موضوع: الحكمة في القرآن الكريم الأربعاء سبتمبر 01, 2010 11:33 am
الحكمة في القرآن الكريم ======================
ورد لفظ الحكمة في القرآن الكريم عشرين مرة، في تسع عشرة آية، في اثنتي عشرة سورة، وقد ورد لعدة معان، وتفصيل ذلك كما يلي:
اختلف المفسرون في تفسير الآيات الواردة بلفظ الحكمة، فنجد مقاتل -كما ذكر الرازي- يقول: تفسير الحكمة في القرآن على أربعة أوجه:
أحدها : مواعظ القرآن ، قال -تعالى- في سورة البقرة، الآية: 231: "وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ" (البقرة: من الآية231) ومثلها في آل عمران.
وثانيهما : الحكمة بمعنى: الفهم والعلم ، ومنه قوله – تعالى -: "وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً" (مريم: من الآية12)، وفي سورة لقمان (الآية: 12) "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ" (لقمان: من الآية12) يعني: الفهم والعلم، وفي (الأنعام الآية: 89): "أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ" (الأنعام: من الآية89).
ثالثها : الحكمة بمعنى النبوة ، ففي النساء 54: "فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" (النساء: من الآية54)، وفي (ص 20) "وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ" (صّ: من الآية20) وفي البقرة: "وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ" (البقرة: من الآية251).
ورابعها : القرآن بما فيه من عجائب الأسرار ، ففي النحل 125"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ" (النحل: من الآية125)، وفي (البقرة 269) "وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً" (البقرة: من الآية269)(1).
ويقول الفيروزآبادي: وردت -الحكمة- في القرآن على ستة أوجه:
الأول : بمعنى النبوة والرسالة ، "وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" (آل عمران: من الآية48). "وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ" (صّ: من الآية20) "وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ" (البقرة: من الآية251). أي: النبوة.
الثاني : بمعنى القرآن والتفسير والتأويل، وإصابة القول فيه: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً" (البقرة: من الآية269).
الثالث : بمعنى فهم الدقائق والفقه في الدين "وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً" (مريم: من الآية12).
الرابع : بمعنى: الوعظ والتذكير "فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" (النساء: من الآية54). أي: المواعظ الحسنة، "أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ" (الأنعام: من الآية89).
الخامس : آيات القرآن وأوامره ونواهيه "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" (النحل: من الآية125).
السادس : بمعنى حجة العقل على وفق أحكام الشريعة، "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ" (لقمان: من الآية12) أي: قولاً يوافق العقل والشرع (2).
و قال الطبري : حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن مجاهد في قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الحِكْمَةَ) قال: الحكمة: الصواب، وقال غير أبي بشر: الصواب في غير النبوّة
وقال ابن كثير: قال علي بن طلحة عن ابن عباس: يعني المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله (3). وقال -أيضاً-: روي عن ابن عباس مرفوعاً: الحكمة القرآن، يعني تفسيره.
وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ" (البقرة: من الآية269). ليست بالنبوة، ولكنه العلم والفقه والقرآن.
وقال إبراهيم النخعي: الحكمة: الفهم. وقال أبو مالك: الحكمة: السنة. وقال زيد بن أسلم: الحكمة: العقل. وقال مالك: وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هي: الفقه في الله، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله. قال السدي: الحكمة: النبوة.
وهذه الأقوال ذكرها ابن كثير ثم عقب قائلاً : والصحيح أن الحكمة -كما قاله الجمهور -لا تختص بالنبوة، بل هي أعم منها، وأعلاها النبوة، والرسالة أخص (4) ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبَع، كما جاء في بعض الأحاديث (5).
وقال عبد الرحمن السعدي مفسرًا الحكمة: الحكمة، هي: العلوم النافعة والمعارف الصائبة، والعقول المسددة، والألباب الرزينة، وإصابة الصواب في الأقوال والأفعال، ثم قال: وجميع الأمور لا تصلح إلا بالحكمة، التي هي: وضع الأشياء مواضعها، وتنـزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام (6).
وقال القاسمي في تفسير الحكمة:
قال كثيرون: الحكمة: إتقان العلم والعمل، وبعبارة أخرى: معرفة الحق والعمل به (7).
وقال الرازي: والمراد بالحكمة: إما العلم، وإما فعل الصواب (.
ونواصل الحديث عن (الحكمة) في كتاب الله كما بينها المفسرون.
فقد قال رشيد رضا مفسراً: الحكمة: التمييز بين ما يقع في النفس من الإلهام الإلهي والوسواس الشيطاني (9).
قال الألوسي: وفي (البحر): إن فيها تسعة وعشرين قولاً لأهل العلم، قريب بعضها من بعض، وعد بعضهم الأكثر منها اصطلاحاً واقتصاراً على ما رآه القائل فرداً مهماً من الحكمة، وإلا فهي في الأصل: مصدر من الإحكام، وهو الإتقان في علم أو عمل أو قول أو فيها كلها (10).
أما ابن عاشور فقد قال: وفسرت الحكمة بأنها معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بما تبلغه الطاقة، أي: بحيث لا تلتبس الحقائق المتشابهة بعضها مع بعض، ولا يغلط في العلل والأسباب (11).
ونختم أقوال المفسرين في الحكمة بما ذكره سيد قطب -رحمه الله- حيث فسر الحكمة بأنها: القصد والاعتدال، وإدراك العلل والغايات، والبصيرة المستنيرة التي تهديه للصالح الصائب من الحركات والأعمال (12).
هذه خلاصة لأهم أقوال المفسرين في تفسير معنى الحكمة في كتاب الله، ونستطيع أن نقول: إن المفسرين فسروا الحكمة بتفسيرين:
الأول: النبوة.
الثاني: العلم والإتقان، والتوفيق، والبصيرة، والعمل الصائب، ومنع الظلم، ووضع الشيء في موضعه، وكلها معان متقاربة. ========================== 1 - انظر: التفسير الكبير للرازي 7/67 والحكمة في الدعوة إلى الله ص 20. 2 - بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز 2/490 والحكمة في الدعوة إلى الله ص18. 3 - تفسير ابن كثير 1/322. 4 - لأن كل رسول نبي ولا عكس. 5 - انظر: تفسير ابن كثير 1/322. 6 - انظر: تفسير ابن سعدي 1/332. 7 - انظر: تفسير القاسمي 1/245. 8 - انظر: تفسير الرازي 7/67. 9 - المنار 3/75. 10 - روح المعاني 2/41. 11 - التحرير والتنوير 3/61. 12 - في ظلال القرآن 1/312.