موضوع: مس المصحف من دون طهارة الأحد مارس 07, 2010 6:45 pm
مس المصحف من دون طهارة ========================= الشيخ عبد الرحمن السحيم
- هل يجوز مس المصحف من دون طهارة ؟ هل يجوز مس المصحف من دون طهارة ؟ حيث إن لدينا مدرس يقول: يجوز أن تمس غلاف المصحف وحواف صفحاته من غير وضوء , ولكن إذا أردت أن تمس الآيات فعليك بالوضوء .
قراءة المُحـدِث للقرآن
لا يوجد دليل صحيح صريح في منع المُحدِث من قراءة القرآن ، ولا من مسّ المصحف ، سواء كان حدثا أصغر أم أكبر . أما الاستدلال بعموم قوله تعالى : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) فليس بصواب – والله أعلم – ذلك أن الآية مرتبطة بما قبلها فإن الله تبارك وتعالى قال في سياق الآيات : ( إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) فالذي في الكتاب المكنون هو مافي اللوح المحفوظ ، وقد تكرر وصف القرآن بذلك . قال الله جل جلاله : (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) هذا من ناحية . ومن ناحية أخرى فإن المقصود بـ(الْمُطَهَّرُونَ) هم الملائكة . وأما البشر فإنهم لا يُطلق عليهم ( مطهّرون )لأنهم يتطهرون ولذا قال الله عز وجل في شأن البشر (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وقال في أهل قباء : (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) وقال في شأن النساء : (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) فالناس يتطهّرون ، ولا يُوصفون بأنهم ( مُطهّرون )
قال ابن عباس : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) قال : الكتاب الذي في السماء . وقال مرة : يعني الملائكة . وكذا ورد عن ابن مسعود حيث قال : هو الذكر الذي فيالسماء لا يمسه إلا الملائكة قال قتادة : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) قال : لايمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافقالرجس ، وقال : وهي في قراءة ابن مسعود ( ما يمسه إلا المطهرون ) وقال أبو العالية ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) قال : ليس أنتم . أنتم أصحاب الذنوب . قال الإماممالك أحسن ما سمعت في هذه الآية : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) إنما هي بمنـزلة هذهالآية التي في عبس وتولى ؛ قول الله تبارك وتعالى : (كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ).
إذاً سقط الاستدلال بالآية على منع المُحدث حدثا أصغر أو أكبر من مس المصحف. وهنا مسألة ، وهي : ينبغي التفريق بين مس المصحف ، وبين قراءة القرآن .
وبقي الاستدلال ببعض الأحاديث التي استدل بها مَن منع الحائض أو الجُـنُـب من قراءة القرآن ، أو منع غير المتوضئ من مسّ المصحف . فقد استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ، ولا يحجزه - وربما قال - ولا يحجبه عن ذلك شيء ليس الجنابة . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد والشيخان لم يحتجا بعبد الله بن سلمة فمدار الحديث عليه ، وعبد الله مطعون فيه . ورواه ابن الجارود في المنتقى ، وقال : قال يحيى : وكان شعبة يقول في هذا الحديث : نعرف وننكر . يعني أن عبد الله بن سلمة كان كبر حيث أدركه عمرو . وأطال الشيخ أبو إسحاق الحويني في تخريجه وذكر طُرقه ، وذلك في غوث المكدود بتخريج منقى ابن الجارود ( ح 94 ) ، ورجّح ضعفه . ومن قبله الشيخ الألباني – رحمه الله – فقد أطال في تخريجه والكلام عليه في الإرواء ( ح 485 ) ثم إن هذا الحديث لو صـح فإنه لا يدل على المنع ؛ لأنه حكاية فعل ، وحكاية الفعل المُجرّد لا يدل على المنع ولا يدل على الوجوب .
قال ابن حجر : قال ابن خزيمة : لا حجة في هذا الحديث لمن منع الجنب من القراءة ؛ لأنه ليس فيه نهي ، وإنما هي حكاية فعل . اهـ .
ومع أنه حكاية فعل إلا أنه حديث ضعيف لا تقوم به حُجّـة .
ومما استدلوا به أيضا حديث علي رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ، ثم قرأ شيئا من القرآن ، ثم قال : هكذا لمن ليس بجُـنب ، فأما الجنب فلا ولا آية . رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والضياء في المختارة ، وضعفه الشيخ الألباني في الإرواء . الموضع السابق .
إذا ليس هناك حديث صحيح صريح في منع المُحدِث من قراءة القرآن ، سواء كان حدثا أكبر أو أصغر .
ثم إن البراءة الأصلية تقتضي عدم منعالجنب أو الحائض من مس المصحف أو من قراءة القرآن ، إذ الأصل عدم التكليف .
وهذه المسألة مما تعمّ به البلوى ، أعني الجنابة والحيض ، ومع ذلك لم يردحديث واحد صحيح في منع الجنب أو الحائض في قراءة القرآن .
قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - : وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليلبأقل إثماً ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام ، فالكل إما من التقوّل على اللهتعالى بما لم يَـقـُـل ، أو من إبطـال مـا قـد شرعـه لعباده بلا حُجـة . اهـ .
ومذهب جماعة من السلف جواز قراءة الجُنب للقرآن ، إذ أن الجنابة والحيض مما تعمّ به البلوى ، ومع ذلك لم يرِد النهي عن القراءة في هذه الأحوال ، فعُلِم أنه مما عُفيَ عنه ، وبقي على أصله من عدم تأثيم قارئ القرآن في هذه الأحوال .
ولذا بوّب البخاري - رحمه الله - باباً في الصحيح فقال : تقضي الحائضالمناسك كلها إلا الطواف بالبيت . وقال إبراهيم : لا بأس أن تقرأ الآية ، ولم يَــرَابن عباس بالقراءة للجنب بأسا .
قال ابن حجر في توجيه التبويب : والأحسن ماقاله ابن رشيد تبعا لابن بطال وغيره : إن مراده الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنببحديث عائشة رضي الله عنها ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يَستثن من جميع مناسك الحجإلا الطواف ، وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة ، وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبيةودعاء ، ولم تمنع الحائض من شيء من ذلك ، فكذلك الجنب لأن حدثها أغلظ من حدثه .انتهى .
ولما سُئل سعيد بن جبير : يقرأ الحائض والجنب ؟ قال : الآية والآيتين .
وهذا الذي رجّحه الشيخ الألباني - رحمه الله - ومن قبله الشوكاني . بل إن الشيخ الألباني - رحمه الله - يرى جواز قراءة الجنب للقرآن ، وأنه لا يوجد دليل صحيحيمنع الجنب من قراءة القرآن ، وإن كان الأولى أن يُقرأ القرآن على طهارة كاملة . وقد ناقش الشيخ الألباني - رحمه الله - هذه المسألة في تمام المنة . ص 107 -118 ورجّح أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن حزم : لا يمس القرآن إلا طاهر. أن المقصود بـ ( الطاهر ) المؤمن . والمشرك نجس بنص القرآن ، والمؤمن طاهر بنص قوله صلى الله عليه وسلم : المؤمن لا ينجس . متفق عليه . قال - رحمه الله - : والمراد عدم تمكين المشرك من مسِّـه . ويُراجع قوله -رحمه الله – وتفصيله في المسألة في تمام المنة في التعليق على فقه السنة
ثم إن النبي صلى الله عليه على آله وسلم ثبت عنه أنه كان لا ينام حتى يقرأ : ألم تنـزيل (السجدة) ، وتبارك الذي بيده الملك . رواه الإمام أحمد والترمذي . ولم يُنقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه تركهما لأجل الجنابة ، أو أنه قرأ بهما قبل أن يُجنِب . مع أنه عليه الصلاة والسلام كان ينام ولا يمسّ ماء . قالت عائشة – رضي الله عنها – عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والنسائي في الكبرى .
ولا شك أن قراءة القرآن على طهارة كاملة أنه هو الأولى والأفضل ، لقوله – عليه الصلاة والسلام – : إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر - أو قال - على طهارة . رواه الإمام أحمد وأبو داود . والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم . =====================================================
موضوع: رد: مس المصحف من دون طهارة الأحد مارس 07, 2010 7:09 pm
حكم مس المصحف من غير وضوء
الحمد لله القائل: "إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين"1، وصلى الله وسلم وبارك وعظم على رسوله القائل: "لا يمس القرآن إلا طاهر"2، ورحم الله علماء الأمة الذين لا يجتمعون على ضلالة.
وبعد..
لقد أجمع عامة أهل العلم قديماً وحديثا، من لدن الصحابة ومن بعدهم أن المصحف لا يمسه إلا طاهر على وضوء إلا شذوذاً من الأقوال.
ومن ذهب إلى ذلك من أهل العلم على سبيل المثال لا الحصر:
من الصحابة
علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم من غير مخالف لهم.
ومن التابعين
عطاء، والزهري، والنخعي، وحماد، وطاوس، والحسن، والشعبي، والقاسم بن محمد رحمهم الله.
من الأئمة المقتدى بهم
جميع فقهاء الأمصار بالمدينة والعراق والشام، منهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وأبو عبيد، رحم الله الجميع.
ã
دليل العامة
1. قوله عز وجل: "لا يمسُّه إلا المطهرون".
2. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر" الحديث.
قال إسحاق بن راهويه رحمه الله: (لا يقرأ أحد المصحف إلا وهو متوضئ، وليس ذلك لقول الله عز وجل: "لا يمسه إلا المطهرون"، ولكن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر").3
قال ذلك إسحاق رحمه الله لاختلاف أهل التأويل في الآية، فمنهم من ذهب إلى أن المراد بالمطهرين الملائكة، ولكن السنة بينت المراد وحسمت الخلاف، فالواجب الأخذ بقول من نزل عليه القرآن وأعطاه الله مثله من البيان.
ã
من أجاز مس المصحف من غير وضوء وحججهم
شذ البعض وأجاز لغير المتوضئ مس المصحف، وذلك لبعض الشبه التي عرضت لهم، والله يتجاوز عنا وعنهم، وهم الحكم بن عتبة، وحماد بن أبي سليمان، وداود بن علي الظاهري.
احتج المجيزون لذلك ببعض الشبه، وهي:
1. أن المراد بالمطهرين في قوله تعالى: "لا يمسه إلا المطهرون"، الملائكة.
2. أن المراد بالآية الخبر وليس النهي، إذ لو كان ذلك نهياً لقال: "لا يمسّه"، أي بسكون السين المشددة وليس بضمها، لأنها حينئذ تكون مجزومة بلا الناهية.
3. وبقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن ليس بنجس".
4. وبكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهرقل، وفيه قوله تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء" الآية، وهرقل كافر نجس وقد مس الكتاب.
5. وبأنه يباح للصبيان في الكتاتيب مسه ولو كان لا يحل مسه لما جاز لهم أن يمكنوا من ذلك.
6. وبأنه تباح القراءة من الحفظ لغير المتوضئ.
هذه أهم الشبه التي رفعها المجيزون لذلك.
ã
رد أهل العلم ودحضهم لها
قال ابن عبد البر رحمه الله: (وأما الحكم بن عتبة، وحماد بن أبي سليمان، فلم يختلف عنهما في إجازة حمل المصحف بعلاقته لمن ليس بطاهر، وقولهما عندي شذوذ ومخالفة للأثر، وإلى قولهما ذهب داود بن علي، قال: لا بأس أن يمس المصحف، والدنانير والدراهم التي فيها ذكر الله، الجنب والحائض؛ قال: ومعنى قوله "لا يمسه إلا المطهرون" هم الملائكة؛ قال: ولو كان ذلك نهياً لقاله "لا يمِسُّه"؛ واحتج أيضاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن لا ينجس".
قال أبو عمر: قد يأتي النهي بلفظ الخبر ويكون معناه النهي، وذلك موجود في كتاب الله كثير، نحو قوله: "الزاني لا ينكح إلا زانية أومشركة" جاء بلفظ الخبر، وكان سعيد بن المسيب وغيره يقول: إنها منسوخة بقول الله عز وجل: "وأنكحوا الأيامى منكم"، ولو لم يكن عنده في هذا الخبر معنى النهي ما أجاز فيه النسخ، ومثله كثير).5
وقال القرطبي رحمه الله: (اختلف في معنى "لا يَمَسُّه" هل هو حقيقة في المس بالجارحة أومعنى؟ وكذلك اختلف في "المطهرون" من هم؟ فقال أنس وسعيد بن جبير: لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة؛ وكذا قال أبو العالية وابن زيد: انهم الذين طُهِّروا من الذنوب كالرسل من الملائكة، والرسل من بني آدم، فجبريل النازل به مطهر، والرسل الذين يجيئهم بذلك مطهرون.
إلى أن قال: وقال المهدوي: ويجوز أن يكون أمراً وتكون ضمة السين ضمة إعراب، ويجوز أن يكون نهياً، وتكون ضمة السين ضمة بناء، والفعل مجذوب.
إلى أن قال: وقد رُوي عن الحكم وحماد وداود بن علي أنه لا بأس بحمله ومسه للمسلم والكافر طاهراً أومحدثاً، إلا أن داود قال: لا يُجَوَّز للمشرك حمله؛ واحتجوا في إباحة ذلك بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر وهو موضع ضرورة، فلا حجة فيه، وفي مس الصبيان إياه على وجهين، أحدهما المنع اعتباراً بالبالغ، والثاني الجواز، لأنه لو مُنِع لم يحفظ القرآن، لأن تعلمه حال الصغر، ولأن الصبي وإن كانت له طهارة إلا أنها ليست بكاملة، لأن النية لا تصح منه، فإذا جاز أن يحمله على غير طهارة ، جاز أن يحمله محدثاً).6
وقال النووي رحمه الله: (وعن الحكم، وحماد، وداود: يجوز مسه وحمله؛ وروي عن الحكم وحماد جواز مسه بظاهر الكف دون بطنه، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل كتاباً فيه قرآن، وهرقل محدث يمسه وأصحابه، ولأن الصبيان يحملون الألواح محدثين بلا إنكار، ولأنه إذا لم تحرم القراءة فالمس أولى، وقاسوا حمله على حمله في متاع، واحتج أصحابنا بقول الله تعالى: "إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين"، فوصفه بالتنزيل وهذا ظاهر في المصحف، الذي عندنا، فإن قالوا: المراد اللوح المحفوظ لا يمسه إلا الملائكة المطهرون، ولهذا قال يمسه بضم السين على الخبر، ولو كان المصحف لقال "يمسَّه" بفتح7 السين على النهي، فالجواب: إن قوله تعالى "تنزيل" ظاهر في إرادة المصحف، فلا يحمل على غيره إلا بدليل صحيح صريح، وأما رفع السين فهو نهي بلفظ الخبر، كقوله: "لا تضارُّ والدة بولدها" على قراءة من رفع، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبيعُ أحدُكم على بيع أخيه" بإثبات الياء، ونظائره كثيرة مشهورة، وهو معروف في العربية، فإن قالوا: لو أريد ما قلتم لقال "لا يمسه إلا المتطهرون"، فالجواب أنه يقال في المتوضئ مطهرومتطهر، واستدل أصحابنا بالحديث المذكور، وبأنه قول علي، وسعيد بن أبي وقاص، وابن عمر رضي الله عنهم، ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة، والجواب عن قصة هرقل أن ذلك الكتاب كان فيه آية، ولا يسمى مصحفاً، وأبيح حمل الصبيان الألواح للضرورة، وأبيحت القراءة8 للحاجة وعسر الوضوء لها كل وقت، وحمله في المتاع لأنه غير مقصود، وبالله التوفيق).9
ã
أقوال العلماء
قال ابن عبد البر في شرح قوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في كتابه لعمرو بن حزم: "أن لا يمس القرآن إلا طاهر" في الموطأ: (والدليل على صحة كتاب عمرو بن حزم تلقي جمهور العلماء له بالقبول والعمل، ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة والعراق والشام أن المصحف لا يمسه إلا طاهر على وضوء، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وأبي عبيد، وهؤلاء أئمة الفقه والحديث في أعصارهم، وروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وطاوس، والحسن، والشعبي، والقاسم بن محمد، وعطاء.
ثم قال أبو عمر: وهذا يشبه مذهب مالك على ما دل عليه قول موطأه، وقال الشافعي، والأوزاعي، وأبو ثور، وأحمد: لا يمس المصحف الجنب، ولا الحائض، ولا غير المتوضئ؛ وقال مالك: لا يحمله بعلاقته، ولا على وسادة إلا وهو طاهر، قال: ولا بأس أن يحمله في التابوت، والخرْج، والغرارة من ليس على وضوء، قال: وذلك أن الله عز وجل يقول: "لا يمسه إلا المطهرون"؛ قال: وهذا قول مالك وأبي عبد الله، يعني الشافعي رحمه الله.
قال أبو عمر: وإنما رخص مالك في حمل غير المتوضئ للمصحف في التابوت والغرارة لأن القصد لم يكن منه إلى حمل المصحف، وإنما قصد إلى حمل التابوت وما فيه من مصحف وغيره، وقد كره جماعة من التابعين منهم القاسم بن محمد10، والشعبي، وعطاء، من الدراهم التي فيها ذكر الله على غير وضوء، فهو لا شك أشد كراهية أن يمس المصحف غير متوضئ، وقد روي عن عطاء أنه قال: لا بأس أن تحمل الحائض المصحف بعلاقته).11
وقال القرطبي رحمه الله: (واختلف العلماء في مس المصحف على غير وضوء، فالجمهور على المنع من مسه لحديث عمرو بن حـزم، وهو مذهب علي، وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعطاء،والزهري، والنخعي، والحكم، وحماد12، وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي، واختلفت الرواية عن أبي حنيفة، فروي عنه أنه يمسه المحدث13، وقد رُوي هذا عن جماعة من السلف منهم ابن عباس، والشعبي، وغيرهما، وروي عنه أنه يمس ظاهره وحواشيه وما لا مكتوب فيه14، وأما الكتاب فلا يمسه إلا طاهر؛ ابن العربي: وهذا إن سلمه مما يقوي الحجة عليه، لأن حريم الممنوع ممنوع.. وقال مالك: لا يحمله غير طاهر بعلاقة ولا على وسادة، وقال أبو حنيفة: لا بأس بذلك، ولم يمنع من حمله بعلاقة أومسه بحائل).15
وقال الإمام النووي رحمه الله: (يحرم على المحدث مس المصحف وحمله، سواء إن حمله بعلاقته، أوفي كمه، أوعلى رأسه؛ وحكى القاضي حسن والمتولي وجهاً أنه يجوز حمله بعلاقته وهو شاذ في المذهب وضعيف؛ قال أصحابنا16: وسواء مس نفس الأسطر، أوما بينهما، أوالحواشي، أوالجلد، فكل ذلك حرام، وفي مس الجلد وجه ضعيف أنه يجوز، وحكى الدارمي وجهاً شاذاً بعيداً أنه لا يحرم مس الجلد، ولا الحواشي، ولا ما بين الأسطر، ولا يحرم إلا نفس المكتوب، والصحيح الذي قطع به الجمهور تحريم الجميع، وفي مس العلاقة والخراطة والصندوق إذ كان المصحف فيه وجهان مشهوران أصحهما يحرم).17
قلت: إذا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يلتفت لقول أحد كائناً من كان، وليس كل خلاف يستراح له ويعمل به، وإنما العمل بالدليل.
ã
تنبيهات18
1. أجمع أهل العلم على جواز القراءة من الحفظ من غير وضوء، والأفضل أن يتوضأ.
2. كتب تفسير القرآن إن كان القرآن فيها اكثر نحو كتب غريب القرآن يحرم مسها من غير وضوء، وإن كان القرآن فيها أقل جاز مسها من غير وضوء.
3. كتب القراءات حكمها كحكم كتب الحديث والفقه في جواز مسها وحملها من غير وضوء.
4. لا يشترط الوضوء لمس التوراة والإنجيل المبدلة، وكذلك ما نسخت تلاوته من القرآن وبقي حكمه.
5. حكم ما كتب على الألواح كحكم المصحف، قلَّ المكتوب أم كثر.
6. لا يجوز توسد المصحف ولا كتب التفسير، والحديث، والعلم، واللغة العربية، وإن خاف عليها السرقة.
7. لو خاف المحدث أو الجنب على المصحف من حرق، أوغرق، أووقوع في نجاسة، أوإتلاف جاز له أخذه وتحويله.
8. لا يجوز للمحدث حمل شيء من التعاويذ أو الحروز (الحجبات).
هذا بجانب عدم جواز استعمالها لغير المحدث، قال أبو عمر بن الصلاح رحمه الله في فتاويه: (كتابة الحروز واستعمالها مكروه، وترك تعليقها هوالمختار، وقال في فتوى أخرى: يجوز تعليق الحروز التي فيها قرآن19 على النساء والصبيان والرجال، ويجعل عليها شمع ونحوه ويستوثق من النساء وشبههن بالتحذير من دخول الخلاء به، والمختار أنه لا يكره20 إذا جعل عليه شمعاً ونحوه لأنه لم يرد فيه نهي، ونقل ابن جرير الطبري عن مالك نحو هذا، فقال: قال مالك: لا بأس بما يعلق على النساء الحيض والصبيان من القرآن إذا جعل في كن كقصبة حديد أوجلد يحرز عليه).
9. يجوز للكافر سماع القرآن ولكنه يمنع من مسه، ولا يمكن من تعليمه ولا تمليكه إياه، ويحرم بيعه إليه أوإهداؤه.
10. لا تجوز المسافرة بالقرآن إلى بلاد الكفار.
11. تجب صيانة المصحف وإكرامه، ومن أهانه بأن ألقاه والعياذ بالله في قاذورة أوداس عليه فقد كفر.
12. يجوز بيع المصحف وشراؤه.
13. لا يجوز كتابة المصحف بشيء نجس.
14. يكره نقش الحيطان والثياب بالقرآن وبأسماء الله الحسنى.
15. لا يمكن المجنون ولا الصبي غير المميز من حمل المصحف لئلا ينتهكاه.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا ، وذهاب همنا وغمنا، اللهم وفقنا للعمل به، ولحفظه، وإكرامه.