بسم الله الرحمن الرحيم
صورة تعددت النسخٌ منـها لكن هذه الصورة ليست كغيرها من الصور .
ربما لأنها معاناة وألم مستديـمين ..أو ربما لأنها جرح لم تداويه السنيـن ..
أو ربما هو حرمـان وافتقـاد لأدنى معاني الحياة ..
حنيـن... تلك الفتاة التي حلمت أن تكون في وطنها كما كانت في غربتها ..
تلك الرغبة بالحياة بعيدا عن أحضان الألم ..
ذلك الألم العميق بالشعور الدائمَ بالنقص .
تلك الأحلام المنهارة علـى عتبة الواقع .
صديقها القلم و ووطنها الأوراق. ربما لأنها لم تجد الفضاء الذي تلجأ إليه يوم ضاقت بهـا الأرض .
تعلمتِ السباحة في عالمِ الكلمات منذ أن بدأت تعرفٌ نفسها .
تعلمتِ المكابرة منذ أن ذاقت طعم الألم .
جرح يليه جرح .معاناة خلفها معاناة . قلب يقتله العجز .
بداية حكاية يكتبها الألمُ وترويها الدموع ...
لم تغب عن عيناي صورة حنـينٍ بذاك الوشاح الأحمر فوق ذلك الكرسي المتحرك ..
كان أول يوم لها بالمدرسة الابتدائية . أذكر أن الشمس غابت ذاك النهار ،زخات رقيقة
من مطر،كادت الفرحة أن تُـفقدها وعيها..
دخلتِ القسمَ الذي زٌيـن بصورِ البراءة و الطفولة...بعد لحظات قامت المدَرِّسَـة بسؤال
كل تلميذ عن اسمـه ..جاء دورها للكلام صعوبة بالغة في الكلام ..وقت طويل بين حرف وما يليه. ضَحِـكَ الجميع.. حين تذكرت عجزها غابت الكلمات عنها .
بعد انتهاء الحصة إنفرت بها المعلمة لتسألها عما حصل لها في أول الحصة ..أحست أنها
غير عادية ، ناقصة ، عاجزة ،إختارت عدم الكلام مقابل تفسير صغير منها لما جرى .
توالت الأيام والعجز يمنع حنين من إسمـاع صوتها...
يوم يليه يوم وشهر يليه شهر والعام يليه العام . صارت حنين بالسنة الخامسة اعتـقدت أن العيب ليس بهـا بل بمن كانوا حولها.انتقلت من ذاك الصف إلى صف آخر أو بالأحرى من مدرسة لأخرى ..
تكرر ما جرى ..تأكدت أن لا رشفة تقدمها الحياة لها سوى الألم و المعاناة .
كبرت حنين وكبر عجزها معها ..كبرت وكبر بداخلها الخوف من الابتسامات .
وصل بها قطار الحياة سريعا لشهادة التعليم المتوسط . بدأت عامها الدراسي بجد وتعب وسهر علها تحقق الرغبة المدفونة داخلها بالتفـوق ..
استيقظت ذات صباح علـى خبر وفاة عمها المريض بالسرطان - عافانا الله -.
أسرعت بالتوجه للدراسة رغم عدم موافقة والديها لذلك ..أقنعتهم بحجة الفرض ..
بعد انتهـاء أولى حصتـين. كان يوم الاثنين يوم عادت حنين إلى الدراسة .
لم تعي ما تقول ، رسمت إبتسامة صغيرة تلتـها دمعة .
أكملت غيابها طوال ذاك الأسبوع .بداية العطلة الشتوية استقبلتها بدموع كزخات المطر . معدل لم يكن بالمستوى سبب ذلك انشغال بوفاة عمها ،جرح الذي لزمه الكثير ليندمل ..مرت الأسبوعان ببطء شديد .
أعياها السهر والتعب ....أعياها الصبر على أَمْـرٍ أَمَـرٌ من الصبـرِ .
مضى ذاك العام تارة بالدموع وتارة أخرى بالابتسامات .واصلت درب الحياة بأمنيات تمنت من صميم قلبها المريض الضعيف أن يـمتد بها الزمن لترى تحققها .
حصلت على شهادة التعليم المتوسط فكانت تأشيرة لدخولها لعام ظنت أنه سيكون عامَ
سلامٍ على قلبها ...
بداية الدراسة، بسرعة فترة الفروض اختارت أستاذة الأدب العربـي أن تكون الفروض
شفهـية أي الصعود إلى مكان يراها فيه الجميع " فوق الكرسي المتحرك " ...كانت تعرف عجزها لا كنها كانت دائما مصرة على إحراجها أمام الجميع ما جعلها مالكة
علامة الصفر دون غيرها لرفضها الصعود للمنصة والتكلم بصوت عالٍ . رغم حفظ
حنين لجميع ما يلزم حفظه كانت دائما تأبـى الخضوع لإحراج الأستاذة..
رسبت في عامها الدراسي الأول في مرحلة التعليم الثانوي ...
عانت مرارة الخسارة . توقفت دقات قلبها المريض عن الخفقان ودعت الحياة ، نزلت من قطار الحياة بسرعة رغم قصر مدة بدأ رحلتها ..
لم تترك سوى تلك الأوراق التي لطالما سمعت نداءاتها وأحست بعذاباتها دون البشر .
تركت ذاك القلم وحيدا فوق مكتبها ... هل سيَحمِله قريب لها ليَكتـبَ ما تحمَّلته حنين
من عجز وحرمان جعلها مالكة المآسي دائما ؟
إخواني .. أخواتي الأعزاء
تناثرت صور تشبه إلى حد ما حنين من حولنا ...
قد يعتبرها البعض قصة كُـتِـبَتْ للتسلية . بينما البعض يجدها همسات يراع حُرِكَتْ فأبدعت..
لكنَ ما هو مخبأ بين السطور أنها عِبرة ربما تعلمنا معنـى الصبر .
تعلمنا حمد الله صبحا ومساء على كثير من النعم جهلناها ومازلنا نجهلها .
فحمدا لله الذي جعل في صدري روحا تكتب ما أعجز دائما أقول ..