موضوع: شرح حديث.... "لا يشاد الدين أحد إلا غلبه..." الأربعاء أبريل 14, 2010 7:04 pm
شرح حديث.... "لا يشاد الدين أحد إلا غلبه..." ==============================================
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ )رواه البخاري (39) ومسلم (2816)
======================================= قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : " معنى الحديث : النهي عن التشديد في الدين بأن يحمِّل الإنسان نفسه من العبادة ما لا يحتمله إلا بكلفة شديدة وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) يعني : أن الدين لا يؤخذ بالمغالبة ، فمن شاد الدين غلبه وقطعه . وفي " مسند الإمام أحمد " – (5/32) وحسنه محققو المسند - عن محجن بن الأدرع قال : ( أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بباب المسجد إذا رجل يصلي قال : " أتقوله صادقا " ؟ قلت : يا نبي الله هذا فلان وهذا من أحسن أهل المدينة أو من أكثر أهل المدينة صلاة قال : " لا تسمعه فتهلكه - مرتين أو ثلاث - إنكم أمة أريد بكم اليسر ) وفي رواية له : ( إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره ) " مسند أحمد " (3/479) وحسنه المحققون -. وقد جاء في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا : ( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، ولا تُبَغِّض إلى نفسك عبادة الله فإن المُنْبَتَّ لا سفرا قطع ، ولا ظهرا أبقى ) – " السنن الكبرى " البيهقي (3/19) وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (1/64) - والمُنْبَتُّ : هو المنقطع في سفره قبل وصوله ، فلا سفرا قطع ولا ظهره الذي يسير عليه أبقى حتى يمكنه السير عليه بعد ذلك بل هو كالمنقطع في المفاوز ، فهو إلى الهلاك أقرب ولو أنه رفق براحلته واقتصد في سيره عليها لقطعت به سفره وبلغ إلى المنزل " انتهى باختصار. " فتح الباري " لابن رجب (1/136-139) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب . ====================================================
قال ابن المنير : في هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع . وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة ، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة أو إلى أن خرج الوقت المختار أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة " انتهى. " فتح الباري " لابن حجر (1/94)
====================================== ويقول العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله : " ما أعظم هذا الحديث وأجمعه للخير والوصايا النافعة والأصول الجامعة فقد أسّس صلّى الله عليه وسلم في أوله هذا الأصل الكبير فقال: ( إن الدين يسر ) أي : ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه وأعماله وفي أفعاله وتُروكه : فإن عقائده التي ترجع إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشره : هي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب وتوصِّل مقتديها إلى أجلِّ غاية وأفضل مطلوب . وأخلاقه وأعماله أكمل الأخلاق وأصلح الأعمال بها صلاح الدين والدنيا والآخرة ، وبفواتها يفوت الصلاح كله وهي كلها ميسرة مسهلة كل مكلف يرى نفسه قادراً عليها لا تشق عليه ولا تكلفه . عقائده صحيحة بسيطة ، تقبلها العقول السليمة ، والفطر المستقيمة . وفرائضه أسهل شيء :
أما الصلوات الخمس : فإنها تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات في أوقات مناسبة لها وتمم اللطيف الخبير سهولتها بإيجاب الجماعة والاجتماع لها فإن الاجتماع في العبادات من المنشطات والمسهلات لها ورتب عليها من خير الدين وصلاح الإيمان وثواب الله العاجل والآجل ما يوجب للمؤمن أن يستحليها ، ويحمد الله على فرضه لها على العباد إذ لا غنى لهم عنها . وأما الزكاة : فإنها لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي وإنما تجب على الأغنياء تتميماً لدينهم وإسلامهم وتنمية لأموالهموأخلاقهم ، ودفعاً للآفات عنهم وعن أموالهم وتطهيراً لهم من السيئات ، ومواساة لمحاويجهم ، وقياماً لمصالحهم الكلية وهي مع ذلك جزءٌ يسير جداً بالنسبة إلى ما أعطاهم الله من المال والرزق . وأما الصيام : فإن المفروض شهر واحد من كل عام ، يجتمع فيه المسلمون كلهم فيتركون فيه شهواتهم الأصلية - من طعام وشراب ونكاح - في النهار ويعوضهم الله على ذلك من فضله وإحسانه تتميم دينهم وإيمانهم وزيادة كمالهم ، وأجره العظيم ، وبره العميم وغير ذلك مما رتبه على الصيام من الخير الكثير ويكون سبباً لحصول التقوى التي ترجع إلى فعل الخيرات كلها وترك المنكرات .
وأما الحج : فإن الله لم يفرضه إلا على المستطيع ، وفي العمر مرة واحدة وفيه من المنافع الكثيرة الدينية والدنيوية ما لا يمكن تعداده قال تعالى: ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ )الحجّ/28
أي: دينية ودنيوية. ثم بعد ذلك بقية شرائع الإسلام التي هي في غاية السهولة الراجعة لأداء حق الله وحق عباده . فهي في نفسها ميسرة قال تعالى : ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/185 ومع ذلك إذا عرض للعبد عارض مرض أو سفر أو غيرهما رتب على ذلك من التخفيفات ، وسقوط بعض الواجبات أو صفاتها وهيئتها ما هو معروف . ثم إذا نظر العبد إلى الأعمال الموظفة على العباد في اليوم والليلة المتنوعة من فرض ونفل وصلاة وصيام وصدقة وغيرها وأراد أن يقتدي فيها بأكمل الخلق وإمامهم محمد صلّى الله عليه وسلم رأى ذلك غير شاق عليه ، ولا مانع له عن مصالح دنياه بل يتمكن معه من أداء الحقوق كلها : حقّ الله ، وحقّ النفس وحقّ الأهل والأصحاب ، وحقّ كلّ من له حقّ على الإنسان برفق وسهولة . وأما من شدد على نفسه فلم يكتف بما اكتفى به النبي صلّى الله عليه وسلم ولا بما علَّمه للأمة وأرشدهم إليه بل غلا وأوغل في العبادات : فإن الدين يغلبه ، وآخر أمره العجز والانقطاع ولهذا قال : ( ولن يَشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه ) فمن قاوم هذا الدين بشدة وغلو ولم يقتصد : غلبه الدين واستحسر ، ورجع القهقرى . ولهذا أمر صلّى الله عليه وسلم بالقصد ، وحثّ عليه فقال : ( والقصد القصد تبلغوا )ثم وصى صلّى الله عليه وسلم بالتسديد والمقاربةوتقوية النفوس بالبشارة بالخير، وعدم اليأس.
فالتسديد: أن يقول الإنسان القول السديد ويعمل العمل السديد ، ويسلك الطريق الرشيد وهو الإصابة في أقواله وأفعاله من كل وجه فإن لم يدرك السداد من كل وجه فليتق الله ما استطاع وليقارب الغرض ، فمن لم يدرك الصواب كله فليكتف بالمقاربة ومن عجز عن العمل كله فليعمل منه ما يستطيعه . ويؤخذ من هذا أصل نافع دلّ عليه أيضاً قوله تعالى : " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 وقوله صلّى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ) والمسائل المبنية على هذا الأصل لا تنحصر . وفي حديث آخر يسِّروا ، ولا تعسروا ، وبَشِّروا ، ولا تنفروا ) . ثم ختم الحديث بوصية خفيفة على النفوس وهي في غاية النفع فقال : ( واستعينوا بالغدوة والروحة ، وشيء من الدُّلجة ) وهذه الأوقات الثلاثة كما أنها السبب الوحيد لقطع المسافات القريبة والبعيدة في الأسفار الحسِّية ، مع راحة المسافر وراحة راحلته ، ووصوله براحة وسهولة فهي السبب الوحيد لقطع السفر الأخروي وسلوك الصراط المستقيم ، والسير إلى الله سيراً جميلاً فمتى أخذ العامل نفسه ، وشغلها بالخير والأعمال الصالحة المناسبة لوقته - أوّل نهاره وآخر نهاره وشيئاً من ليله ، وخصوصاً آخر الليل - حصل له من الخير ومن الباقيات الصالحات أكمل حظ وأوفر نصيب ونال السعادة والفوز والفلاح وتم له النجاح في راحة وطمأنينة مع حصول مقاصده الدنيوية ، وأغراضه النفسية . وهذا من أكبر الأدلة على رحمة الله بعباده بهذا الدين الذي هو مادة السعادة الأبدية إذ نصبه لعباده ، وأوضحه على ألسنة رسله وجعله ميسراً مسهلاً ، وأعان عليه من كل وجه ولطف بالعاملين ، وحفظهم من القواطع والعوائق .
فعلمت بهذا : أنه يؤخذ من هذا الحديث العظيم عدة قواعد :
القاعدة الأولى : التيسير الشامل للشريعة على وجه العموم . القاعدة الثانية : المشقة تجلب التيسير وقت حصولها . القاعدة الثالثة : إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم. القاعدة الرابعة : تنشيط أهل الأعمال ، وتبشيرهم بالخير والثواب المرتب على الأعمال . القاعدة الخامسة : الوصية الجامعة في كيفية السير والسلوك إلى الله التي تغني عن كل شيء ولا يغني عنها شيء .
فصلوات الله وسلامه على من أوتي جوامع الكلم ونوافعها " انتهى. ================================= " بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار " (ص/77-80) والله أعلم .
مقبول حسون الادارة
عدد المساهمات : 2413 تاريخ التسجيل : 08/12/2009
موضوع: رد: شرح حديث.... "لا يشاد الدين أحد إلا غلبه..." الجمعة أبريل 16, 2010 7:59 am
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين . أيها الإخوة الكرام : يقول الله عز وجل في سورة المائدة :
( سورة المائدة : الآية 77)
الحقيقة أتباع الأديان أمامهم منزلق خطير ، ألا وهو الغلو في الدين ، الغلو في الدين آفة الدين ، والغلو في الدين يعطي الطرف الآخر تشبثاً بكفرهم ، والغلو في الدين يحول بين الدين وانتشاره بين الناس ، فلذلك ربنا عز وجل يخاطب أهل الكتاب فينهاهم عن الغلو في الدين .
الغلو في الدين أنواع : يمكن أن يكون الغلو اعتقادياً ، أن تعتقد أن أحد فروع الدين هو الدين كله ، وأن تزدري الفروع الأخرى ، فهذا غلو من شأنه أن يشق صفوف الأمة ، قال تعالى :
( سورة الأنعام : الآية 159)
ولا تكن من الذين أشركوا وفرقوا دينهم ، وكانوا شيعاً ، معنى ذلك حينما تأخذ جزئية أو فرعاً وتجعله أصلاً ، وتقاتل من أجله فقد شققت صفوف المسلمين ، هذا نوع من الغلو .
غلو آخر : التعصب إلى جماعة ، وازدراء الجماعات الأخرى ، هذا غلو أيضاً .
غلو ثالث : التعصب لإنسان ، وازدراء بقية الدعاة ، هذا غلو ثالث .
فالغلو في الدين يعطي عكس الذي تريده ، الغلو في الدين يحول دون انتشار الدين ، والغلو في الدين يمنع الطرف الآخر أن يؤمن بهذا الدين .
لذلك أيها الإخوة : تكاد الآية الكريمة التي نصها :
( سورة يونس : الآية 85)
أي غلو المسلم في دينه يجعل الكافر يتشبث بكفره ، ويتمسك بكفره ، ويعتقد صواب رأيه ، إذاً نعوذ بالله من الغلو في الدين ، فالتعصب والتشدد يساوي التفلت والتساهل ، وكلاهما واحد، فإما أن تغلو نحو تشدد غير المعقول ، وإما أن تغلو نحو تساهل غير المعقول ، أما الوسطية التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام فهي الصواب ، هذا الذي أهمل أهله ، ولم يلتفت إليهم ، وعكف على عبادة الله عز وجل ، فلما دخلت زوجته على السيدة عائشة رأتها بهيئة مزرية ، فلما سألتها عن حالها قالت : إن زوجي صوام قوام ، فالنبي استدعاه قال له : يا عثمان أليس لك بي أسوة ؟ أنا قدوتك ، النبي عليه الصلاة والسلام يعطي كل ذي حق حقه .
فالغلو في الدين هو الذي دمر الدين ، ثم الحركة من دون دليل شرعي ، صار الدين عرضة للأهواء ، كل شخص يزعم أنه رأس جماعة ، ويعطي توجيهات تخالف الكتاب والسنة ، تخالف منهج الله عز وجل ، في أمور أخرى في الدنيا كل شخص له رأي ، أما أمور الدين لا يمكن أن تقبل من دون دليل ، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، فهذه الآية أصل أيها الإخوة في الصواب ، لا تغلو في دينكم ، لا غلوًا اعتقاديًا ، و لا غلوًّا عمليًا ، أي هذا الذي يمضي ساعة يتوضأ فيها ، هذا غلو في الدين ، هذا الذي من أجل أن يقبل الحجر يؤذي المسلمين ، هذا غلو في الدين ، عندنا غلو اعتقادي ، وعندنا غلو عملي تطبيقي ، و عندنا غلو بمعنى التعصب نحو جماعة معينة ، أو الغلو بمعنى التعصب باتجاه إنسان معين .
فالمسلمون جميعاً أمة واحدة ، المسلمون جميعاً تتكافأ ذممهم ، ويرعاهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم ، وحربهم واحدة ، و واحدة ، فأي شيء يشق صفوف المسلمين ، ويجعل المسلمين شيعاً وفرقاً وطوائف وأحزاباً ، ويكون بأسهم بينهم ، هذا من الغلو في الدين ، لا تغلو في دينكم غير الحق ، إذاً يوجد تمسك بالحق ، أنا أتمسك بالحق ، لكن لا أغلو غير الحق، التمسك بالحق أن تطبق ما جاء في الوحيين الكتاب والسنة ، أما الغلو فأن تنتقي انتقاء جزئياً لمقولة ، وتجعلها أصلاً في الدين ، وتقاتل من أجلها ، فهذا توجيه لأهل الكتاب وللمسلمين أيضاً، وقد قال عليه الصلاة و السلام : ((إن المنبت لا أرضى القطع و لا ظهراً أبقى)) .
المتشدد أحياناً لا يحقق الهدف .
يقول عليه الصلاة و السلام : (( أشدكم لله خشية أنا ، أنام و أقوم ، أصوم و افطر ، أتزوج النساء ، آكل اللحم ، هذه سنتي فمن رغب عنها فليس من أمتي)) .
ولا تزايد على النبي e ، هو في أعلى مقام عند الله عز وجل ، وكان متوازناً في حياته ، كان يقول : ((الهوا ، وامرحوا ، فإني أكره أن أرى في دينكم غلظة )) .
( الترمذي ، أبو داود ، النسائي ، ابن ماجه ، أحمد )
أحياناً يعتزل الإنسان الناس ، ويعتزل العمل ، ويهمل عمله ، ويضيع أسرته من أجل أن يؤدي الواجبات الدينية بدرجة يتجاوز بها الحد المعقول ، هذا غلو في الدين .
هناك غلو بالعبادات ، وغلو في المعاملات أحياناً ، ينسى فرائضه من أجل علاقاته الاجتماعية ، هذا غلو في المعاملات ، هناك غلو في الأشخاص ، وغلو في الجماعات ، يوجد غلو في فرع من فروع الدين ، يوجد غلو في جزئية من جزئيات الدين ، الغلو مجاوزة الحد ، فلابد من التوازن ، وأنا أقول دائماً أيها الإخوة : في بالإسلام ثلاث كليات ، كلية معرفية ، وكلية سلوكية ، وكلية جمالية ، هناك من يعتمد على الناحية الجمالية ، في الدين أحوال ، ومشاعر ، ولا يعنيه من الدين إلا أحواله مع الله عز وجل ، لكن لا يستطيع أن ينطق بكلمة ، وهو كلٌ على مولاه ، عبء على الآخرين ، وإنسان آخر متبحر في العلم بدرجة رائعة ، لكن عباداته ضعيفة ، وإنسان ثالث أعماله جليلة ، لكن علمه ضعيف ، إنسان أحواله ضعيفة علمه قوي ، الخطوط الثلاثة خط طلب العلم ، وخط العمل ، وخط الاستمتاع ، الناحية الجمالية ، يجب أن نتحرك على الخطوط الثلاثة معاً ، عندئذ نتفوق ، كان عليه الصلاة والسلام قد ربى أصحابه ، فلما رآهم قبل أن يتوفاه الله ابتسم حتى بدت نواجذه ، وقال : ((علماء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء)) ، ورباهم فكانوا رهباناً في الليل ، فرساناً في النهار ، ورباهم على عزة النفس ، قال الأنصاري للمهاجر : ((دونك بستان من هاذين البستانين ، دونك دكان من هاذين الدكانين)) ، فماذا كان موقف المهاجر ؟ بارك الله في مالك ، ولكن دلني على السوق ، بقدر ما كان الأنصاري سموحًا ، وسخيًا ، بقدر ما كان المهاجر عفيفًا ، والحقيقة كما قال عليه الصلاة والسلام : ((إن الله اختارني واختار لي أصحابي )) .
الإسلام أيها الإخوة مثلث في أربع قطع ، القطعة العليا القرآن ، والثانية السنة ، والثالثة السيرة ، والرابعة سير الصحابة ، فكل واحد من المؤمنين إلى آخر الزمان يجد في تاريخ الصحابة من يكون قدوة له ، فنحن يجب أن نأخذ الدين بعلمه وبالتزامه وبأحواله ، لا أن نكتفي بواحدة ، إذا اكتفينا بواحدة اختلف شكلنا ، إنسان رأسه كبير ، وجسمه صغير ، هذا إنسان مشوه ، إنسان بطنه كبير ، ورأسه كبير ، إنسان مشوه ، إنسان أقدامه عملاقة ، وجسمه صغير ، لابد من التناسق ، فحينما نتحرك بخط طلب العلم ، وبخط التمسك السلوكي ، وبخط الإقبال على الله عز وجل نكون قد حققنا وسطية الدين ، وشمولية الدين ، وعندئذ يغدو الدين دين الحياة ، ويغدو الدين دين الواقع ، ويغدو الدين دين الفطرة ، عندئذ لا تنمو المادة على حساب الروح ، ولا القيم على المصالح ، ولا تنمو الدنيا على حساب الآخرة ، ولا تنمو الآخرة على حساب الدنيا ، هذا التوازن الذي يحتاجه المسلمون اليوم ، إنسان ممكن أن تكفره لأنه يلبس بنطالا ، معقول ، اليوم سمعت هذه القصة ، كفّره لأنه يرتدي البنطال ، مع أن هناك أحكامًا فقهية كثيرة متعلقة بالبيئة والعادات ما لم تخالف الضوابط الشرعية في ستر العورة .
أحياناً تقيّم الإنسان من جزئية صغيرة جداً ، وتنسى إنجازه الكبير ، هذا غلو في الدين، لذلك الغلو دائماً يقابَل بغلو ، ويكاد التاريخ الإسلامي يكون غلواً يواجه غلواً آخر ، لكن المنهج الوسطي الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يجمع بين العلم والعمل والاتصال بالله عز وجل ، هذا هو المنهج الصحيح الذي كان عليه أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ، وإذا قلت : فلان من أهل السنة والجماعة ، بمعنى مما أجمع الصحابة الكرام على أنه صواب ، هذا الذي أتمناه في هذا اللقاء الطيب إن شاء الله .
(سورة المائدة : الآية 77)
والمسلمون دائماً مهيؤون إلى أن يقعوا في غلو مشابه لغلو أهل الكتاب ، هل تصدقون قبل خمسين عاما لا يجوز أن يتزوج شافعي من حنفي ، ولا يجوز أن يقتدي حنفي بشافعي ، جاءني اتصال هاتفي من مدينة في الشمال :يجوز أن أصلي وراء شافعي ، يا أستاذ أنا حنفي ، قلت للسائل :هذا من عصور تخلف المسلمين ، أنت مسلم ، وكفى صل وراء أي إمام .