سأل أحد الطلاّب أحد الفيزيائيين سؤال ظنّه الكل أنّه سخيف، قائلا:
" ماذا سيحدث للأرض لو قام كل سكانها بالقفز مرّة واحدة و في لحظة مشتركة من مشرق الأرض إلى مغربها ؟ "
(1) فرّد الفيزيائي ضاحكا: " لن يحدث للأرض و لا للجبال أي شيء حتى و لو كان عدد القافزين عليها هو عشرة أضعاف معمريها اليوم !"
(2) ولقد أبكاني هذا الأمر أكثر مما أضحك عالم الفيزياء هذا ومن معه عندما أيقنت أنّ حجمنا نحن البشر كالعدم أمام قوة العزيز الجبار و عظمة هذا الكون،
و راح أستاذ الفيزياء هذا - دون أن يعلم- يبرهن بدليل المنطق و الحساب عظمة وقدرة الرحمن و مبرزا لنا عجز وضعف الإنسان.
فلو افترضنا أن معدل وزن كلّ واحد من البشر هو 100 كيلوجرام فستكون كتلة سكان المعمورة هي 000 000 000 600 كيلوجرام،
و علما أنّ الكتلة الإجمالية للكوكبنا الأخضر تقدّر ب : 000 000 000 000 000 000 000 972 5 كيلوجرام... (3)،
فإن نسبة كتلة كل البشر إلى نسبة كتلة كوكبهم ستكون حسابيا : 01 000 000 000 000 ، 0 % !
و بلغة الإحصاء نقول أنّ كتلتنا نحن الآدميون تؤول إلى الصفر أمام الأرض التي نعمّرها !
بل تؤول إلى العدم المحض أمام هذا العدد الهائل من ملايين الميليارات من الأجرام السماوية من نجوم و كواكب و غيرها،
وصدق ربنا إذ قال: ﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ غافر (آية:57)
و لو أردنا مثلا أن نقيس كمية الطاقة التي ستنتُج من قفز ستة ملايير من البشر من علوّ متر في لحظة واحدة فإننا نجد أن الطاقة الناتجة تقارب 6000 مليار جول...
(4) وهي طاقة لا تساوي شيء مقارنة بالطاقات التي تنتجها الظواهر الطبيعية عند حدوثها، كالصواعق والزلازل و ثوران البراكين و الأعاصير والإنجرافات وغيرها،
فمعدل الطاقة الناتجة مثلا من جرّاء حدوث زلزال متوسط تقدر ب: 000 000 000 000 000 000 100 مليار جول !
وراح أستاذ الفيزياء يؤكد أن القفزة البشرية لا يمكنها أن تُحدث و لو نسمة من ريح ولا من شأنها أن تنتج أدنى هزّة أرضية !
ورحت أتلو قول باسط الأرض وخالق والإنس والجان من سورة الإسراء : ﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ﴾ الإسراء (آية:37).
إن حجم كوكبنا الأرضي أمام حجم الكون كله وما يحتويه من آلاف المليارت من المجرّات
هو كمثل حجم حبّة رمل في وسط كل رمال الصحاري و شواطئ البحار وأعماقها وأضعافها وأضعاف أضعافها !
فإذا كان هذا هو حجم ملايير البشر أمام الأرض (كما سبق تبيانه في النسبة أعلاه) فكيف بحال كل فرد منّا أمام حجم الكون كلّه؟!
بل كيف بحجم كلّ نفس بشرية أمام خالقها و خالق كل شيئ؟! فحجم الدنيا كلها ( النشأة الأولى بما يحتويه كل الكون)
عند خالقها لم ترتقي حتى إلى وزن جناح بعوضة، فكيف هو حجم الأرض عند خالقها إذا؟! بل كيف بحال الخلق عليها و حجمهم عنده ؟!
و الله لن يضروا الله شيئ حتى و لو قفزوا برّمتهم جاهرين بكفرهم و إلحادهم !
بل لا يضرّونه شيء حتى و إن قفزوا من بداية الدنيا إلى نهايتها بإنّسهم وجنّهم صغيرهم وكبيرهم، ذكورهم و إناثهم !
و كيف يضرّونه سبحانه بكفرهم وعصيانهم ولا يوجد موضع أربع أصابع(5) في كلّ هذا الكون العظيم
إلا و ملك ساجد أو راكعا يسبّحون بحمد ربهم و يستغفرون دون أن يستكبرون لحظة ! هذا فضلا عن تسبيح النجوم والأجرام نفسها وصدق الله العظيم إذ قال:
﴿ وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ النحل (آية:49).
و يكفي أن نطابق عدد المجرات و ما تحويها من ملايين الملايير من الكواكب و النجوم بعدد الملائكة الراكعين المسبحين لكي نعلم أنّه لا يمكننا أن ندرك عدد من لا يستكبر من مخلوقات الله !
و هل أحصينا عدد حبّات الرمال في كوكبنا العدم أو عدد خلايا أجسامنا حتى نحصي ما لا يقدر على إحصائه إلاّ الله ؟!
ويكفي أيضا أن نطابق عدد البشر وحجمهم بعدد النجوم و الكواكب و حجمها لكي ندرك أنّنا مقصرين في سجودنا لله،
و كيف لا و عندما يسجد الواحد منّا يكون قد سبقه في سجوده هذا ما يزيد عن مئة ألف مليون مليار نجم (6)، وصدق العزيز الجبار إذ قال:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ﴾ الحج (آية:18) .
و في نفس السياق نقول: لن ينفع البشر الله سبحانه حتى و لو سجدوا له جميعا من أولّ الخلق إلى آخر البعث سجدة رجل واحد،
و كيف لهم أن ينفعوه سبحانه و هو بارؤهم غنيّ عنهم أوجدهم من العدم ثم اسكنهم في كوكب بحجم العدم !
كوكب في مجموعة شمسية حجمها ليس أكبر من العدم ! و مجموعة شمسية في مجرّة يؤول حجمها، أمام ما يزيد عن 500 مليار مجرة(7) ،
إلى العدم ! ثم يميتهم ثم يحييهم، ثم إما جنّة عرضها كعرض السماء والأرض وإما ناراً تكون شمسناً التي نراها اليوم كمثابة جمرة من جمارها !