موضوع: نساء فلسطينيات يحولن القش إلى أواني وسلال الخميس يناير 07, 2010 6:39 am
نساء فلسطينيات يحولن القش إلى أواني وسلال
نابلس- مخلص سمارة-
تعتبر الصناعات القشية من رموز التراث التي ما تزال تحافظ عليها العديد من المدن والقرى الفلسطينية ، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة أصبحت هذه الصناعة مصدر رزق لبعض النساء الفلسطينيات.
ومدينة طوباس التي تشتهر بزراعة القمح تعتبر إحدى مدن الضفة الغربية التي تنشط فيها صناعة الصواني القشية التي لها رونق خاص يطيب لكثير من الناس لأنها تحمل في ثناياها عبق التراث الفلسطيني وتزرع من جديد قناعة المحافظة على العادات و التقاليد التي عُرف بها الشعب الفلسطيني.
على باب منزل وفي إحدى حارات المدينة تتجمع مجموعة من النساء الطوباسيات ، تتوسطهن كومة من القش،وتتسارع كل منهن لالتقاط القشة الأنسب لصناعة صينيتها التي سرعان ما تلبث أن تتحول إلى ذلك الشكل المستدير حيث اللمعان الذهبي المنبعث من قشات القمح الصفراء.
فاطمة رشيد تعلمت هذه الصناعة منذ كانت شابة يافعة عن طريق والدتها المعروفة بإتقانها هذه الصنعة النسوية الآخذة في الاندثار.
وتقوم رشيد والبالغة من العمر 52 عاما في بداية الأمر بثني أول قشة تلتقطها بخفة يد ومهارة عالية دون النظر إلى حركة الإبهام والسبابة، ويبقى نظرها وتركيزها موجهاً ومنصباً على حزمتي القش، فيما المخرز ماضٍ في تثبيت الدائرة الأولى لتشكل نواة الصينية.
وتجلس إلى جانب فاطمة امرأة أخرى تنتقي ما يصلح من القش الناعم ليكون فاتحة العمل، وتكفي نظرة واحدة من عين فاطمة إقراراً بجودة القشة المنتقاة.
اقتران الفن بالأرض !!
ويعتبر هذا النوع من الصناعات التراثية أحد الفنون النسوية الفلسطينية المقترنة بالأرض وزراعة القمح ، وتشتهر نساء طوباس بهذه الصناعة التراثية، التي يخشى المواطنون أن تتلاشى نتيجة إحجام كثير من الفئات على مماشاة العصر والزمن ونتيجة التحول السريع في نمط الحياة الفلسطينية .
ولكن في جميع الأحوال بقيت هذه الصواني القشية مزينة لكثير من جدران المنزل فلم يفرط احد بهذا الإرث القديم.
الحاجة أم العبد التي لديها من الخبرة ما يمكن أن يؤهلها لافتتاح دورات لتعليم غيرها من النساء ،تقول:" وعملية الصنع بسيطة لا تعقيد فيها، ولا تكلف النساء شراء شيء، فالمرأة الصانعة بحاجة إلى الخبرة وخفة اليد لقش مهذب وهذا من السهل جدا توفيره من أي حقل للقمح بالإضافة إلى مخرز.
وقالت أم العبد انه ومن المعروف بان النساء تستغل فترة موسم القمح وحصاده لجمع اكبر قدر ممكن من القش الذي يسد حاجتهن من المصنوعات التي ينوين انجازه.
وأشارت أم العبد إلى انه وقبل تشكيل القش يتم وضعه في الماء لمدة ساعتين أو أكثر ومن ثم يلف بقطعة من الخيش حتى يصبح أكثر ليونة ورطوبة الأمر الذي من شانه أن يمنع انكساره.
وذكرت أم العبد انه بإمكان المرأة التي تقوم بصناعة الصواني أو الأواني القشية أن تُدخل بعض الألوان من الخيوط البلاستيكية من اجل إضفاء مزيدا من الجمال على الشكل المصنوع".
ذكريات بطعم الفن!!
وبينما كانت أم العبد تواصل ثني القش على الطاولة البلاستيكية، كانت هناك امرأة أخرى تهذب بعضه، وتخلل الحديث عن هذه الصناعة ذكريات أيام زمان عندما كانت جميع النساء يجدن هذا النوع من الصناعة بشكل تلقائي.
وفي أقل من ساعة بدأت دوائر القش الجيد المثني فوق حزمة رقيقة من القش الرديء تتكور بشكل حلزوني شيئاً فشيئاً.
وبدت الصينية التي تسعى رشيد لإكمالها تأخذ شكلاً أكثر جاذبية ووضوحاً، وتزداد الدوائر سمكاً كلما اتسع قطر الصينية الذي لا يتجاوز متراً للصينية الكبيرة.
وعن القيمة الاقتصادية والمادية التي تجنيها العاملة في صناعة الإشكال القشية تقول رشيد :" أن الفائدة المادية التي تجنيها المرأة مقابل صنع الصينية القشية متواضعة ، ولكنها يمكن أن تساهم بشكل لا بأس في تحسين الظروف الحياتية للعائلة والفرد ،وأضافت :" على سبيل المثال فان الصينية القشية لا تكلف المال ولكنها تكلف الجهد و الوقت الكبير وهذا يعني بان المرأة تسعى إلى الكسب المعقول بعيدا عن الاستغلال ، فعلى سبيل المثال يمكن أن يبلغ ثمن كل صينية 40 شيقل (الدولار 4 شواقل) ويزداد السعر كلما كانت اكبر أو أجمل ".
وتقول رشيد ان المرأة يمكن لها أن تنتج خلال شهر واحد حوالي 5 صواني قشية بمعنى أنها يمكن أن تكسب ما قيمته 200 شيقل ، الأمر الذي من شانه أن يساهم في تحسين الوضع المالي ولو بصورة بسيطة .
فلسطيني بامتياز !!
ومع وجود هذه المنتجات والمقتنيات التراثية، يشعر الإنسان بأنه فلسطيني بامتياز،ولذلك تعمل المراكز النسوية الفلسطينية على الحفاظ على تلك الصناعة ، وتقول ربحية بني عودة مديرة احد المراكز النسوية أن العاملات في المركز يعقدن العديد من الدورات التي حاضرت فيها الخبيرات بالعديد من الفتيات.
وتشير بني عودة إلى إن 10 عضوات من أصل 400 يتقن صناعة القش بشكل متوارث عن الأمهات.
وهكذا إذا بدأت الواحدة منهن في صنع صينية في الصباح فإنها في المساء تكون على موعد مع صينية مكتملة بلون ذهبي.