بقلم: أ. محمد القيق
مما لا شك فيه أن عقارب الساعة تمر ومعها مواقف وأحداث، فقد تتوقف حياة الإنسان الطبيعية عند الاعتقال، ليبدأ حياة جديدة لها مكوناتها ومحدداتها وأجندتها.. بينما تبقى الأحداث في العالم الخارجي تسير متسلسلة, اسرد لكم ما في ذاكرتي عندما كنت اسيرا في ذكرى الحرب.
هذا ما حدث مع أسرى الكرامة والحرية في كل السجون عندما بدأت الحرب على غزة، يشار هنا إلى أن عددا كبيرا من الأسرى وخاصة ممن أمضوا سنوات طوال في سجون الاحتلال مرت عليهم أحداث ومحطات عالمية من حروب وانتخابات وكوارث وهم في زنازينهم، وحرب غزة لها مساحة واسعة في نفوس الأسرى، حيث أنهم الذين أشعلوا الانتفاضة وهم أصحاب الردود القسامية والمقاومة التي زلزلت أركان المحتل في كل المدن الصهيونية، فلم يعتادوا أن يلتزموا الصمت أو يتقيدوا والدم الفلسطيني ينزف، فكانت حرب غزة كأنها صخرة على صدورهم لعدم تمكنهم من الخروج والانتقام.
عندما انتهى الأسرى من صلاة الظهر في الساحة في سجن النقب يوم السابع والعشرين من كانون الاول للعام الفين وثمانية، وللتوضيح فإن الأسرى في كل سجون الاحتلال يقيمون الصلاة في غرفهم، وكل غرفة تتسع لعشرة أو ثمانية أسرى، أما في سجن النقب الصحراوي حيث الخيام والكرفانات وكذلك عوفر فإن الأسرى يصلون في الساحة.. عادوا إلى الغرف والخيام فإذا بشاشات التلفاز تملؤها الأخبار العاجلة وصور الشهداء على الأرض، وهناك ترى في عيون كل أسير قصة وحكاية وهدف، ترى الحسرة على الوجوه حقداً على القيود، ترى في الساحات من يبكي ليس خوفاً وإنما حقدا من جهة ومن أخرى حزناً على حاله لعدم وجوده خارج السجن ليمارس دوره المقاوم.
نعم أنت تتحدث عن أبطال العمليات والأحزمة والعبوات، أولئك من حملوا أرواحهم على أكفهم، هم من يخافهم الاحتلال، دوت الهتفات والتكبيرات في ساحات السجون، أعلنت الإضرابات عن الطعام، بدأت فعاليات النصرة عبر صيام أيام البيعة وقيام الليل الذي كان يبدأ من الواحدة ليلا حتى الفجر، يتخلله الدعاء والبكاء وقراءة القرآن.. (يا رب اللهم نصرا مؤزرا من عندك للمجاهدين) (يا رب إن هذا يوم الفرقان أرنا في الأعداء بأسك يا الله)..
وعبر الأشياك وخلفها الكلاب المدربة مع قوات وحراس السجون، يخرج صوت الأسرى عبر البيانات إلى الإعلام.. مطالبين العالم بوقف المجزرة ضد شعب يريد الحرية.
واستمرت حال الأسرى طيلة أيام الحرب من قناة إلى أخرى على التلفاز، يفرحون تارة بعملية قنص وقتل جنود ويكحلون أعينهم بتصوير يصدر عن القسام للإعلام حول العمليات، ويبكون تارة أخرى لسماعهم نبأ استشهاد نزار ريان وصيام وغيرهم من قادة العز.
يتألمون لواقع تفاعل مدن الضفة وتأخر انطلاقة انتفاضة الغضب ضد الظلم والعدوان..
يسخرون من موقف ممن نصبوا أنفسهم أولات الأمر في الدول العربية والإسلامية ولسان حالهم' وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون'.. حسبنا الله ونعم الوكيل.