منتديات صرخة الاقصى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات صرخة الاقصى

مرحبا بكم في منتديات صرخة الآقصى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فتاوى إمام المفتين " في باب الدماء والجنايات "

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
najat
المشرفة المميزة
المشرفة المميزة
najat


عدد المساهمات : 857
تاريخ التسجيل : 13/12/2009

فتاوى إمام المفتين "  في باب الدماء والجنايات " Empty
مُساهمةموضوع: فتاوى إمام المفتين " في باب الدماء والجنايات "   فتاوى إمام المفتين "  في باب الدماء والجنايات " Emptyالجمعة سبتمبر 17, 2010 6:28 pm

فتاوى إمام المفتين "  في باب الدماء والجنايات " Graaam-468f1af4243



من فتاويه صلى الله عليه وسلم في باب الدماء والجنايات
=============================

سئل صلى الله عليه وسلم عن الآمر والقاتل ، فقال : قسمت النار سبعين جزءاً ، فللآمر تسع وستون ، وللقاتل جزء . [ذكره أحمد] .
وجاءه رجل فقال : إن هذا قتل أخي ، قال : اذهب فاقتله كما قتل أخاك ، فقال له الرجل : اتق الله واعف عني ، فإنه أعظم لأجرك ، وخير لك يوم القيامة ، فخلى عنه ، فأخبر النبي ، فسأله فأخبره بما قال له ، فقال له : أما إنه خير مما هو صانع بك يوم القيامة ، تقول : يا رب سل هذا : فيم قتل أخي .

وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل بآخر قد ضرب ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل ، فأمر له بالدية ، فقال : أريد القصاص ، فقال : خذ الدية بارك الله لك فيها ، ولم يقض له بالقصاص . [ذكره ابن ماجه] .

وأفتى صلى الله عليه وسلم بأنه إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك . [ذكره الدارقطني] .

ورفع إليه صلى الله عليه وسلم يهودي قد رض رأس جارية بين حجرين ، فأمر به أن يرض رأسه بين حجرين . [متفق عليه] .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن شبه العمد مغلظ مثل العمد ، ولا يقتل صاحبه . [ذكره أبو داود] .

وقضى صلى الله عليه وسلم في الجنين يسقط من الضربة بغرة عبد أو أمة . [ذكره أبو داود أيضاً ] .

وقضى صلى الله عليه وسلم في قتل الخطأ شبه العمد بمائة من الإبل : أربعون منها في بطونها أولادها . [ذكره أبو داود] .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن لا يقتل مسلم بكافر . [متفق عليه] .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن لا يقتل الوالد بالولد . [ذكره الترمذي] .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن يعقل المرأة عصبتها من كانوا ولا يرثون عنها ، إلا ما فضل عن ورثتها ، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها ، فهم يقتلون قاتلها . [ذكره أبو داود] .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن الحامل إذا قتلت عمداً لم تقتل ، حتى تضع ما في بطنها ، وحتى تكفل ولدها ، وإن زنت حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل ولدها . [ذكره ابن ماجه] .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن من قتل له قتيل فهو بخير النظرين : إما أن يفدي وإما أن يقتل . [متفق عليه] .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن من أصيب بدم أو خبل ، والخبل : الجراح ، فهو بالخيار بين إحدى ثلاث ، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه ، أن يقتل ، أو يعفو ، أو يأخذ الدية ، فمن فعل شيئاً من ذلك فعاد فإن له نار جهنم خالداً مخلداً أبداً فيها ، يعني قتل بعد عفوه وأخذ الدية ، أو قتل غير الجاني .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن لا يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه . [ذكره أحمد] .

عن الدية
======

وقضى صلى الله عليه وسلم في الأنف إذا أوعب جدعاً بالدية ، وإذا جدعت أرنبته بنصف الدية .

وقضى صلى الله عليه وسلم في العين بنصف الدية خمسين من الإبل ، أو عدلها ذهباً أو ورقاً ، أو مائة بقرة ، أو ألف شاة ، وفي الرجل نصف العقل ، وفي اليد نصف العقل ، والمأمولة ثلث العقل ، والمنقلة خمس عشرة من الإبل ، والموضحة خمس من الإبل ، والأسنان
خمس خمس . [ذكره أحمد] .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن الأسنان سواء : الثنية والضرس سواء [ذكره أبو داود] .

وقضى صلى الله عليه وسلم في دية أصابع اليدين والرجلين بعشر عشر . [صححه الترمذي] .

وقضى صلى الله عليه وسلم في العين العوراء السادة لمكانها إذا طمست بثلث الدية ، وفي اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها . [ذكره أبو داود] .

وقضى صلى الله عليه وسلم في اللسان بالدية ، وفي الشفتين بالدية ، وفي البيضتين بالدية ، وفي الذكر بالدية ، وفي الصلب بالدية ، وفي العينين بالدية ، وفى الرجل الواحدة نصف الدية ، وأن الرجل يقتل بالمرأة . [ذكره النسائي] .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل: ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، وعشرة ابن لبون . [ذكره النسائي] ، وعند أبي داود : عشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون بنت مخاض ، وعشرون بنت لبون ، وعشرون ابن مخاض ذكر .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن من قتل متعمداً دفع إلى أولياء المقتول ، فإن شاءوا قتلوا ، وإن شاءوا أخذوا الدية ، وهي ثلاثون حقة ، وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وما صولحوا عليه فهو لهم . [ذكره الترمذي وحسنه] .
وقضى صلى الله عليه وسلم على أهل الإبل بمائة من الإبل ، وعلى أهل البقر بمائتي بقرة ، وعلى أهل الشاة ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة . [ذكره أبو داود] .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة مثل عقل الرجل ، حتى تبلغ الثلث من ديتها . [ذكره مسلم] .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين . [ذكره النسائي] وعند الترمذي : عقل الكافر نصف عقل المؤمن ، حديث حسن ، يصحح مثله أكثر أهل الحديث .

وعند أبي داود : كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار ، وثمانية آلاف درهم ، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلم ، فلما كان عمر رفع دية المسلمين وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية .
وقضى صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة ضربتها أخرى بغرة عبد أو أمة ، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت ، فقضى صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها ، وأن العقل على عصبتها . [متفق عليه] .

وقضى صلى الله عليه وسلم في امرأتين قتلت إحداهما الأخرى ولكل منهما زوج بالدية على عاقلة القاتلة ، وميراثها لزوجها وولدها ، فقال عاقلة المقتولة : ميراثها لنا يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا ، ميراثها لزوجها وولدها [ذكره أبو داود] .
وجاءه صلى الله عليه وسلم عبد صارخ فقال : مالك ؟ قال : سيدي رآني أقبل جارية له ، فجب مذاكيري ، فقال : علي بالرجل ، فطلب فلم يقدر عليه فقال : اذهب فأنت حر ، قال : على من نصرتي يا رسول الله ؟ قال : على كل مؤمن ، أو مسلم . [ذكره ابن ماجه] .

وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبطال دية العاض لما انتزع المعضوض يده من فيه ، فأسقط ثنيته . [متفق عليه] .

وقضى صلى الله عليه وسلم بأن من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فخذفوه ففقؤوا عينه بأنه لا جناح عليهم . [متفق عليه].

وعند مسلم : فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه ، وعند الإمام أحمد في هذا الحديث : فلا دية له ولا قصاص .

وقضى صلى الله عليه وسلم أنه لا دية في المأمومة ولا الجائفة ولا المنقلة [ذكره ابن ماجه] .

وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل يقود آخر بنسعة ، فقال: هذا قتل أخي ، فقال: كيف قتلته؟ قال: كنت أنا وهو نحتطب من شجرة، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه ، فقتلته ، فقال : هل لك من شيء تؤديه عن نفسك ؟ قال : مالي إلا كسائي وفأسي ، قال : فترى قومك يشترونك ؟ قال : أنا أهون على قومي من ذلك ، فقال : دونك صاحبك ، فانطلق به ، فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن قتله فهو مثله ، فرجع فقال : يا رسول الله بلغني أنك قلت : إن قتله فهو مثله ، وأخذته بأمرك ، فقال : أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك ؟ قال : يا نبي الله بلى ، فرمى بنسعته ، وخلى سبيله [ذكره مسلم] .

وقد أشكل هذا الحديث على من لم يحط بمعناه ، ولا إشكال فيه ، فإن قوله صلى الله عليه وسلم : إن قتله فهو مثله ، لم يرد به أنه مثل في الإثم ، وإنما عنى به أنه إن قتله لم يبق عليه إثم القتل ، لأنه قد استوفى منه في الدنيا ، فيستوي هو والولي في عدم الإثم ، أما الولي فإنه قتله بحق ، وأما هو فلكونه قد اقتص منه ، وأما قوله : تبوء بإثمك وإثم صاحبك ، فإثم الولي مظلمته بقتل أخيه ، وإثم المقتول إراقة دمه ، وليس المراد أنه يحمل خطاياك وخطايا أخيك ، والله أعلم .

وهذه غير قصة الذي دفع إليه وقد قتل ، فقال : والله ما أردت قتله ، فقال : أما إنه إن كان صادقاً فقتلته دخلت النار ، فخلاه الرجل ، صححه الترمذي ، وإن كانت هي القصة فتكون هذه علة كونه إن قتله فهو مثله في المأثم ، والله أعلم .

عن القسامة
========

وأقر صلى الله عليه وسلم القسامة على ما كانت عليه قبل الإسلام ، وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود . [ذكره مسلم] .

وقضى صلى الله عليه وسلم في شأن محيصة بأن يقسم خمسون من أولياء القتيل على رجل من المتهمين به ، فيدفع برمته إليه ، فأبوا ، فقال : تبرئكم يهود بأيمان خمسين ، فأبوا ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائة من عنده [متفق عليه].

وعند مسلم : بمائة من إبل الصدقة ، وعند النسائي : فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته عليهم ، وأعانهم بنصفها .
وقضى صلى الله عليه وسلم أنه : لا تجني نفس على أخرى ، ولا يجني والد على ولده ، ولا ولد على والده . والمراد : أنه لا يؤخذ بجنايته ، فلا تزر وازرة وزر أخرى .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن : من قتل في عمياً أو رمياً لكونه بينهم بحجر أو سوط فعقله عقل خطأ، ومن قتل عمداً فقود يديه ، فمن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . [ذكره أبو داود] .

وقضى صلى الله عليه وسلم : أن المعدن جبار ، والعجماء جبار ، والبئر جبار . [متفق عليه] .

وفي قوله : المعدن جبار قولان ، أحدهما : أنه إذا استأجر من يحفر له معدناً فسقط عليه فقتله فهو جبار ، ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله : البئر جبار والعجماء جبار .
والثاني : أنه لا زكاة فيه ، ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله : وفي الركاز الخمس ، ففرق بين المعدن والركاز ، فأوجب الخمس في الركاز ، لأنه مال مجموع يؤخذ بغير كلفة ولا تعب ، وأسقطها عن المعدن ، لأنه يحتاج إلى كلفة وتعب في استخراجه ، والله أعلم .


في حد الزنى

وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال : إن ابني كان عسيفاً على هذا ، فزنى بامرأته ، فافتديت منه بمائة شاة وخادم ، وإنى سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وأن على امرأة هذا الرجم ، فقال : والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، المائة والخادم رد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، واغد يا أنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها ، فاعترفت فرجمها . [متفق عليه] .

وقضى صلى الله عليه وسلم فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد عليه . [ذكره البخاري] .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن الثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم ، والبكر بالبكر جلد مائة ثم نفي سنة . [ذكره مسلم] .

وجاءه اليهود فقالوا: إن رجلاً منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم : ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟ فقالوا : نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام : كذبتم إن فيها الرجم ، فأتوا بالتوراة فنشروها ، فوضع أحدهم يده على آية الرجم ، فقرأ ما بعدها وما قبلها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك فرفع يده فإذا آية الرجم ، فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما فرجما . [متفق عليه] .

ولأبي داود أن رجلاً منهم وامرأة زنيا ، فقالوا : اذهبوا به إلى هذا النبي ، فإنه بعث بالتخفيف ، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها منه ، واحتججنا بها عند الله ، وقلنا : إنها فتيا نبي من أنبيائك ، فأتوه وهو جالس في المسجد في الصحابة ، فقالوا : يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا ؟ فلم يكلمهم بكلمة حتى أتى بيت مدراسهم ، فقام على الباب فقال : أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن ؟ قالوا : يحمم ويجبه ويجلد ، والتجبية : أن يحمل الزانيان على حمار ، وتقابل أقفيتهما ، ويطاف بهما ، فسكت شاب منهم ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت نظر إليه وأنشده فقال : اللهم إذ أنشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فما أول ما ارتخصتم أمر الله ؟ قال : زنى ذو قرابة ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ، ثم زنى رجل في أسرة من الناس ، فأراد رجمه ، فحال قومه دونه ، وقالوا : لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه ، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فإني أحكم بما في التوراة ، فأمر بهما فرجما .
وعند أبي داود أيضاً أنه دعا بالشهود ، فجاءه أربعة ، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة .

وسأله صلى الله عليه وسلم ماعز بن مالك أن يطهره ، وقال : إني قد زنيت ، فأرسل إلى قومه : هل تعلمون بعقله بأساً تنكرون منه شيئاً؟ قالوا : ما نعلمه إلا أوفى العقل من صالحينا فيما نرى ، فأقر أربع مرات ، فقال له في الخامسة : أنكتها ؟ قال : نعم ، قال : حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ؟ قال : نعم . قال : كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟ قال : نعم ، قال : فهل تدري ما الزنى؟ قال : نعم أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً ، قال : فما تريد بهذا القول ؟ قال: أريد أن تطهرني، فأمر رجلاً فاستنكهه ، ثم أمر به فرجم ، ولم يحفر له ، فلما وجد مس الحجارة فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل ، فضربه وضربه الناس حتى مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هلا تركتموه وجئتموني به .

وفي بعض طرق هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم قال له : شهدت على نفسك أربع مرات ، اذهبوا به فارجموه .
وفي بعضها : فلما شهد على نفسه أربع مرات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبك جنون ؟ قال : لا، قال : هل أحصنت ؟ قال : نعم ، قال : فاذهبوا به فارجموه .

وفي بعض طرقها أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه : انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه ، حتى رجم رجم الكلب ، فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجليه ، فقال : أين فلان وفلان ؟ فقالا : نحن ذاك يا رسول الله ، فقال : انزلا وكلا من جيفة هذا الحمار ، فقالا : يا نبي الله من يأكل هذا ؟ قال : فما نلتما من عرض أخيكما آنفاً أشد أكلاً منه ، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها .

وفي بعض طرقها أنه صلى الله عليه وسلم قال له : لعلك رأيت في منامك ، لعلك استكرهت ، وكل هذه الألفاظ صحيحة .

وفي بعضها أنه أمر فحفرت له حفيرة ، [ذكره مسلم] ، وفي غلط ، من رواية بشير ابن المهاجر ، وإن كان مسلم قد روى له في الصحيح ، فالثقة قد يغلط على أن أحمد وأبا حاتم الرازي قد تكلما فيه ، وإنما حصل إليهما من حفرة الغامدية ، فسرى إلى ماعز ، والله أعلم .

وجاءته صلى الله عليه وسلم الغامدية ، فقالت : إني قد زنيت فطهرني ، وإنه رددها ، فقالت : ترددني كما رددت ماعزاً فوالله إني لحبلى ، فقال : اذهبي حتى تلدي ، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة ، فقالت : هذا قد ولدته ، فقال : اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه ، فلما فطمته أتته به وفي يده كسرة من خبز ، فقالت : هذا قد فطمته وأكل الطعام ، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها ، وأمر الناس فرجموها ، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجهه ، فسبها ، فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها ، فقال : مهلاً يا خالد ، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ، ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت . [ذكره مسلم] .

وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل ، فقال : يا رسول الله ، إني أصبت حداً فأقمه علي ، ولم يسأله عنه ، وحضرت الصلاة ، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام إليه الرجل فقال : يا رسول الله إني أصبت حداً فأقم في كتاب الله ، قال : أليس قد صليت معنا ؟ قال : نعم ، قال : فإن الله قد غفر لك ذنبك ، أو قال حدك . [متفق عليه] .

وقد اختلف في وجه هذا الحديث ، فقالت طائفة : أقر بحد لم يسمه فلم يجب على الإمام استفصاله ، ولو سماه لحده كما حد ماعزاً ، وقالت طائفة : بل غفر الله له بتوبته ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وعلى هذا فمن تاب من الذنب قبل القدرة عليه سقطت عنه حقوق الله تعالى كما تسقط عن المحارب ، وهذا هو الصواب .

وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال : أصبت من امرأة قبلة ، فنزلت : وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل ، إن الحسنات يذهبن السيئات ، ذلك ذكرى للذاكرين 'هود : 114 ' ، فقال الرجل : ألي هذه ؟ فقال : بل لمن عمل بها من أمتي . [متفق عليه] .
وقد استدل به من يرى أن التعزير ليس بواجب ، وإن للإمام إسقاطه ، ولا دليل فيه ، فتأمله .

وخرجت امرأة تريد الصلاة ، فتجللها رجل فقضى حاجته منها ، فصاحت ، وفر ، ومر عليها غيره فأخذوه ، فظنت أنه هو وقالت : هذا الذي فعل بي ، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر برجمه ، فقام صاحبها الذي وقع عليها ، فقال : أنا صاحبها ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : اذهبي فقد غفر الله لك ، وقال للرجل قولاً حسناً ، فقالوا : ألا ترجم صاحبها ؟ فقال : لا، لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم . [ذكره أحمد وأهل السنن] ، ولا فتوى ولا حكم أحسن من هذا .
فإن قيل : كيف أمر برجم البريء ؟
قيل : لو أنكر لم يرجمه ، ولكن لما أخذ وقالت : هو هذا ، ولم ينكر ولم يحتج عن نفسه ، فاتفق مجئ القوم به في صورة المريب ، وقول المرأة هذا هو ، وسكوته سكوت المريب ، وهذه القرائن أقوى من قرائن حد المرأة بلعان الرجل وسكوتها ، فتأمله .


تأثير اللوث في الدماء وغيرها

================

وللوث تأثير في الدماء والحدود والأموال : أما الدماء ففي القسامة ، وأما الحدود ففي اللعان، وأما الأموال ففي قصة الوصية في السفر ، فإن الله تعالى حكم بأنه إن اطلع على أن الشاهدين والوصيين ظلماً وغدراً أن يحلف اثنان من الورثة على استحقاقهما ،
ويقضي لهم ، وهذا هو الحكم الذي لاحكم غيره ، فإن اللوث إذا أثر في إراقة الدماء وإزهاق النفوس وفي الحدود فلأن يعمل به في المال بطريق الأولى والأحرى ، وقد حكم به نبي الله سليمان بن داود في النسب مع اعتراف المرأة أنه ليس بولدها ، بل هو ولد الأخرى ، فقال لها : هو ابنك . ومن تراجم النسائي على قصته : التوسعة للحاكم أن يقول للشيء الذي لا يفعله : أفعل كذا ليستبين به الحق ، ثم ترجم عليه ترجمة أخرى فقال : الحكم بخلاف ما يعترف به المحكوم عليه إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به ، وهذا هو العلم استنباطاً ودليلاً ، ثم ترجم عليه ترجمة ثالثة فقال : نقض الحاكم ما حكم به من هو مثله أو أجل منه .

قلت : وفيه رد لقول من قال : يكون بينهما إجراء للنسب مجرى المال ، وفيه أن حكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته في الباطن، وفيه نوع لطيف شريف عجيب من أنواع العلم النافع ، وهو الاستدلال بقدر الله على شرعه ، فإن سليمان عليه السلام استدل بما قدره الله وخلقه في قلب الصغرى من الرحمة والشفقة بحيث أبت أن يشق الولد ، على أنه ابنها ، وقوى هذا الاستدلال رضى الأخرى ، بأن يشق الولد ، وقالت : نعم شقه ، وهذا قول لا يصدر من أم ، وإنما يصدر من حاسد يريد أن يتأسى بصاحب النعمة في زوالها عنه كما زالت عنه هو ، ولا أحسن من هذا الحكم وهذا الفهم ، وإذا لم يكن مثل هذا في الحاكم أضاع حقوق الناس ، وهذه الشريعة الكاملة طافحة بذلك .


الرأي في العمل بالسياسة

==================
وجرت في ذلك مناظرة بين أبي الوفاء بن عقيل وبين بعض الفقهاء ، فقال ابن عقيل : العمل بالسياسة هو الحزم ، ولا يخلو منه إمام ، وقال الآخر : لا سياسة إلا ما وافق الشرع ، فقال ابن عقيل : السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد ، وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي ، فإن أردت بقولك : لا سياسة إلا ما وافق الشرع ، أي : لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح ، وإن أردت ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة ، فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحده عالم بالسير ، ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف كان رأياً اعتمدوا فيه على مصلحة ، وكذلك تحريق علي كرم الله وجهه الزنادقة في الأخاديد ، ونفي عمر نصر ابن حجاج .

قلت : هذا موضع مزلة أقدام ، ومضلة أفهام ، وهو مقام ضنك في معترك صعب ، فرط فيه طائفة ، فعطلوا الحدود ، وضيعوا الحقوق ، وجرؤوا أهل الفجور على الفساد ، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد ، وسدوا على أنفسهم طرقاً صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل ، وعطلوا مع علمهم وعلم الناس بها أنها أدلة حق ، ظناً منهم منافاتها لقواعد الشرع ، والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها ، فلما رأى ولاة الأمر ذلك ، وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء من الشريعة فأحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها مصالح العالم ، فتولد من تقصير أولئك في الشريعة وإحداث هؤلاء ما أحدثوا من أوضاع سياستهم شر طويل ، وفساد عريض ، وتفاقم الأمر ، وتعذر استدراكه . وأفرط فيه طائفة أخرى فسوغت منه ما يناقض حكم الله ورسوله ، وكلا الطائفتين أتيت من قبل تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله ، فإن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط ، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض ، فإذا ظهرت أمارات الحق ، وقامت أدلة العقل ، وأسفر صبحه بأي طريق كان ، فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره ، والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر ، بل بين بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط ، فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها ، والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها ، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد ، ولكن نبه بما شرعه من الطرق على أسبابها وأمثالها ، ولن تجد طريقاً من الطرق المثبتة للحق إلا وهي شرعة وسبيل للدلالة عليها ، وهل يظن بالشريعة الكاملة خلاف ذلك ؟ .

السياسة العادلة جزء من أجزاء الشريعة
=======================
ولا نقول : إن السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة ، بل هي جزء من أجزائها وباب من أبوابها ، وتسميتها سياسة أمر اصطلاحي ، وإلا فإذا كانت عدلاً فهي من الشرع ، فقد حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم في تهمة ، وعاقب في تهمة لما ظهرت أمارات الريبة على المتهم ، فمن أطلق كل منهم وخلى سبيله أو حلفه مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض ونقب الدور وتواتر السرقات - ولا سيما مع وجود المسروق معه - وقال : لا آخذه إلا بشاهدي عدل أو إقرار اختيار وطوع ، فقوله مخالف للسياسة الشرعية ، وكذلك منع النبي صلى الله عليه وسلم الغال من الغنيمة سهمه ، وتحريق الخلفاء الراشدين متاعه ، ومنع المسئ على أمين سلب قتيله ، وأخذه شطر مال مانع الزكاة ، وإضعافه الغرم على سارق ما لا قطع فيه ، وعقوبته بالجلد ، وإضعافه الغرم على كاتم الضالة ، وتحريق عمر بن الخطاب حانوت الخمار ، وتحريقه قرية يباع فيها الخمر ، وتحريقه قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن رعيته ، وحلقه رأس نصر بن حجاج ونفيه ، وضربه صبيغاً بالدرة لما تتبع المتشابه فسأل عنه ، إلى غير ذلك من السياسة التي ساس بها الأمة فسارت سنة إلي يوم القيامة ، وإن خالفها من خالفها ، ولقد حد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الزنى بمجرد الحبل ، وفي الخمر بالرائحة والقيء ، وهذا هو الصواب ، فإن دليل القيء والرائحة والحبل على الشرب والزنى أولى من البينة قطعاً ، فكيف يظن بالشريعة إلغاء أقوى الدليلين .

ومن ذلك تحريق الصديق اللوطي ، وإلقاء أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه له من شاهق على رأسه .
ومن ذلك تحريق عثمان المصاحف المخالفة للمصحف الذي جمع الناس عليه ، وهو الذي بلسان قريش .
ومن ذلك تحريق الصديق الفجاءة السلمي .

ومن ذلك اختيار عمر رضي الله عنه للناس إفراد الحج وأن يعتمروا في غير أشهر الحج ، فلا يزال البيت الحرام معموراً بالحجاج والمعتمرين .

ومن ذلك منع عمر رضي الله عنه الناس من بيع أمهات الأولاد ، وقد باعوهن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه .

ومن ذلك إلزامه بالطلاق الثلاث لمن أوقعه بفم واحد عقوبة له كما صرح هو بذلك ، وإلا فقد كان على عهد رسول لله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارته هو يجعل واحدة ، إلى أضعاف ذلك من السياسات العادلة التي ساسوا بها الأمة ، وهي مشتقة من أصول الشريعة وقواعدها .

تقسيم الدين إلى شريعة وسياسة أو إلى شريعة وحقيقة
==============================
وتقسيم بعضهم طرق الحكم إلى شريعة وسياسة كتقسيم غيرهم الدين إلى شريعة وحقيقة ، وكتقسيم آخرين الدين إلى عقل ونقل ، وكل ذلك تقسيم باطل ، بل السياسة والحقيقة والطريقة والعقل كل ذلك ينقسم إلى قمسين : صحيح وفاسد ، فالصحيح قسم من أقسام الشريعة لا قسيم لها ، والباطل ضدها ومنافيها ، وهذا الأصل من أهم الأصول وأنفعها ، وهو مبني على حرف واحد ، وهو عموم رسالته صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم ، وأنه لم يحوج أمته إلى أحد بعده ، وإنما حاجتهم إلى من يبلغهم عنه ما جاء به ، فلرسالته عمومان محفوظان لا يتطرق إليهما تخصيص : عموم بالنسبة إلى المرسل إليهم ، وعموم بالنسبة إلى كل ما يحتاج من بعث إليه من أصول الدين وفروعه ، فرسالته كافية شافية عامة ، لا تحوج إلى سواها ، ولا يتم الإيمان به إلا بإثبات عموم رسالته في هذا وهذا ، فلا يخرج أحد من المكلفين عن رسالته ، ولا يخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه الأمة في علومها وأعمالها عما جاء به .

لم يتوف الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وذكر من كل شئ علماً

وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر للأمة منه علماً ، وعلمهم كل شيء حتى آداب التخلي وآداب الجماع والنوم والقيام والقعود ، والأكل والشرب ، والركوب والنزول ، والسفر والإقامة ، والصمت والكلام ، والعزلة والخلطة ، والغنى والفقر ، والصحة والمرض ، وجميع أحكام الحياة والموت . ووصف لهم العرش والكرسي والملائكة والجن والنار والجنة ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي عين .

وعرفهم معبودهم وإلههم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله .
وعرفهم الأنبياء وأممهم وما جرى لهم وما جرى عليهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم ، وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يعرفه نبي لأمته قبله .

عرفهم صلى الله عليه وسلم من أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما لم يعرف به نبي غيره .

وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع فرق أهل الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه حاجة من بعده ، اللهم إلا إلى من يبلغه إياه ويبينه ويوضح منه ما خفي عليه .
وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من مكائد الحروب ولقاء العدو ، وطرق النصر والظفر ما لو علموه وعقلوه ورعوه حق رعايته لم يقم لهم عدو أبداً .

وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من مكايد إبليس وطرقه التي يأتيهم منها وما يتحرزون به من كيده ومكره وما يدفعون به شره ما لا مزيد عليه .

وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من أحوال نفوسهم وأوصافها ودسائسها وكمائنها ما لا حاجة لهم معه إلى سواه ، وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من أمور معايشهم ما لو علموه وعملوه لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة .

جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بخير الدنيا والآخرة
==============================

وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته ، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه ، فكيف يظن إن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها ، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها ؟ ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده ، وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك وقلة نصيبه من الفهم الذي وفق الله له أصحاب نبيه الذين اكتفوا بما جاء به ، واستغنوا به عما سواه ، وفتحوا به القلوب والبلاد ، وقالوا : هذا عهد نبينا إلينا وهو عهدنا إليكم ، وقد كان عمر رضي الله عنه يمنع من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن ، فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم وزبد أفكارهم وزبالة أذهانهم عن القرآن والحديث؟ فالله المستعان .

وقد قال الله تعالى : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون 'العنكبوت : 51' وقال تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين 'النحل : 89 ' وقال تعالى : يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين ' يونس : 57 ' وكيف يشفي ما في الصدور كتاب لا يفي وهو ما تبينه السنة بعشر معشار الشريعة ؟ أم كيف يشفي ما في الصدور كتاب لا يستفاد منه اليقين في مسألة واحدة من مسائل معرفة الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ؟ أو عامتها ظواهر لفظية دلالتها موقوفة على انتفاء عشرة أمور لا يعلم انتفاؤها ، سبحانك هذا بهتان عظيم ! .

ويا لله العجب ! كيف كان الصحابة والتابعون قبل وضع هذه القوانين التي أتى الله بنيانها من القواعد وقبل استخراج هذه الآراء والمقاييس والأوضاع ؟ أهل كانوا مهتدين مكتفين بالنصوص أم كانوا على خلاف ذلك ؟ حتى جاء المتأخرون فكانوا أعلم منهم وأهدى وأضبط للشريعة منهم وأعلم بالله وأسمائه وصفاته وما يجب له وما يمتنع عليه منهم ؟ فوالله لأن يلقى الله عبده بكل ذنب ما خلا الإشراك لخير من أن يلقاه بهذا الظن الفاسد والاعتقاد الباطل .

من كلام الإمام أحمد في السياسة الشرعية
=======================
وهذه نبذة يسيرة من كلام الإمام أحمد رحمه الله في السياسة الشرعية :
قال في رواية المروزي وابن منصور : والمخنث ينفى ، لأنه لا يقع منه إلا الفساد والتعرض له ، وللإمام نفيه إلى بلد يأمن فساد أهله ، وإن خاف به عليهم حبسه .

وقال في رواية حنبل ، فيمن شرب خمراً في نهار رمضان ، أو أتى شيئاً نحو هذا : أقيم الحد عليه ، وغلظ عليه مثل الذي يقتل في الحرم دية وثلث .
وقال في رواية حرب : إذا أتت المرأة المرأة تعاقبان وتؤدبان .

وقال أصحابنا : إذا رأى الإمام تحريق اللوطي بالنار فله ذلك ، لأن خالد ابن الوليد كتب إلى أبي بكر رضي الله عنه أنه وجد في بعض نواحي العرب رجلاً ينكح كما تنكح المرأة، فاستشار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، وكان أشدهم قولاً ، فقال : إن هذا الذنب لم تعص الله به أمة من الأمم إلا واحدة ، فصنع الله بهم ما قد علمتم ، أرى أن يحرقوه بالنار ، فأجمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقوه بالنار ، فكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد رضي الله عنهما بأن يحرقوا ، فحرقهم ، ثم حرقهم ابن الزبير ، ثم حرقهم هشام بن عبد الملك .

ونص الإمام أحمد رضي الله عنه فيمن طعن على الصحابة أنه قد وجب على السلطان عقوبته ، وليس للسلطان أن يعفو عنه ، بل يعاقبه ويستتيبه ، فإن تاب وإلا أعاد العقوبة .

وصرح أصحابنا في أن النساء إذا خيف عليهم المساحقة حرم خلوة بعضهن ببعض ، وصرحوا بأن من أسلم وتحته أختان فإنه يجبر على اختيار إحداهما ، فإن أبى ضرب حتى يختار .
قالوا : وهكذا كل من وجب عليه حق فامتنع من أدائه ، فإنه يضرب حتى يؤديه .
وأما كلام مالك وأصحابه في ذلك فمشهور .

وأبعد الناس من الأخذ بذلك : الشافعي رحمه الله تعالى ، مع أنه اعتبر قرائن الأحوال في أكثر من مائة موضع ، وقد ذكرنا منها كثيراً في غير هذا الكتاب . منها جواز وطء الرجل المرأة ليلة الزفاف ، وإن لم يرها ولم يشهد عدلان أنها امرأته ، بناء على القرائن ، ومنها قبول الهدية التي يوصلها إليه صبي أو عبد أو كافر ، وجواز أكلها والتصرف فيها ، وإن لم يشهد عدلان أن فلاناً أهدى لك كذا ، بناء على القرائن ، ولا يشترط تلفظ الرسول بفلظ الهبة والهدية . ومنها جواز تصرفه في بابه بقرع حلقته ودقه عليه ، وإن لم يستأذنه في ذلك . ومنها استدعاء المستأجر للدار والبستان لمن شاء من أصحابه وضيوفه وإنزالهم عنده مدة ، وإن لم يستأذنه نطقاً ، وإن تضمن ذلك تصرفهم في منفعة الدار وإشغالهم الكنيف وإضعافهم السلم ونحوه ، ومنها جواز الإقدام على الطعام إذا وضعه بين يديه وإن لم يصرح له بالإذن لفظاً . ، ومنها جواز شربه من الإناء وإن لم يقدمه إليه ولا يستأذنه ، ومنها جواز قضاء حاجته في كنيفه وإن لم يستأذنه ، ومنها جواز الاستناد إلى وسادته ، ومنها أخذ ما ينبذه رغبة عنه من الطعام وغيره ، وإن لم يصرح بتمليكه له . ومنها انتفاعه بفراش زوجته ولحافها ووسادتها وآنيتها ، وإن لم يستأذنها نطقاً ، إلى أضعاف أضعاف ذلك .

وهل السياسة الشرعية إلا من هذا الباب ، وهي الاعتماد على القرائن التي تفيد القطع تارة والظن الذي هو أقوى من ظن الشهود بكثير تارة ؟ وهذا باب واسع ، وقد تقدم التنبيه عليه مراراً ، ولا يستغني عنه المفتي والحاكم .




===================

فتاوى إمام المفتين "  في باب الدماء والجنايات " Graaam-4739b5535bd
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فتاوى إمام المفتين " في باب الدماء والجنايات "
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فتاوى إمام المفتين ورسول رب العالمين محمد صلى الله عليه وسلم" فتاوى متعلقة بالصلاة "
»  فتاوى إمام المفتين " في الجهاد"
»  فتاوى إمام المفتين " في الطب"
» فتاوى إمام المفتين " في الأطعمة والاشربة"
»  فتاوى إمام المفتين " في الأيمان والنذور "

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات صرخة الاقصى :: ##### المنتديات الآسلامية ##### :: منتدى الأحكام الفقهية-
انتقل الى: