تصاعدت ردود الأفعال على المستويات الفلسطيني والعربي والدولي المنددة بالخطوة التي اتخذتها القيادة المصرية والقاضية ببناء "جدار الفولاذ" العنصري بين الأراضي الفلسطينية ومصر على الحدود بينهما.
وتمحورت ردود الأفعال حول استنكار هذه الخطوة التي اعتبر عددٌ كبيرٌ من المتابعين والمحللين أنها تأتي كخطوةٍ إضافيةٍ تهدف إلى تشديد الحصار على أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني مُحاصَر ينفي قطاع غزة منذ أكثر من ثلاثة أعوام متواصلة.
نائبٌ مصريٌّ يستجوب حكومته
فعلى الصعيد المصري تقدَّم النائب المصري محمد العمدة باستجوابٍ إلى حكومة بلاده بشأن قيامها ببناء "جدار فولاذي" بعمق يتراوح بين 18 و30 مترًا تحت الأرض على الحدود الفاصلة بين مصر وقطاع غزة.
وأشار النائب في الاستجواب الذي قدَّمه إلى رئيس "مجلس الشعب المصري" فتحي سرور إلى أن وزير الخارجية اعترف ضمنيًّا في تصريحاتٍ للصحف ببناء "الجدار الفولاذي" على الحدود مع قطاع غزة انطلاقًا من حق مصر في فرض سيطرتها على حدودها وصيانة أراضيها.
وأكد النائب في تصريحٍ نشرته جريدة "الدستور" المصرية الإثنين (21-12) أنه على يقينٍ بأن بناء هذا الجدار يتفق مع طبيعة العلاقة بين مصر وأمريكا والصهاينة في السنوات الأخيرة؛ "حيث تحوَّلت مصر إلى ولايةٍ أمريكيةٍ تنفذ تعليمات الإدارة الفيدرالية دون ترددٍ أو مناقشةٍ".
مرور السفن الأمريكية في قناة السويس
واستدلَّ النائب على حديثه بعدة أمور؛ منها موافقة مصر على مرور السفن الحربية الأمريكية في قناة السويس بدعوى "اتفاقية القسطنطينية"، "رغم أن هذه الاتفاقية عقدت أثناء وقوع مصر تحت الحماية البريطانية، وأيضًا لم تتخذ مصر أي موقف حاسم تجاه الاعتداءات التي قام بها تحالف الشر الذي يجمع أمريكا و"إسرائيل" ودول أوروبا ضد الدول العربية".
وانتقد النائب المصري صمت بلاده تجاه حرب الكيان الصهيوني على لبنان وعدم اكتراثها بقيام أمريكا بتقسيم السودان، وأخيرًا وقفت موقف المتفرِّج على حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الصهيوني على غزة.
وأنهى النائب حديثه عن أن الحكومة لم تكتفِ بهذه السلبية تجاه ما يحدث، بل راحت تلتزم بكل التعليمات الخاصة بفرض الحصار على القطاع الفلسطيني، وبدأت في بناء "الجدار الفولاذي" بعمقٍ يصل إلى 30 مترًا تحت الأرض لتغلق بذلك جميع شرايين الحياة على شعبٍ عربيٍّ مسلمٍ ومسيحيٍّ.
تشديد الحصار والتضييق على الفلسطينيين
من جهتها استهجنت "الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة" الأنباء التي أفادت ببدء السلطات المصرية في بناء "جدارٍ فولاذيٍّ" على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة؛ بدعوى الحد من حفر الأنفاق التي تستخدم لنقل البضائع إلى الفلسطينيين المُحاصَرين.
وقالت الحملة، في تصريحٍ صحفيٍّ صدر عنها اليوم الإثنين: "إن بناء الجدار من شأنه تشديد الحصار والتضييق على الفلسطينيين الذين ابتكروا أسلوب الأنفاق إثر اشتداد الحصار، لتكون بمثابة خطٍّ لإمدادهم بالحياة في ظل استمرار إغلاق المعابر"، وأضافت: "(الجدار الفولاذي) الذي تعتزم السلطات المصرية بناءه بعمق ما بين 20 و30 مترًا، حسب ما أفادت به وسائل الإعلام؛ يعمِّق الكراهية بين الشعوب، كما أن إنشاءه دون إيجاد مخرجٍ حقيقيٍّ لأزمةالحصار الخانقة سيتسبَّب بالكوارث لأهالي القطاع المُحاصَرين".
وتوجَّهت "الحملة الأوروبية" بالنداء العاجل إلى "الرئيس المصري محمد حسني مبارك، والحكومة المصرية والسلطات التابعة لها، من أجل اتخاذ قرارٍ فوريٍّ يليق بمسؤولية الجانب المصري والتزاماته الإنسانية والأدبية تجاه قطاع غزة المجاور، لرفع الحصار عن قطاع غزة عبر فتح معبر رفح، وإلغاء فكرة بناء "الجدار الفولاذي" مع القطاع".
وتابعت تقول: "إن مأساة الحصارالخانق الذي يشتد على مليون ونصف المليون إنسان في قطاع غزة؛ تفرض تدخلاً مباشرًا من جانب جمهورية مصر العربية، التي بإمكانها عمليًّا إنهاء هذه المعاناة بمجرد فتح معبر رفح والسماح بدخول الاحتياجات الإنسانية والطبية والغذائية وإمدادات القطاع المحاصر بالوقود؛ الأمر الذي من شأنه أن ينفيَ حاجة حفر الأنفاق".
على علماء الأزهر تحديد موقفهم
وفي اليمن استنكر الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس "جامعة الإيمان" استمرار الحصار الجائر على أهل غزة رغم مرور سنواتٍ على هذا الحصار الظالم الذي استغربه أيضًا العالم الإنساني وما استطاع أن يصبر عليه، وسيَّر القوافل الإنسانية الإغاثية من أماكنَ بعيدةٍ.
وطالب الزنداني، في تصريحٍ خاصٍّ لفضائية "الأقصى" أثناء استقباله طلاب "مركز الأقصى لتحفيظ القرآن الكريم" التابع لـ"مؤسَّسة واحة الزيتون" في منزله عصر الأحد (20-12).. طالب علماء "الأزهر" في مصر بأن يبيِّنوا للحكومة المصرية أن "من أعان على حصار مسلم فهو ظالمٌ ومعتدٍ وقاتلٌ، وأن المسلم الذي يدافع من أجل حصوله على لقمة عيشه وضرورات حياته إذا قُتل من أجل ذلك فهو شهيدٌ، وإذا قَتَل فليس عليه شيء"، معتبرًا أن منع الطعام وأسباب الحياة قتلٌ بطيءٌ.
وأضاف الزنداني: "إننا فوجئنا كما فوجئ العالم بقرار الحكومة المصرية بناء "جدارٍ فولاذيٍّ" على حدودها مع قطاع غزة"، متسائلاً: "لماذا هذا الجدار؟! ولمصلحة من؟! ومن الذي أباح لمسلمٍ المشاركة في حصار أخيه المسلم؟!"، معتبرًا أن هذا الفعل لا يجوز وحرام وباطل.
وأشاد الشيخ الزنداني بالشباب الفلسطيني الذين غيَّروا المعادلة في العصر الحاضر، وأصبحوا يعرفون حقائق الإيمان في ميادين العبادة والطاعة والجهاد والبذل والصدق؛ "فهم أشد الشباب وأقواهم تمسكًا بدينهم وبذلاً لدمائهم وجدًّا في أعمالهم وسعيهم، ولم يعودوا يخافون من شيء إلا من خالقهم".
الفلسطينيون غاضبون.. فعاليات ومظاهرات
وأعرب الفلسطينيون عن غضبهم وسخطهم الشديدين تجاه هذه الخطوة غير المُبرَّرة من قِبَل الحكومة المصرية؛ حيث دعت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أهالي قطاع غزة المُحاصَر الإثنين إلى المشاركة في الاعتصام والتظاهر (21-12) قبالة معبر رفح البري مع مصر؛ للاحتجاج على بناء "جدار فولاذي" لإحكام الحصار على القطاع.
وكانت الحكومة الفلسطينية عبَّرت عن قلقها بشأن المعلومات الواردة حول إقامة مصر جدارًا أرضيًّا على حدودها مع قطاع غزة، مشيرة إلى أنها تنوي إجراء اتصالاتٍ رسميةٍ في هذا الإطار، فيما أفادت تقارير صهيونية بأن مصر ستبني سياجًا معدنيًّا بطول 10 كيلومترات على الحدود مع قطاع غزة، ويصل عمقه إلى 30 مترًا تحت سطح الأرض.
قلع الأشجار بطول الحدود!
وقد صرَّح سليمان عواد عضو المجلس المحلي بالجزء المصري من مدينة رفح لوكالات الأنباء بأن السلطات المصرية قلعت أشجارًا بطول الحدود؛ لتمهيد طريقٍ ترابيٍّ وإقامة أجهزةٍ لمراقبة الحدود وتأمينها.
وقال عواد: "إن المزارعين الذين تضرَّروا من العمل على الحدود تم تعويضهم بنحو 150 جنيهًا مصريًّا عن كل شجرة، و250 جنيهًا عن كل شجرة زيتون.
كما ذكرت (الإندبندنت)البريطانية أن مسؤولين مصريين طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم قالوا: "إن مشروع بناء الجدار لا يزال جاريًا".
أبوالغيط: مصر حرة!!
من جهته صرَّح وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط لصحيفة "الشرق الأوسط" بأن مصر لديها مطلق الحرية في أن تفعل داخل أراضيها ما يؤمِّن سلامتها، ولا يحق لعربيٍّ مهما كان وباسم أية قضية مهما كانت أن يقول لمصر: افعلي هذا أو لا تفعلي ذاك على أراضيكِ، خصوصًا أن مصر مستعدة للمساعدة وبذل الجهد للدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
وقال: "من هنا إذا ما طرحت مصر أي أفكار خاصة بوضع مجسَّات أو قواعد للسيطرة على التهديدات الأمنية ضد أراضيها فهذا حقها، عدا ذلك لا أرغب في تناول ما نفعله في هذه المنطقة في الوقت الحالي".
انتقادات للحكومة المصرية
وانتقد متابعون وكتاب مصريون وزير الخارجية أبو الغيط لتصريحاته المتعلقة ببناء "الجدار الفولاذي"، مؤكدين أن الحكومة والقيادة المصرية خاضعةٌ لأوامرَ صهيونيةٍ وأمريكيةٍ وأوروبيةٍ، وأطلق المتابعون والكتَّاب على "الجدار الفولاذي" اسم "جدار الخيانة"، على اعتبار أنه بُني بين مصر وأشقائها المسلمين والعرب والفلسطينيين المُحاصَرين على وجه الخصوص.
جداران اثنان للفصل العنصري
وربط بعض المحللين بناء مصر "الجدارَ الفولاذي" بإشرافٍ أمريكيٍّ أوروبيٍّ بجدار الفصل العنصري الذي تقيمه قوات الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية المحتلة، مشيرين إلى إدانة "محكمة العدل الدولية" في لاهاي إقدام الكيان الصهيوني على بناء جدار فصلٍ عنصريٍّ فوق الأراضي الفلسطينية، وقال أحد الكتَّاب في صحيفة "الدستور" المصرية: "وهذه الأيام تترى وتتسرب الأنباء عن جدارٍ مماثلٍ، لكنه مغروسٌ تحت الأرض تبنيه - لا فخر- الحكومة المصرية بمساعدة أمريكية – "إسرائيلية" على حدودنا مع قطاع غزة من أجل تحقيق الأهداف الإجرامية نفسها لجدار الفصل العنصري، أي العزل والحصار، مضافًا إليها -ولا فخر أيضًا- تجويع أهلنا في القطاع وسد كل ثغرة وأي منفذ تمر منه الرحمة إليهم!!".
وأضاف الكاتب في "الدستور": "إذن حكومتنا (المصرية) ونظامنا -قبَّح الله وجهيهما- ينفقان مئات ملايين الدولارات من أموال الشعب المصري لكي يجوِّعوا شعبًا شقيقًا"، في إشارةٍ إلى تجويع الفلسطينيين المُحاصَرين في قطاع غزة