التزام وفاء وسام العطاء
عدد المساهمات : 469 تاريخ التسجيل : 06/01/2010
| موضوع: في الرشوة الجمعة سبتمبر 03, 2010 10:46 am | |
|
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد كثرت المعاصي في هذا الزمان وانتشرت، وعمت البلدان وطمت، ومن ذلك: "الرشوة" التي تعد كبيرة من كبائر الذنوب،
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على ذلك، فقال تعالى:
وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ سورة البقرة(188).
أي لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقا لغيركم، وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم.
وقال تعالى عن يهود: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ سورة المائدة(42)
"السحت هو الحرام، وهو الرشوة كما قال ابن مسعود"1..
وقد جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-
قال: (يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت)2..
ولذلك فقد استحق الراشي والمرتشي اللعنة على لسان رسول الله؛
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم)3.
وعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي"4..
والرشوة: "ما يعطى لإبطال حق أو إحقاق باطل"5 قال العلماء-رحمهم الله-:
"وإنما تلحق اللعنة الراشي إذا قصد بها أذية مسلم أو ينال بها ما لا يستحق،
أما إذا أعطى ليتوصل إلى حق له، ويدفع عن نفسه ظلما فإنه غير داخل في اللعنة،
وأما الحاكم فالرشوة عليه حرام أبطل بها حقاً أو دفع بها ظلماً"6..
والرشوة حرام بل كبيرة من كبائر الذنوب لأن النبي –صلى الله عليه وسلم-
قد لعن الراشي والمرتشي: "وهي ضربان: رشوة ليميل إلى إحدهما بغير حق
فهذه حرام عن فعل حرام على الآخذ والمعطي وهما آثمان، ورشوة يعطاها ليحكم بالحق واستيفاء
حق المعطي من دين ونحوه فهي حرام على الحاكم دون المعطي؛ لأنها للاستقاذ فهي كجُعل الآبق،
وأجرة الوكلاء في الخصومة"7..
عباد الله: لقد تعددت صور الرشوة وتنوعت، ومن هذه الصور ما يلي:
أولاً: هدايا الرعية إلى الحكام، أهدي إلى عمر بن عبد العزيز هدية وهو خليفة فردها، فقيل له:
كان رسول الله يقبل الهدية! فقال: كان ذلك له هدية، وهو لنا رشوة"8. وقال أبو حنيفة:
"إذا ارتشى الحاكم انعزل في الوقت وإن لم يعزل، وبطل كل حُكم حَكم به بعد ذلك"،
قال القرطبي تعليقاً على قول أبي حنيفة: "وهذا لا يجوز أن يختلف فيه إن شاء الله؛
لأن أخذ الرشوة منه فسق، والفاسق لا يجوز حكمه، والله أعلم"9.
ثانياً: الرشوة لتعطيل الحدود، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "ولا يجوز أن يؤخذ من الزاني
أو السارق أو الشارب أو قاطع الطريق ونحوهم مال تعطل به الحدود لا لبيت المال ولا لغيره،
وهذا المال المأخوذ لتعطيل الحد سحت خبيث وإذا فعل ولي الأمر ذلك فقد جمع فسادين
عظيمين أحدهما: تعطيل الحد، والثاني أكل السحت، فترك الواجب وفعل المحرم،
قال الله تعالى: لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ سورة المائدة(63)،
وقال الله تعالى عن اليهود: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ سورة المائدة (42)؛
لأنهم كانوا يأكلون السحت من الرشوة التي تسمى البرطيل وتسمى أحياناً الهدية وغيرها،
ومتى أكل السحت ولي الأمر احتاج أن يسمع الكذب من شهادة الزور وغيرها،
وقد "لعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش" الواسطة الذي بينهما"10.
ثالثاً: ما يعطى لموظفي الدولة لتضييع حق من حقوق الله، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه:
عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول)11.
وفي البخاري ومسلم عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه-
أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: استعمل رجلاً من الأزد يقال له
ابن اللتبية على الصدقة فجاء فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم-
على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: (ما بال العامل نبعثه فيجيء
فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي، ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدى له أم لا!
لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك إلا جاء به يوم القيامة؛ إن كان بعيراً فله رغاء أو بقرة فلها خوار،
أو شاة تيعر) ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه، ثم قال: (اللهم هل بلغت.. اللهم هل بلغت).
وصور الرشوة كثيرة، وتختلف من بلد إلى آخر، ومن قطر إلى قطر..
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون: لقد حثنا الشارع الحكيم على الكسب الحلال، فقال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ سورة البقرة(168).
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ سورة المؤمنون(51).
وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة –رضي الله عنه قال:
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً،
وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ
مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ سورة البقرة(172). ثم ذكر الرجل: (يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء:
يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!).
أيها الناس: إن فضل الله ورحمته بعباده عظيمة ولذلك فقد أجاز للإنسان أن يعطى الرشوة
في حال الضرورة، قال أبو الليث السمرقندي الفقيه: "لا بأس بأن يدفع الرجل
عن نفسه وماله بالرشوة". وهذا كما روي عن عبدالله بن مسعود أنه كان بالحبشة
فرشا دينارين وقال: "إنما الإثم على القابض دون الدافع". وعن وهب بن منبه أنه سئل:
الرشوة حرام في كل شيء؟ فقال: لا؛ إنما يكره من الرشوة أن ترشى لتُعطَى ما ليس لك
أو تدفع حقاً قد لزمك، فأما أن ترشو لتدفع عن دينك ودمك ومالك فليس بحرام".12
عباد الله: "تدبروا العواقب واحذروا قوة المناقب، واخشوا عقوبة المعاقب،
وخافوا سلب السالب، فإنه والله طالب غالب، أين الذين قعدوا في طلب المنى
وقاموا وداروا على توطئة دار الرحيل وحاموا؟ ما أقل ما لبثوا وما
أوفى ما أقاموا! لقد وبخوا في نفوسهم في قعر قبورهم على ما أسلفوا و لاموا.
أما والله لو علم الأنام *** لما خلقوا لما هجموا وناموا
لقد خلقوا لأمر لو رأته *** عيون قلوبهم تاهوا وهاموا
ممات ثم قبر ثم حشر *** وتوبيخ وأهوال عظام
ليوم الحشر قد عملت رجال *** فصلوا من مخافته وصاموا
ونحن إذا أمرنا أو نهينا *** كأهل الكهف أيقاظ نيام
يا من بأقذار الخطايا قد تلطخ، وبآفات البلايا قد تضمخ، يا من سمع كلام
من لام ووبخ يعقد عقد التوبة حتى إذا أمسى يفسخ، يا مطلقا لسانه والملك يحصى وينسخ،
يا من طير الهوى في صدره قد عشش وفرخ، كم أباد الموت ملوكا كالجبال الشمخ،
كم أزعج قواعد كانت في الكبر ترسخ، وأسكنهم ظلم اللحود ومن ورائهم برزخ،
يا من قلبه من بدنه بالذنوب أوسخ، يا مبارزا بالعظائم أتأمن أن يخسف بك أو تمسخ،
يا من لازم العيب بعد اشتماله الشيب ففعله يؤرخ"13 أما آن لك أن تفيق من غفلتك، وتقوم من قعدتك؟!
نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته. ربنا آتنا في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون،
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
.
| |
|