الدعاء الذي يقرأ في ليلة النصف من شعبان ليس وارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وإنما كان وارداً عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.ونصه الوارد فى كتب الحديث هو . {كَانَ إِدْرِيسُ النَّبيُّ عَلَيْه السَّلام يَدْعو بِدَعْوَةٍ، كَانَ يَأْمُرُ أَنْ لاَ تُعَلمُوهَا السُّفَهَاءَ، فَيَدْعُونَ بِهَا، فَكَانَ يَقُولُ: يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ، وَيَا ذَا الطُّولِ وَالإنْعَام، لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ، ظَهْرَ الاَّجِينَ، وَجَارَ الْمُسْتَجِيرِينَ، وَأُنْسَ الْخَائِفِينَ، إِني أَسْأَلُكَ، إِنْ كُنْتُ فِي أُم الْكِتَابِ شَقِيّاً، أَنْ تَمْحُوَ مِنْ أُم الْكِتَابِ شَقَائِي، وَتُثْبِتَنِي عِنْدَكَ سَعِيداً، وَإِنْ كُنْتُ فِي أُم الْكِتَابِ مَحْرُوماً، مُقَتَّراً عَلَيَّ فِي رِزْقِي، أَنْ تَمْحُوَ فِي أُم الْكِتَابِ حِرْمَانِي، وَإِقْتَارَ رِزْقِي، وَاثْبُتْنِي عِنْدَكَ سَعِيداً مُوَفَّقاً لِلْخَيْرِ كُلهِ}{1}
وما يعترضون عليه فيه هى الجملة التي تقول {اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً فامحو الله شقاوتي} والرد هنا أن هذا ليس بشئ غريب ولا عجيب لأن الله قال في القرآن: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} الرعد39
لم يقل محا الله وإلا كان انتهى المحو وانتهى الإثبات ولكنه جاء بصيغة المضارع لأن المحو والإثبات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} الرعد39
يعني يغير ويبدل كما يريد {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} الأنبياء23
ونحن نرى المحو والإثبات كل يوم وكل ليلة فكنا هنا بالنهار محى الله النهار وجاء الآن بالليل وسيمحو الآن الليل ويأتي النهار {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} الإسراء12
فالليل والنهار محو وإثبات مستمر
يمحو الله كل ليلة عباداً فيميتهم، ويثبت عباداً فيولدون، فالولادة إثبات والموت محو، يمحو الله المزروعات التي نحصدها، ويثبت المزروعات التي نبذرها، يمحو الله الذنوب التي نستغفر فيها، لو أنكرنا المحو والإثبات فكيف يغفر لنا الله يمحو الذنوب، ويثبت الحسنات {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} الفرقان70
بل حتى في القضاء فهناك قضاء مبرم، والذي أبرمه لا يعلمه إلا هو، وهناك قضاء معلق لا يعرفه أيضاً إلا هو، فالتقدير بيدي العلي القدير، والمقادير الذي وضعها هو صاحب التقدير وهو عز وجل منه البدء وإليه المآب وإليه المصير، فهذا الدعاء وارد عن سيدنا عبد الله بن مسعود وليس فيه شئ يعترض عليه في دين الله الصحيح والمعتدل.
{1} عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، جامع الأحاديث والمراسيل، كما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي الدنيا في الدعاء.