أو طرح موضوع آخر ، أو ركب سيارته ، أو سلم عليه ، فالنبي قال : " ... مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ... " أما تحديد مفهوم التفرق ترك للعرف فكل عصر له ظروفه أحياناً يكون اتصال هاتفـي ، انقطع الاتصال وصار إيجاب وقبول بالهاتف ، أو أغلق السماعة ، فما كان من ذكر للهـاتف ، لأنه سيكون . الآن خيار مجلس ، المهم هناك تفـرق ، يا ترى التفرق بخروج الإنسان من المحل وإما بطرح موضوع جديد ، أو بدخول إنسان آخر ، أو بطرح صفقة جديدة ، أو بانقطاع الاتصال الهاتفي ، هذا أيضاً ترك للعرف .

" عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ مِنْهَا يَعْنِي أَجْرًا وَمَا أَكَلَتِ الْعَوَافِي مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ "
) مسلم ـ الترمذي ـ الدارمي )
الإحياء كيف يكون ، ببناء سور ، بحفر بئر ، بزرع نبات ، بإشادة بناء ، من يحدد إحياء الأرض كيف يكـون ؟ العرف ، كل عصر له ترتيـب ، الآن لو أن إنساناً وضـع على قارعة الطريق حاجـة وإنسان أخذها ومشى هل تقطع يده كسارق ، قال العلمــاء : لابد من أن تكون في حرز ، كنت مرة في منطقة اصطياف ، وإنسان وضع على الطـريق برميل ماء ، وضعه والشيء الذي يفهم من ذلك أنه لا يريده ، وضعه على قارعة الطريق ، فجاء إنسان حمله ومشى ، أقام عليه شكوى في المخفر وأحضروه ، لدى الناس جهل كبير ، لما أنت تضع شيئاً على قارعة الطريق وكأنك استغنيت عنه ، فإذا إنسان حمله لا يعد سارقاً ، ليس في حرز ، ما هو الحرز ؟ أيضاً مفهوم الحرز ترك للعرف .
في زماننا : إنسان يشتري بيتاً بمائة مليون ودفع الثمن ، كيف يتم قبض البيت؟ البيت لا يقبض باليد ، قديماً قبل مائة عام يتم قبض البيت بإعطاء المفتاح و ما كان هناك طابو ، الآن فهل تقبل أن تشتـري بيتاً على المفتاح؟ قد يكون عنده خمسون مفتاحاً لهذا البيت ، هذه الأيام لا تقبل إلا بالسجل العقـاري ، هذا هو القبض ، عندما يسمع قاضي السجل العقاري الإقرار والقبول وأنك قبضت الثمن ويقول قبضت الثمن يوافق القاضي على إجراءات البيع بعد عدة أيام يأخذ ورقة التمليك الحقيقية .
ابن مسعود يقول : ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، هذا هو العرف، المسلمون وليس الفسقة منهم ، وقال بعض العلماء : إن العادة مُحَكَّمَةٌ في أمور كثيرة ، أحد طلاب العلم الضعفاء في اللغة قرأ إن العادة مَحْكَمَة ، ما كان يفهم كيف يشرحها ، العادة مُحَكَّمَةٌ في أمور كثيرة ، المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.
اشتريت بيتاً و بعد أن اشتريته ودفعت الثمن جئت إلى البيت فوجدت أنه ليس للنوافذ منجور ، كان هناك على النوافذ منجور فنزعت جميعها ، نوافذ ألمنيوم غالية الثمن ففكها ، يقول له : هل أنت قلت لي أنك تريـد نوافذ معه ، ما هذا الكلام ؟ عُرف البيت مع النوافذ ، قد يختلفون على المكيف لا . فالمكيف لا علاقة له بالبيت ، يختلفون علـى الهاتف ، أما علـى الأبواب فلا يختلفون ، بيـت مع أبواب ، بيت مع نوافذ ، بـيت مـع أباجورات ، فالمعروف عُرفـاً كالمشروط شرطاً .
وقيل التعيين بالعرف كالتعيين بالنص ، والممتنع عادةً كالممتنع حقيقةً، هذا كله عن علاقة الأعراف والتقاليد بهذا الفرع العظيم والعلماء قالوا :
والعرف بالشرع له اعتبار لذا عليه الشرع قد يدار

أيها الأخوة :
رعاية الأعراف والتقاليد نوع من أنواع رعاية مصالح المسلمين لأن الشريعة كما تعلمون مصلحـة كلها ، رحمـة كلها ، حكمة كلها وأية قضية خرجت من المصلحة إلى المفسدة ، ومن العدل إلى الجور ومن الرحمة إلى خلافها فليست من الشريعة في شيء ولو أدخلت عليها ألف تأويل وتأويل .
الآن من مصالح الشريعة المعتبرة أن يقر الإسلام مصلحة المسلمين فيما لا يتعارض مع الشرع ، قال تعالى :

(سورة البقرة )
في زماننا هذا الناس اتفق الناس على أن المهر متقدم ومتأخر ، هذا ليس من الشرع هذا من العرف لكن المقدم مائة ألف ولا يملكها العريس يُكتب المقدم مائة ألف غير مقبوضة دين في ذمتي لا يوجد مشكلة ما دام المسلمين وجدوا هذه مصلحة لهم وفيها تيسير للزواج وحفظ حقوق للزوجة ، جمعنا بين حفظ الحقوق وبين تيسير الزواج فجعلنا بعض المهر مؤخراً يدفع على التراخي ، يقول لك المعجل والمؤجل ، هذا ليس من الشرع ولكن من العرف الذي قبله الشرع .
أعرابي دخل المسجد فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام :
" عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ "
( الترمذي ـ النسائي ـ أبي داود ـ ابن ماجة ـ أحمد )
هذا أصل في الشرع ، الشرع يدور مع التيسير من دون أن يتناقض مع الأمر الإلهي .
وبعد فهذا كلام دقيـق : العرف يعتبـر ويعتد به إن لم يخالف نصاً ثابتاً أو إجماعاً يقينياً ، أو إن لم يكـن من ورائه ضرر خالص أو راجح ، أما العرف المصادم للنصوص الذي يحل حراماً ، أو يبطل واجباً ، أو يقر بـدعةً في دين الله ، أو يشيع فساداً ، أو ضرراً في دنيا الناس فلا اعتبار له إطلاقاً ولا يجوز أن يراعى في تقنين أو فتوى أو قضاء .
هذا أيضاً كلام دقيق هو صلب ما في الدرس ، إذا وافق العرف الشرع على العين والرأس وإن صادم نصاً شرعياً نركله بقدمنا ، والحقيقة المؤلمة ومع الأسف الشديد هناك عشرات الأعراف في بيوت المسلمين ليست من الشرع ، الاختلاط منها ، وإذا الشاب له انتماء لمسجد أراد أن يقيم أمر الله في بيته يقوم عليه الناس ولا يراعونه أبداً بل يقولون له : لا تُفرّقْ العائلة ، هكذا ربينا ، هكذا نشأنا .
يقولون هذا عندنا غير جائزٍ فمن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ
من أنت ؟ أنت مشرّع ، معك وحي ؟ مجتهد ، من أنت ؟ إنسان عادي ، هكذا ربينا ، هكذا ربانا والدنا ، قال تعالى :

(سورة البقرة )
يعني : أمثلة كثيرة ، أكبر أعراف المجتمع الإسلامي التي تسبب فساداً كبيراً الاختلاط ، حدثني أخ : أقرباؤه ذهبوا إلى الساحل مجموعات وكانوا في تكشف ، وتفلت ، قال لي : ثلاثة طلاقات بعد هذه النزهة كل واحد تعلق بزوجة الثاني ، صار نظر وامتلأت العيون من الحـرام وصار اسـتلطاف ، ونفـور نحـوه من زوجته ، الاختلاط أكبر الأعراف التي ينبغي أن نحاربها ، لأنه مظنة و سبب لفساد كبير .
من الأعراف مثلاً ، احتفالات المسلمين في أعراسهم ، و دخول العريس على النساء المدعــوات ، بيوتات مسلمـة يحضـرون في المساجـد يصلـون ، ثم في الأعراس تتكشف نسائهم .
أو أن معملاً يجب أن يصنع دعاية يحضر نساء كاسيات عاريات ويعرضهن لترويج بضاعة ولا ينتبه أنه مسلم .
يقول لك المبيعات ارتفعت ، ولكن أذهبتَ آخرتــك ، أكلُ الربا أصبح من الأعراف يقول لك : هل من المعقول أن أجمد أموالي ؟ لا تجمدها ، جُمدت أنت معها .
أزياء النساء اللواتي يخطرن بها في الأسواق ، يقولون : هكذا الموضة ، من الذي قال ذلك ؟ يعني كأن الموضة آلهة أخرى ، عند كثيرين خوف شديد من أن نخرج على المألـوف ، المألوف منحـرف ، لذلك العظماء هم يقودون البيئة ولا تقودهم البيئة ، العظماء يغيرون في البيئة ولا يتأثرون بالبيئة ، لا يتأثر بالبيئة إلا الرعاع ، يا بني الناس ثلاثة : عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق فاحذر يا كميل أن تكون منهم .
والله حدثني أخ يعمل في شركة طيران ، فإحدى شركات الطيران في المغرب العربي لا أعرف يا ترى مغرب ، أو جزائر ، أو تونس ، لا أعرف وكانت تُقِل رحلة حجاج ، تعطلـت في تونس فأكثر الحجاج و الحاجات سبحـوا في البحر لتمضية الوقت باختلاط ، ما قولك فالسباحة عرف ، نساء ورجال يسبحون في البحر وأنتم حجاج أيضاً ! لأن الحاج إذا حج بمال حرام ناداه منادٍ إذا قال لبيك اللهم لبيك يقال له : لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ، إذا كان في المال شبهة فكيف إذا كانت معصية قائمة ، في الحج ترى نساء بعد طواف الإفاضة وقد ترى المرأة نصف عارية تقريباً ، كيف كنتِ حاجة ؟ الأمور هكذا .
العرف يجب أن ُيَحّجم ، يجب أن ننظر إلى أن هذا العرف إذا صادم نصاً يجب أن نركله بأقدامنا أما إذا توافق مع نص فلا مانع من الأحذية.
الحقيقة : العرف مرجع في حالة دقيقة وهي : كل ما ورد به الشرع مطلقاً ولا ضابط له فيه ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف .

أيها الأخوة :
أختم هذا الدرس بحديث شريف وقد يفهم فهماً بعيداً عن تصوركم يقول عليه الصلاة والسلام :
" عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ "
) أبي داود ـ أحمد ـ ابن ماجة ـ مالك )
من أدق معاني هذا الحديث يعني إذا لم تستحِ من الله في هذا العمل فاصنع ما تشاء ، لا تعبأ بالناس ، تقول له زوجته ازنِ كل يوم بواحدة لكن لا تتزوج عليّ ، الـعرف : أنه ممنـوع أن تتزوج امرأة ثانية هذه كبيـرة ، والزنا لا يوجد به مشكلة ، حينما نخاف من العرف ونعصي الله فنحن في أدنى درجة وفي أبعد ما نكون عن الدين العرف مقبول إذا وافق النص الشرعي ومرفوض إذا صادم نصاً شرعياً ، إذا لم تستحِ من الله فافعل ما تشاء .
لو فرضنـا حالات نادرة ، وأنا لا أشجع على ذلك لأن الإنسان بواحـدة لا يخلص لكن لو فرضنا أن إنساناً زوجته مريضة مرضاً شديداً ولا تصلح كزوجة أبداً ، صار غير محصن هل نسمح له أن ينحرف أم يتزوج ؟ لا . بل نسمح له أن يتزوج ، امرأة لا تنجب يطلقها ؟ لا ، لا تطلقها .عاملها كزوجة محترمة إلى أعلى درجة ، لكن إذا كنت بحاجة ماسة إلى ولد فهذا من حقك أن تتزوج ، الله عز وجل سمح بالتعدد واشترط فيه العـدل ، والإنسان لا يُقبل على هذا ويطبق العدل التام بالتعدد إلا إذا كان مضطراً بمرض أو مشكلة إلى آخره .

حالياً هناك أعراف تصـادم نصوصاً شرعية ، والناس يخضعـون للعرف ولا يخضعون للشرع ، الدرس كما أنتظر هو جواب لسؤال الناس كلهم هكذا ، فهل هم على خطأ ؟ لا تقل الناس كلهم كذلك ، قال تعالى :



(سورة الأنعام )
"عنُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ فَقِيلَ مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ "
) مسند الإمام أحمد )
والإحساس بالغربة إحساس صحي وجيد ، في زمن الفساد ، قال تعالى :

(سورة الكهف )
الكـهف جامعـك ، وبيتك ، ادخل بيتـك وصلّ ، واجلس مع أولادك واقـرأ القرآن ، وكهفك أيضاً جامعك ، قال تعالى :


(سورة الكهف )
فيا أيها الأخوة :
الذي أتمنـاه أن يكون الشرع محكّماً في حياتنـا ، العرف ما وافق الشرع وما خالفه لا يجوز اتباعه ولا العمل به .


والحمد لله رب العالمين







[quote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
 
الموسوعة الشاملة عن الربا ومضاره وحكم الشرائع السماوية والأرضية القديمة فيه .
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أقوال وحكم
» شهر رمضان المبارك
» الإسرائيليات وحكم روايتها
» صورة ..... تعليق ....... وحكم .......!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
» أشعار وحكم الامام الشافعي رحمه الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات صرخة الاقصى :: ##### المنتديات الآسلامية ##### :: منتدى فقة العبادات-
انتقل الى: