منتديات صرخة الاقصى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات صرخة الاقصى

مرحبا بكم في منتديات صرخة الآقصى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 إصلاح ذات البين

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
najat
المشرفة المميزة
المشرفة المميزة
najat


عدد المساهمات : 857
تاريخ التسجيل : 13/12/2009

إصلاح ذات البين Empty
مُساهمةموضوع: إصلاح ذات البين   إصلاح ذات البين Emptyالإثنين مارس 29, 2010 5:21 pm

إصلاح ذات البين Down

إصلاح ذات البين
=============
أخي المسلم، أختي المسلمة:

إنَّ مِنْ ديننا الحنيف فريضة عظيمة، وفضيلة كريمة، ومبدأ شريف، وما كَثُرَت الْمَصَائِب، ولَا حَصَلت الْمُشكلات، ولا تزايدت الْمُشَاحَنَات بَيْن مكونات هذه الأمة من أفراد، وجماعات، وقبائل، ودول..إلا بعد غياب هذه الفريضة، وهذا المبدأ من حياة كثير من المسلمين.

ونعني بهذه الفريضة العظيمة: إصلاح ذات البين

فَإِنَّه ما تَوتَرَت العِلَاقات، وتَبَدَّل ود الْمَحَبَّات وَالصَّداقات إِلا بعدما ضَعُفَ القيام بيننا بهذه الفريضة، والكلام في هذا الموضوع كَلَام ذو شُجُون، وحتى لا يذوب الكلام على الشفا، نُرَكِّز الكلام فِي هَذَا الموضوع في العناصر التالية:

1 إصلاح ذات البين فريضة واجبة. 2 بيان الثواب الجزيل للقائم بإصلاح ذات البين.
3 عقوبة المفسد لذات البين. 4 - مفسدات ذات البين.
5 واجبنا تجاه هذه المفسدات. 6 أسباب التواصل بين المسلمين.
وأخيرًا: من الذي يستحق الهجر؟

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
أولا: إصلاح ذات البين فريضة واجبة:

إصلاح ذات البين فريضة وواجب؛ لأمر الله الصريح في كتابه: يقول الله - عز وجل -: (فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [الأنفال: 1].

فالوجوب مأخوذ من هذه الآية من وجوه عديدة:

الأول: أنَّ الله - عز وجل - رَبَطَ هذا الأمر بتقوى الله، وتقواه هي أوجب الواجبات، وأكد الفرائض

الثاني: أَنَّه أَمَر بذلك أمر صريحا، لا يحتمل التأويل، فقال: (وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ).

الثالث: أنه رَبَطَ ذلك أيضا بطاعة الله - عز وجل -، فقال: (وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ).

الرابع: رَبْطِهِ بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ).

الخامس: أَنَّّ الله - عز وجل - عَدَّ ذلك من الإيمان، وجعله شرطًا له؛ فقال (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإصلاح ذات البين فيظهر جليًا فيما أخرجه البخاري ومسلم مِنْ حَدِيثِ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ - رضي الله عنها - وأرضاها - أَنَّ النَّبي - عليه الصلاة والسلام - قال: (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا) (1).

وقالت: لَمْ يُرَخِّص في شيئا مما يقوله الناس إلا في ثلاث في الحرب، وفي إصلاح ذات البين، وفيما يقوله الرجل لزوجته، أو تقوله الزوجة لزوجها.

فانظر كيف أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَرْخَصَ بِالكَذِبِ مع بشاعته مِنْ أجل إصلاح ذات البين.

وأيضًا مما يدل على وجوب هذا المبدأ الشريف:

أن الله أذن للمؤمنين بمقاتلة من بغي من المسلمين وأجاز الله - سبحانه وتعالى - إشهار السيف في وجوه المؤمنين، وضرب رقابهم وأعناقهم مع ما فيه من سفك الدماء وإزهاق الأرواح، والمفسدة التي تتحمل لأجل المصلحة العامة، وهي إصلاح ذات البين.

من هذا يُعْلَم أَنَّ إِصْلَاح ذات البين واجب؛ بل من أَوْجَبُ الواجبات، وفَرْضٌ، بل من أَكَد الفروض.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

ثانيًا: بيان الثواب الجزيل للقائم بإصلاح ذات البين:

وأما فضيلة إصلاح ذات البين فَلِمَا جاء فيه مِنْ الثواب والأجر العظيم في الآيات والأحاديث، فمنها قوله - سبحانه وتعالى - (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء: 114].

وقال - تعالى -: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) إلى أن قال - تعالى - وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيما ً) [النساء: 128- 129].

وقال - تعالى -: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 160].

والآيات في هذا أيضا كثيرة، منها ما يشير بِالنَّص، ومنها ما يُلمح إلى ذلك بالمعنى.

أما الأحاديث جاء في ذلك ما ثبت عند الإمام احمد وأبي داود والترمذي أن النبي - عليه الصلاة والسلام -، قال: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى! قالَ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ؛ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ) (2).

وفي رواية قال - عليه الصلاة والسلام -: (لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ) (3).

فمن هذه النصوص ترى أَنَّ الله - عز وجل - أَمَرَ بذلك، ورَتَّب عليه الثواب الأَسْنَى، والجزاء الأَوْفَى.

أَمَرَ بإصلاح بين الناس في العلاقات الفردية، وفي العلاقات الزوجية والأسرية، والروابط الاجتماعية وفي العلاقات الدولية، والأممية والقبلية، وفي كل العلاقات بين الأفراد والجماعات والأمم، أَمَرَ الله بذلك، وأكَّد عليه.

وكما أَنَّ هذا الإنسان - الذي أَخَذَ على عاتقه أن يصلح بين الناس - ممدوح عند الله - عز وجل -، وعند المؤمنين فهو كذلك ممدوح عند العقلاء، مضت سنة عقلاء الناس أنهم يحترمون ويُبَجِّلون ويُقَدِّرون هذا الذي يُصلح بين الناس، ويسعى بينهم لحقن الدماء، ونعلم تلك القصيدة التي سَطَّرَها التاريخ، وعَدَّها الجاهليون من أروع المعلقات التي قالها زهير ابن أبي سُلمى، سَطَّرها في مدح الحارث بن عوف، وصاحبه هرم ابن سنان لما سعيا بين عبس وذبيان بالصلح فحقن الله بهما دماء القبيلتين فكان مما قال:

يَمِينًا لَنِعْمَ السَّيدَانِ وجِدْتُمَا *** عَلَى كَلِّ حَالٍ مِنْ سَحِينٍ وَمُبْرِمِ
تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَا *** تَفَانوا وَدَقُوا بَيْنَهُم عِطْرَا مَنْشَمِ
وَقَدْ قُلْتُمَا إِنْ نُدْرِكَ السِّلْمَ وَاسِعًا ** بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنْ الْقَولِ نَسْلَمِ
فَأَصْبَحتُمَا فِيهَا عَلَى خَيْرِ مَنْزِلٍ *** بَعِيدَينِ فِيهَا عَنْ عُقُوقٍ وَ مَأْثَمِ
عَظِيمَينِ فِي عَلْيَا مَعَدٍ وجِدْتُمَا *** وَمِنْ يَسْتَبِح كَنْزًا مِنْ الْمَجْدِ يُكْرَمِ


إلى أخر ما قال.
والشاهد: إِنَّ هذا الذي يسعى بين الناس بالصلح محبوب ومحترم عند الله - عز وجل - معترف له بالفضيلة عند خلقه.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

ثالثًا: عقوبة المفسد لذات البين:


وبعد أن علمنا ما للمصلح لذات البين من فضل، وما أعد الله له من ثواب جزيل، وحتى تتضح الصورة نذكر عقوبة المفسد لذات البين، فهناك نوع من البشر عكس الأول تمامًا وضده؛ وهو النَّمَام القَتَّات السَّاعِي بين الناس في القطيعة، الساعي بينهم في الدماء، الساعي بينهم بمقالة السوء، بقطع العلاقات، وبنشر الخزايا، وبنقل كلمة السوء؛ يتطوع من غير أجر، ويطيع شيطانه، ويطيع أهوائه، فإِنَّ ذلك مذموم وممقوت، وَمُتَوَعَد بالعذاب عند الله، وهذا النوع ذموم بذم الله - عز وجل - كما في قوله: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ ? هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ ? مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ? عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ? أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ? إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ?) [القلم: 10- 15].

بل وثَبَتَ عَنْ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ) (4).

وثَبَتَ في الصحيحين من حديث ابن عَبْاسٍ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين، فقال إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، ثم قال: )مَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) (5)

فَعُلِمَ من هذا ذم ذِي الوَجْهَين وهو النَّمَام الذي ينقل الكلام مِنْ هَذَا إِلَى هَذَا، ومِنْ هذا الشَّخص إِلَى هذا الشَّخص، ومِنْ هذه العشيرة إِلَى تلك العشيرة، ومِنْ هذه الدولة إِلَى تلك الدولة، ومِنْ الرعية إِلَى الحاكم، ومن الحاكم إِلَى الرَّعية من أجل الإفساد بين الناس، فينجم من هذا، وينشئ فَسَادٌ عَظِيمٌ وَشَرٌ كَبِيرٌ.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

رابعًا: مفسدات ذات البين:

إِنَّنا إذا تَأَمَّلْنا الأسباب التي تؤدي إلى قطع المودات، وإفساد ذات البين وجدتها أمورًا معلومة معروفة، وعلاج ذلك إِذَا عُرِفَ الدَّاء سَهُلَ الدَّوَاء

فأساس ذلك:
[1] ترك طاعة الله - عز وجل -، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أمرنا به، ونَهَانَا عنه، قال - تعالى -: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46].

ومن أعظم ما أمرنا الله - عز وجل - به، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - التزام الأخلاق الإسلامية؛ الصفح عن من ظلم، والإحسان إلى من أساء، والدفع بالتي هي أحسن، والأمر بالعرف، والأخذ بالعرف، وإِلَانَة الجانب، ولين الحديث، والهشاشة والبشاشة مع المسلم، وحُسْن الظَّن بالمسلمين إلى غير ذلك، كلُّ ذَلِك مِمَا أَمَرَنَا الله - عز وجل - به قال - تعالى -: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199- 200].

وقال - تعالى -: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى: 43].

بل إِنَّ الله - عز وجل - أَمَرَنَا بذلك، حتى مع الكفار غير المحاربين، قال - تعالى -: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الزخرف: 89].

وقال - تعالى -: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [العنكبوت: 46].

وقال (: (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ) [الجاثية: 14].

فكيف بالذين يرجون أيام الله، ويخافون عقابه؟!

فنظرًا لِغِيَاب هذا الأمر تَبَدَّل وُد الإخاء بين المسلمين، وعمَّت القطيعة والشقاق بين المسلمين، حتى هَجَرَ بعضهم بعضا في السلام والزيارة وصلة الرحم؛ لأمور مادية حقيرة، لا لأمور شرعية معتبرة.

[2] الهوى، والكبر، وبطر الحق وغمط الناس.

وهذا يظهر جليًا في هذا الزمان وفي هذه الأيام، وهو من أعظم ما أفسد ما بين المسلمين، وهو كما عَرَّفَهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال كما عند مسلم من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ) (6).

[3] الْجَهْلُ والْجُّهَال:


كذلك من الأمور التي تفسد بين المسلمين " الجهل "؛ فإنَّ كثيرًا مِنْ الناس لِجهلِهِ بكثير من أمور الدين إذا حَفِظَ مسألة علمية طَبَّقَهَا على مَنْ لا يستحقها، لذلك فيطبقها على المسلمين، بل وربما على بعض دعاة المسلمين، ويُحَذِّر منهم، ويقطع صلتهم، ويُحَرِّض إخوانه على قطيعتهم، وما أشبه ذلك.

وما أحسن الكلمة التي قالها الإمام سُحْنُون - الثقة العالم عليه - رحمه الله - قال عليه رحمة الله كلام معناه: " إن الرجل قد يحفظ بابًا مِنْ العِلْمِ فَيَظُن أنَّه الْحَقَ كُله ". اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - عليه رحمة الله -: " فإذا ترك الناس بعض ما أنزل الله - سبحانه وتعالى - جهل أو هوى وقعت بينهم العداوة والبغضاء إذ لم يبق جامع مشترك من الحق يجتمعون عليه (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 53] " (7). اهـ

[4] التَّعَصب:

وكذلك مما يُعْمي البصر والبصيرة، ويُأَجِّج العدوات بين المسلمين " التعصب لِبَلَد "، أو " التعصب لقبيلة "، أو "التعصب حتى لشيخ"، أو "لِعَالِم"، أو "لِشَخْصٍ من الناس"، أو "أَنْ يتعصب أهل الزوجة للزوجة"، أو "أهل الزوج للزوج"، فيحرض كل واحد الآخر على قطيعة ود المسلم، وينشأ من ذلك الشجار و المشكلات، والمقاطعات.

[5] الْمِرَاءُ والْجِدَالُ:


وأيضا مما يسبب العداوة والقطيعة بين المسلمين " المراء والجدال؛ فَالْجِدال أَمْرٌ خطير، حتى ولو كان بِالحق أحيانا، فَإِنَّه قد يتغلب على الإنسان شيطانه وهواه حتى يعميه عن الحق، ويصبح جداله من أجل نفسه، ومن أجل أن ينتصر من خصمه، ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام - (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا) (Cool.

وأخرج البخاري أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: (لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْكَذِبَ فِي الْمُزَاحَةِ وَيَتْرُكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا) (9).

فالْمِراء وكثرته يُفْسِد ود القلوب، ويُقَسِّي القلب ويُجْفِيهِ، ويخلق الضغائن، ويقطع المودات والعلائق الحسنة بين المسلمين.

[6] فتح باب قالة السوء وسعة الصدر لاستقبال المفسدين النمامين:

ومما يُفْسِد العلائق بين المسلمين أن كثير من الناس يأته الناس بقالة السوء يحملها عن أخيه المسلم فيستقبله بصدر رَحِبٍ ويهش له ويبش، ويأخذ كلامه مَأْخَذ الْجِد، وقد يكون قول له حقيقة وقد يكون لا حقيقة له، ولكنه بكل حال رجل نَمَّام يجب على كل مسلم أن يرده وأن يغلق الباب في وجهه ولو عومل كل نمام هذه المعاملة لارتاح الناس من شر كثير.

جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى -ورضي عنه وأرضاه - فقال له قول في شخص، فقال عمر - رضي الله عنه - و- رحمه الله -: " يا هذا إن كنت صادقًا فأنت ممن قال الله فيهم (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ ? هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ)وإن كنت كاذب فأنت ممن قال الله - سبحانه - فيه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)" [الحجرات: 6]

وقال الشافعي عليه - رحمة الله -: " نَزِّهوا أَسْمَاعَكم عَنْ سَمَاعِ الْخَنَى كَمَا تَنَزهُون أَلْسِنتكم عَنْ النُّطق بِهِ فَإِنَّ المستمع شَريك القَائِل وَإِنَّ السَّفيه ينظر إلى أخبث شيء فِي وِعَاءِهِ فيَحَرص عَلَى أَنْ يُفَرِّغُهُ فِي أَوْعِيَتِكُم وَلو رَدَّ النَّاس كلمة السَّفيه لَسَعِدَ بِذَلِك رَادوها كما شَقي بِذَلِك قَائِلُهَا "(10).

وما أحسن قول الحكيم

مَنْ جَعَلَ النَّمَام عَيْن هَلَكَا *** مُبَلِغُكَ الشَّر كبَاغِيهِ لَكَا (11)

ولذلك قال الفضيل بن عياض عليه - رحمه الله -: " ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة صوم ولا صلاة ولكن أدرك بسلامة الصدور وسخاء الأنفس والنصح للأمة".

[7] سوء الظن:

وأيضا مما يسبب القطيعة وفساد ذات البين بين المسلمين " سوء الظن "، وذلك أنَّ كثيًرا من الناس - والعياذ بالله- مُصَابٌ بِمَرض في نفسه، وهوى في قلبهِ؛ فتجد قلبه - عياذًا بالله - معمورًا بالحقد، مغمورًا بالحسد، لا مكان لحسن الظن للمسلمين في قلبه، بل وربما سافر من هنالك إلي هنالك كل ذلك من اجل نشر قالة السوء بين المسلمين، ولذلك قال الله - سبحانه وتعالى - بعدما أوجب الإصلاح بين المسلمين نبه الله - عز وجل - على الأمور الباعثة على إفساد العلائق بين المسلمين فقال - تعالى -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا) [الحجرات: 11- 12].

وقال - عليه الصلاة والسلام -: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ) (12).

[8] التَّجَسُسُ وَالتَّحَسُسُ:


وأيضا: من الأمور الباعثة على فساد العلائق بين المسلمين التجسس والتحسس؛ ولِهَذَا نهَي الله - عز وجل - عنه بقوله: (وَلَا تَجَسَّسُوا) [الحجرات: 12]

قال ابن كثير عليه - رحمه الله -: "التجسس إنما يكون في الشر ومن ذلك الجاسوس" (13).

وقال - عليه الصلاة والسلام - (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا) (14)، ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام - لمعاوية - نهى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه يعلم بما أَعْلَمَهُ الله أَنَّ أمور المسلمين ستصير إليه - نهاه عن تتبع عورات المسلمين وقال: (إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ) (15)

خامسًا: واجبنا تجاه هذه المفسدات:


أخي المسلم، أختى المسلمة:


أنت مدعو لِإحياء هذا المبدأ العظيم، لِإحياء هذه الفريضة، لِإحياء هذه الفضيلة، بل أنت مأمور في كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالتعاون على هذا الأمر بالتعاون على إصلاح ذات البين من المسلمين، والويل كل الويل لمن سَعَى بينهم بالإفساد والوقيعة والقطيعة.

الآن وقد علمنا المفسدات فما هو واجبنا نحوها؟!

1 الالتزام بطاعة الله - عز وجل -، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أمرنا به، ونَهَانَا عنه.

2 - أَنْ نَحْذَر مِنْ الكبر والبطر، وأَنْ نقبل الحق ممن جاء به، فالحكمة ضالة المؤمن؛ هو أَوْلَي ممن قالها أيًّا كان حاله ومنزلته.

3 أَنْ نحرص على تعلم أمور الدين؛ حتى نُنْزِلَ الأمور مَنَازِلَهَا، وأَنْ نَحْذَرَ من الجهل والجهال.

4 أَنْ نطرح التِّعَصب والهوى جانبًا؛ فالحق هو ميزاننا الذي يجب أَنَّ نتعصب، والله - تعالى -أَمَرَنَا أَنْ نَعْدِلَ حتى مع الأعداء، فقال - تعالى -: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ) [المائدة: 8].

5 أَنْ نَبْتَعِدَ عن الجدال، إلا جدالًا للحق، وجدالًا لمعرفة الحق، وجدالًا بالتي هي أحسن، فإِذَا ما خاف الإنسان أَنْ يُخْرِجَه ذلك عن طور اعتداله فليمسك.

6 أَنْ نَرُدَّ قالة السَّوء، وأن نُغَلِقَ البَّاب أَمَام مَنْ يَنْقِلُهَا، وأَنْ نُنَزِّه أَسْمَاعَنَا عن هذا كله.

7 أَنْ نَتَجَنَّب سوء الظَّن بالمسلمين، ونتمثل قول الله - عز وجل -: (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).

8 أَنْ نَجْتَنِبَ تَتَبُّع العَوَرَات، والتَّجَسُّس، والتَّحَسُّس، وأن نلتزم أمر الله - عز وجل - (وَلَا تَجَسَّسُوا).

فإذا التزمنا هذا وغيره كثير مما لا يتسع له المقام نكون بإذن الله قد سعينا بشكل إيجابي لحل هذه المشكلة ولإعادة هذه الفريضة الغائبة إلى واقع المسلمين.


سادسًا: أسباب التواصل بين المسلمين:


فَإِذَا عَلِمْتَ هذه الأسباب الْمُفْضِيَة إِلَى القطِيعة والتَّشَاحُن والتَّدَابُر بين المسلمين، فاتقِ الله وعليك بضدها وسُدَّ أبوابها ولا تَجِد لها مكان في قلبك.

أصلح ما بينك وبين المسلمين، فقد قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ؛ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ).

لا يحل لمسلم أن يسعى في إفساد ذات البين بل لا يحل لمسلم أن يرى القطيعة بين المسلمين ويقف مكتوف الأيدي، بل واجب عليه من خلال ما ذكرت من النصوص أَنْ يسعى قدر استطاعته وجهده إلى الإصلاح بينهم.


وأخيرًا: من الذي يستحق الهجر؟

لقد أشرنا إِلَى أَنَّ مَنْ يستحق الهجر يُهْجَر، ولكن ذلك راجع للمصلحة كما قرره أهل العلم، وقد هَجَرَ رسول الله - عليه الصلاة والسلام -، ولا زالت سنة الهجر بين المسلمين مُتَّبَعَة، والتحذير من صاحب الفسق، والداعي إلى الشَّر، وأهل النفاق الذين عُرِفوا في إشاعة الفاحشة بين المسلمين، والدعوة للشر والكفر والضلال من خلال القنوات الإعلامية، وصفحات الجرائد وغيرها، وأصحاب الدعوات المشبوهة، وأصحاب المبادئ المنحرفة من الرافضة والإسماعيلية وغيرهم وأهل البدع والضلالات من المعطلة والمؤولة.

يُهجَر المنافِق، ويُهْجَر المفسد العَلْمَانِي الداعي إِلَى نَبْذِ الإسلام وخلعه، وإلى تبرج المرأة المسلمة، ويُحَذَّر مِنْهُ، ويُهْجَر المبتدع الإسماعيلي، والرافضي، والمبتدع الموالِي لهم، وغير هؤلاء من أهل البدع والأهواء.

فإِنَّ ذلك واجب، بل هو الواجب الذي يجب قطيعته، كل هؤلاء من عُرِفَ منهم بالدعوة إلى بدعته؛ فالواجب أن يُزجر، وأَنْ يُحَذَّر المسلمون منه ولا كرامة له، وأما الذي قَصَدْنا بالحديث فهو المسلم المؤمن الذي هو على صراط مستقيم وطريق قويم، فهذا حقه الوفاء والصلة والإخاء والمحبة أو على بعض الأخطاء التي لا تصل بحيث يستحق الهجر والتحذير منه.

أخي المسلم، أختي المسلمة:

إِنَّ مِنْ أنبل الأعمال وأفضلها أن يتلاقى الناس، وتتشكل اللجان لتصلح بين المسلم والمسلم، بين الجار وجاره، بين الزوج وزوجِهِ، بين الراعي والرعية، والرعية والراعي، بين العالم وطلبته، بين العالم والعالم، بين الداعية والداعية، بين القبيلة والقبيلة، إِنَّ حَقْنَ الدماء يَعْدِل عند الله - عز وجل - ثوابًا عظيمًا، وضد ذلك بضده، فَرُبَّ كلمة يُطْلِقُهَا جاهل سفيه، كلمة جاهلة، كلمة سفيهة، كلمة حمقاء لا يلقي لها بالًا، يُأَجِّج عداوة بين حيين، أو قبيلتين، أو شخصين من المسلمين حتى تسيل الدماء، ويخاض فيها وتزهق أرواح المسلمين البرآء، فنسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يستعملنا في الخير، وأَنْ يعصمنا من الشر، وأَنْ يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، إنَّه - سبحانه وتعالى - بر رحيم، جواد كريم، صلى الله وسلم وبارك على محمد، وأرضى اللهم عن أصحابه أجمعين، وعن التابعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين
===========================
منقول للفائدة


إصلاح ذات البين Down
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

إصلاح ذات البين Empty
مُساهمةموضوع: رد: إصلاح ذات البين   إصلاح ذات البين Emptyالثلاثاء مارس 30, 2010 4:27 pm


بسم الله الرحمن الرحيم
( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة
أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله
فسوف نؤتيه أجرا عظيما )
[النساء: 114]


مقـدمــــة

حتمية الخلاف
تقع الخلافات بين الناس ويحدث الخصام بين جميع فئات المجتمع بين الرجل وزوجته وبين القريب وقريبه وبين الجار وجاره وبين الشريك وشريكه وبين العشائر بعضها مع بعض ، وهذا أمر طبيعي وحتمي ومشاهد لا يمكن إنكاره وأسبابه كثيرة لا حصر لها .

النار من مستصغر الشرر
وغالبا ما تكون هذه الخلافات في بداياتها اختلاف بسيط يمكن تلافيه لو أحسن الناس التصرف ولكن الشيطان الذي : ( أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم )( رواه مسلم) كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الشيطان لن يدع هذه الفرصة تفوت عليه ولن يتوانى هو وأعوانه - النفس الأمارة بالسوء والهوى المتبع وأهل الإفساد والشر والنميمة - في التحريش بينهم و إذكاء نار العداوة والبغضاء حتى تتحول هذه الشرارة إلى فتنة عظيمة وشر مستطير لها عواقبها الوخيمة ؛ فيساء الظن ويقع الإثم وتحل القطيعة ويفرق الشمل وتهتك الأعراض وتسفك الدماء وتنتهك الحرمات.

أصدقاء الأمس أعداء اليوم
ويتحول الحال ؛ فبعد المحبة والصفاء تحل العداوة والبغضاء وبعد القرب والوصال تكون القطيعة والهجران ويصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم والمستقبل ، ويفسد ذات بينهم وتقع الحالقة التي لا تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين كما اخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أهمية إصلاح ذات البين
وحيث حرص الإسلام على وحدة المسلمين وأكد على أخوتهم وأمر بكل ما فيه تأليف لقلوبهم ونهى عن كل أسباب العداوة والبغضاء فقد أمر بالسعي وإصلاح ذات البين بين المتخاصمين وحث عليه وجعل درجته أفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون )
[الحجرات 10] .

هدي الأنبياء والصالحين
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم السعي في الإصلاح بين الناس وكان يعرض الصلح على المتخاصمين وقد باشر الصلح بنفسه حين تنازع أهل قباء فندب أصحابه وقال : ( اذهبوا بنا نصلح بينهم ) (رواه البخاري)وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي من يوليه ويقول : ( ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن ) ، وكذلك كان السلف رحمهم الله حريصين على هذا الخير ساعين فيه يقول الأوزاعي رحمه الله : ( ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ) .

تفاخر المشايخ ورؤساء العشائر بهذا العمل
أيضا كان الرجال العظام والمشايخ وأصحاب الجاه في السابق من أفراد كل قبيلة يندبون أنفسهم له ويعتبرونه من تمام الشرف والسؤدد ؛ يقول قائلهم وقد اشتهر بالإصلاح وحل النزاع حين نزل بقوم متخاصمين :

(أنا إلى حضرت الشر ينزال ......... ومن تاه عن دربه ندله)

في هذا الزمان
هذا العمل الجليل الذي كان وظيفة الأنبياء والعلماء و الصالحين هذا العمل الذي كان عادة للمشائخ والرجال العظام هذا العمل الذي كان هدفا ومقصدا لكل صالح مصلح محب للخير بين الناس هذا العمل الذي يقطع النزاع وينهي العداوة والبغضاء ويجلب المودة والتآلف بين القلوب .
هذا العمل الجليل ما مدى أهميته لديك أخي القارئ ؟ هل تدرك فائدته ومميزاته في حل الخلافات ؟ وهل تحرص عليه في حل مشاكلك أم تبادر إلى المحاكم والقضاء في أي خصومة ؟ وهل تدرك ضرر رفع القضايا إلى المحاكم خاصة إذا كانت بين ذوي قربى أو ذوي هيئات من الناس ؟ وهل تراعي حق القرابة والجوار فتسعى أولا إلى الصلح ؟وهل تبادر إلى التدخل والإصلاح بين الناس إذا ما علمت بخصومة بينهم أم تتركهم لأهل الشر والإفساد والنميمة ؟وهل تشجع الناس عند حضور الخصومة إلى التصالح والوفاق ؟وهل تدرك كيفية الإصلاح بين المتخاصمين بالعدل ؟ وهل تراعي قواعد وآداب الإصلاح بين الناس؟ وهل تعرف أساليب وطرق ومهارات السعي بالإصلاح ؟

أسئلة كثيرة نثيرها لنبين مسيس حاجتنا لتعلم
( فن الإصلاح بين الناس )


خطـــة البحــث
إذا شاركتني أخي القارئ أهمية الإصلاح وتلمست حاجتنا إليه وأردت القيام بهذا العمل الجليل خير قيام وبثقة تامة وخطوات ثابتة وحتى لا تخطئ وتسيء من حيث أردت الإصلاح فاستمر معنا واقرأ واطلع على ما يوفقنا الله إليه في هذا الموضوع واعلم أننا بحاجة إلى :
• أن نعرف المقصود بالإصلاح أو الوساطة وأهداف الإصلاح .
• أن نعرف طرق إنهاء الخصومات وحل النزاعات والتي منها الإصلاح والتراضي والفرق بينها و بين القضاء ولماذا يفضل على القضاء وينصح به .
• أن نعرف ميادين ومجالات هذا العمل ونميز القضايا التي يدخلها الصلح والقضايا التي لا يدخلها الصلح .
• أن نعرف متى يشرع الصلح ويستحب ومتى يحرم .
• أن نعرف شروط الصلح ومتى يعتبر صحيحا ومتى يعتبر فاسدا .
• أن نعرف الآداب فنحرص عليها والصفات فنتحلى بها والمهارات فنتقنها .
• أن نعرف خطوات السعي في الإصلاح ومراحله ومتطلبات كل مرحلة والتنبيهات المتعلقة بها :
1. عند العلم بالخصومة أو وقوعها وقبل البدء بالتدخل .
2. عند البدء في السعي بالإصلاح والاتصال المبدئي بالخصوم .
3. أثناء جلسات الإصلاح الانفرادية الأولى والثانية .
4. أثناء الجلسات المشتركة .
5. عند الاتفاق والتراضي والوصول إلى حل .
6. وفي ختام الاتفاق والتصالح .

هذه هي الأساسيات وهذه هي خطة البحث والتفاصيل تباعا إن شاء الله تعالى .


تعريف الإصلاح بين الناس والوساطة

الإصلاح بين الناس والوساطة كلمتان متطابقتان في المعنى إلا أن الإصلاح مصطلح شرعي والوساطة مصطلح إداري قانوني وكل منهما يناسب أن يعرف به الآخر .

تعريف الإصلاح في كتب الشريعة :
( هو السعي والتوسط بين المتخاصمين لأجل رفع الخصومة والاختلاف عن طريق التراضي والمسالمة تجنبا لحدوث البغضاء والتشاحن وإيراث الضغائن ) .

والإصلاح :
هو السعي بين الناس بغرض الإصلاح فينمي خيرا ويقول خيرا عكس النمام الذي يسعى بين الناس بغرض الإفساد .

الوساطة بتعريفها الإداري :
هي أسلوب من أساليب الحلول البديلة لفض النزاعات يقوم بها شخص محايد يهدف إلى مساعدة الأطراف المتنازعة للاجتماع والحوار وتقريب وجهات النظر وتقييمها لمحاولة التوصل إلى حل وسط يقبله الطرفان .

وتعريف آخر للوساطة :
قيام شخص محايد من أصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة بتوظيف مهاراته المستحدثة في إدارة المفاوضات من خلال مجموعة من الإجراءات السرية لمساعدة أطراف النزاع على تقريب وجهات نظرهم وتسوية نزاعاتهم بشكل ودي قائم على التوافق والتراضي بعيدا عن التقاضي .



وأيضا تعرف الوساطة :
بأنها مهمة تسهيل الاتصال بين الأفراد لإيجاد الحلول لنزاعاتهم .

ويبين القاضي إياس بن معاوية معنى الصلح بأنه التنازل من الطرفين عن بعض الحق لأجل الإصلاح : عن حبيب بن الشهيد قال كنت جالسا عند إياس بن معاوية فأتاه رجل فسأله مسألة فطول فيهم فقال إياس إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن معلمي ومعلم أبي وان كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك ابن يعلى وان كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل وتدري ما يقول لك يقول لك حط شيئا ويقول لصاحبك زده شيئا حتى نصلح بينكما وان كنت تريد الشغب فعليك بصالح السدوسي وتدري ما يقول لك يقول لك أجحد ما عليك ويقول لصاحبك ادع ما ليس لك وادع بينة غيبا .



سبل إنهاء النزاع والخصومات ولماذا يفضل الصلح على القضاء

اقصد من هذا الموضوع تعريف القارئ بطرق أفضل من القضاء في حل الخصومات ؛ فالقضاء كما هو معلوم من أهم الطرق لإنهاء الخصومة وقطع النزاع وتأدية الحقوق إلى أهلها في كثير من الحالات؛ ولكن هذا السبيل محصور في فئة القضاة ولا يسمح به إلا لهم وعددهم قليل وقضاياهم لا حصر لها ولا مجال للتطوع فيه أو المبادرات .

كما أن القضاء له أماكن معينة وإجراءات كثيرة وعلانية غير محببة التي بسببها قد يفضل المتخاصمين القطيعة أو الهجر وإبقاء الخصومة وتأجيل المصالحة أو أية سبل أخرى على رفع أمرهم إلى القضاء .

وكذلك كثيرا ما يكون رفع الخصومة إلى القضاء يزيد في القطيعة خاصة بين الأقارب أو الجيران قال عمر رضي الله عنه : ( ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن ) . كما أن القاضي لا يتدخل ولا ينظر في القضايا إلا بعد رفع الدعاوى من أحد الخصوم أما قبل ذلك فلا وكما هو معلوم ليس كل من تقع بينهم العداوات والخصومات يرفعونها إلى القضاء .


إذاً ما السبيل لإنهاء النزاع إذا لم يرفع الأمر إلى القضاء ؟

إذا حدثت خصومة أو عداوة بين أقاربك أو جيرانك أو أصدقاءك من حولك وخفت تفاقم الأمر واستفحال الخطب وساءك ما ترى وحرصت على تصفية القلوب و لم تكن قاضيا وأردت سبيلا للتدخل بستر ومراعاة لخصوصية البيوت والأشخاص فعليك بسبيل المصلحين هذا السبيل الذي في متناول الجميع وليس محصور بأحد ولا يرد عنه راغب سواء كان قريبا أو جارا أو صديقا أو أيا كان .


فتستطيع التدخل بسرية ومراعاة للخصوصية مستعينا بالله وملحا له بالدعاء أن يوفقك لتسوية النزاع ويرزقك الإخلاص في القول والعمل لوجهه تعالى متسلحا بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والنصيحة الصادقة فتلطف الأجواء وتصفي القلوب وتزيل أسباب الخصام وتوفق بين الآراء حتى يكون الاتفاق ويحل الوفاق ويتم التراضي والوئام .


وهذا السبيل سبيل المصلحين له أثار أفضل على المتخاصمين في إنهاء الخصومة بالتراضي أفضل بكثير من القضاء في كثير من الحالات وله إلزامية الحكم ونفوذه مثل حكم القاضي إذا اتفقوا وتراضوا بشرط بعد التصالح إذا كانت هناك أية استحقاقات أن تصدق فقط من قبل القاضي .



آيات وأحاديث في فضل الإصلاح

• قال تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) . [الحجرات: 9] .

• وقال تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً).[النساء: 114]

• قال تعالى : ( والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين ) .[الأعراف: 170] .

• وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا بلى ، قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة ) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث صحيح ، وللترمذي ( لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ) .

• وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب سمح البيع ، سمح الشـراء ، سمح القضـاء ) .

• والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول : ( اشفعوا تؤجروا ) أخرجه البخاري ومسلم .

• ويقول صلى الله عليه وسلم : ( كل سُلامى من الناس عليه صدقة كلَّ يوم تطلع فيه الشمس ، تعدل بين الاثنين صدقة ) أي تصلح بينهما بالعدل • أخرجه البخاري ومسلم .

• ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصدقة إصلاح ذات البين) • أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الألباني .

• ويقول صلى الله عليه وسلم : ( ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة ، وصلاح ذات البين ، وخلقٍ حسن ) •

• والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كُرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) . رواه أبو داود وابن ماجه وقال الألباني حديث صحيح .


ميادين الإصلاح
ونماذج من إصلاح النبي صلى الله عليه وسلم
ميادين الإصلاح كثيرة وأينما كان الخلاف ندب الإصلاح سواء كانوا أزواجاً أو أقارب أو جيران أو أصدقاء أو قبائل وعشائر وسنذكر لكم أمثلة ونماذج من إصلاح النبي قدوتنا عليه الصلاة والسلام فكان صلحه :

1ـ في الأفراد والجماعات :
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ : ( اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ ) رواه البخاري .

2ـ في الأزواج والزوجات والأقارب والأرحام :
جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ : ( أَيْنَ ابْنُ عَمِّك ؟ِ قَالَت:ْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي ، فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإِنْسَان:ٍ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ فَقَال:َ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ) رواه البخاري . ومهمته الساعي في هذا الميدان وصل قطع الرحم بإزالة الخلاف وإعادة الالتحام والمودة بين الأسر المتناحرة .

3- بين المتداينين :
عن كَعْبٍ بن مالك أَنَّه تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتٍه فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ : يَا كَعْبُ فَقَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه، ِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ فَقَالَ كَعْب:ٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُمْ فَاقْضِه ) رواه البخاري . ومثاله في هذا الميدان التدخل لحل مشكلات الديون ، والتوفيق بين الأطراف بإيجاد حلول عادلة ومرضية للطرفين .

4- في القبائل والطوائف :
مر رجل من اليهود بملأ من الأوس والخزرج ، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والأُلفة ، فبعث رجلاً معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بُعاث وتلك الحروب ، ففعل ، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوسُ القوم وغضب بعضهم على بعض ، وتثاوروا ، ونادوا بشعارهم ، وطلبوا أسلحتهم ، وتواعدوا إلى الحرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجعل يُسكنهم ويقول : ( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ ) وتلا عليهم ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) [آل عمران: 103] . فندموا على ما كان منهم ،واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم جميعاً • ومجاله حل القضايا القبلية المستعصية .

5- في الأموال والدماء وفي النزاع والخصومات :
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : سَمِع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَ ، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُول:ُ وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقَالَ (أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ ؟ فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ ) رواه البخاري ومسلم . ومثاله في زماننا فض المنازعات في قضايا الأموال ، والأراضي ، والعقارات ، والتعديات، والقضايا الزوجية ، والأسرية ، وغيرها .



قضايا يشرع فيها الإصلاح وقضايا يمتنع فيها الإصلاح
يجب أن تتعرف يا من تريد الإصلاح بين الناس على الحالات التي يشرع الإصلاح فيها والحالات التي لا ينبغي الإصلاح فيها :

حالات يشرع ويستحب السعي في الإصلاح فيها بين الناس :
• إذا كان المتخاصمون أقارباً أو جيران أو من ذوي الهيئات والفضل .

• إذا كانت الخصومة في أمر بسيط ولكن استفحل وتوسع مع طول الخصام وسعي أهل الشر والفساد .

• إذا أشكل الحق على القاضي ولم يتبين المصيب من المخطئ منها وتقاربت الحجتان .

• إذا كان صاحب الحق غنيا والذي عليه الحق ضعيفا معسرا فيتنازل الغني صلحا عن بعض حقه .

• إذا طال الخصام في أمر وانقطعت الاتصالات والعلاقات وكثر التشعيب فيه .

• إذا وقعت العداوة بين الأطراف وحدثت القطيعة وتجاهل كل طرف الآخر وهجره .

• إذا كانت الخصومة بين فئات كبيرة من الناس كالقبائل والعشائر وخشي من فصل القضاء تعاظم المشكلة .

• إذا علم أن القضاء أو الحكم القضائي بغير الإصلاح لا ينهي الإشكال ولا يعود بفائدة على الخصوم .

حالات يمتنع فيها الإصلاح بين الخصوم :
• يحرم الصلح إذا كان في حق من حقوق الله أو مما لا يجوز الاعتياض فيه كالحدود مثل الزنا واللواط والسرقة فإذا وقعت خصومة في مثل هذه القضايا فلا يجوز الإصلاح فيها أو الشفاعة ولا يجوز التنازل لأنها حق من حقوق الله ولا يملك احد إسقاط هذا الحق، أما حقوق العباد فهي تقبل الصلح بالإسقاط أو المعاوضة عليها .

• وكذلك يمتنع الصلح إذا تبين أن احد الخصوم ظالم ومعتد في خصومته وأن قصده الإضرار بالآخرين ونهب حقوقهم ؛ فعندئذ يحرم السعي في الصلح إلا أن يراد نصحح وتخويف بالله فإن أبى فيجب أن يردع عن فعله ويعاقب ؛ لأن الصلح تنازل من الطرفين وتجاوز عن بعض الحق فإذا أعطي الظالم وتنازل له المظلوم عن بعض حقه وهو مبطل نكون قد أعنا الظالم على المظلوم وكافأناه على ظلمه وكان في هذا الصلح سبيلا للتحايل لأخذ حقوق الناس بغير وجه حق .

بعض شروط الصلح بين المتخاصمين
1. أن لا يشترط في الصلح إذا تم شرطا مخالفا لحكم الله فان كان مخالفا لحكم الله فانه لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط ) رواه البخاري ولا يتضمن شيئا محرما كأن يكون تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ) حديث حسن صحيح رواه أبو داود والترمذي .
2. أن يكون الصلح قد تم بتراض من الجانبين المتخاصمين لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) رواه النووي في المجموع شرح المهذب .
3. أن يكون الحق المتنازع فيه من حقوق العباد التي يجوز الاعتياض عنها . مثل الأموال والديون والدماء .

الأهداف العامة لمريد الإصلاح والثمار المرجوة

إصلاح ذات البين له أهداف ماتعة ، وثمار يانعة ، ومن أهمهما قدراً ، وأبعدها منزلة ما يلي :

1 - طلب الأجر والثواب من الله تعالى قال تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس .... ) [النساء: 114].

2 - تحقيق مبدأ التعاون على البر الذي أمر به رب العالمين قال تعالى : (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان .... ) [المائدة: 2] .

3 - تحقيق مفهوم الأخوة والحرص على توثيق روابط المودة ، وإعادة جسور المحبة قال تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا .... ) [آل عمران: 103] .

4 - الحرص على تماسك المجتمع ، وبث عبير الألفة ، وعبق الرحمة ، وأريج التسامح •

5 - بذل النصح ، وإسداء التوجيه للبيوت المسلمة بتقوى الله تعالى ، والمحافظة على صلة الرحم ، ومراعاة حقوق القرابة ، واحترام مكانة الجار، وتعميق روح التآخي •

6 - السعي في الستر على المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ) حديث صحيح رواه أبو داود وابن ماجه •

7 - الحرص على إقالة عثرات العاثرين .

8 - إحياء هذه السنة الجميلة ، بل الأمر الإلهي في نفوس أهل الخير ، وطلبة العلم ، ومحبي الإصلاح .

9 - الدعاء الجميل ، والثناء الكبير ، حيث ارتفعت أيدي الناس بالدعاء ، ولاسيما من حُلّت له قضية ، أو نفست عنه كربة ، أو قدمت له مساعدة ، فما أحسن أن ينام الإنسان ملء عينيه والأكف ترتفع في جنح الليل تدعو له ، وتترضى عنه ، وتثني عليه •

10 - التمكن من وصل حبال المودة ، وإقامة جسور المحبة بين بيوت كثيرة كان الشقاق يدب في أوصالها ، ويتسلل إلى أعماقها ، وأضرمت فيها نيران الفرقة ، وأُرسلت عليها ريح الخصومة .




آداب وصفات الساعي المصلح والوسيط
• أن يستشعر أنها عبادة يقوم بها استجابة لأمر الله ( وأصلحوا ذات بينكم ) [الأنفال :1]ومخلصا له وطلبا لمرضاته ( ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) [النساء: 114] ومحتسبا الأجر من الله إن الله لا يضيع اجر المصلحين .

• أن يكون ذا خلق ودين محافظاً على نفسه من الوقوع في المحرمات أو المجاهرة فيها تقياً متصفاً بالأخلاق الكريمة مبتعدا عن الأخلاق السيئة لا يغتاب ولا ينم لأن الغيبة والنميمة إفساد والإفساد والإصلاح لا يجتمعان .

• أن يتصف بروح المبادرة والحرص على نشر الخير من تلقاء نفسه وعدم انتظار دعوة للتوسط ، وليكن قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم حين علم بخصومة بين أهالي قباء قال : ( اذهبوا بنا نصلح بينهم ) رواه البخاري.

• أن يتحلى بالحلم وسعة البال والصبر والتأني وعدم العجلة . لأنه سيدخل بين أطراف متخاصمين والخصومة مظنة الظلم والاعتداء وطيش العقل وفلتان اللسان وليعلم أن مهمته مرهقة فليوطن نفسه على التحمل وسعة الصدر ولين الجانب ومقابلة الإساءة بالإحسان واحتمال ما يصدر من سفه وتطاول وترديد كلام .

• أن يكون ذا علم شرعي عالم بما يحل ويحرم والشروط والأحكام خاصة في مجال الخصومة .

• أن يكون خبيرا في مجال النزاع عالما بالوقائع محيطا بالقضية وملابساتها باحثا عن مسبباتها عارفا بطرق معالجة المشكلات ووضع الحلول والتسويات العادلة المقترحة سواء كانت في مجال المشاكل الزوجية أو العقار أو الديون .

• أن يكون لطيفاً مع الناس وأن يحرص على استعمال الأسلوب الحسن والحكمة والبصيرة. والبعد عن العبارات الجارحة حتى مع العصاة فالتوبيخ والتعيير بالذنب مذموم والقصد من التلطف هو إصلاح العوج ، وسد الخلل ، وبيان الصواب و القيام بواجب الإصلاح من غير أذى .

• أن يكون المصلح محايدا وهذه من أهم الصفات وأكثرها تأثيرا في عملية الإصلاح لذا وجب أن يحرص على أن ينظر إليه الطرفان بوصفه شخص محايد لا يميل مع أيهما حتى لو كان احدهما قريبا أو صديقا أو ذا علاقة معه وإذا كانت لك علاقة مع احدهما فيجب أن يوضح من البداية أن هذه العلاقة لا دخل لها ولا تأثير في هذا النزاع ويجب أن تسعى إلى ترسيخ هذا المفهوم لان الميل يفقدك الفاعلية والقدرة على الإقناع والتأثير .ولقد قامت مجموعة من علماء النفس بإجراء دراسة حول تأثير الوسيط المحايد في عملية الوساطة وكان من بين النقاط التي تعرضت لها المجموعة ( ذلك الأثر الكبير الذي يمكن أن يحدث إن نظر احد الأطراف إلى الوسيط بوصفه غير محايد ) .

• أن يتحرى العدل قال تعالى : ( فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين ) [الحجرات: 9]وذلك لأن كثيرا من الناس لا يعتمد العدل في الصلح بل يصلح صلحا جائرا ظالما فيصلح بين القادر المعتدي والخصم الضعيف المظلوم بما يرضى به القادر صاحب الجاه ويكون له فيه الحظ ويكون الإغماض و الحيف على الضعيف ويظن انه بهذا قد أصلح .

• المحافظة على أسرار المتخاصمين : فذلك من الأخلاق التي يجب على المصلح أن يأخذ بها ، وألاّ يسمح لنفسه بالتفريط في شأنها أما إذا احتاج إلى إفشاء شيء من ذلك لمن يعنيه الأمر ، أو لمن يمكن الإفادة من رأيه فذلك داخل في الإصلاح ؛ يقول الإمام العالم الفضيل بن عياض في أهمية الستر : « المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويفضح » .
المهارات التي يحتاجها المصلح

• مهارات ممتازة في التواصل مع الآخرين .

• القدرة على الإقناع والتأثير على الآخرين .

• مهارات في التعامل مع الناس بمختلف فئاتهم ومستوياتهم .

• مهارة الاستماع والإنصات .

• مهارات في تقديم النصيحة والمشورة .

• مهارة حل المشكلات والإبداع في إيجاد الحلول والتسويات المقترحة .



خطوات السعي في الإصلاح
ومراحله ومتطلبات كل مرحلة والتنبيهات المتعلقة بها :

أولا: قواعد وأساسيات عند العلم بالخصومة وقبل البدء بالسعي في الإصلاح بين الناس :
• العلم المتيقن بوقوع الخصومة :
لابد على الراغب في الإصلاح بين الخصوم أن يكون ذا علم متيقن بوقوع الخصومة .

• التصور العام للقضية :
فلا بد للمصلح إذا أراد الدخول في قضية ما - أن يكون على تصور عام لها ؛ إذ كيف يدخل في مجاهل ، ومفاوز لا يدرك غورها، ولا يسبر مسالكها ؟ . فلا بد – إذاً - من تصور القضية ، ومعرفة أطرافها ، وأحوال أصحابها ، وما يكتنفها من غموض ، وظروف ومن ثم ينظر في إمكانية الدخول فيها وهي الخطوة التالية .

• النظر في إمكان الدخول في القضية :
فإذا تصور المصلح القضية تصورا عاما نظر في إمكان الدخول فيها ، وجدوى السعي في حلها . وقد يحتاج إلى الاستشارة والاستخارة ؛ فربما تكون القضية فوق طاقته ، وربما يكون دخوله فيها كعدمه ، بل ربما لحقه ضرر دون أدنى فائدة . ومن هنا كان التحري ، والتروي ، وحسن النظر متحتماً قبل الدخول في القضية .




• ألاّ تدخل في قضية بشرط النجاح :
بل عليك - أيها المصلح - بذل الوسع ، واستنفاد الطاقة ، ثم بعد ذلك وطّن نفسك على أن محاولاتك ربما لا تفلح ؛ فلا يكبر عليك ذلك ، وأعلم بأنك مأجور مثاب ، وليس من شرط الإصلاح إدراك النجاح ، وليكنْ شعارك ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) [هود: 88] .

• الدعاء وسؤال الله التوفيق :
فمهما بلغ الإنسان من الكياسة والفطنة ، والسياسة ، وحسن التصرف - فإنه لا يستغني عن توفيق الله ولطفه ، وإعانته ؛ فليلجأ المصلح إلى ربه وليسأله التوفيق ، والتسديد , واللطف ، فإنه - عز وجل - يجيب من دعاه ، ويعين من استعان به ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) [غافر: 60] .

• اختيار الوقت المناسب للصلح وعدم العجلة :
يجب اختيار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين حتى يؤتي الصلح ثماره ويكون أوقع في النفوس وأحيانا يفضل أن لا تبدأ بالإصلاح حتى تبرد القضية ويخف حدة النزاع وينطفئ نار الغضب ثم بعد ذلك تصلح بينهما لكن إذا أبيت إلا التدخل فعليك بتهدئة النفوس وجبر الخواطر ونزع فتيل الغضب أولا .

• التدرج في عرض الصلح :
أن يكون الحديث والسعي على مراحل متدرجة وجرعات ، تبدأ خفيفة ، ثم تكثف بعد ذلك ، فيستحسن التمهيد للموضوع ، وجس النبض ، ثم المعاودة بعد مدة من الزمن ، ثم يكثف الجهد بعد ذلك ؛ ويتأكد التدرج في القضايا المستعصية و الخصوم المتعنتين•



• الحذر من اليأس :
فربما حاولت المحاولة الأولى ، وبذلت وسعك في معالجة المشكلة فأخفقت ؛ فإن كنت قصير النَّفَس ، ضيق الصدر أيست من العلاج ، وتركت المحاولة إلى غير رجعة . أما إذا أخذت بسياسة النفس الطويل ، وتدرّجت في مراحل العلاج مرحلة مرحلة أوشكت أن تصل إلى مبتغاك .

• سلوك مسلك النجوى والمسارّة :
إن من الخير في باب الإصلاح بين الناس أن يسلك به المصلح مسلك النجوى والمسارّة فإن من الناس من يصر على أن تكون المبادرة من خصمه وآخر يتأذى من نشر مشاكله أمام الناس ومن المعلوم أنه كلما ضاق نطاق الخلاف كان من السهل القضاء عليه فلذلك تفضل النجوى في الإصلاح قال تعالى ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) [النساء: 114] .

• الوضوح والصراحة :
والمقصود بالصراحة ألاّ يساير أحداً من الخصمين على باطل ، وألاّ يَعِدَ أحداً منهما وعداً وهو غير قادر على إنفاذه ، إلى غير ذلك مما يستلزم الوضوح والصدق. وليس من شرط ذلك أن يشتد المصلح ، أو أن يواجه الخصوم بما يكرهون بحجة أنه صريح ، بل يحرص على أن تكون صراحته مغلفة بالأدب واللباقة ، وأن تكون كلماته خفيفة ؛ كما لا ينافي الصراحةَ تنميةُ الخير, واستعمال المعاريض , والعبارات الواسعة التي تُصلح وتقرب كما ستقرأ في النقطة التالية .




• جواز الكذب لأجل الإصلاح :
أذن الشارع للمصلح بنوع من الكذب في العبارات وفي الأمور التي توفق وتقرب وتخفف من شدة العداوة وتحببهم إلى بعض قال صلى الله عليه وسلم ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا ) رواه البخاري . ومن أمثلة ذلك أن يحاول المصلح تبرير أعمال كل من المتخاصمين وأقوالهما بما يحقق التقارب ، ويزيل أسباب الشقاق والخلاف ، وأحيانا ينفي بعض أقوالهما السيئة فيما بينهما ، وينسب إلى كل منهما من الأقوال الحسنة في حق صاحبه مما لم يقله مثل أن يقول : فلان يسلم عليك ويحبك ، وما يقول فيك إلا خيرا ونحو ذلك .

• أهمية مراعاة الخواطر وتهدئة النفوس :
ويندرج تحت ذلك أمور كثيرة ، وربما كان بعضها صغيراً ، لكنه قد يغير مسار القضية تماماً ، فيدخل تحتَ ذلك تجنبُ بعضِ الكلمات الجافية المثيرة ، واستعمالُ العبارات اللائقة الجميلة التي تبهج النفس ، وتشرح الصدر .
ويدخل في ذلك اللمسةُ الحانيةُ ، والبسمةُ الصادقة ، ويدخل فيه استثارة النخوة ، وتحريك العاطفة ، بل قد يدخل فيه العتب والغضب إذا كان ذلك في محله ، وممن يليق منه ذلك . ويدخل في ذلك مراعاة العادات ، وفهم الطبائع والنفسيات . فهذه الأمور، وما جرى مجراها من جملة ما يحتاجه المصلح .

• الرفع من قيمة المتخاصمين :
وذلك بإنزالهم منازلهم ، ومناداتهم بأحب أسمائهم إليهم ، والحذر من انتقاصهم ، أو الحطّ من أقدارهم .




• الحذر من الوقيعة بأحد الخصمين عند الآخر :
حتى لو كان ذلك مجاملة ومسايرة لخصمه فهذا منافي لما يجب على المصلح أن يتصف به وهو ضرب من الغيبة المحرمة , ولأنهما ربما اصطلحا، فأخبر كل واحد منهما بما قلته في صاحبه ؛ فتحصل على الضرر من غير ما فائدة ، وقديماً قيل :
كم صاحبٍ عاديتَه في صاحبٍ............... فتصالحا وبقيتَ في الأعداء

• في كل الخطوات عليك دائما بالوعظ والنصيحة وتذكير الخصوم بالعاقبة :
فيحسن بالمصلح أن يُذكِّر الأطراف المتخاصمة بالعاقبة ؛ فيذكرهم بعاقبة الخصومة , وما تجلبه من الشقاق , وتوارث العداوات , واشتغال القلوب , وغفلتها عن مصالحها . ويذكرهم كذلك بالعاقبة الحميدة للصلح في الدنيا والآخرة , ويسوق لهم الآثار الواردة في ذلك كقوله تعالى - : ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) [البقرة: 237]وكقوله : ( وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ ) [آل عمران: 134] وكقوله : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) [الشورى: 40] . ويسوق لهم قصصاً لأناس عفوا , فحصل لهم من العز , والخير ما حصل ... فذلك يبعث النفوس إلى الإقصار عن التمادي في الخصام . ولا بأس بالإطالة في النصح والوعظ والإكثار من ذكر الآيات والأحاديث إذا دعت الحاجة .

• عليك بحسن الاستماع :
لأن كلَّ طرف من الأطراف يزعم أنه على حق ، وأن صاحبه على باطل ؛ فيحتاج كلُّ واحد منهما إلى مَنْ يَستمع إليه ، ويرفق به ، ويأخذ ويعطي معه . بل إن بعض الخصوم يكفيه أن يفرغ ما في نفسه من غيظ ، أو كلام ؛ فيشعر بعد ذلك بالراحة ، ويكون مستعداً لما يُراد منه .




• أهمية تحديد المشكلة بدقة :
فلا تعتمد إلا على الحقائق الثابتة لا على العواطف والتخمينات والآراء والإشاعات أو المشاعر فهذه رغم أنها أشياء مؤثرة في القضية إلا أنها تعتبر ثانوية للمشكلة في حد ذاتها وعرضه للإنكار والرفض أما الحقائق فمن الصعب الجدل بشأنها .

• ضرورة معرفة الأسباب الحقيقية للخصام :
يجب أن تضع في الحسبان دائما أن السبيل إلى الإصلاح بين المتخاصمين وإنهائه تماما هو معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى نشوب الخصام فان استطعت أن تعرفها وتعالجها بشكل يرضي الطرفين كان ما بقي سهل وتضمن بذلك أن يدوم الصلح بينهما أما إذا قمت فقط بوعظهم ونصحهم والإلحاح عليهم بجاهك فقد يستجيبون لك حياءاً ويتصالحون صلحا صورياً ثم ما يلبث أن يرجع الخصام مثل ما كان وأشد .
ومما يجدر التنبيه إليه أن أطراف النزاع قد يجدون صعوبة في تقديم المعلومات أو إيضاح الأسباب الحقيقية التي ليست في صالحهم . فعليك اكتشافها بنفسك واختبار المعلومات المقدمة لك بطريقتك .

• التنبه إلى المعوقات والصعوبات والاستعداد لها :
لا يكن في ظنك أن سبيل الإصلاح بين الناس ممهد ومتيسر لكل مصلح وأنه سيستجاب لك في كل ما تطلبه وتنصح به بل عليك أن تعود نفسك وتوطنها على مواجهة الصعوبات والعقبات والمعوقات الكثيرة والتي منها على سبيل مثال لا الحصر : تعنت الخصوم أو احدهما وعدم تنازلهم أو تقبلهم للإصلاح أو عدم تجاوب الخصمين أو أحدهما في إبداء الأسباب الحقيقة للنزاع أو ، أو عدم الحضور لمحاولة تقريب وجهات النظر بينهما • أو تدخل الأقارب أو المعارف بين المتخاصمين بحسن أو بسوء نية ؛ أو محاولة الخداع والكذب والخلط في الدعاوى •


• ضرورة الحياد والاستقلالية :
في تعاملك مع الأطراف والتنبه إلى محاولات أطراف الخصومة لجرك كي تنحاز إلى جانبه وتبني موقفه والدفاع عنه ؛ حافظ دائما على استقلالك وابق محايدا وحافظ على مسافة واحدة معهم حتى لا تفقد قدرتك على التأثير والإقناع .

• التنبه إلى اختلاف أحوال الناس في تعاملهم عند النزاع والخصومة :
فمنهم المتعنت الصلب ومنهم اللين السهل ومنهم الصادق ومنهم الكاذب ومنهم من يتأثر بالمواعظ والأحاديث وثواب الآخرة ومنهم من تؤثر فيه المصالح الدنيوية أو المال أو الإكرام والتقدير وهكذا فيجب على المصلح مراعاة ذلك ومعاملة كل خصم بما يؤثر فيه .

• عليكم بالمتابعة حتى النهاية :
لحل النزاع ، وعدم تركه معلقا ، فتترك للشيطان الفرصة الذهبية ليعيد الخلاف والنزاع فتذهب الجهود سدى .

• وأخيرا قد تحتاج إلى تطبيق كل خطوة من خطوات السعي في الإصلاح والى تجريب كل وسيلة وقد لا تحتاج إلا إلى نصيحة وكلمة طيبة فقط كل ذلك يعتمد على توفيق الله ثم تقبل الخصوم واستعدادهم للصلح والى طبيعة المشكلة .



ثانيا : عند البدء في الإصلاح والاتصال المبدئي بالأطراف والاجتماع بهم :

• التأكد من تعاملك فقط مع الخصوم المعنيين بالقضية :
أو موكلين بمهمة التفاوض وان يكونوا كاملي الأهلية لان التصالح مع الصغير أو المجنون أو السكران لا يقبل ويجب كذلك التأكد من صحة وكالة الوكيل,وأن يكون ذا علم متيقن بهم حتى لا يقع في الخطأ فيعقد الصلح مع شخص فضولي لا دخل له فيكون وجود الصلح كعدمه .

• تحييد وإبعاد كل من لا يريد الإصلاح أو يقف حائلا دونه :
أن تحرص على إبعاد كل من ظهر منه لدد وتشغيب في الخصومة ممن لا أهمية لوجوده إذ لا يحل إدخال اللدد على المسلمين .


• الاستعانة بمن يفيد ويرغب في إنهاء النزاع :
سواء من أقارب الأطراف ، أو من أصدقائهم ، أو معارفهم ، أو من له تأثير عليهم . ويُراعى في ذلك أن يكون أولئك من ذوي الرأي والبصيرة والحكمة خاصة من عرف حرصه ورغبته في الإصلاح وحسنت نيتهم وصدق حالهم .

• ينبغي استقبال الخصوم بالبشاشة واللين :
ومحاولة التخفيف من حدة غضبهم ، والتغاضي عن الإساءات التي قد تحصل من بعضهم وإتباع الطرق الصحيحة في مناقشتهم وذلك باختيار الآيات والأحاديث المناسبة ،والكلمات التوجيهية .


• تقييم الشخصيات :
ويقوم المصلح في هذا الاتصال المبدئي بمعرفة شخصيات الخصوم ونفسياتهم فإن شعر بأن كل طرف يتعامل مع الحقائق ويحترم الطرف الآخر . فهذا يعني أن هناك فرصة جيدة للتوصل إلى صلح سريع أما إن ركز كل طرف جهده على النيل من الطرف الآخر فهذا يعني أن المصلح سيبذل جهدا مضنيا في مهمته .


• خطة وأهداف الإجراءات العملية : التي ينبغي أن تسعى إلى تحقيقها حتى تصل إلى هدفك الأساسي وهو الإصلاح بين الخصوم :

1- إعادة الحوار بين الطرفين خاصة أن كثيراً من الخصومات يحصل فيها قطيعة وهجر وانعدام التواصل وبالتالي سوء الفهم للمواقف .

2- إقناعهما بضرورة التوصل إلى حل وسط مرضي وتوضيح أن ذلك هو سبيل الإصلاح أن يخرج الجميع متصالحين ومحققين مكاسب من اتفاقهم والتأكيد على أن أساس الصلح وقاعدته هو تنازل من الطرفين عن بعض حقوقهما حفاظا على بقاء حبل المودة وإزالة لأسباب العداوة والضغينة .

3- السماح لهما بتفريغ كل المشاعر السلبية في منتهى السرية . وإبداء المصلح شيئا من التعاطف مع كلا الطرفين بهدف تضميد الجراح وتهدئة النفوس وجبر الخواطر .

4- دفع الجانبين إلى التركيز على القضايا والحقائق بدلا من العواطف والأقاويل والإشاعات .

5- حمل الطرفين على التركيز على المصالح المتبادلة والأهداف المشتركة والعلاقات الوثيقة والتركيز على نقاط الاتفاق بدلا من الصراعات .

6- إقناع الطرفين بان عملية الإصلاح ذات أهمية وستنجح في فض النزاع وقطع الخصومة إضافة إلى إزالة الضغينة والعداوة و عودة العلاقات السابقة الحميمة .

7- حمل الطرفين على التقدم بحلول مقترحة للنزاع يرضي بها الطرفان وتقريب وجهات النظر وإيجاد مربع اتفاق بين الخصوم ( مربع الاتفاق سوف يتم بيانه لاحقا ) .

8- إقناع الطرفين بأن الطرف الآخر يمكنه أن يرضى ويتواءم مع الاتفاق النهائي .



ثالثا : أولى الجلسات الانفرادية :

• الانفراد بكل طرف على حدة :
فاللقاء الفردي بكل واحد من الأطراف ربما يحسن في بعض الحالات ؛ حتى لا يحصل الصراع والعراك في بداية الأمر ؛ فيتعذر الإصلاح. فإذا حصل اللقاء الفردي كان ذلك سبباً لأن يقف المُصْلِحُ على حقيقة الأمر ، وما يريده كل طرف من الآخر .

• اختيار المكان المناسب لهذه الجلسات :
حيث إن مكان الخصوم أحياناً لا يناسب للسعي في الصلح فيها لما يحيط بهم من ظروف اجتماعية وأقارب ، أو ذوي نيات سيئة أو كاره للإصلاح لذلك يمكن الترتيب ومتابعة الخصوم والحديث إليهم في غير مقر إقامتهم •

• من أهداف هذه الجلسات :
من أهداف الجلسات الانفرادية بين المتخاصمين إعطاء فرصة للاستماع للخصم ومراعاة مشاعره والتخفيف منها وإبداء التعاطف مع كلا الطرفين وتليين قلبيهما إلى قبول الصلح مع الثناء على لسان أحدهما للآخر . ومحاولة المصلح تبرير أعمال كل من المتخاصمين وأقوالهما بما يحقق التقارب ، ويزيل أسباب الشقاق والخلاف ، وأحيانا ينفي بعض أقوالهما السيئة فيما بينهما ، وينسب إلى كل منهما من الأقوال الحسنة في حق صاحبه مما لم يقله مثل أن يقول : فلان يسلم عليك ويحبك ، وما يقول فيك إلا خيرا ونحو ذلك .





• عليك بحسن الاستماع وأكررها للتأكيد ولأهميتها في هذه المرحلة بالذات :
لأن كلَّ طرف من الأطراف يزعم أنه على حق ، وأن صاحبه على باطل ؛ فيحتاج كلُّ واحد منهما إلى مَنْ يَستمع إليه ، ويرفق به ، ويأخذ ويعطي معه . بل إن بعض الخصوم يكفيه أن يفرغ ما في نفسه من غيظ، أو كلام ؛ فيشعر بعد ذلك بالراحة ، ويكون مستعداً لما يُراد منه .

• ينبغي أن يطرح المصلح الأسئلة التالية أو أية أسئلة أخرى تساعد على فهم قضية النزاع وتصورها تصورا كاملا لإيجاد الحل المناسب والعادل لهما :

1- ما هي قضية النزاع وكيف نشب النزاع بين الطرفين ومتى وما هي أسبابه وما هي التبعات التي حدثت وأثرت عليهما أو زادت في حدة النزاع ؟ .
2- شكل الخسارة والأضرار التي لحقت بهما وتعرض لها كلا الطرفين من جراء هذا النزاع ؟.
3- الأمور التي يسعى الطرفان لحلها ؟.
4- التسوية أو الحل المقترح من وجهه نظر كل طرف وما هو الحل الذي يطلبه كل طرف وما الذي يمكن أن يقبل به ؟ .




رابعا : ثاني الجلسات الانفرادية وتبادل الآراء والمطالب :

• ستُعرف الطرفان في هذه المرحلة على بعض الأسباب التي أدت إلى نشوب النزاع مع تبرير بعض التصرفات التي قد تزيد الشقة وستُعرف كل طرف على مطالب الطرف الآخر وستؤكد على أهمية التركيز على الحقائق لا العواطف كما يجب أن تشعرهما بأنهما يسيران في الطريق الصحيح لإنهاء خصومتهم وحل قضيتهم بما يرضي الطرفين .

• أن تذكر كل طرف بأنه يحب أن يسعى لان يكون أكثر تجاوبا وأكثر اعتدالا في مطالبه وشروطه .

• يجب أن تبرز أهمية المرونة والتسامح لتجنب الطرق المسدودة فيما بعد ؛ وهو ما يعد أحد العوامل الأساسية لإنجاح مسعاك .

• عدم مواجهة بعضهم بعضاً فيما يدعيه كل منهما على الآخر ، منعاً لزيادة الفرقة والشقاق بينهما .

إيجاد مربع الاتفاق :

من الأساليب الإدارية الحديثة في حل النزاع والتي يناسب أن يتعلمها المصلح ويطبقها خاصة في النزاعات التي تكون على حقوق ( أموال أو أراضي أو عقار ونحوه ) إيجاد ما يطلق عليه مربع اتفاق . ففي موقف الصراع يتخذ الطرفان موقفين متضادين تماما بعيدين عن أي حل :
<-----------------------------------------------------------------------------< موقف الطرف (1 ) موقف الطرف( 2)

وفي العادة يكون الحل الذي سيرضاه كل طرف وسطا بين ما يرغبه فعليا وما يمكنه قبوله

موقف الطرف (1)---------------------------------------------------------------->
ما يرغبه الطرف (1) ما يمكن أن يقبله


ما يمكن أن يقبله ما يرغبه الطرف (2)
<----------------------------------------------------------------موقف الطرف (2)


وعندما يتداخل الموقفان نحصل على مربع الاتفاق

] مربع الاتفـــاق [

>---------------------------------------------------
ما يطلبه الطرف ( 1 ) ما يمكن أن يقبلـه
---------------------------------------------<
ما يمكن أن يقبلـــه ما يطلبه الطرف ( 2 )


وأي اتفاق بين الطرفين في مربع الاتفاق هذا سوف يكون مقبولاُ
ودورك أيها المصلح هو تحريك الطرفين في اتجاه مربع الاتفاق ولكي تنجح في ذلك سوف يفيدك أن تعرف :
1- ليس فقط ما يرغبه كل طرف ولكن أيضا ما يمكن أن يقبل به .
2- وأيضا ما هما مستعدان على التخلي عنه أو المقايضة به أو المساومة بشأنه بحيث يمكنهما التحرك في اتجاه مربع الاتفاق .
3- ومعرفة ما يمكن أن يطلب عوضا إذا ما قرر ووافق الطرفان على استخدام أسلوب المساومة .
ومن المفيد أن تعرف انه كلما عمد احد الطرفين إلى أسلوب المساومة مالت القضية إلى الحل أكثر ؛ وأي تسوية يتم التوصل إليها في إطار مربع الاتفاق عادة ما تحقق مبدأ فائز فائز (المقصود بمبدأ فائز فائز هو أن يشعر الخصمان كلاهما أنهما قد كسبا وربحا في هذا الاتفاق والصلح ) ومن ثم التصالح وهذا لأن الطرفان يرضيان بالتسوية داخل الحدود المقبولة بالنسبة لهما .






[quote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
مقبول حسون
الادارة
الادارة
مقبول حسون


عدد المساهمات : 2413
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

إصلاح ذات البين Empty
مُساهمةموضوع: رد: إصلاح ذات البين   إصلاح ذات البين Emptyالثلاثاء مارس 30, 2010 4:33 pm



• الخصم المتعنت :
من أساليب مفاوضة الخصوم المتعنتين ومساومتهم للتخفيف من حدة مواقفهم أو التوسط في مطالبهم وشروطهم :
1. الاعتماد والتوكل على الله والصبر والتحمل .
2. الوعظ والنصيحة وتذكيره بفضيلة العفو والتسامح والصلح وبيان أجره عند الله عز وجل وذكر الآيات والأحاديث التي تحث على ذلك .
3. الجلسات الانفرادية مع الخصم المتعنت والتدرج في عرض الصلح عليه كما ذكرنا .
4. الاستعانة بالأقارب ممن يرغبون في الإصلاح وخاصة ممن لهم مكانة عند هذا الخصم .
5. الرفع من قيمة الخصم .
6. أيضا كذلك مناقشة الطلبات والشروط والمطالبة بترتيبها من حيث الأهمية
7. ومناقشة صحة وقوة ما يستند إليه ومدى قوة موقفه وهل من صالحه التعنت أم الصلح وبيان مزايا الصلح على القضاء وبيان موقفه لو رفع الأمر من القضاء .
8. مطالبته بطرح الاقتراحات والحلول وعروض التسوية .

هذه بعض الأساليب في مواجهة الخصم المتعنت وهي تختلف باختلاف الشخص وقد يتناسب مع شخص أن تأتي إليه بأسلوب الوعظ والنصح وقد يتناسب مع أخر الاستعانة بالأقارب أو أكابر الناس كل ذلك يعتمد على طبيعة الشخص (راجع قواعد وأساسيات عند العلم بالخصومة وقبل البدء بالإصلاح ) .

• وحين تطرح الاقتراحات من كلا الطرفين وحين يتم إيجاد مربع اتفاق يرضى بها الطرفين نكون قد انتقلنا إلى مرحلة جديدة ذات أهمية وهي مرحلة الجلسات المشتركة .


خامسا : أثناء الجلسات المشتركة :
• مكان انعقاد الاجتماع :
يجب أن ينعقد الاجتماع المبدئي في مقر الوسيط ؛ فإن لم يكن ففي أي مكان محايد .

• الـتأكد من حضور الجميع:
التأكد من حضور الخصوم وكل من له علاقة بالقضية أو يلحقه ضرر من الصلح الذي سيتم .
• المحافظة على آداب المجلس :
وأن يؤكد و يطلب من الحضور عدم التطاول على بعض وشتم وبعض وخلط الدعاوي والحجج .

• ويبادر المصلح عند بداية الاجتماع بالحديث وافتتاح الحوار ويبدأ بخطبة الصلح :
ويفضل أن يطيل فيها للتأثير وكانت العرب لا ترى بأسا من إطالة خطبة الصلح ولا يعدونه من الإطناب الممل قيل لقيس بن خارجة : ما عندك في حمالات داحس ؟ قال : عندي قرا كلّ نازل ، ورضا كلّ ساخط ، وخطبة من لدن مطلع الشّمس إلى أن تغرب ، آمر فيها بالتّواصل وأنهى عن التقاطع .

• وعليك في هذه الخطبة تذكير الخصوم بالعاقبة :
فيحسن بالمصلح أن يُذكِّر الأطراف المتخاصمة بالعاقبة ؛ فيذكرهم بعاقبة الخصومة , وما تجلبه من الشقاق , وتوارث العداوات , واشتغال القلوب , وغفلتها عن مصالحها . ويذكرهم كذلك بالعاقبة الحميدة للصلح في الدنيا والآخرة , ويسوق لهم الآثار الواردة في ذلك كقوله – تعالى - : ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) [البقرة: 237] وكقوله : ( وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ ) [آل عمران : 134] وكقوله : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) [الشورى: 40] . ويسوق لهم قصصاً لأناس عفوا , فحصل لهم من العز, والخير ما حصل . وهكذا…
• والتأكيد على أن الصلح في غالب أحواله فيه تضحية وتنازل من الجانبين :
ونزول عن بعض الحق المدعى لذا فهو يغلب عليه عدم الرضى الكامل والباطن بين المتصالحين أو احدهما إلا انه بمقابل ذلك يبين لهم ما يحصل للمتصالحين بعد إبرامه من إنهاء النزاع واستحقاق لما اتفق عليه مما ينتج عنه من استقرار للأملاك والحقوق وزوال الخصومات واختصار للجهد والوقت وإصلاح ذات البين .

• ويحرص على التركيز على أهمية الأمور الآتية :
يجب أن يؤكد أنه ليس قاضيا أو حكما وأن هدفه الإصلاح وأنهم لم يجتمعوا في هذا المكان كي يسعى احد الأطراف لإقناعه أو إقناع الطرف الأخر بأنه هو المصيب وأن الأخر هو المخطئ كما يجب أن يخبرهم أن الصلح لن يؤتي ثماره إن أصر احد الطرفين على التعنت والتمسك بوضعه المبدئي في محاولة لإثبات خطأ الطرف الأخر.

• وبعد ذلك يبدأ كل طرف بعرض وبيان موقفه وهي إحدى النقاط بالغة الأهمية إذ أن الخلاف قد يكون قد نشب بين الجانبين منذ شهور كما انه يرجح أن يكون الاتصال قد انقطع بينهما ؛ أما الآن فقد أصبح كل طرف قادرا على شرح قضيته مباشرة للطرف الآخر وهي نقطة نفسية وحساسة وبالغة الأهمية بالنسبة للطرفين إذ أن كل طرف سيشعر بالارتياح بعد أن افرغ كل ما في جعبته وهذا يعني أن الحالة المعنوية لكلا الطرفين قد باتت مرتفعة وأن الطريق قد أصبح ممهداً للتوصل إلى حل وسط .

• فإن قام احد الطرفين بطرح نقطة ما لإثارة الجدل ولكن بدون دليل فيجب أن يذكره المصلح بلطف بأنه لا يصح التعامل إلا مع الحقائق المثبتة وأن الظنون والتخمينات لا يعتد بها .


سادسا : فإذا تم الاتفاق والتراضي والوصول إلى حل مقبول من الطرفين فيجب التنبه إلى أمور :

• الحذر من إلحاق الضرر بأيٍ من الخصوم :
وذلك بالحرص على ألاّ يترتب على الإصلاح إضرار بأحد الأطراف قال رسول الله صل الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ) ، ولا بد حتى في الصلح من مراعاة العدل وعدم الظلم والتعدي قال تعالى ( ....فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين ) [الحجرات: 9] .

• ضرورة الرضا على ما تم الاتفاق عليه من قبل الخصوم :
لان المقصود من الصلح هو إنهاء الخصومة وقطعها فإذا انعدم التراضي وأجبر أحد الطرفين على ما لا يريد ظل النزاع قائما ولم تحصل فائدة جهود الإصلاح ثم إن الصلح يكون فيه غالبا تنازل عن بعض حق المدعى وهذا تبرع والتبرع لا يكون إلا برضا من الشخص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) .


سابعا : بعد الاتفاق والتصالح :

• مشروعية توثيق عقد الصلح والإشهاد عليه :
حيث أن هذا الإجراء سبب من أسباب درء الخصومات وقطع المنازعات فان غالب الخصومات ترجع إلى عدم وجود بينه عند أحد الخصوم أو كلاهما .وينبغي عند توثيق الصلح الذي تم مراعاة الآتي :أن يكون مبدوءاً ببسم الله الرحمن الرحيم وأن يكتب أسماء المتصالحين كاملة وأن تشتمل الوثيقة على الإشارة إلى نوع المصالحة والأمور التي اشتملت عليها وذكر الشروط والمستثنيات ونحو ذلك وكذا ذكر من قام بالمصالحة فيما بينهم وأن يذكر الشهود بأسمائهم ويشير إلى حضورهم إن كانوا حاضرين وقت كتابة الوثيقة وأن تشتمل الوثيقة على ذكر تاريخ اليوم والشهر والسنة وأن تشتمل وثيقة الصلح على الإمضاء من أطراف النزاع والشهود ومن قام بالإصلاح وكاتب الوثيقة وينبغي أن يجعل للوثيقة أكثر من نسخة كأن تكون للخصمين نسختان ويحتفظ المصلح بنسخة عنده .

• يجب أن ينبه الجميع أنه إذا وقع الصلح بشروطه من شأنه أن يسقط الحقوق :
والدعاوى التي جرت من أجلها المصالحة وأن يؤمن لكل من الطرفين ملكية الأشياء التي سلمها إليه الفريق الآخر أو الحقوق التي اعترف بها . مع العلم أن اثر الصلح يقتصر على الحقوق التي تناولها وحسم الخصومة فيها دون غيرها .


• وأن يتم تنفيذ ما أتفق عليه :
فلابد من الصلح المبرم بين طرفين أو أكثر من إلزام بما اتفق عليه وتنفيذ لآثاره المترتبة على ذلك حيث أن وقوع الصلح مجردا عن آثاره المترتبة على وقوعه وإبرامه وعدم تنفيذها يجعله قريبا من الصلح الأجوف .

• وإذا لم يتم تنفيذ ما اتفق عليه :
في حالة وقوع الصلح بين المتصالحين والانتهاء من إبرامه وإمضاءه ولم يحصل من ذلك تنفيذ عملي للصلح كأن يكون ناتجا عنه مماطلة وظلم من أحد أطراف الخصومة فانه يجوز للآخر أن يطلب إما تنفيذ للصلح المتفق عليه مع الإمكان أو فسخ الصلح لأنه تبيّنا بذلك ظلم الخصم الآخر وإيراده المشاقة وإيقاع الضرر بخصمه والضرر يزال .


• التأكيد على أطراف الخصومة بعدم التحدث :
بما حصل من الخصومة وألا يذكراه لكائن من كان وان يحتسب كل منها ذلك عند الله تعالى وكذلك ألا يغتاب خصمه أو يسبه أو يشتمه في حضوره أو غيابه .


• وأن يطلب المصلح من الطرفين بعد الاتفاق الإبراء عن كل حق رضوا بتجاوزه في الدنيا والآخرة .

والحمد لله رب العالمين .


الخـــاتمة

تم بحمد الله الانتهاء من كتابة هذا البحث في 17 / 10 / 1428 هـ
هذا البحث الذي كان في بدايته رغبة مني فقط في تعلم هذا الفن وإتقانه . وخوفا من ضياع الجهد بسبب النسيان كانت من عادتي في دراسة أي فن أن أعد فيه بحثا ليبقى لي مرجعا متى ما أردت استذكاره ومراجعته .

فكانت أولى خطواتي البحث والاطلاع في كتب الصلح والإصلاح في الشريعة الإسلامية وكذلك في كتب الإدارة وفنون التفاوض والوساطة وأيضا في بعض المقالات في الانترنت .

وقمت بتجميع هذه المعلومات وتلخيصها وضبط المهم منها حتى أصبحت عندي معلومات كثيرة ومتشعبة تحتاج إلى تأليف بينها فكنت أرتبها وفق ما يلهمني ربي فكان هذا التقسيم الذي في اعتقادي لم يكن على نسق سابق حيث لم اطلع على أي كتاب يبين كيفية الإصلاح بين الناس وفق هذه الطريقة بذكر أحكامه وآدابه وقواعده وتقسيمه إلى خطوات من بداية السعي إلى نهاية الاتفاق والتصالح ، فهي اجتهادات مني قد أكون أصبت فيها وقد تجد بعض الأخطاء التي هي من طبيعة البشر.

وأنا أجزم أن بحثي هذا ينقصه الكثير وقد تكون عليه ملاحظات لكنني كذلك متوقع أنه سيضيف لك الكثير في هذا الميدان وسيوضح لك كثيرا مما قد يخفى عليك يا من ترغب في الإصلاح وقد تكون لديك إضافات وأفكار وطرق تجد أهمية إضافتها في البحث وضرورة اتبعاها فأن استطعت أن تكون ايجابيا وتنفع أخاك المسلم فلا تحرمني منها وأرجو أن تراسلني على بريدي الالكتروني وتزودني بما عندك .


أخوكم في الله
فهد بن فريج المعلا
Fahd1398@hotmail.com














المصادر والمراجع

• كتاب الصلح وأثره في إنهاء الخصومة في الفقه الإسلامي محمد محجوب عبد النور .

• كتاب التحكيم في الشريعة الإسلامية .

• كتاب الصلح في الخصومات احمد صالح البراك .

• كتاب أسرار قوة التفاوض روجر داوسون .

• كتاب تسوية الصراعات مترجم ماكس ايه ايجرت وويندي فالزون .

• كتاب كيف تصبح مفاوضا ناجحا جيمس ج باترسون .

• مقال معالم في إصلاح ذات البين محمد الحمد موقع الإسلام اليوم .

• سي دي الموسوعة الشعرية كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري .

• قانون الوساطة لتسوية النزاعات المدنية .

• مقال إصلاح ذات البين لسلمان يحيى المالكي .

• خطبة الإصلاح بين الناس لمحمد صالح المنجد .

• مقال فضل الإصلاح بن الناس لعبدالله السويلم من موقع صيد الفوائد .

• خطبة إصلاح ذات البين للشيخ صالح بن حميد.

• كتيب دور الجهات غير القضائية في إصلاح ذات البين لناصر بن مسفر الزهراني .

• مقال آداب وصفات لجان الإصلاح لخالد غنائم .



فهرس المحتويات

الموضوع الصفحة
1- مقـدمــــة 3
2- خطـــة البحــث 6
3- تعريف الإصلاح بين الناس والوساطة 7
4- سبل إنهاء النزاع والخصومات ولماذا يفضل الصلح
على القضاء 9
5- آيات وأحاديث في فضل الإصلاح 11
6- ميادين الإصلاح ونماذج من إصلاح النبي صلى
الله عليه وسلم 14
7- قضايا يشرع فيها الإصلاح وقضايا يمتنع فيها
الإصلاح 16
8- بعض شروط الصلح بين المتخاصمين 17
9- الأهداف العامة لمريد الإصلاح والثمار المرجوة 18
10- آداب وصفات المصلح والوسيط 20
11- المهارات التي يحتاجها المصلح 22
12- خطوات السعي في الإصلاح 23
13- أولا: قواعد وأساسيات عند العلم بالخصومة
وقبل البدء بالسعي في الإصلاح بين الناس 23
14- ثانيا : عند البدء في الإصلاح والاتصال المبدئي
بالأطراف أو الاجتماع بهم 30
15- ثالثا : أولى الجلسات الانفرادية 33
16- رابعا : ثاني الجلسات الانفرادية وتبادل
الآراء والمطالب 35
17- خامسا : أثناء الجلسات المشتركة 39
18- سادسا : فإذا تم الاتفاق والتراضي والوصول
إلى حل مقبول من الطرفين 41
19- سابعا : بعد الاتفاق والتصالح 42
20- الخاتمة 44
21- المراجع والمصادر 46















المؤلف في سطور

فهد بن فريج بن عويض المعلا الوابصي البلوي
ولد في تبوك عام 1398هـ
متزوج وله ولدان وبنت

حاصل على شهادة الليسانس بتقدير جيد جدا
من كلية الشريعة الجامعة الإسلامية سنة 1421هـ
حاصل على دبلوم عام التربية من جامعة الملك عبدالعزيز
درس في عدة مدارس في محافظة العلا وقراها وكذلك في تبوك
ويدرس حاليا في ثانوية الملك سعود في تبوك







[quote]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://samera-1968.yoo7.com
 
إصلاح ذات البين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فقه إصلاح ذات البين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات صرخة الاقصى :: ##### المنتديات الآسلامية ##### :: منتدى الآسلام العام-
انتقل الى: