بسم الله الرحمن الرحيم
**************************
حكم الإسلام في مظاهرة العدو المحتل وملاحقة المجاهدين
الدكتور صالح الرقب
الجامعة الإسلامية- كلية أصول الدين
الحمد لله رب العالمين،وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة ، وشرط من شروط الإيمان، تغافل عنه كثير من الناس وأهمله البعض فاختلطت الأمور وكثر المفرطون.
ومعنى الولاء :هو حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم.
ومعنى البراء :هو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق.
إن الإسلام لا يقبل أن يقف المسلم في خندق واحد مع الكافر ضد إخوانه المسلمين، قال تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا "النساء:144، وقال أيضاً:"ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون" المائدة:81. يقول ابن تيمية عن هذه الآية:'فذكر جملة شرطية تقتضي أن إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف لو التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط فقال:"ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء" فدلّ ذلك على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، لا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودلَّ ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي، وما أنزل إليه".
منزلة عقيدة الولاء والبراء في الإسلام:
أولاً:أنها جزء من معنى الشهادة، وهي قول:"لا إله" من "لا إله إلا الله" فإن معناها البراء من كل ما يُعبد من دون الله. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:"إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يواد إلا لله، ولا يُعادي إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله".
ثانيًا :أنه شرط في الإيمان كما قال تعالى:"ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه اتخذوهم أولياء ولكن كثيرًا منهم فاسقون".فمن لم يحقق الشرط بولاء المؤمنين ومعاداة الكافرين بطل إيمانه.
ثالثًا :أن هذه العقيدة أوثق عرى الإيمان، لما روى أحمد في مسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله".
رابعًا:أنها سبب لتذوق حلاوة الإيمان ولذة اليقين، لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ثلاث من وجدهن وجد حلاوة الإيمان:أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه.
خامسًا:أنها الصلة التي يقوم على أساسها المجتمع المسلم "إنما المؤمنون إخوة" .
سادسًا:بتحقيق عقيدة الولاء والبراء تنال ولاية الله ، لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله "من أحب في الله، وأبغض في الله ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً".
سابعا:أن عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل في الكفر، قال تعالى:"ومن يتولهم منكم فإنه منهم".
ثامنًا: كثرة ورود عقيدة الولاء والبراء في الكتاب والسنة يدل على أهميتها.
من صور موالاة ومظاهرة ومناصرة الكفار:
1- تثبيت وجود اليهود على أرض فلسطين المسلمة، من خلال التنازل عن 78% من الأرض التي احتلوها سنة 1948م من أرض فلسطين المسلمة.
2 -الاعتراف بشرعية كيان العدو الصهيوني الذي أقامه على أرض المسلمين المحتلة، ومطالبة الآخرين بهذا الاعتراف.
3- مساعدة اليهود في بناء الجدار الفاصل الذي التهم 52% من أراضي الضفة الفلسطينية، وهذا وقع فيه وزراء وشخصيات أخرى محسوبين على حركة فتح.
4- توفير الأمن للعدو المحتل بتنفيذ خارطة الطريق التي هي مشروع أمريكي صهيوني، فمن صاغها هما: مدير مكتب كوندليزا رايس -لما كانت مستشار الأمن القومي الأمريكي- ودوف فايسغلاس مدير مكتب شارون. جاء في خارطة الطريق:'يلتزم الفلسطينيون على الفور بوقف العنف بشكل غير مشروط وفقًا للخطوات المفصلة فيما يلي؛ ويجب أن ترافق مثل هذه العملية خطوات داعمة من جانب إسرائيل،ويستأنف الفلسطينيون والإسرائيليون تعاونهم الأمني بناء على خطة تِينِت لوقف العنف والإرهاب والتحريض بواسطة أجهزة أمنية فلسطينية فعّالة أعيدت هيكلتها'. وهذا ما تقوم به الأجهزة الأمنية التابعة لعباس في الضفة تحت قيادة وإشراف الجنرال الأمريكي كينث دايتون، من بسحب أسلحة المجاهدين ومصادرتها وسجنهم وتعذيبهم وأحيانا قتلهم. وقد طالعتنا الأخبار صبيحة يوم الاثنين 8/6/2009م أن دايتون أعد خطة جديدة لمواجهة قوى المقاومة في الصفة تنفذها أجهزة أمن عباس. وجاء في خارطة الطريق:' تُصدر القيادة الفلسطينية بيانًا جليًا لا لبس فيه يؤكد حق إسرائيل في الوجود بسلام وأمان، ويدعو إلى وقف إطلاق نار فوري وبدون شروط، وإلى وقف العمليات المسلحة وجميع أعمال العنف ضد إسرائيليين في كل مكان. وتتوقف جميع المؤسسات الفلسطينية الرسمية عن التحريض ضد إسرائيل. وهذا ما يصرح به عباس وينادي به في كل مكان.
5-مولاة الكفار بمساعدتهم بالدلالة على المجاهدين ولو كان بأمر بسيط جدا كأن يخبرهم أين يوجدون أو أين يختبئون،أو الاشتراك معهم في اغتيال المناضلين والمجاهدين. ويدخل في هذا النوع من المساعدة ما يسمى بالتعاون الأمني القائم بين دولة العدو الصهيوني وبين أطراف فلسطينية ألزمت نفسها بالاتفاقيات الظالمة وغير المعتبرة شرعاً، وما كان العدو لينجح في قتل واغتيال واعتقال المئات من المناضلين لولا هذا التعاون الأمني، ومساعدة الأجهزة الأمنية المعدة لهذا الأمر. فالتعاون الأمني ما هو إلا خيانة وعمالة للعدو، إذ العميل من يمد العدو بالمعلومات عن المجاهدين وأماكن أسلحتهم، أي يظاهر العدو المحتل على المسلمين ويتصل بأعدائهم ويعطيهم أخبار المجاهدين، أو يتعقبهم ويكشف أسرارهم العسكرية لينتفع بها العدو في البطش بالمجاهدين، وإلحاق الأذى والضرر بهم أو ببلادهم. فما بال من يسلم العدو-باسم التعاون الأمني- ملفات كاملة عن المجاهدين وتحركاتهم وأسلحتهم، وأماكن وجودهم ليغتالهم أو يعتقلهم. وأحيانا تتعدى إلى تسليم أسلحة المجاهدين للعدو وتسليم المجاهدين أنفسهم كتسليم خلية صوريف.
6- جمع المعلومات عن مقار الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية أو بيوت القادة والمجاهدين وأماكن وجودهم، كما حصل من نفر الحمقى في قطاع غزة -تم إلقاء القبض على كثيرين منهم- الذين جمعوا مثل هذه المعلومات وقدموها لمسئوليهم في رام الله الذين قاموا بدورهم بتسليمها للعدو الصهيوني كي يقوم بقصفها وتدميرها كما في الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة. وقد ترتب عليه قتل النفس التي حرم الله قتلها.
حكم مظاهرة وموالاة الكافرين:-
قال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي:"إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة..وهذا يدل على برودة الدين في القلب" .
1- موالاة ومساعدة العدو ضلال وفسق:قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ"الممتحنة1. 2-
2- مظاهرة وموالاة الكافرين كفر وردة عن الدين: إن من يظاهر الكافرين على المؤمنين لأجل طمع في الدنيا يرجى، أو رياسة وغيرها، فلا عصمة لدمه، حيث عُلم أن مظاهرة الكافرين كفر وردة عن الدين، وقد أجمع أهل العلم على أن من ظاهر الكفار من أهل الكتاب وغيرهم من الملل الكفرية على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، وقال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"المائدة51 وقوله تعالى"ومن يتولهم منكم" معناه فإنه يصير من جملتهم،وحكمه حكمهم. قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية:"والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال:إن الله تعالى ذكره، نهى المؤمنين جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين،وأن الله ورسوله منه بريئان". وهذه الموالاة تدل على فساد في اعتقاد صاحبها، خاصة من جهة منافاتها لعمل القلب من الحب والبغض، فالحب والبغض -كما هو معلوم- أصل الولاء والبراء، فمحبة المؤمنين تقتضي موالاتهم ونصرتهم، وبغض الكافرين يقتضي البراءة منهم ومن مذاهبهم وعداوتهم ومحاربتهم، فإذا عادى المرء المؤمنين وأبغضهم، ووالى الكافرين وناصرهم على المؤمنين فقد نقض أصل إيمانه. وقال ابن حزم:صح أن قول الله تعالى:"وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ {إنما هو على ظاهره: بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين "المحلى:13/35". وقال ابن تيمية:'أخبر الله في هذه الآية:أن متوليهم هو منهم وقال سبحانه:"ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء" سورة المائدة:81. فدلّ على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. فالقرآن يصدق بعضه بعضاً "انظر الإيمان لابن تيمية ص14".
3- مظاهرة الكافرين ومعاونتهم على المؤمنين من أخص صفات المنافقين: إن مظاهرة الكافرين ومعاونتهم على المؤمنين من أخص صفات المنافقين، فهم في الظاهر مع المؤمنين، لكنهم في الحقيقة مع الكفار عيوناً وأعواناً، لهم، يكشفون لهم عورات المسلمين وأسرارهم ويتربصون بالمؤمنين الدوائر. قال تعالى:"بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً"النساء 138-139. وقال تعالى:{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دائرة فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}المائدة52، والمرض هنا مرض القلب وهو النفاق.
4- فقدان ولاية ونصرة الله تعالى:قال تعالى:"وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ"البقرة120.
5- براءة الله تعالى منه: قال تعالى:"لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ" سورة آل عمران: 28.
6- عدم قبول صلاته: قال تعالى:"اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}العنكبوت45، ومن المنكر الأكبر موالاة الكافرين ومناصرتهم ومساعدتهم بما يسبب ضررا للمسلمين.ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:من صلى صلاة لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا".
فتاوى علماء العصر في مظاهرة الكفار ومعاونتهم على المسلمين:
لقد صدرت فتاوى عديدة في هذا العصر من كبار العلماء المسلمين يبينون فيها الحكم الشرعي فيمن يظاهر الكافرين ويواليهم ويساعدهم. وعدّو فعله ناقضا من نواقض الإسلام، وأن حكمه القتل كفرا لتوليه الكفار.
1-ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الإسلام:الناقض الثامن:مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:"وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ المائدة: 51".
2-وجاء في موسوعة المفاهيم لمجمع البحوث التابع للأزهر الشريف:..والذي يدل اليهود على عورات المسلمين، ويتسبب في قتل الأبطال على أيدي اليهود يعد محاربا يستوجب قتله؛ لأنّه تسبب في قتل المسلمين، وسبب السبب يأخذ حكم السبب، ومن أعان على القتل ولم يباشره كان قاتلاً أيضاً، على أن هذا الأمر الذي قام به من التعاون مع الأعداء يعد خيانة لله وخيانة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وخيانة لهذا الدين، وخيانة للمسلمين، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:'من أعان ظالماً بباطل ليدحض بباطله حقاً فقد برئ من ذمة الله تعالى وذمة رسوله'.أخرجه الطبراني، السلسلة الصحيحة:1020.
3- قد أفتى العلماء بقتل هذا الخائن الجاسوس للضرر الملحق بجماعة المسلمين منه.ويطبق عليه حد الحرابة. وقد أفتى الشيخ حسن مأمون مفتي مصر الأسبق بقتل من يتعاون مع الأعداء ملحقاً الأذى والضرر في صفوف المسلمين.
4- وقال أحمد شاكر رحمه الله في"كلمة الحق":'أما التعاون مع الإنجليز بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر، فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح، لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول، ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء، ولا مجاملة هي النفاق، سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء. كلهم في الكفر والردة سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم، إن أخلصوا من قلوبهم لله لا للسياسة ولا للناس..'. وسئل عن التعاون مع الفرنسيين فقال:'ولا يجوز لمسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أن يتعاون معهم بأي نوع من أنواع التعاون، وإن التعاون معهم حكمه حكم التعاون مع الإنجليز:الردة والخروج من الإسلام جملة،أيا كان لون المتعاون معهم أو نوعه أو جنسه'.
5- وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:'وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم'."مجموع الفتاوى والمقالات 1/274" .وقال الشيخ بن باز أيضا:'أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقص الإسلام، لقول الله عز وجل "ومن يتولّهم منكم فإنه منهم "."فتاوى إسلامية، جمع محمد بن عبد العزيز المسند ج4 السؤال الخامس من الفتوى رقم 6901".
6- وقال الشيخ سليمان العلوان في كتابه"التبيان شرح نواقض الإسلام":'ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين فتنة عظيمة قد عمّت فأعمّت، ورزية رمت فأصمت، وفتنة دعت القلوب فأجابها كل قلب مفتون بحب المشركين، ولا سيما في هذا الزمن، الذي كثر فيه الجهل، وقل فيه العلم، وتوفرت فيه أسباب الفتن، وغلب الهوى واستحكم، وانطمست أعلام السنن والآثار...ثمّ اعلم أنَّ إعانة الكفار تكون بكل شيء يستعينون به، ويتقوون به على المسلمين'.
7- وقال الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان في كتابه"الولاء والبراء" إعانتهم
– أي الكفار- ومناصرتهم على المسلمين ومدحهم والذب عنهم.من نواقض الإسلام وأسباب الردة نعوذ بالله من ذلك.
8- ويقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:'هؤلاء الخونة،الذين يعاونون أعداء أمتهم على الإثم والعدوان. هؤلاء حكمهم حكم اليهود المحتلين، لأن ولاءهم لهم، وعونهم لهم، والله تعالى يقول:"ومن يتولهم منكم فإنه منهم" المائدة: 51. بل الحق أني أرى هؤلاء شرا من اليهود الغزاة المعتدين، فإن اليهودي عدو واضح معروف، وهذا عدو من جلدتنا، ويتكلم بلساننا، فهو من المنافقين الذين قال الله عنهم:"إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا" النساء: 145. فالمنافق شر من الكافر.
ثمرات إحياء عقيدة الولاء والبراء في الأمة:
1. ظهور العقيدة الصحيحة وبيانها وعدم التباسها بغيرها وتحقيق المفاصلة بين أهل الكفر وأهل الإسلام، قال تعالى:"قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده"الممتحنة:4.
2-حماية المسلمين سياسيا، وذلك أن ما يوجبه الإسلام من مبدأ الولاء والبراء يمنع من الانجرار وراء الأعداء، وما تسلط الكفار على المسلمين وتدخلوا في شؤونهم إلا نتيجة إخلالهم بهذا الأصل العظيم.
3. تحقيق التقوى والبعد عن مقت وسخط الله سبحانه، قال تعالى:"ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون"المائدة :80، وقال تعالى:"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار"هود:113.
4- إن عقيدة الولاء والبراء هي عقيدة صيانة الأمة وحمايتها من أعدائها، كما أنها سبب للألفة والإخاء بين أفرادها، وهي ليست عقيدة نظرية تدرس وتحفظ في الذهن مجردة عن العمل؛ بل هي عقيدة عمل ومفاصلة، ودعوة ومحبة في الله، وكره من أجله وجهاد في سبيله؛ فهي تقتضي كل هذه الأعمال، وبدونها تصبح عقيدةً نظرية سرعان ما تزول، وتضمحل عند أدنى موقف أو محك.
للشيخ صالح الرقب وفقه الله