غزة – فضائية الأقصى
شهد ابنتي الصغيرة أصغر ذريتي مازالت في عمر الزهور زهرة صغيرة في بستان الروضة .
أنا و في ظل هذا الاستحضار الوجداني والواقعي والمعنوي لذكريات حرب غزة ومدلولاتها وأثارها وأبعادها على كل المستويات ، عند الصديق والعدو والمتفرج أو الصامت ،كل عاش الحرب بتجربته الذاتية الفردية أو الجمعية و كون وجهات نظر حولها من منطلقاته الذاتية كل حسب منظوره .
ولأن الطفولة هي الأصدق ، لأنها تعبر عما تحس به وتتفاعل التجربة في داخلها بكل تلقائية بعيداً عن المواقف المفبركة والمعدة والمبهرجة أو المنمقة ، فلذلك توجهت لطفلتي الصغيرة "شهد " لأعرف صدق مشاعرها بتلقائية براءة الطفولة نحو تجربتها الذاتية مع هذه الحرب الغاشمة التي لم ترحم صغير أو كبير ، فسألتها أحفز ذاكرتها الصغير الزاخرة بصور جميلة لطيور الجنة أو زهور " قناة قراميش " واقتربت بحذر أزيح هذه الصور الجميلة التي تراكمت في ذهنها عبر سنة وغطت جزء كبير من صور الحرب التي عاشتها طفلتي "شهد" سوى تلك الصور التي ما زالت حاضرة بشكل يومي بين يديها من حصار وعدوان إسرائيلي متواصل .
فسألت " شهد " : حبيبتي حديثنا عندما قصفوا اليهود بطائرات الإف 16 منطقتنا ماذا حدث في شقتنا ؟؟؟؟ أخذت "شهد " الصغيرة وهي تتأرجح يمنة ويسرى و الابتسامة لم تفارق عينيها وشفتيها تتحدث ببراءة الطفولة عن تجربتها لحظة القصف وكيف سمعت دوى صوت كبير وكيف تتطاير الزجاج والغبار وتحطمت الأبواب حولهم ، " وهربنا نبكي ونصرخ في الشوارع ، وإستشهدت بنت جيرانا وأخذنا أغطية وملابس قليلة وتركنا شقتنا لأنها كانت مليئة زجاج وحجار والفراش ممزق ....... " وتسترسل شهد تصف التجربة ثم تقول " بعد ما خلصت الحرب رجعنا شقتنا و أحضرنا نايلون وأصلحنا الشقة ثم بعد ذلك أحضرنا الطلاء وأصلحنا الشقة والآن شقتنا جميلة وما فيهاش حاجة " .
هذه العبارات الأخيرة جعلتني أسأل شهد : لو قاموا اليهود بقصف الشقة مرة ثانية ماذا سوف تعملوا ؟؟؟
فردت بتلقائية الطفولة وعفويتها : نصلحها مرة ثانية وندهنها ونظل ساكنين فيها ؟؟
فسألت : ما تتركوها بالمرة ؟
فردت : لا.
صمت بعد ذلك لأستوعب عظمة هذه التجربة التي عبرت عنها طفلتي الصغيرة "شهد" هي تجربة غير مقتصرة بتجربتها المنفردة مع القصف أو الحرب ، بل هي تجربة متراكمة لها أبعادها، العقائدي و التاريخي والمكاني والحضاري تتلقاها "شهد"كما يتلقاها كل طفل من أطفال غزة بعيونهم و آذانهم و أطراف أناملهم الصغيرة التي تداعب تراب هذا الوطن المقدس وتتشرب عبقها مسامات جلدهم الرقيق ، هي تجربة تنتقل من جيل إلى جيل بوصايا خالدة ترتكز على عقيدة راسخة وإيمان لا يتزعزع بأننا أصحاب هذه الأرض التي هي بيت المقدس وأكنافه مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم أهلها الثابتون الصابرون أصحاب الوعد الآلهى الصادق بأننا سندخل المسجد مكبرين ولعلو عدونا بأمر الله متبرين ، هي تجربة تنتقل عبر قوانين التوريث البيولوجي والجينات من الجد للأب للحفيد مكونة بصمة العزة والصمود والثبات ميز فيها الفلسطيني المرابط الثابت على دينه وأرضه .
نعم علمتني "شهد" بأنه النصر وأن المستقبل لهذا الشعب بإذن الله .
[code]