بسم الله الرحمن الرحيم
ما ورد من أحاديث عن بيت المقدس، وبناء المسجد الأقصى
لقد جمع لنا ابن الجوزي -رحمه الله- الأحاديث التي وردت نقلاً عن الثقاة الأئمة، حسب قوله، الذين جمعوا الحديث ووثّقوه صحيحاً عن رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام بما يخص المسجد الأقصى المبارك، وبيت المقدس.
ونحن إذ ننقلها، نرجو أولاً أن تنفع الناس، ثم نترك أمر التوثيق والتصحيح للمختصين بعلم الحديث لأننا نعتقد أنّ الكثير من الأحاديث وصلتنا بالتواتر، والله أعلم.
ونحن في مساعينا هذه نسأل الله أنْ يهدينا طريق الصواب ويعلمنا من علمه، وهو وحده من وراء القصد..
يقول ابن الجوزي:
روى البخاري -رحمه الله ورضي عنه- في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله أيّ مسجد وضع في الأرض أول. قال: المسجد الحرام. قال: قلت: ثم أيّ? قال: المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما? قال: أربعين سنة ثم أينما أدركتك الصلاة فصلّ، فإنّ الفضل فيه". هكذا نقله "ابن الجوزي" من البخاري.
روى الحافظ في كتابه المستقصى بسندٍ من أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول? قال: المسجد الحرام قلت: ثم أي? قال: المسجد الأقصى قلت: كم كان بينهما? قال: أربعين سنة. ثم قال: أينما أدركتك الصلاة فصلّ فهو مسجد". ثم قال ابن الجوزي: هذا حديث صحيح في الصحيحين، وأخرجه النسائي والقزويني نقلته من باب أي مسجد وضع في الأرض أول من باب فضائل بيت المقدس.
يروى ابن الجوزي بعد ذلك في باب بناء بيت المقدس على أساسٍ قديم قال: "والأساس الذي أسسه سام بن نوح عليهما السلام ثم بناه داود وسليمان عليهما السلام على ذلك الأساس، قلت (والحديث لابن الجوزي): وقد يقال ينبغي أنْ يكون الذي أسسه سام عليه السلام على بناء القبلة الحديث المقدم فإنه رُوِي عن الأزرقي عن مجاهد -رضي الله عنهما- قال: لقد خلق الله الأرض بألفي عام، وإنّ قواعده في الأرض السابعة السفلى. ثم رُوِي عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أنّ البيت الحرام من بناء الملائكة عليهم السلام.
ثم روى عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّ آدم -عليه السلام- أول من أسّس وصلّى فيه وطاف به، ثم درس موضع البيت من الطوفان حتى بعث الله إبراهيم وإسماعيل فرفعا قواعده، وإذا كان الأمر كذلك وكان بينه وبين المسجد الأقصى أربعون سنة، كان ابتداءً المسجد الأقصى قبل سام عليه السلام، فإنّه قال في كتاب المغني في غريب المهذّب أنّه كان بين آدم ونوح عليهما السلام ألف ومائة سنة، ونبّه الإمام الخطابي في كتاب الأعلام، على أنّ من بنى المسجد بعض أولياء الله تعالى قبل داود وسليمان عليهما السلام، ثم بناه داود وسليمان وزادا قبة ووسعاه فأضيف بناؤه إليهما..
وعن ميمونة -رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله: أفتنا في بيت المقدس. قال: أرض المنشر والمحشر ائتوه فصلّوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة. قالت: أرأيت إنْ لم نطقْ نتحمل إليه ونأتيه، قال: فليهد إليه زيتاً يسرج في قناديله فإنّه من يهدي إليه كان كمن صلّى فيه. أخرجه القزويني من باب إسراج بيت المقدس.
وعن كعب رضي الله عنه: لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس وضع القربان في رحبة المسجد ثم قام على الصخرة ثم قال بعد ثناءٍ وحمد: اللهم إني أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال: أن لا يدخل إليه مذنب لم يتعمّده إلا لطلب التوبة أنْ تتقبل منه وتتوب عليه وتغفر له، ولا يدخل إليه خائف لم يتعمّده إلا لطلب الاستشفاء أنْ تشفى له وأن لا تعرض بصرك عمّنْ دخله حتى يخرج منه، اللهم إنْ أجيبت دعوتي وأعطيتني مسألتي فاجعل علامة ذلك أنْ تقبل قرباناً، فنزلت نار من السماء فاحتملت القربان فصعدت به إلى السماء (نقله ابن الجوزي كما يقول من آخر باب بناء سليمان بيت المقدس).
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لما بنى سليمان بيت المقدس سأل ربه ثلاثاً فأعطاه اثنتين وأنا أرجو أنْ يكون قد أعطاه. سأله حكماً يوافق حكمه وسأله ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده فأعطاه ذلك وسأله أنْ لا يأتي أحدٌ هذا البيت يصلّي فيه ليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وأنا أرجو أنْ يكون قد أعطاه ذلك. وعنه أيضاً أنّه قال: إنّ سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس قرب قرباناً فتقبل منه ودعا الله دعواتٍ منهن، قال: اللهم إنما عبد مؤمن بك زارك في هذا البيت نائباً إليك، إنما جاء يتنصل من ذنوبه وخطاياه، أنْ تتقبل منه وتنزله من خطاياه كيوم ولدته أمه. وفي رواية: تنزعه من خطاياه.
وفي رواية أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنّ سليمان ابن داود عليهما السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس سأل الله عز وجل حكماً وملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده ولا يأتي هذا أحدٌ لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمّا اثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أنْ يكون قد أعطى الثالثة. "رواه النسائي وابن ماجه".
وعن أبي العوام -رضي الله عنه- أنه قال: لما فرغ نبي الله سليمان من بناء بيت المقدس ذبح ثلاثة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة ثم قال: اللهم من أتاه من ذي ذنب فاغفر له ذنبه أو ذي ضر فاكشف ضره. قال: فلا يأتيه أحد إلا أصاب من دعوة سليمان خيراً كثيراً. "وهذا حديث نقله ابن الجوزي من باب دعاء سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء المقدس".
وعن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: قلنا يا رسول الله: كيف أُسرِيَ بك? قال: صليت بأصحابي صلاة الغمّة بمكة معتماً فأتاني جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل، فقال اركب فاستصحبني عليها فقادها بأذنها وحملني عليها ثم انطلقت تهوي، يقع حافرها حيث أدرك طوقها حتى بلغنا أرضاً ذات نخلٍ فأنزلني، فقال: صلّ فصليت ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت? قلت: لا أعلم. قال: صليت بيثرب صليت بطيبة. قال: فانطلقت تهوي، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضاً فقال: انزلْ فصلّ فنزلت، ثم قال: صلّى فصليت، ثم قال: أتدري أين صليت، قلت: الله أعلم، قال: صليت بمدين صليت عند شجرة موسى عليه السلام، ثم انطلقت تهوى بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم بلغنا أرضاً بدت لنا قصورها فقال: أنزل فنزلت قال: صلّى فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت. قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام، ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليمانيّ فأتى قبلة المسجد فربط دابته فيه ثم دخلنا المسجد من بابٍ فيه تمثيل الشمس والقمر فصليت في المسجد حيث شاء الله تعالى وأخذ مني العطش أشدّ ما أخذني فأوتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر أرسل إليّ بهما جميعاً فعدلت بينهما، ثم هداني الله -عز وجل- فأخذت اللبن فشربت منه، ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي فيه المدينة، فإذا جهنم تنكشف عن مثل الروابي. قال: قلت يا رسول الله كيف? قال: مثل الحمة السخنة ثم انصرف بي فمررْنا بعيرٍ لقريش بمكانٍ كذا قد أحلّوا بعيراً لهم قد جمعه فلان فسلّمت عليهم، فقال بعضهم هذا صوت محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم أتيت أصحابي، قبلة الصبح، فأتاني أبو بكر. فقال: أين كنت الليلة فقد التمستك في مقامك فقال: اعلم أنّي أتيت المقدس الليلة، فقال يا رسول الله: إنّه سبين، فصفه لي قال ففتح لي صراطاً كأنّي أنظر إليه لا أسأله عن شيء إلا أنبأني به. قال أبو بكر رضي الله عنه: أشهد أنّك رسول الله. فقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنّه ذهب إلى بيت المقدس الليلة قال: فقال إنّي سرى بي ما أقول لكم إني مررت بعيرٍ لكم في مكان كذا وكذا وقد أضلوا بعيراً فجمعه فلان وإنّ مسيرهم بكذا ثم كذا ولاقوكم بكذا يقدمهم جمل أدم عليه مسخ أسود وغدارتان سوداوتان، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينتظرون حتى كان قريب من نصف النهار أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول ابن الجوزي: كذا رأيته في رواية البيهقي ثم عقبه هذا الإسناد صحيح، ورأيت هذا الحديث في كتاب فضل الخيل منقولاً عن رواية الطبري وغيره وفيه بدابة بيضاء من غير شك وفيه أولاً حتى بلغنا أرضاً ذات نخل فقال: أنزلت فنزلت ثم قال صلّى فصليت ثم فيه بعد قوله: أدرك طرفها حتى بلغنا أرضا بيضاء فقال: أنزل فنزلت ثم قال: صلى فصليت وفيه: ثم مررنا بأرض بدت لنا قصورها فقال: أنزل ونزلت به، قال: صلى فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت، قلت: الله أعلم، قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى ابن مريم عليه السلام. والله تعالى أعلم.