الأحاديث الدالة على فضل القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا يا رب العالمين، قال المؤلف رحمه الله: ولمسلم عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو: كأنهما غيايتان، أو: كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة .
وله عن النواس بن سمعان قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ، وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ، مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا .
وعن ابن مَسْعُودٍ قال ُقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ رواه الترمذي وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وله وصححه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا .
ولأحمد نحوه من حديث أبي سعيد، وفيه : فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
تقدم الكلام على أول الباب في آيات صدر بها المؤلف هذه الرسالة، ثم ثنى بعد ذلك بذكر الأحاديث الدالة على فضل القرآن الكريم على وجه العموم، ثم فضل بعض السور من القرآن الكريم على وجه الخصوص، والحديث الذي معنا هو حديث مسلم الذي يرويه أبو أمامة رضي الله عنه في قوله عليه الصلاة والسلام : اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه هذا هو الشطر الأول من الحديث، فهذا أمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقراءة القرآن، والإكثار من تلاوته، والله تعالى قد أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بذلك في القرآن الكريم، كما أمر أمته أيضا بتلاوة القرآن، يقول تعالى : اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ويقول تعالى : وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وفي الآية الثالثة يقول تعالى عن نبيه عليه الصلاة والسلام في آخر سورة النمل : وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ .
ويقول تعالى أيضا مثنيا على من يتلو القرآن من أهل الكتاب : يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ويقول تعالى أيضا : إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ والآيات في هذا كثيرة لكن هذه أظهرها، وهي التي يشهد لها هذا الحديث، فقوله عليه الصلاة والسلام : اقرؤوا القرآن فقراءة القرآن على نوعين:
قراءة واجبة، يجب على الإنسان أن يقرأ القرآن، وقراءة غير واجبة، فأما القراءة الواجبة فإنها في الصلاة لا تصح صلاة المصلي إلا إذا قرأ بفاتحة الكتاب من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج خداج خداج فالواجب على المسلم ومن دخل في الإسلام أن يتعلم شيئا من القرآن، وعلى وجه الاختصاص سورة الفاتحة ؛ لأن بقراءتها يستطيع أن يصلي، فهذه القراءة واجبة، فلا تصح الصلاة بدون قراءة الفاتحة، والقراءة غير الواجبة هي من خلق المسلم، أن يداوم على تلاوة القرآن الكريم، للآيات السابقة التي فيها الأمر من الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام، وأمته تدخل في هذا الأمر تبعا لما أمر به عليه الصلاة والسلام.
والنبي عليه الصلاة والسلام أيضا أمر أمته بتلاوة القرآن، كما في هذا الحديث قال : اقرؤوا القرآن أي أكثروا من قراءته، وداوموا على قراءته، والقراءة أيضا ليست قراءة مجردة من العمل أو الاتباع ؛ فإن الذي يقرأ القرآن ولا يعمل به، أو يقرأه ويقع في المحرمات وهو يعلمها، فهذا مخالف لما دل عليه القرآن الكريم ؛ لأن الله تعالى قد أمر بالاتباع، أي باتباع هذا القرآن الكريم، قال الله تعالى : وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وقال تعالى في أول سورة الأعراف : اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ يقول العلماء: إن الله تعالى حينما أمر بالاتباع أمر كذلك بالتدبر، فقال تعالى : كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وذم الله تعالى أقواما لم يتدبروا القرآن الكريم، فقال : أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ وقال تعالى أيضا : أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ في موضعين في القرآن الكريم، هذا استفهام إنكاري يعني أليس لهم عقول ولهم أسماع ولهم تفكير ؟ فإذا قرؤوا عليهم أن يتدبروا ويعلموا ما دل عليه القرآن الكريم.
وقال العلماء، وهذه قاعدة من قواعد فهم القرآن الكريم، عندنا تدبر وعندنا اتباع، قال العلماء: التدبر يورث العلم، والاتباع يورث العمل، وقد أشار إلى هذا ابن القيم رحمه الله في كثير من كتبه، فالذي يقرأ القرآن ويتدبر الآية يستفيد علما كثيرا ويتأمل في هذه الآية فيما ورد في السياق قبلها وبعدها وفي هذه الآية التي يتلوها أيضا، يتدبر ويعمل فكره، ويقرأ في كتب التفسير، ويسأل عما أشكل عليه، حينئذ يكتسب علما وهذا من أفضل العلوم، وهو تدبر القرآن الكريم.
ثم إن الاتباع - كما قلت - يورث العمل، فمن عمل بالقرآن فقد اتبع القرآن، يقول تعالى في آية : فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وقال في آية أخرى : فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يعني من عمل بالقرآن، ويقول ابن عباس: " من عمل بالقرآن ضمن الله تعالى له الفلاح والسعادة في الدنيا، وألا يشقى في الآخرة " عند سورة طه : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا كما قال الله، وقبلها قال تعالى : فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا إذن الاتباع هو يعني العمل، والتدبر هو يعني الحصول على العلم، على علم القرآن الكريم، فقوله عليه الصلاة والسلام : اقرؤوا القرآن حث للناس أن يقووا صلتهم بكتاب الله، قراءة وتدبرا وعملا، ثم بين النتيجة أو الثمرة الناجمة عن قراءة القرآن بالتدبر والاتباع، قال عليه الصلاة والسلام : فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه أي القرآن الكريم يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، وشفاعة القرآن من وجهين:
الأول: إن كان عليه ذنوب وخطايا شفع له القرآن في تخليصه منها.
والثاني: إن لم يكن عليه ذنوب، شفع له القرآن في رفع درجته في الجنة ؛ أي في المسابقة إليها، أو في جميعها، وكل ذلك بفضل الله تعالى وكرمه.
وهنا مسألة، وهي ربما قد تكون تكررت في هذا الحديث وفي الأحاديث الآتية، قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فإنه يأتي أي القرآن، وفي الأحاديث التي ستأتي يقول: يؤتى بالقرآن، وهذه مسألة تحدث فيها العلماء، هل القرآن يأتي ؟ وجاء عند أحمد حديث في فضل آية الكرسي، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في فضلها : إن لها لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش أي آية الكرسي إن لها لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش ومعنى ذلك، معنى قوله عليه الصلاة والسلام: فإنه يأتي، أي القرآن، أو: يؤتى بالقرآن، أو أن الآية لها لسان وشفتان، العلماء تكلموا في هذا، وسأحيلكم إلى المراجع التي فيها الكلام حتى تراجعوه، قالوا: إن المقصود من ذلك ثواب قراءة القرآن يكون يوم القيامة في صورة رجل، وقد ذكر ذلك البخاري في كتاب خلق أفعال العباد، المجلد الثاني، صفحة مائة وستين، وذكره الترمذي أيضا في فضائل القرآن، حيث قال الترمذي رحمه الله: ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم، أي كلمة: فإنه يأتي، أنه يجيء ثواب القرآن، كما فسر بعض أهل العلم هذا الحديث وما يشبهه من الأحاديث . وذكر ذلك أيضا ابن تيمية في الفتاوى، في المجلد الخامس صفحة ثلاثمائة وتسعة وثمانين، في المجموع.
والمقصود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أخبر مجيء القرآن في هذه السورة أراد به الإخبار عن قراءة القارئ، وذلك هو ثواب القرآن الكريم، كما في بعض الأحاديث أيضا : يؤتى بالملك في صورة كبش وجاء في بعض فضائل سور القرآن كما جاء في فضل سورة تبارك أنها تحاج عن صاحبها، تحاج، والذي يحاج هو الثواب، ثواب هذه السورة، فإذا جاء مثل هذا اللفظ في الأحاديث النبوية: يؤتى، يحاج، يأتي، فالمقصود من ذلك هو إتيان ثواب القرآن الكريم، أو كما قال البخاري أن الله جل وعلا يجعل هذا الثواب في صورة إنسان، أو في صورة رجل . وتراجع المسألة في المراجع التي أشرت إليها.
فهذا الحديث دل على فضل قراءة القرآن الكريم، وأن قارئ القرآن الكريم ينال هذه الرتبة وهذه المزية وهذا الشرف وهذه الرفعة والشفاعة، إذا عمل بالقرآن الكريم، أما أنه يقرأ هذا القرآن وهو يعرض عنه ويعرض عن آياته، فقد تحمل وزرا كبيرا، وسوف يسأل عن هذا أمام الله جل وعلا، أو أنه يكون قرأ القرآن ولكنه لم يجاوز الحنجرة، كما وصف النبي عليه الصلاة والسلام الخوارج بذلك، يتدينون بالعبادة والزهد والورع وكثرة العبادة وقراءة القرآن والخشوع، لكن العمل لديهم بالقرآن يكاد يكون مفقودا، وإن وجد فهو عمل لا يوافق هدي القرآن الكريم، كما قال عليه الصلاة والسلام : يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم فلا يعملون به العمل الصحيح وإن كانوا يعملون به فيما يرون هم، لكن العمل الصحيح المقتضي لهذه الدلالات لا يوجد عندهم.
هذا الحديث في أوله، وهو : اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه هذا المقطع الأول للقرآن كله، لبيان فضل القرآن على وجه العموم، وتدخل فيه أيضا سورة البقرة وسورة آل عمران التي سيأتي الحديث عنها، فالشاهد أن النبي عليه الصلاة والسلام عمم الفضل في فضل قراءة القرآن الكريم، ثم بعد ذلك عطف العامل وهو القراءة، وقال : اقرءوا الزهراوين، البقرة وسورة آل عمران خص هاتين السورتين بالذكر، وهذا - كما قلنا - تخصيص من عموم، عمم الأول، وقال: اقرءوا القرآن، وسورة البقرة وآل عمران ضمن القرآن، ولكنه رجع وخصص سورتين من سور القرآن بمزية وشرف وفضل، فقال : اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران فبدأ عليه الصلاة والسلام بذكر الأوصاف التي اشتملت عليها هاتان السورتان، فبدأ بالوصف الأول وقال: الزهراوين، ومعنى الزهراوين: النيرتان ؛ أي النيرتان، الزهراوين النيرتين، هذا وصف عام، ثم بين المجيء الذي يأتي فيه ثواب سورة البقرة وسورة آل عمران، وهي جزء من القرآن الكريم داخلة في المعنى السابق الذي ذكرته لكم، فإنهما تأتيان، فالإتيان هنا المقصود به الثواب، ثواب هاتين السورتين ؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة، ووصف هذا الإتيان بهذا الثواب بأوصاف، ولعله ثلاثة أوصاف كما سيأتي أيضا في الحديث الذي بعده:
الوصف الأول، قال: غمامتان، جمع غمامة، والغمام هو السحاب الملتف إذا كان قريبا من الرأس، يعني قريبا يراه الإنسان وهو مظله، والله تعالى قد ذكر الغمام في قوله تعالى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وهذا الإتيان هو إتيان يليق بالله، يليق بجلاله، إتيانا يليق به سبحانه.
ثم جاء الوصف الثاني قال: غيايتان، والغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه، من السحاب أو غيره.
ثم جاء الوصف الثالث قال: أو كأنهما فرقان من طير صواف، والفرقان أي قطيعان، الفرق هو القطيع من كل شيء ؛ أي قطيعان، عليها من طير صواف أي مصطفة، تحاجان عن أصحابهما، وهذه المحاجة أيضا داخلة فيما تقدم من أنه الثواب.
ثم قال أيضا : اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة خصص بعد تخصيص، خصص سورة البقرة من سورة آل عمران، أولا خص سورة البقرة وآل عمران من عموم، ثم خصص من خصوص، وخص سورة البقرة، قال : اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة المراد بالبطلة في الحديث: السحرة، وما وجه التسمية بالبطلة ؟ نعم .... يعني أنهم أهل باطل، يعني ما يفعلونه باطل، والوجه في ذلك تسمية لهم باسم فعلهم ؛ لأن ما يأتون به باطل، والله تعالى قد قال في سياق الحديث عن السحرة : فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ باطل فعلهم، وقال تعالى في سورة الأعراف : إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فسموا بطلة، سموا بهذه التسمية تسمية لهم باسم فعلهم ؛ لأن ما يأتون به باطل، ولا يستطيعون قراءتها، ولهذا قال: لا تستطيعها البطلة، وإنما لم يستطيعوا قراءتها وذلك لزيغهم عن الحق وانهماكهم في الباطل، ولهذا - كما سيأتي في التفريق ما بين سورة البقرة وسورة آل عمران - الله تعالى قد ذكر في هذه السورة الحديث عن السحر وبيان ضرره، أولا بيان عاقبته وما يترتب عليه، وبيان عاقبته وضرره، بين ما يترتب عليه وهو الكفر في الآية : وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ثم إنهم لا يستطيعون الضرر إلا بإذن الله تعالى، لكن ما وقعوا فيه هو ضرر، ما وقعوا فيه هو ضرر على أنفسهم، والعقاب الذي سوف ينالونه في الآخرة.
ذكر الله تعالى في آخرها : وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ ذكر الله قال : مَا يَضُرُّهُمْ إثبات الضرر وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ هذا هو العقاب ما له في الآخرة من خلاق وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ثم جاء تحذير من الله تعالى لهم وتخويفهم بالله، وتخويفهم بما هم عليه وأن عليهم أن يتوبوا من هذا الفعل وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني لأثابهم الله تعالى على هذه التوبة، كما نادى الله تعالى من اتهم ربه بالكفر، ناداهم وهو الرحيم الرحمن قال : أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فهؤلاء السحرة لا يستطيعون هذه السورة، بل هي مما يزعجهم ويقلقهم، وكما جاء في فضل أيضا سورة البقرة، وقد ساقها ابن كثير في أول السورة أن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان إن مما يزعج الشياطين ويزعج السحرة قراءة هذه السورة العظيمة، لما لها من الفضل والبركة.
وقد وصفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الوصف الجامع لكل خير، ما هو ؟ فإن أخذها بركة ؟ ونكر هذه البركة، ولم تأت معرفة، فإن أخذها بركة ؛ بركة في كل شيء، ونكرها لتذهب فيها النفس أي مذهب في البركة، والقرآن كله مبارك على وجه العموم أيضا، لكن هذه السورة خصت ببركة خاصة، كما قال الله تعالى عن القرآن : وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ .
لم يأت في القرآن وصف القرآن بأنه المبارك، وإنما مبارك، جاء إيش منكر؟ أي لتعم هذه البركة كل ما يخطر ببال الإنسان، بركة في الإيمان، بركة في الطاعة، بركة في العمر، بركة في الأولاد، وفي المال، وفي الحفظ، والصيانة والتأييد والنصر، هذه بركة عامة، فالقرآن وصف بأنه كله مبارك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- خص سورة البقرة ببركة خاصة؛ ولهذا قال بركة مفردة، مفردة لأنها لسورة البقرة، والذي يترك سورة البقرة، وهو قادر على قراءتها، ومهملٌ هذا الوعيد أمامه، قال: وتركها حسرة .
والحسرة هو ما يتحسر به الإنسان في نفسه، ما يتحسر به الإنسان من ضيق، أو قلقٍ، أو اضطرابٍ نفسي، أو فزعٍ أو خوفٍ، وغير ذلك من الحسرات التي تأتي؛ ولهذا الله تعالى قال لما أعرض أعرض الناس عن استجابة الأنبياء قال الله تعالى: يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلى آخر الآية.
ولعل خصوصية سورة البقرة بهذه المزايا التي سمعناها في الحديث في طرد الشيطان من أجل أن مقصودها ملازم لطرد الشيطان يعني مقصود هذه السورة وما احتوته من المعاني والدلالات.
الحديث الثاني: وهو حديث النواس بن سمعان يقول: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران ثم ضرب -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة أمثال قد تقدم بعضها، وهي الغمامتان، ثم ذكر مثلين آخرين يضمان إلى ما سبق من أمثلة قال: أو ظلتان سوداوان وأن بينهما شرق أي بينهما مشرق، والمشرق هو الضياء والنور كما يقال أشرقت الشمس أي أضاءت، وقوله سوداوان -الظلتان واضحة- هو إشارة بالسواد إلى قوة هذا الظل الذي حاصل؛ لأنه الآن إذا غيمت السماء بغيوم شديدة في وقت الضوء والشمس اختفت الشمس، وتراكم السحاب وتآلف بعضه مع بعض الله تعالى قال : يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ يعني تألف السحاب بعضه مع بعض، ثم اسود هذا السحاب، أوقع إيش أوقع ظلمة شديدة.
وهذا شيء مشاهد ومحسوس، فلا يعنى بالسواد هنا أنه شيء فيه عقاب أو فيه ظلمة؛ ولهذا ينبغي أن يوضح أمر ذكره أهل التفسير، بين الظلتين عندما قال -عليه الصلاة والسلام- كأنهما غمامتان أو ظلتان بين الظلتين السوداوين مشارق أنوار وإنما نبه في هذا الحديث على هذا الضياء؛ لأنه لما قال سوداوان قد يتوهم متوهم أنهما مظلمتان، فنفى ذلك بقوله بينهما إيش شرق، والشرق هو إضاءة الشرق هو إضاءة.
قال: بينهما شرق أي مشارق أنوار ومشارق الأنوار هي الضياء، والنور الساطع، إذن ما المراد بقوله سوداوين؟ أي من كثافتهما التي بسببها حالتا من تحتهما وبين حرارة الشمس، وشدة اللهب في ذلك الموقف، يعني حالة هذه السحابة بهذه الظُلة، وهذه الظُلة التي فيها وهذا السواد حجبت الحرارة، وحرارة الشمس أن تقع على صاحب هذا القرآن، وخص منه سورة البقرة وآل عمران.
ثم عطف أيضاً معنى آخر، وقال: أو كأنهما حذقان من طير صواف الحذق هو الجماعة من كل شيء، سواء كان من الناس أو من الطير أو من غيرهما، وحذقان جمعها حذق، لكن الوصف جاء لسورتين، ويروى أيضاً: خرقان بـالخاء والراء وهو ما انخرق من الشيء وبان منه، ولكن هذا ما يترجح، والصواب هو الأولى كما ذكر ذلك أهل الحديث شراح الحديث، وترجعون في معاني هذه الألفاظ الغريبة في هذا الحديث إلى كتب غريب الحديث، ومنها كتابان كتاب غريب الحديث للخطابي أبو سليمان، وكتاب غريب الحديث في نهاية النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، في معنى هذه الألفاظ الغريبة التي جاءت في هذه الأحاديث.
الكلام هنا قلنا تخصيص بعد عموم، وهو لسورة البقرة وآل عمران، نعود إليهما مرة ثانية، ذكر العلماء أن في سبب تسمية سورة البقرة وسورة آل عمران بالزهراوين وجهين ذكر العلماء وجهين:
الوجه الأول: إما لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما لما يزهر له من أنوارهما.
والوجه الثاني: وإما لما يترتب على قراءتهما من النور التام يوم القيامة.
وهنا هذا الوصف كله يدور على الضياء والنور، سواء كان في غمامتان أو غيايتان أو فرقان أو ظلتان أو سوداوان، هذا كله يدور على تحقق وجود النور، إذن تأمل في القرآن أيضا أليس القرآن موصوف بأنه نور، كتاب، قال تعالى قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ويقول تعالى : وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا أي القرآن كله نور، الأصل أن القرآن كله نور، لكن هذه السورة أو هاتان السورتان خصتا بنورٍ أقوى وبنورٍ يفضل ذلك النور يزيد عليه، وهذا فضل خاص.
يأتينا إنسان، ويقول: إن القرآن كله موصوف بأنه نور، أيضا القرآن موصوف بأنه بركة كما تقدم، القرآن مأمور بقراءته كله، لكن هذه السورة سورة البقرة وسورة آل عمران خصتا بهذا الفضل العظيم، وهذه المزية الكبيرة؛ ولهذا في حديث عند البخاري يرجع إليه في قصة أسيد بن حضير وهو ممن آتاه الله صوتاً حسناً، مثل أبي موسى الأشعري، وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود، وغيرهم من الصحابة.
أسيد بن حضير كان يقرأ في بيته سورة البقرة، في الليل وعنده فرسه، ويقرأ سورة البقرة، فاجتال هذا الفرس عن مكانه، يعني بدأ يتحرك، فسكت أسيد فسكن الفرس، ثم رجع فقرأ فتحرك الفرس، وكاد أن يطأ ابنه، فلما جاء من الغداة أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك وقال قال: هذه الملائكة -يعني فَرِحة بقراءتك لهذه السورة- ولو بقيت أن تقرءها إلى صلاة الفجر لنزلت الملائكة ورآها الناس هذا من فضل هذه السورة سورة البقرة، والحديث في صحيح البخاري يراجع في فضل هذه السورة العظيمة.
إذن نقول وجه بيان فضل سورة البقرة يمكن أن نأخذ هذا البيان هذا الفضل من خلال السورة نفسها، هذه السورة سُميت بسنام القرآن، وسنام الشيء هو أعلاه، وسُميت أيضاً سماها بعض الصحابة بأنها فسطاط القرآن فسطاط القرآن، والفسطاط هو ما أحاط بالمكان هو ما أحاط بالمكان، ونالت هذه السورة هذه المزية وهذا الفضل لأمور:
أولاً: أن فيها أفضل آية في القرآن الكريم وهي آية الكرسي وجاء في صحيح مسلم وفي بعض السنن: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سأل أبي بن كعب وقال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ فأجابه أبي بما فتح الله عليه قال آية الكرسي قال النبي -عليه الصلاة والسلام- ليهنك العلم أبا المنذر أي هنيئاً لك هذا العلم الذي قلته، فهي سيدة آي القرآن، وأعظم آية في القرآن، وأفضل آية في القرآن هي آية الكرسي، وليس الحديث عن فضل هذه الآية، وإنما هذه الآية جاءت في سورة البقرة.
ثانياً: جاء في هذه السورة فضل آيتين من آخر سورة البقرة، وجاء في الصحيح: من قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة كفتاه وهي آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ إلى آخر الآيات.
الثالث: أن الله تعالى فرض فيها شعيرة من شعائر الإسلام وركنا من أركان الإسلام وهو الصيام يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ وفي هذه السورة آخر آية نزلت وهي قوله تعالى : وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وفي هذه السورة أيضاً تشريع التوجه إلى القبلة لهذه الصلاة العظيمة قال تعالى : فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ومن ذلك أيضاً فيها التحذير من السحرة، والتحذير من إتيانهم أو تصديقهم، وفيها أيضاً بيان حد القصاص يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ وفيها كذلك بيان كثير من الأحكام الشرعية والمعاملات.
وخلاصة ما في هذه السورة يدور على أمرين:
الأول: سمو هذا الدين، أن فيها حديث عن سمو هذا الدين على من سبقهم وعلو هديه وأصول تطهيره للنفوس.
الثاني: بيان شرائع هذا الدين لأتباعه وبيان ما تصلح به أحوالهم.
هذا ما يخص سورة البقرة، لكن الترغيب من النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذه السورة جاء في هذا الحديث جاء لسورتين سورة البقرة وآل عمران، إذن يمكن أن ينشأ هنا سؤال أو يقول قائل: ما وجه الحث والترغيب في قراءة هاتين السورتين هل بينهما تشابه ؟ هل بينهما ترابط ؟ الجواب: بينهما تشابه من وجوه متعددة:
الوجه الأول: أن السورتين افتتحا بـالحروف المقطعة، فهذه افتتحت بقوله تعالى : "الم" وسورة آل عمران كذلك بـ "الم"
ثم أيضاً الثاني: في السورتين بيان لأحكام الحج والعمرة.
والثالث: في السورتين -والآيات واضحة يعني لا نقرأ إلا ما أشكل منها.
وفي السورتين أيضاً التحذير الشديد والتنفير العظيم من التعامل بالربا، وجاء التصدير أيضاً بلفظ الإيمان يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا وفي سورة آل عمران يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً التحذير من الربا تحذيراً بليغاً جاء في هاتين السورتين.
الرابع: ذكر الشهادة في سبيل الله، وبيان فضل الجهاد وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وهناك وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا وبيان ما للشهادة من الفضل والأجر العظيم عند الله تعالى.
الخامس: فضل المسجد الحرام: ففي سورة البقرة جاء التنويه بمكانة البيت الحرام والتوجه إلى القبلة في آيات متعددة، ثم جاء الحديث في سورة آل عمران وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ إلى آخر الآيات بيان فضل المسجد الحرام الذي يليه التنويه بشأن القرآن، وهذا جاء في افتتاح كل سورة الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ وفي سورة آل عمران نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ .
التنويه بشأن القرآن الذي يليه أيضاً وهو ذكر اسم الله الأعظم في السورتين؛ ولهذا جاء حديث عند أبي داود من حديث أسماء بنت يزيد: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم قال : اسم الله الأعظم في هاتين السورتين في سورة البقرة وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وفي سورة آل عمران اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ويقول أهل العلم كما عند أحمد أن اسم الله الأعظم في الثلاث الآيات التي في سورة التي في القرآن أولها في سورة البقرة في آية الكرسي اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وفي صدر سورة آل عمران الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وفي سورة طه وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ اسم الله الأعظم في هذه الآيات.
ومن الوجوه أيضاً المجادلة والمحاجة؛ ففي سورة البقرة ذكر الله تعالى أن إبراهيم حاج النمرود أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وهو نبي من أنبياء الله، وفي سورة آل عمران النبي -عليه الصلاة والسلام- حاج قام بمحاجة نصارى نجران الوفد الذين جاءوا إليه فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ إلى آخر الآية، فيها محاجة.
وهناك وجه شبه بينهما، وهذا منهج دعوي يسير عليه الداعية أنه يقيم الحجة على من يدعوه إلى الحق إذا أبى عن ذلك، وإبراهيم عليه السلام ضرب الله له أروع الأمثلة في القرآن الكريم حينما حاج قومه وهو يدعوهم إلى التوحيد، ومن ذلك ما أخبر الله تعالى عنه في سورة الأنبياء وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ إلى أن بين دعوة الحق، وأقام على قومه الحجة، أيضا في ذلك حتى إنهم رجعوا إلى أنفسهم، واتهموا نفوسهم بأنهم ظالمون، وغير ذلك أقام عليهم الحجة، كما أن إبراهيم عليه السلام قام بمحاجة أبيه وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ الآية واضحة، كل هذه محاجة في بيان الحق، قال تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقيمون الحجج على أقوامهم بالدعوة إلى الله وينذرونهم ويخوفونهم، والله تعالى بعثهم مبشرين ومنذرين ، رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ينذرونهم بعذاب الله، ويبشرونهم برضوان الله تعالى، وهذا قد جاء في هذه السورة هذا تأمل سريع، وإلا من تأمل وأنعم النظر سيجد شيئا أكثر.
ومن ذلك أيضاً الختم بالأدعية المتضمنة للربوبية، وهذا كله جاء في أواخر السورتين، ففي آخر سورة البقرة جاء فيها : رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ إلى آخر الآية ربنا . . ربنا . . تكرر لفظ الربوبية، وفي آخر سورة آل عمران أيضاً رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ تكرر ثلاث مرات خلاف ما ورد في وسطها أيضاً من لفظ الربوبية، كذلك من أوجه الشبه بين السورتين ذكر الطير، فالله تعالى حينما طلب إبراهيم عليه السلام من ربه وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ حتى يطمئن قلبه أحيا هذه الطير.
كذلك فعل عيسى عليه السلام في هذا، في سورة آل عمران مين يذكر الآية، نعم ... أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فذكر الطير أنه يحيي الموتى بإذن الله، فهذه أوجه شبه تدلك على ما لهذه السورتين من الفضل والمزية على غيرهما، إذن لما كان لهاتين السورتين هذه المزايا والفضائل، فإن التالي لهما حق تلاوته، وكان حاملا لهما ومستظهرا لما فيهما استحق هذا الفضل من الله تعالى يوم القيامة، وهو هذا النور المشرق الذي يحفظه وينصره ويؤيده بهذه السورة العظيمة.
وأذكر لكم كتابا اعتنى بهذه المعاني ولم أذكره أمس وهو في فضائل القرآن، لكنه نفيس جداً من حيث إنه يجمع كل الآثار والأحاديث في فضل هذه السورة، وهو كتاب مصاعد النظر (إلى مشارف إلى مقاصد السور) للبقاعي، وهو في ثلاث مجلدات (مصاعد النظر إلى مقاصد السور) في ثلاث مجلدات، وساق جملة من الآثار والأحاديث من الأحاديث والآثار عن الصحابة، وعن التابعين في فضل كل سورة في القرآن الكريم، يعني هو أوسع جمع كلام من تقدم من أهل العلم الذين ذكرت لكم أسماءهم أمس؛ لأنه متأخر، هذا في القرن التاسع الهجري، حتى إنه ذكر أثراً عند الإمام مالك في الموطأ، أن ابن عمر -رضي الله عنه- مكث على قراءة سورة البقرة كم قيل ؟ ست وقيل ثمان وقيل اثنا عشر، وليس عجزاً في حفظها، وإنما يتأمل ما فيها من الأحكام، ومن الهدايات والدلالات والتشريعات، فيقال في بعض الروايات أنه لما انتهى منها نحر جزوراً فرحاً بذلك.
ولهذا كان هذا هو منهج الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا لا يتجاوزون العشر الآيات إلا وقد قرءوها، وتعلموها، وعقلوها، وفهموا ما فيها من الأحكام ومن الآداب والتشريعات، ليس كحال الناس بعدهم، يحرصون على القراءة السريعة، والهذ السريع دون التأمل والتدبر، فلا بد من التدبر كما أشرت لكم سابقاً، فهذا هو الذي ينال به صاحبه الفضيلة والأجر من الله تعالى، هذا ما يتعلق بالأحاديث التي سبقت وتقدمت.
ونذكر دلالة هذه الأحاديث هذه الأحاديث في فضل سورة البقرة وآل عمران:
دلت الأحاديث أولاً: برواياتها أن هذا الفضل لا يكون إلا لأهل القرآن، الذين يعملون به، وليس لأهله الذين يقرءونه ولا يعملون به، هذا لا يكون لهم؛ لأنه ولله المثل الأعلى لو جاء إنسانا خطاب من ملك أو أمير أو مسئول، وقال له في هذا الخطاب عليك أن تعمل كذا وكذا وكذا وتنفذ، وأعطاه قائمة، فجلس هذا الإنسان المكلف بهذا الخطاب يقرؤه على الناس ويردده، يقرؤه في الصباح وفي المساء، ومن الغد يقرؤه في الصباح والمساء، هل هذا يكون استجاب لما في هذا الخطاب ؟ لا يكون استجاب له، إنما يردد كلاماً.
فكذلك الذي يقرأ القرآن -ولله المثل الأعلى- يقرأ القرآن لكنه لا يعمل به، وإن كان يؤجر عليه، الأجر على قراءة القرآن ثابت، ولكن عليه العمل به بقدر ما يستطيع، فعليه أن يعمل ويجتهد في العمل بهذا القرآن؛ لينال هذه المزية.
الثاني: دلت الأحاديث على فضل سورة البقرة على سائر سور القرآن، حتى على سورة آل عمران، ودل الحديث، دلت الأحاديث أيضاً على فضل سورة آل عمران، ودلت الأحاديث أيضاً على أن سورة البقرة وقاية لمن قرأها أو قرئت عليه من كل شر وبلاء، وخاصة السحر الذي ابتلي به الناس، ومما دلت عليه الأحاديث أن الإنسان سوف يرى أثر عمله بالقرآن، سوف يرى أثر عمله بالقرآن وخاصة لهاتين السورتين.
والحديث الآخر، وهو حديث عبد الله بن مسعود، وهذا فيه بيان فضل تلاوة القرآن على وجه الدقة والبيان والتوضيح؛ ولهذا يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- من قرأ حرفاً وهذا من باب الحث على الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، ولم يقل من قرأ سورة، أو من قرأ آية، أو من قرأ حزباً، أو من قرأ جزءاً، وإنما جاء بالحرف الواحد، وكم في القرآن من حروف! آلاف الحروف، من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول "الم" حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف تفصيل دقيق لبيان الأجر المترتب على تلاوة القرآن الكريم.
وهذا أيضاً يذكر بالآية التي في سورة فاطر في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ انظر إلى العمل إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ إقامة الصلاة من العمل بالقرآن وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ من العمل بالقرآن سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ جاءت الأجور من الله تعالى لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ هذا عموماً لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث يبين هذه الأجور وفضلها، وأنها قد تزيد على الحسنة في الحرف الواحد؛ لأن الله تعالى يضاعف الأجور لعباده، كما قال تعالى في الإنفاق مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ .
فدل الحديث على هذا الفضل الكبير لمن يقرأ القرآن، وأنه سوف يثاب على الحرف الواحد، حتى من هذه الحروف المقطعة التي ضرب بها النبي -عليه الصلاة والسلام- المثل، ثم قال المصنف: وله -أي لمن سبق ذكره- وهو الترمذي وصححه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها .
ولأحمد نحوه من حديث أبي سعيد، وفيه: فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه وهذا بيان لفضل صاحب القرآن، الذي يقرأ القرآن ويعمل به، وهو بيان للجزاء المترتب على ما يناله هذا القارئ في الآخرة بعد أن يقضي الله تعالى بين العباد، فيدخل أهل الجنة الجنة، يقال لصاحب القرآن من بين سائر الناس بهذه المزية، فقوله: يقال لصاحب القرآن كأنه ينادى مناداة من بين سائر الناس؛ لما له من هذه المزية، والجنة درجات فيكرم قارئ القرآن بهذا الفضل العظيم، وهو يقرأ القرآن أيضاً، فقارئ القرآن كما تقدم هو مقدم في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، كما سيأتي من الأحاديث.
وفي هذا الحديث بيان بتقديم قارئ القرآن في الدار الآخرة، ويعرفه إخوانه من أهل الجنة أنه تميز عليهم بهذه الميزة بقراءة القرآن الكريم، فيؤمر أيضاً بترتيل القرآن كما كان يرتله في الدنيا ولا يتوقف عند منزلة محددة، وإنما قال: فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها، وهو يقرأ ويمشي، والحديث ربما يؤخذ منه دلالة على أن الإنسان يقرأ القرآن في أي وقت يجد نفسه نشيطا ومستعدا لتلاوة القرآن الكريم، حتى ولو كان يمشي ليستفيد من وقته ويردد ما حفظه ويتعاهد ما قرأه؛ حتى لا يضيع، وهذا فضل عظيم لقارئ القرآن أن ينال هذه الدرجة وهذه الرتبة عند الله تعالى في الآخرة.
فقارئ القرآن هو من أهل الجنة الذين يكرمهم الله تعالى بمزية على غيرهم بهذه الدرجات العليا، وهذا يذكرنا بالآية السالفة يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ فهذه الدرجات في الدنيا وفي الآخرة؛ في الدنيا تكون بالنصر والتأييد وبالذكر الحسن، وفي الآخرة جاء التفسير لها بهذا الحديث، فإنه يقرأ ويصعد هذه الدرجات، وكلها فضل من الله، ولا يقف عند هذه الدرجة إلا حينما يتوقف عن القراءة.
ونتوقف عند هذا القدر.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ:
عدة أسئلة تستفسر عن يقول كيف أولنا قوله -صلى الله عليه وسلم- [إنه يأتي يوم القيامة بإتيان الثواب ولم نمرها كما جاءت]؟
هكذا فسر أهل العلم؛ لأن الذين يقولون إن القرآن يأتي كأنه كأن القرآن مخلوق، والبخاري ذكر هذه وفصل القول فيها في الكتاب المتقدم خلق أفعال العباد، ولشيخ الإسلام كلام واسع وطويل في هذه المسألة، وأنا أحيل السائل إلى قراءة ما ذكره شيخ الإسلام في المجلد الخامس الذي تقدم ذكره؛ ولأن الثواب الذي جعله الله تعالى لقارئ القرآن هو الذي يأتي، وهكذا فسره أهل العلم بهذا البيان، وهو بيان واضح لا إشكال فيه .
أحسن الله لكم
يقول هل المقصود بصاحب القرآن قارئ القرآن أم حافظ القرآن؟
صاحب القرآن هو الذي يقرأ القرآن؛ ولهذا في الحديث: اقرءوا القرآن ما قال احفظوا القرآن، وإنما الحفظ أيضاً هو جاء فيه مزية أخرى؛ ولهذا قال تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعني في صدورهم أنه محفوظ، والصحابة رضوان الله عليهم استظهر أكثرهم القرآن الكريم، ومنهم أبي وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وشهد لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا الحفظ الذي حفظوه، وبهذا الإتقان الذي ضبطوه، فالحديث يصدق على هذا وهذا، ولكن حافظ القرآن الذي يحفظه له مزية على غيره؛ لهذا في الحديث الذي سيأتي يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله يعني يؤمهم الحافظ للقرآن الكريم، وليس يؤمهم الذي يقرأ وليس عنده حفظ، يؤمهم الحافظ، فالحافظ للقرآن الكريم له مزية على قارئ القرآن الذي لم يحفظ .
أحسن الله إليكم يقول:
ما حكم وضع نغمات الجوال مقاطع من تلاوات القرآن ؟
أتصور أو أظن أن فيه فتوى من اللجنة الدائمة في هذا، وأن القرآن الكريم له حرمته، وهو كلام الله تعالى، وأهل العلم تكلموا في أحكام المصحف وما ينبغي نحوه، والذي يضع مثل النغمات على الجوال إنما هي تسلية أو سد فراغ، حتى يتمكن من الرد عليه، يكون كلام الله تعالى لملء هذا الفراغ حتى يأتي كلام البشر ويرد عليه، هذا لا يليق بالقرآن الكريم، وليس من آداب القرآن الكريم.
حتى أهل العلم تكلموا في من يعلق الآيات آيات القرآن الكريم التي تعلق أيضاً حتى يقرأها الإنسان يتذكر بس تكلموا في هذا، منهم من منع أيضاً، فكيف بالجوال، والجوال أيضاً مشتمل على قضايا أخرى تخالف القرآن في الصور وفي الكلمات نابية أحيانا، في الرسائل التي توضع فيه، ثم إن الجوال أيضاً المتكلم فيه قد أحياناً يسب ويشتم، ويتكلم إذا اتصل بأحد يتكلم عليه، أو يسب أو يشتم، أو يتحدث في أعراض الدنيا، أو في أمور محرمة، ثم أجعل القرآن بين هذا، لا يمكن أن يقول بهذا إنسان يسعى إلى الأدب مع القرآن الكريم.
وهكذا يعني المحاذير كثيرة، المحاذير كثيرة جداً، وكذلك الأدعية أنا سمعت: كثير منهم يضع أدعية يعني أدعية ... سواء إذا كان للحرم ... بدون أي شيء، عندك وسائل الآن، يوجد لديك لهذا الجوال، يعني وسخر الله لك في وسائل كثيرة، فاستخدم فيه ما ينفع ويفيد، والآن تجعل الأدعية التي فيها ربنا وفيها ألفاظ الجلالة أنها تكون للتسلية وللسماع، السماع اللي يسمونه نافلة القول يستمع هذا الكلام حتى بس يتمكن الإنسان من الرد عليه، حتى آداب الدعاء، الدعاء له آداب أيضاً، فهذه الأمور كلها على الإنسان أن يتقيها ويحذر، فليست من الأمور التي فيها أدب مع كلام الله تعالى، ومع الأدعية.
وكذلك الأذان، الأذان يجعل للتنبيه مؤذن أيضاً، وأشد من هذا -نسأل الله السلامة- بعضهم يجعل التنبيه أغاني، تجعلها موسيقات وأغاني حتى يتنبه بهذا، وهذا مبتلى به كثير من الناس نسأل الله السلامة حتى في المساجد، وأنا كنت أذكر يعني إخواني الذين يقعون في هذا بأن في هذا أذية للناس، وأذية للملائكة الذين يحضرون للصلاة، والله تعالى يقول : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا .
فكيف تسعى لأذية المسلمين بما أنعم الله تعالى عليك مع وجود الوسائل التي تعينك على أن تلغي هذا الشيء إلا في الأحوال النادرة التي يكون فيها الإنسان ساهيا وناسيا، فالإنسان الساهي والناسي قد يعذر في هذا، لكن أن تكون عادة للإنسان .
أحسن الله إليكم:
يقول: هل يحصل ثواب قراءة البقرة وآل عمران بمجرد القراءة، أم لا بد من حفظهما ؟
لا، قراءتها، قراءة سورة البقرة وآل عمران، كما جاء في هذا الحديث: اقرءوا البقرة وآل عمران اقرءوا هذا يصدق عليهم، لكنه يمتثل لما فيها من الأحكام والأوامر والنواهي، ويعمل بهما ولا أن يقرأها وهو يخالف ما عليها من الأوامر والنواهي، لكن المقصود من ذلك العمل، أنه يعمل ويتدبر حتى يحصل له الثواب .
أحسن الله إليكم:
يقول: كيف نفهم حديث ولا تستطيعها البطلة وبين حديث أبي هريرة أن الشيطان علمه آية الكرسي ؟
قلنا: إنهم لا يستطيعونها، بينا العلة أنهم لا يستطيعونها؛ لما هم عليه من الضلال ومن الباطل؛ ولهذا لا يدخل الشيطان البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، ونقول لك: إن أبا هريرة قرأ عليه آية الكرسي، وحينما قرأ عليه نطق بالحق، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- : صدقك وهو كذوب ودله قال اقرأ علي كذا وكذا فقرأ آية الكرسي فشرد وذهب حينئذ، ما استطاع أن يأتي مرة أخرى، إذن هذا الحديث يصدق لما جاء فيه ولا تستطيعها البطلة .
أحسن الله لكم وأثابكم ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم