ياسر الزعاترة
كيف يمكن للمراقب أن يقارن بين هذه القافلة التي تقطع آلاف الأميال من أجل الوصول إلى قطاع غزة لتمده ببعض الدفء والحياة، وبين الجدار الفولاذي الذي يبنيه الأشقاء من أجل حرمان أهل القطاع من دفء الأخوة والمحبة والنصرة.
في المشهد الأول يتوافد بضع مئات من الشرفاء (بعضهم عرب ومسلمون، وبعضهم الآخر من الأجانب) من أوروبا وأمريكا ليشاركوا في قافلة عنوانها الدعم المعنوي أكثر من الدعم المادي الذي تحمله سياراتهم التي تزدحم بالأدوية والمعدات الإنسانية.
في كل محطة مروا بها كان الرجال والنساء الذين يتقدمهم النائب البريطاني جورج غالاوي يبعثون برسائل واضحة للناس الذي يرونهم ويتابعون شعاراتهم، فهم يسيرون كل هذه المسافات من أجل نصرة شعب محاصر دون وجه حق، بل عقاباً له على اختياره الديمقراطي، كما أنهم يفعلون ذلك من أجل أن يذكّروا العالم بجريمة الحصار من جهة، وبجرائم القتل والتدمير من جهة أخرى، تلك التي قتلت وجرحت الآلاف كما دمرت آلاف البيوت. ولم يكن عبثاً أن يبرمجوا رحلتهم مع الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي الذي ووجه ببسالة رائعة.
في كل مكان مروا به كان رسالتهم واضحة، وهم أدوها على خير ما يرام، لكنهم في محطات أخرى كانوا موضع احتفال يليق ببطولتهم وعطائهم، كما يليق بالقضية التي جاءوا لنصرتها والشعب الذي رفعوا علمه على حافلاتهم.
حدث ذلك في تركيا على سبيل المثال التي احتفت بهم على نحو استثنائي في كل محطة مروا بها، ولم تكتف بذلك، بل سيّر شعبها معهم مزيداً من الحافلات والمساعدات والرجال، وفي سوريا تكرر المشهد، وهنا في الأردن كان الموقف رائعاً من حيث الاحتفال والتضامن والعطاء أيضاً.
الآن تدخل القافلة محطتها المصرية، وهنا ستكون المفارقة التي نتمنى أن لا تكون بائسة كما هي العادة، وقد أدرك جورج جالاوي ذلك، فأرسل عبر الجزيرة نداءات إنسانية للرئيس المصري لكي يأذن للقافلة بالمرور دون معوقات.
وفيما يستبعد كثيرون أن يحدث ذلك بسهولة ويسر، فإننا نتمنى أن لا تصدق التوقعات ويبادر الأشقاء إلى السماح للقافلة بالتحرك صوب وجهتها الطبيعية دون تعطيل، لا سيما أن التبريرات المتداولة لا تبدو مقنعة، وقد سعى السفير الإسرائيلي في لندن إلى وضع الكرة في الملعب المصري حين قال إن الأمر بيد السلطات المصرية تدخل من تشاء وتمنع من تشاء. ولما سئل هل بوسعها إدخال مواد البناء؟ قال: نعم، ويمكنها إدخال الراقصات لو أرادت.
لماذا تتحمل مصر أمام الجماهير العربية كل هذا العبء دون مبرر؟ ربما كانت لدى السياسة إجابتها المعروفة من حيث الموقف المصري التقليدي من حماس وحكومتها و"إمارتها الإسلامية"، لكن ذلك لا ينبغي أن ينسحب على ما يسيء إلى مصر وشعبها وحكومتها، مع أننا ندرك أن الشعب المصري العظيم لا يقبل بأي شكل من أشكال الحصار على أشقائه الفلسطينيين، بدليل موقفه المعلن من الجدار الفولاذي، وكذلك سائر الفعاليات التي أقامها ويقيمها نصرة لقضيتهم.
لا مجال هنا لتجاوز موضوع الجدار الذي يفرض نفسه على وسائل الإعلام، الأمر الذي بات أقرب إلى الحقيقة منه إلى الإشاعات، وإن بدا نوعاً من الضغط المباشر على حماس كي تغير مواقفها على نحو يسهّل إقصاءها وتحجيمها، لكن ما ينبغي أن تعلمه القاهرة الرسمية أن تداعيات الجدار ستكون خطيرة بكل المقاييس، فيما نتمنى أن يكون للقوى الحية في مصر موقفها الأكثر وضوحاً وقوة حيال هذا الأمر.
هكذا تكون قافلة شريان الحياة شكلاً من أشكال الاحتجاج على العدوان وعلى الحصار في آن، كما هي احتجاج على الجدار الجديد وعلى من يبنونه أيضاً، بصرف النظر عن موقفهم من مرور القافلة، هذا إذا مرت دون كثير من التعطيل و"البهدلة".
صحيفة الدستور الأردنية
[size=18][/size]